آخر الأخبار
الزيوت الجفوفة
زيوت جفوفه
Siccative oils - Huiles siccatives
الزيوت الجفوفة
الزيوت الجفوفة siccative oils هي التي تتمتع بالقدرة على الجفاف السريع في الضوء وبوجود الهواء، وخاصة إذا كانت ممتدة طبقة رقيقة فتعطي غشاءً صلباً مرناً متماسكاً نتيجة تفاعل أكسجين الهواء الجوي مع الروابط المضاعفة التي تحويها سلاسل الحموض الدسمة، ويعرف هذا التفاعل باسم الأكسدة الذاتية. ويزداد وزن الزيت عند جفافه بنسبة تراوح بين 11ـ18% من وزنه الأول وذلك تبعاً لنوعيته ومواصفاته. وهذه الزيوت ذات منشأ نباتي أو حيواني بحري وتتكون، مثل جميع أنواع الزيوت النباتية، من الغليسيريدات الثلاثية الناتجة من اتحاد ثلاث جزيئات من الحموض الدسمة مع الغليسيرين. وهذه الغليسيريدات غنية جدا بحمض اللينوليئيك C18H32O2 وحمض اللينولينيك C18H30O2 وفقيرة بالحموض الدسمة المشبعة (3ـ9%) التي أهمها حمض النخل palmitic (C16H32O2) وحمض الشحم الستياريك C18H36O2 وتحتوي على نسب بسيطة من حمض الزيت oleic (C18H34O2) تراوح بين 10ـ20%، كما تحتوي الزيوت الجفوفة الخام على نسب متفاوتة من المواد غير الغليسيريدية تراوح نسبتها بين 1ـ4% وتُزال أغلب هذه المواد في مراحل معالجة الزيت الخام.
تصنيف الزيوت
تحدِّد البنية الكيمياوية للحموض الدسمة في الغليسيريدات الثلاثية خواص هذه الزيوت، وإن لعدد الروابط المضاعفة في سلاسل الحموض الدسمة تأثيراً كبيراً على خواص الزيت. وتقسم الزيوت حسب قدرتها على التغير في الهواء تبعاً لعدد الروابط المضاعفة الموجودة في سلاسل الحموض الدسمة، أي بناء على قرينة اليود للزيت، إلى ثلاث مجموعات. يعرف رقم اليود (قرينة اليود) بعدد غرامات اليود القادرة على التفاعل مع الروابط المضاعفة الموجودة في 100غرام زيت فهناك:
ـ زيوت غير جفوفة non drying oils رقم اليود لهذه الزيوت أقل من 110.
ـ زيوت نصف جفوفة semi-drying oils قرينة اليود لهذه الزيوت بين 110ـ145.
ـ زيوت جفوفة drying oils قرينة اليود لهذه الزيوت أعلى من 145.
تصنيف الزيوت الجفوفة
كلما ارتفع رقم اليود للزيت الجفوف كانت نوعية الزيت أفضل وقدرته على سرعة الجفاف أعلى، وتحتوي الزيوت الجفوفة على نسب مرتفعة جداً من حمض اللينوليئيك وحمض اللينولينيك، وتستخدم الزيوت الجفوفة للأغراض الصناعية المختلفة.
تقسم الزيوت الجفوفة حسب سرعة جفافها في الضوء وبوجود الهواء أي حسب الرقم اليودي إلى ثلاثة أنواع:
ـ زيوت بطيئة الجفاف light drying oil : لهذه الزيوت رقم يودي بين 145ـ165.
ـ زيوت متوسطة الجفاف medium drying oil: لهذه الزيوت رقم يودي بين165ـ185.
ـ زيوت سريعة الجفاف fast drying oil أو quick drying oil: لهذه الزيوت رقم يودي بين 185ـ220.
هناك ما يسمى دليل الجفاف للزيت drying index وهو رقم يعبر عن سرعة جفاف الزيت، وبتعبير آخر نسب حمض اللينوليئيك وحمض اللينولينيك ويحسب على النحو الآتي:
| ||||||||||||||||||||||||||||||
الجدول رقم (1) قيم رقم اليود ودليل الجفاف لأهم الزيوت الجفوفة والزيوت نصف الجفوفة |
دليل الجفاف للزيت = % لحمض اللينوليئيك + 2(% لحمض اللينولينيك)
وكلما زاد هذا الرقم كان الزيت أسرع جفافاً أي كان الرقم اليودي للزيت أعلى ويبين الجدول رقم(1) رقم اليود وقيم دليل الجفاف لأهم الزيوت الجفوفة والزيوت النصف الجفوفة التي تستخدم موادَّ أولية لإنتاج زيوت جفوفة منها.
مصادر الزيوت الجفوفة
أهم مصادر إنتاج الزيوت الجفوفة اليوم هي:
أـ بذور زيتية تحتوي على زيوت جفوفة: يتم استخراج الزيوت الجفوفة من هذه البذور بالطرائق الميكانيكية أو بالاستخلاص بالمذيبات وأهمها: بذور الكتان، القنب، التانغ، البيريلا، الأويتيسيكا وبذور التبغ، ويبين الجدول رقم2 أهم البذور الزيتية التي ينتج منها زيوتاً جفوفة مع نسب الزيت في كل نوع من هذه البذور.
ب ـ فصل الزيوت الجفوفة من الزيوت النصف الجفوفة: تُفصل قطفات من الزيوت الجفوفة من زيوت نصف جفوفة، وأهمها: زيت الصويا، القطن، دوار الشمس، اللفت (الكانولا) وزيت التبغ0 وتستخدم طرائق مختلفة منها تبريد الزيوت النصف الجفوفة إلى درجات حرارة منخفضة فتترسب نسبة بين 50ـ60% من وزن الزيت والباقي يكوّن زيتاً سائلاً في الطبقة العليا، يفصل هذا الزيت السائل الذي يحتوي على النسبة الكبيرة جداً من حمض اللينوليئيك وحمض اللينولينيك وهو زيت جفوف عن الزيت الصلب الذي يحتوي على النسبة الكبيرة من الحموض المشبعة (النخل والشحم) ومن حمض الزيت.
| ||||||||||||
الجدول رقم (2) النسب المئوية التقريبية للزيت في أهم البذور التي تحوي زيوتا جفوفة على أساس المادة الجافة. |
تحتوي الزيوت النصف الجفوفة (زيوت الصويا، دوار الشمس، القطن والتبغ) على نسب عالية من حمض اللينوليئيك تراوح بين 50ـ70% وعلى نسب قلية من حمض اللينولينيك تراوح بين 1ـ12%، وتعد هذه الزيوت ذات أسعار مقبولة كمواد أولية مهمة لفصل قطفة زيوت جفوفة منها لها رقم يودي بين 160ـ180.
مثلاً زيت الصويا الذي يصنف زيت نصف جفوف وله رقم يودي بين 130ـ140، يتم فصل نحو 30ـ35% من وزنه من الزيت الجفوف الذي له رقم يود بين 170ـ180 (بطريقة التبريد أو غيرها من الطرق)، والزيت الصلب الباقي له رقم يود بين 110ـ115، ويعد زيت طعام جيداً للغذاء البشري ولقلي المواد الغذائية بسبب عدم بقاء أكثر من 1% من حمض اللينولنيك فيه.
جـ ـ زيوت الأسماك: هناك زيوت جفوفة ذات منشأ بحري وأهمها زيت السردين وزيت كبد الحيوانات البحرية وزيوت بعض الأسماك وهذه الزيوت ذات رقم يودي مرتفع يراوح بين 160ـ220، وتستخدم زيوتاً جفوفة.
د ـ نزع الماء من حمض الخروع (الريسينوليئيك): المكون الأساسي لزيت الخروع هو حمض الخروع (الريسينوليئيك) الذي يحوي رابطة مضاعفة واحدة ويحوي مجموعة هدروكسيلية وعند نزع جزيئة ماء من هذا الحمض يُحصل على حمض اللينوليئيك الذي يحوي رابطتين مضاعفتين في سلسلة الحمض الدسم وبذلك يرتفع رقم اليود للزيت ويصبح زيتاً جفوفاً، ويبين الجدول رقم3 نسب أهم الحموض الدسمة في أهم أنواع الزيوت الجفوفة والنصف الجفوفة.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجدول رقم (3) النسب المئوية لأهم الحموض الدسمة في أهم الزيوت النباتية الجفوفة ونصف الجفوفة. |
إنتاج الزيوت النباتية الجفوفة من البذور الزيتية
البذور الزيتية التي تحتوي على زيوت جفوفة أغلبها على شكل بذور صغيرة الحجم، وتعتمد مراحل إنتاج الزيوت الجفوفة من البذور على طبيعة كل نوع منها وعلى نسبة الزيت فيها، ويصعب، عامة، فصل القشور عن اللب في البذور صغيرة الحجم وتتبع المراحل الآتية في إنتاجها.
ـ تنظيف البذور من الأتربة والشوائب.
ـ تكسير قشور البذور وفصل القشور عن لب البذور إن أمكن ذلك.
ـ تكسير وطحن البذور.
ـ طبخ اللب (تكييف) بهدف زيادة نفوذية خلايا البذور ـ تجميع قطيرات الزيت ـ سهولة انسياب قطرات الزيت ـ تخير البروتينات ـ قتل الأحياء الدقيقة ـ إزالة التأثير السام لبعض مكونات اللب، ومن ثم زيادة مردود الزيت المستخرج بالعصر الميكانيكي أو بالمذيبات.
ـ استخراج الزيت بالعصر الميكانيكي أو بالمذيبات أو بالطريقتين معاً للحصول على زيت خام وتبقى كسبة تحتوي بين 5 ـ10% زيتاً تبعاً لنوعية المكابس والضغط المطبق ونوعية البذور، ويتم استخلاص الزيت الباقي في الكسبة الناتجة من العصر بالمذيبات العضوية المناسبة، كما يمكن استخدام طريقة استخلاص الزيت بالمذيبات مباشرة.
ـ فصل المذيب عن الزيت.
ـ ترشيح الزيت الناتج لفصل الدقائق الناعمة المعلقة، ويسمى هذا الزيت بالزيت الخام ويستخدم زيتاً جفوفاً للأغراض الصناعية، وهذا الزيت في كثير من الأحوال غير مقبول للاستخدام الصناعي ويحتاج إلى عمليات تكرير وتنقية.
تكرير الزيوت الجفوفة الخام refining of crud drying oil
الزيوت الجفوفة الخام ذات المنشأ النباتي أو الحيواني البحري تحتوي على الكثير من الشوائب وذات لون داكن مما يجعلها غير قابلة للاستخدامات الصناعية المختلفة مباشرة، وهدف عملية التكرير (المعالجة) هو إزالة أغلب الشوائب الموجودة ليصبح الزيت موافقا للمواصفات القياسية المطلوبة، وتتم المعالجة وفق المراحل الآتية:
1ـ إزالة الصموغ deguming: وهدف هذه العملية هو إزالة الفوسفاتيدات والصموغ.
2 ـ التنقية القلوية (التكرير) alkali refining: هدفها الأساس هو التخلص من الحموض الدسمة الحرة بتفاعلها مع ماءات الصوديوم وتشكل الصابون.
3 ـ التبييض (إزالة اللون) bleaching: لإزالة أكبر نسبة من المواد الصباغية غير المرغوبة والموجودة في الزيت وتستخدم الأتربة الدامصة المنشطة بالحموض في هذه العمليات وحدها أو ممزوجة مع نسبة من الفحم الفعال.
4 ـ إزالة الرائحة deodorizatio: لإزالة المواد المسببة للطعم والرائحة غير المرغوبين في الزيت، ويتم التخلص من هذه المواد بالبخار وبدرجات حرارة بين 220ـ250م0 وتحت ضغط جوي منخفض جداً بين 2 ـ10 ملم زئبقي، ويتم تخفيض رقم البروكسيد للزيت إلى أقل حد ممكن.
إنتاج الألكيدات من الزيوت الجفوفة
استخدمت الزيوت الجفوفة مدة طويلة في إنتاج أنواع الدهانات الزيتية، وكانت تحتاج إلى مدة طويلة حتى تجف ولا تعطي تماسكا ومرونة جيدة. وقد تبين مع الزمن أن المعاملة الحرارية للزيوت الجفوفة (طبخ الزيوت الجفوفة) في جو خامل وبدرجة حرارة بين 220ـ280 ْم ومدة تراوح بين 2ـ4ساعة يؤدي إلى تفاعلات بلمرة بين الحموض الدسمة التي تحتوي على رابطتين مضاعفتين أو ثلاث روابط مضاعفة (اللينوليئيك واللينولينيك)، وتزداد لزوجة الزيوت الناتجة مع الزمن وتسمى الزيوت المعاملة حرارياً بالألكيدات، وهي تعطي مواصفات أفضل للدهانات الزيتية وتعطي طبقة متماسكة ذات مرونة عالية، وأحياناً يتم مزج الزيوت الجفوفة بنسب محددة من كل نوع لتحقيق مواصفات محددة ومطلوبة للزيت الجفوف قبل المعاملة الحرارية.
استخدامات الزيوت الجفوفة
أقدم زيت جفوف عرف منذ آلاف السنين هو زيت الكتان، وبذور الكتان هي المنتج الثانوي لنبات الكتان الذي عرف في مصر منذ 8000عام قبل الميلاد، ويعد أهم الزيوت الجفوفة وأكثرها إنتاجاً بالمقارنة مع الزيوت الأخرى المذكورة سابقاً، وقد بلغ الإنتاج العالمي لزيت الكتان نحو 645ألف طن عام 2002 وبقي إنتاج هذا الزيت والزيوت الجفوفة الأخرى من دون تزايد ملحوظ في السنوات الثلاثين الأخيرة بسبب تزايد استخدام المواد التخليقية كبدائل للزيوت الجفوفة والناتجة بشكل أساسي من تفاعل الغليسيرين مع بلا ماء حمض الفتاليك والتي تسمى بالألكيدات الصنعية، وأهم مجالات استخدام الزيوت الجفوفة اليوم هي:
ـ استعمال الألكيدات للأغراض الصناعية المختلفة والتي أهمها إنتاج الدهان الزياتي والورنيش وحبر الطباعة.
ـ إنتاج بعض أنواع المواد البلاستيكية مثل بلاستيك اللينيليوم lineleum الذي يستخدم على شكل حصائر أو قطع لتغطية الأراضي.
ـ إنتاج بوليميرات تستخدم لإنتاج خيوط لصناعة الألبسة الواقية من الأمطار وغيرها، وتسمى الألبسة الزيتية oilcloth.
ـ يستخدم جزء بسيط من الزيوت الجفوفة، وعلى الأغلب زيت الكتان في بعض الدول المنتجة له زيوتَ طعام مثل الصين وروسيا ومصر.
محمد علي شعار
الموضوعات ذات الصلة: |
زيت السمك ـ الزيوت النباتية.
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد علي شعار، تكنولوجيا الزيوت ومنتجاتها (منشورات جامعة البعث، كلية الهندسة الكيميائية والبترولية، حمص 1994م).
ـ أحمد جمال الدين الوراقي، تكنولوجيا الزيوت والدهون (منشورات جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية 1994 م).
ـ تيودور ج0وييز، الزيوت الغذائية واستخداماتها، ترجمة حسن عبدالله محمد آل سرحان القحطاني (منشورات جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية 1997م).
- Y.H.HUI and Others, Bailey’s Industrial Oil and Fat Products, Fifth Edition (John Wiley & Sons, U.S.A 1995).
- K.K.RAJAH, Fats in Food Technology, First Edition (Sheffield, Academic Press,UK 2002).
- W.HAMM & R.J.HAMILTON, Edible Oil Processing, First Edition (Sheffield, Academic Press, UK 2000).
- F.GUNSTONE , Vegetable Oil in Food Technology, (Culinary and Hospitality, Industry Publications Services, U.S.A 2002).
- التصنيف : الصناعة - النوع : صحة - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2004، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 522 مشاركة :
متنوع
البحوث الأكثر قراءة
هل تعلم؟
- - هل تعلم أن الأبلق نوع من الفنون الهندسية التي ارتبطت بالعمارة الإسلامية في بلاد الشام ومصر خاصة، حيث يحرص المعمار على بناء مداميكه وخاصة في الواجهات
- - هل تعلم أن الإبل تستطيع البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40% من ماء جسمها ويعود ذلك لقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغير درجة حرارة الجو،
- - هل تعلم أن أبقراط كتب في الطب أربعة مؤلفات هي: الحكم، الأدلة، تنظيم التغذية، ورسالته في جروح الرأس. ويعود له الفضل بأنه حرر الطب من الدين والفلسفة.
- - هل تعلم أن المرجان إفراز حيواني يتكون في البحر ويتركب من مادة كربونات الكلسيوم، وهو أحمر أو شديد الحمرة وهو أجود أنواعه، ويمتاز بكبر الحجم ويسمى الش
- هل تعلم أن الأبسيد كلمة فرنسية اللفظ تم اعتمادها مصطلحاً أثرياً يستخدم في العمارة عموماً وفي العمارة الدينية الخاصة بالكنائس خصوصاً، وفي الإنكليزية أب
- - هل تعلم أن أبجر Abgar اسم معروف جيداً يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول وحتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروين
- - هل تعلم أن الأبجدية الكنعانية تتألف من /22/ علامة كتابية sign تكتب منفصلة غير متصلة، وتعتمد المبدأ الأكوروفوني، حيث تقتصر القيمة الصوتية للعلامة الك
- عدد الزوار حالياً 727
- الكل 100610581
- اليوم 87638
اخترنا لكم
التعريف
التعريف التعريف definition منهج منطقي، يُمكن من البحث عن ماهية الأشياء ثم تمييزها وبنائها، ويساعد على استحداث مصطلحات جديدة في العلم بغية توسيع الجهاز اللفظي وإزالة الغموض واللَّبْس، وشرح أهمية المصطلحات المدرجة. التعريف إذن هو تمثيل الشيء في الذهن، من جهة محمولاته المفردة والمركبة، المقومة (اللازمة) وغير المقوّمة (العرضية).
التنظير الطبي
التنظير الطبي التنظير الطبي endoscopy وسيلة استقصائية الغاية منها رؤية الآفات الموجودة ضمن أجواف الجسم رؤية مباشرة وتعرُّف صفاتها وتحديد طبيعتها. وإذا كانت هذه الواسطة الاستقصائية ابتدعت في البدء للتشخيص فقد صارت بعد مدة من استعمالها المرحلة الأولى لبعض الاستقصاءات الأخرى المتممة كأخذ الخزعات من الآفات المشاهدة، ثم تطورت فصارت المرحلة الأولى لإجراء كثير من المداخلات الجراحية في معظم أجهزة الجسم. كان بوزيني Bozzini في عام 1805 أول من استعمل المنظار لاستقصاء أحشاء البطن، أما كيلنغ Kelling فكان أول من نظر أحشاء الكلب بعد حقن الغاز في جوف بطنه عام 1901، وأعاد العمل نفسه على الإنسان عام 1910، وأجرى كل من ديشر Decher وشيري Cherey أول مرة تنظير أحشاء الحوض بإدخال المنظار عن طريق رتج دوغلاس عام 1944. كانت المناظير المستعملة حتى ذاك التاريخ مؤلفة من أنابيب معدنية صلبة، وكانت الإنارة بوساطة حبابة كهرباء صغيرة، وفي عام 1952 استعمل كلادو Clado الإضاءة الباردة التي تنتقل من مصدر خارجي لنهاية المنظار القاصية بقضيب من الكوارتز، واستطاع بالمر Palmer بوساطتها تصوير أول فلم عن التنظير النسائي عام 1955، وكان له الفضل في دفع التنظير خطوات كبيرة إلى الأمام، فهو أول من فتح طريق الجراحة التنظيرية منذ عام 1956، بتحرير الالتصاقات وأخذ الخزعات ثم التعقيم بتخثير البوقين أو قطعهما بطريق المنظار. وفي عام 1956 استعمل فرنغنهايم Frangenheim أول مرة الألياف الزجاجية fiberglass لنقل الإضاءة الباردة، واستبدلت المناظير اللينة بالمناظير الصلبة مما سهل إجراء الفحوص والمداخلات التنظيرية لدرجة كبيرة. وفي عام 1972 حقَّق سيم Semm جهاز نفخ غاز CO2 الآلي ووسع الجراحة التنظيرية النسائية ثم استعملها كثيرون غيره في الجراحات البطنية عامة. وظهرت في منتصف الثمانينات من القرن العشرين أجهزة للتنظير تستخدم نظام الفيديو الإلكتروني video endoscopy أحدثت تطوراً كبيراً في ممارسة التنظير اليومية، فقد تحسنت نوعية الصورة المشاهدة تنظيرياً بفضل إدخال أجهزة تصوير (كاميرات) ذات حجم صغير جداً من نمط (CCD) charge-couple-device. يعتمد مبدأ هذه التقنية على استخدام مجس capteur يحول الطاقة الضوئية المنعكسة من النسج المشاهدة إلى طاقة كهربائية تنقل إلى معالج إلكتروني خاص يسمح بإعادة تشكيل الصورة بدقة متناهية على شاشة تلفزيونية ملونة. يمتاز نظام الفيديو الإلكتروني بإعطائه صوراً أكثر وضوحاً من المناظير الليفية الضوئية العادية وبإمكان تثبيت الصورة وتسجيلها لمشاهدتها من قبل عدة مراقبين في آن واحد وتسجيل كامل الفحص التنظيري والمعالجات المجراة على أجهزة أفلام فيديو. أما مساوئها فثمنها المرتفع وقطر أنبوب الفحص الذي يزيد قليلاً على قطر المناظير الليفية الضوئية العادية. كما ظهر في آخر القرن الماضي أجهزة تشارك بين مسبار لأمواج تخطيط الصدى وجهاز تنظير داخلي في آن واحد echo-endoscopy، يمكن بوساطتها دراسة الطبقات الجدارية للأجواف والأحشاء الداخلية بدقة كبيرة بالأمواج فوق الصوتية بعد الوصول إلى هذه الأماكن بسهولة بوساطة التنظير، وتسمح بتشخيص الآفة ودرجة ارتشاحها في جدار العضو إضافة لإمكانية أخذ خزعات موجهة بالصدى من الآفات الجدارية مما يؤدي إلى وضع تشخيص دقيق نسيجي للطبيعة المرضية لهذه الآفات. وتستخدم هذه الطريقة في تقويم مدى انتشار أورام الأنبوب الهضمي والبولي، وفي تشخيص أورام غدة المعثكلة (البنكرياس) والتهاباتها ومضاعفاتها، وفي تشخيص آفات الطرق الصفراوية، كما تعد من أفضل الوسائل التشخيصية لبعض الأمراض القلبية. تختلف أشكال المناظير باختلاف العضو المراد تنظيره ولكنها جميعها تتألف من أقسام أساسية وأقسام ملحقة. أمّا الأقسام الأساسية فهي جسم المنظار الذي قد يكون صلباً أو مرناً طويلاً أو قصيراً بأقطار مختلفة، والعدسات المكبرة العينية والجسمية، والمنبع الضوئي الذي صار في معظم الأجهزة خارجياً ينقل منه النور بوساطة الخيوط الزجاجية، وتخرج الأشعة من فوهة المنظار الباطنة مستقيمة أو مائلة بدرجات مختلفة حسب المكان المفحوص. أمّا الأقسام الملحقة فتختلف بحسب الحاجة وقد يستعمل منها واحد أو أكثر من واحد كملقط الخزعة أو حلقة التخثير. يجري التنظير أحياناً من دون تهيئة، في حين يتطلب أحياناً أخرى حقن غاز أو سائل في العضو المراد فحصه كجوف الصفاق أو جوف الرحم. أو يتطلب تهيئة العضو نفسه ببعض المواد المساعدة على جودة الفحص كما في تنظير عنق الرحم، ويجرى تنظير بعض الأجواف بلا تخدير في حين يتطلب تخديراً موضعياً أو عاماً في تنظير أجواف أخرى. يستخدم التنظير في جميع أجهزة الجسم تقريباً، مثال ذلك: ـ التنظير الهضمي: وهو: أ ـ علوي يدخل فيه المنظار عبر الفم والبلعوم وترى بوساطته حالة المريء والمعدة والعفج والطرق الصفراوية والبنكرياس والأمعاء الدقيقة. ب ـ سفلي ويدرس به المستقيم والسين الحرقفي والقولونات والقسم الأخير من الأمعاء الدقيقة. ـ تنظير القصبات: bronchoscopy يدخل فيه المنظار عبر الحنجرة إلى الرغامى والقصبات والقصبات الرئيسية فتكشف آفات هذه المناطق. ـ تنظير جهازالبول: بإدخال المنظار عبر فوهة الإحليل إلى المثانة لدراستها ومنها إلى الحالبين عبر الفوهتين الحالبيتين المثانيتين بعد توسيعهما وتكشف بذلك آفات هذه الأقسام التي لم تتمكن الوسائل الاستقصائية الأخرى من الجزم بطبيعتها ويمكن أخذ الخزعات كما في كل أنواع التنظير. ـ تنظير قعر العين: ophtalmoscopy يتم بأجهزة صغيرة لا يتجاوز حجمها حجم قلم الكتابة تحوي عدسات ضوئية وضوءاً بارداً، تُري بالتنظير قعر العين والأوعية الشبكية والآفات الوعائية كالتصلب البصري. ـ تنظير الأذن: otoscopy ويتم كذلك بأجهزة صغيرة يمكن بوساطتها مشاهدة غشاء الطبل عبر مجرى السمع الظاهر وتشخيص التهابات الأذن الوسطى وانثقاب غشاء الطبل. ـ تنظير المفاصل: arthroscopy الذي ترى به معظم مفاصل الجسم وتشاهد بوساطته سطوح المفاصل وتحدد آفاتها. ـ تنظير الجهاز التناسلي في الإناث: أ ـ تنظير المهبل وعنق الرحم colposcopy يستعمل لهذا منظار خاص يكبر العنق بدرجات متفاوتة أفضلها ×14وترى بذلك الآفات الخمجية والورمية، ويفيد في التوجيه نحو المناطق التي يجب أن تؤخذ منها الخزعات لوضع التشخيص والتأكد منه. ب ـ تنظير باطن الرحم hysteroscopy ويجرى مباشرة (التنظير بالتماس) أو بعد تمديد جوف الرحم بغاز CO2 أو ببعض السوائل (التنظير الشامل)، تفحص به بطانة الرحم وتكشف آفاتها ولاسيما الورمية منها. ج ـ تنظير الملحقات والسطح الخارجي للرحم والحوض ويجرى كتنظير الأحشاء بوجه عام. ـ تنظير الأحشاء: endoscopy هو أكثر ما ينصرف إليه التنظير الطبي وهو السائد حالياً مقدمة لإجراء كثير من المداخلات الجراحية ويُخص لذلك بشيء من التفصيل. يتألف جهاز تنظير الأحشاء من قبضة تحوي أزرار التحكم يليها أنبوب لين يختلف قطره بين 7 و12ملم نهايته قابلة للتحريك باتجاهات مختلفة بوساطة أسلاك معدنية داخل المنظار وتسير في الأنبوب حزمة الخيوط الزجاجية الناقلة للنور من منبع خارجي إلى ساحة العمل، وفي نهاية الأنبوب العدسة الجسمية وفي بدايته العدسة العينية، ويحوي أنبوب المنظار عدا هذا قناتين لا يتعدى قطر كل منها 2 ـ 3ملم تستخدم إحداهما لتمرير الأدوات اللينة التي تستعمل لأخذ الخزعات أو المسحات أو إجراء التخثير. وتستخدم الثانية لسحب المفرزات أو الغازات أو ضخ الهواء أو الماء على العدسة الجسمية لغسلها من المفرزات التي قد تتوضع عليها في أثناء العمل. يعد تنظير الأحشاء عملية ككل العمليات الجراحية لذلك يجب تهيئة المريض الذي سيجرى له التنظير كما يهيأ كل مريض لأية مداخلة جراحية، ولاسيما أن التنظير يجرى تحت التخدير العام. يبدأ العمل بإملاء جوف الصفاق بكمية محدودة من غاز CO2 لإبعاد جدار البطن عن الأحشاء. وسهولة حركة الأدوات ضمن الجوف واختير هذا الغاز لعدم تخريشه وسرعة امتصاصه وعدم قابليته للاشتعال مما يمكن معه استعمال التخثير إذا احتيج إليه. يدخل هذا الغاز بوساطة إبرة تدخل في الثنية السفلية للسرة متصلة بجهاز نفخ آلي يحتفظ بضغط الغاز ثابتاً في البطن. ثم يجرى شق صغير بطول 1سم في المنطقة نفسها يدخل فيه مبزل محاط بغمد لجوف البطن المتمدد بالغاز، وحين التأكد من أن المبزل في جوف الصفاق يسحب من غمده الذي يبقى في مكانه لإدخال جهاز التنظير، يحرك الجهاز باتجاهات مختلفة في أثناء الفحص لرؤية كل الأحشاء واحداً بعد الآخر. ولما كانت الأحشاء متراكبة بعضها فوق بعض ويصعب لذلك رؤية كل وجوهها بسهولة فإنه لابد من استعمال مجس خاص وهو قضيب رفيع وطويل يدخل جوف البطن من فوهة أخرى تُحدث في المكان المناسب من جدار البطن يفيد في تحريك العضو المراد فحصه باتجاهات مختلفة أو إبعاده عن بقية الأعضاء لرؤيته بصورة جيدة، وإذا أريد أخذ خزعة أو إجراء تخثير أو سوى ذلك تدخل الأدوات الخاصة بذلك عن طريق ثقب آخر يجرى على جدار البطن. بعد جني المعلومات المطلوبة من التنظير وإنهاء العمل يسحب المنظار ويفرغ جوف البطن من الغاز عن طريق غمد المنظار نفسه، كما يسحب المرود وما قد يكون أدخل من أدوات، وتخاط أمكنة إدخالها بقطبة أو قطبتين لكل منها ويوضع عليها ضماد طاهر، يرتاح المريض بعد ذلك بضع ساعات ويمكن خروجه من المستشفى بعد صحوه من التخدير ببضع ساعات أو بعد 24 ساعة على أكثر تقدير إن لم تحدث مضاعفة توجب بقاءه مدة أطول. ذلك أن عملية التنظير لا تخلو أحياناً من مضاعفات قد تكون خطرة كتوقف القلب واضطراب التنفس والنزف الناجم عن إصابة المبزل لأحد الأعضاء أو الأوعية الكبيرة أو الصغيرة وكلها مضاعفات نادرة في التنظير المتقن، وهناك عوارض عامة أو موضعية أقل خطراً كاضطراب نظم القلب وزرقة الوجه ودخول الغاز في أثناء الحقن في النسيج الخلوي أو في سمك عضلات جدار البطن ونزف ندبة السرة وحدوث ورم دموي في جدار البطن، وغيرها من العوارض التي يجب الانتباه إليها مباشرة لمعالجتها خشية تطورها تطوراً خطراً. رائد أبو حرب الموضوعات ذات الصلة: ـ التنظيرية (الجراحة ـ). مراجع للاستزادة: - JEAN MARC CANARD, THIERRY et LAURENT DALAZZO, Endoscopie (Paris 1955). - PETER COTTON et CHRISTOPHER WILLIAMS, Endoscopie gastro - intestinale pratique (Medsi, Paris 1986).