آخر الأخبار
الحق
حق
Right - Droit
الحق
للحق في الاصطلاح معنيان:
الأول: النص التشريعي الملزم: وهو بهذا المعنى قريب من مفهوم «الحكم» في اصطلاح علماء الأصول في الإسلام. وهو ذاته معنى «القانون» في اصطلاح علماء القانون، وهو المراد من قولهم «الحقوق المدنية» و«الحقوق الدستورية» وغيرها. وينقسم عندهم إلى قسمين:
1- الحقوق العامة: وهي مجموعة القواعد القانونية المنظمة للعلاقات التي تكون الدولة، بصفتها صاحبة السيادة والسلطان،طرفاً فيها. وتندرج في هذا القسم عدة قوانين كالقانون الدستوري، والقانون الإداري، والقانون الدولي العام، وقانون العقوبات، وقانون أصول المحاكمات الجزائية وغيرها.
2- الحقوق الخاصة: وهي مجموعة القواعد القانونية المنظمة للعلاقات التي لاتكون الدولة، بصفتها صاحبة السيادة والسلطان،طرفاً فيها. وتندرج في هذا القسم عدة قوانين كالقانون المدني، وقانون التجارة، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية والقانون الدولي الخاص، وغيرها.
الثاني: الاختصاص، أو المَكِنَة المشروعة، أي المطلب الذي يقرره التشريع لشخص على آخر. وهذا المعنى متفق عليه بين فقهاء الشريعة الإسلامية ورجال القانون الوضعي. وهو المراد من قولهم: «إن للمشتري الحق في رد المبيع بالعيب الجسيم» و«إن التصرف على الصغير حق لوليّه أو وصيّه». ونحو ذلك. وهذا المعنى الثاني هو المعنى الغالب في الاستعمال، وهو المتبادر أصلاً عند ذكر كلمة «الحق».
وفكرة الحق في ذاتها هي ثمرة التفكير الاجتماعي في الرأي العام البشري.فالإنسان مدني بطبعه، وهو مفطور على الحياة الاجتماعية. والجماعات البشرية، منذ عهد الإنسان الأول، تتكل على نفسها، وتعيش عيشة مشتركة متعاونة، وتسعى لتلبية حاجات أفرادها الدائمة والمؤقتة.
إلا أن حاجات الناس تتصادم، وينشأ عن ذلك تعارض الإرادات في اكتساب ما يقوم بوفاء تلك الحاجات. ولقد كان هذا التصادم، وما ينشأ عنه من تعارض، هو العامل الأساس في الشعور بضرورة وضع النظام بجانب الحاجات، كي لاتطغى حاجة إنسان على حاجة غيره، ولاتصطدم إرادته أو حريته بإرادة أو حرية سواه. وليس هذا النظام الذي شعرت البشرية جمعاء بالحاجة إليه منذ أقدم عصورها سوى «الحق» الذي يبيّن ما يختص به كل إنسان من مكنات وسلطات من جهة، ويضع حداً يحجز بين حريات الناس أن تلتهم إحداها الأخرى من جهة أخرى. وبهذا المفهوم يكون الحق اختصاصاً يقرر به الشرع للشخص سلطة أو تكليفاً.
وبدهي أنه لامعنى للحق إلا عندما تتصّور فيه ميّزة ما ممنوحة لصاحبه، وممنوعة عن غيره. كالثمن يختص به البائع، وممارسة الولاية يختص بها الولي، وغير ذلك، فلا وجود للحق إلا بوجود الاختصاص الذي هو قوامه وحقيقته. أما السلطة فهي وسيلة الوصول إلى الحق، وأما المصلحة فهي الثمرة التي تنتج من الوصول إلى الحق. وبدهي بعد ذلك أن السلطة والمصلحة لايعبّران عن جوهر الحق وماهيته.
ويتصل بالحق عدة أمور هي:
أولاً: مصدر الحق
يختلف الباحثون في الحق حول مصدره على رأيين اثنين:
فيذهب فريق إلى أن الحق مفهوم فطري المصدر، مستمد في وجوده من الإنسان نفسه، وأن العقل السليم يكشف عنه. كالحق في الحياة، والحرية، والعمل، والأمن على النفس والأهل والمال، ونحو ذلك. وهم يرون أن هذه الحقوق وأمثالها ملازمة للصفة الإنسانية ولا يجوز لأحد، بما في ذلك المشرع، أن يلغي هذه الحقوق أو يتعدى عليها، لأنها مفاهيم وقواعد مثالية سامية تفرضها طبائع الأشياء. ويقولون إن فروع هذه الحقوق تتنوع، وتتطور مع الزمن لتحقيق الحرية الفردية من جهة، والتضامن الاجتماعي من جهة أخرى.
أما الفريق الآخر فيذهب إلى أن الله تعالى هو مصدر الحق، وأنه ليس للناس على الله - وهم جميعاً عباده - أي حق، وإنما الحق منحة منه بمحض تفضل وإحسان. ويقولون إن الله وحده هو الحاكم على الناس، وإليه الحكم بينهم، ولا يصح التشريع إلا منه وحده. وأن مما قضى به أن يكون للناس مجال واسع للتشريع يشمل معظم المصالح الدنيوية المتعلقة بالتعايش الاجتماعي والمعاملات. وقد منحهم الحق بسن التشريعات اللازمة لتحقيق هذه المصالح بما لايخالف أوامره ونواهيه، وبما ينصب على حسن تطبيق هذه الأوامر والنواهي، وأن هذا التشريع الإنساني على تنوعه قابل للتطور مع الزمن لتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
ثانياً: أركان الحق
للحق أركان خمسة هي:
1- الأطراف: وهم الذين تكون العلاقة الحقوقية قائمة بينهم. ففي العلاقة بين الإنسان وخالقه يكون الله تعالى هو الطرف الأول. والإنسان هو الطرف الآخر. أما في العلاقات الإنسانية فإن أطراف الحق هم الأشخاص سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم معنويين، لأنهم هم أصحاب الحقوق. ويلاحظ أن أطراف الحقوق على نوعين: أطراف إيجابيون وهم أصحاب الحقوق، وأطراف سلبيون وهم الذين تقع عليهم الالتزامات المقابلة لهذه الحقوق. وكل حق أياً كان نوعه لابد وأن يقابله واجب.
2- المحل: وهو الشيء المادي أو المعنوي الذي يتعلق به هذا الحق. فمحل الحق بالنسبة للمالك مثلاً هو الشيء المادي الذي تقع عليه ملكيته كالأرض، أو الكتاب، ونحو ذلك. وقد يكون محل الحق ـ في الحقوق الشخصية ـ القيام بعمل أو الامتناع عن عمل لمصلحة صاحب الحق.
3- المضمون: وهو السلطة التي يخولها الحق لصاحبه، وهو في حق الملكية مثلاً سلطة استعمال الشيء المملوك واستغلاله والتصرف فيه. وهو في عقد القرض مثلاً سلطة إجبار المدين على وفاء الدين.
4- السبب: وهو التصرف أو الواقعة القانونية التي يتولد عنها الحق. فالولادة سبب لنشوء حق المولود بلقب أبيه، والفعل الضار سبب لنشوء حق المتضرر بالتعويض. والوفاة سبب لنشوء حق الوارث بالميراث. وعقد البيع سبب لنشوء حق المشتري باستلام المبيع. وهكذا.
5- المؤيد: وهو نظام الحماية التي يسبغها التشريع على الحق ليتمكن صاحبه من التمتع به من جهة، وليمنع الغير من الاعتداء عليه من جهة أخرى. فالعقوبة على القتل هي المؤيد للحق في الحياة. والالتزام بضمان عيوب البيع الخفية هو المؤيد لحق المشتري في الانتفاع بالمبيع على أتم وجه. والثواب والعقاب في الآخرة هما المؤيد لحقوق الله على عباده. وهكذا.
ثالثاً: أقسام الحق
ينقسم الحق بمعناه العام إلى قسمين رئيسين:
1- حق الله: وهو ما أمر الله تعالى به عباده من أفعال، أو نهاهم عنه. كفروضه من صلاة وصيام وزكاة وحج ومحرماته من شرك وقتل ونهب وغير ذلك.
2- حق العباد: وهو ينقسم بدوره إلى قسمين:
أـ حق غير مالي: كالحقوق السياسية مثل حق تولي الوظائف العامة، وحق الانتخاب، وحق المشاركة في رسم سياسة الدولة وفقاً للأنظمة والقوانين. وكحقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة والحرية والعمل والأمن ونحوها. وكالحقوق الأسرية مثل الزواج والطلاق والنفقة والنسب والحضانة والإرث وطاعة الولد لوالده والزوجة لزوجها بالمعروف.
ب ـ حق مالي: وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
ـ الحق الشخصي: وهو مطلب يقرّه التشريع لشخص على آخر. سواء أكان قياماً بعمل أم امتناعاً عن عمل. وذلك كحق كل من المتبايعين على الآخر. فإن البائع يستحق أداء الثمن إليه من المشتري. والمشتري يستحق تسليم المبيع إليه من البائع، وكل من هذين الحقين «عمل» وكذا حق المودع على الوديع في ألا يستعمل الوديعة، وهذا الحق «امتناع عن عمل».
ـ الحق العيني: وهو سلطة يقرّها التشريع لشخص على شيء معين. وهو إما أصلي أو تبعي.
فالأصلي هو الذي له مفهوم ووجود مستقل يتحقق بمجرد وجود الشيء المعين وصاحبه. كحق الملكية والانتفاع والارتفاق والوقف والسطحية، والأفضلية على الأراضي الخالية المباحة، والخيار الناتج من الوعد بالبيع.
أما التبعي فهو توثيقي. يثبت ويقرر لشخص دائن على مالٍ معين مملوك لشخص آخر هو المدين، ليتمكن الدائن من استيفاء دينه منه عند عدم وفاء المدين بالتزامه. كحق الاحتباس والرهن والتأمين العيني والامتياز.
ـ الحق الذهني:«الابتكار» وهو حق حديث نسبياً أوجدته أوضاع الحياة المدنية الحديثة ونظمته القوانين المعاصرة. والاتفاقات الدولية. كحق المخترع، والمؤلف، وكل منتج لأثر فني أو صناعي مبتكر. فإن لهؤلاء حقاً في الاحتفاظ بنسبة ما اخترعوه أو ألفوه أو أنتجوه إليهم من جهة المنفعة المالية أو الأدبية. ومثله العلامات الصناعية الفارقة، والعناوين التجارية، وكل ذلك ضمن شروط وحدود تنظمها القوانين الوطنية، والاتفاقات الدولية.
رابعاً: التعسف في استعمال الحق
يستطيع صاحب الحق، من حيث المبدأ، أن يستعمل حقه الممنوح له بالشكل الذي يراه مناسباً دون أن يكون مسؤولاً عما ينجم عن ذلك من ضرر للآخرين. ما دام لايتعدى حدود حقه، ولا يتجاوز نطاقه المشروع. وهذا هو معنى قولهم: « الجواز الشرعي ينافي الضمان».
إلا أن هذا المبدأ لايمكن العمل به على إطلاقه؛ ففي بعض الحالات، وعلى الرغم من عدم التعدي، تنتج من استعمال الحق بطريقة تعسفية، نتائج ضارة بالآخرين أو بالمجتمع مما يأباه النظر الحقوقي السليم.
ويلاحظ هنا أن المتعسف إنما يعمل في حدود دائرة حقّه لايتعداها، ومع ذلك يعد مسؤولاً عن هذا التعسف، شأنه شأن المعتدي الذي تجاوز حدود حقه إلى حقوق الآخرين. وفكرة التعسف في استعمال الحق تمليها فكرة الوظيفة الاجتماعية للحق والتي تقضي بضرورة استعمال الحق استعمالاً يحقق الخير والصالح العام، من دون أن يترتب عليه ضرر للآخرين.
ويعد الشخص متعسفاً في استعمال حقه، وبالتالي عرضة للمسؤولية أمام التشريع في الحالات الآتية:
1ـ إذا لم يقصد سوى الإضرار بالغير. كمن يبني في أرضه جداراً مرتفعاً جداً لاحاجة له به ليمنع عن جاره النور والهواء.
2ـ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لاتتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. كمن يعمد إلى ممارسة هوايته في تربية الحمام وسط بيوت الجيران بحيث يتأذى الناس من مخلفاتها التي تصيب أطعمتهم وحبوبهم المكشوفة أو ثيابهم أو ملابسهم.
3ـ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة. كمن يجعل من داره نادياً للقمار أو الدعارة.
خامساً: التنازل عن الحق
يملك صاحب الحق ـ من حيث الأصل ـ مطلق الحرية في التنازل عن حقه، ويتم هذا التنازل بعوض عن طريق البيع مثلاً، أو من دون عوض عن طريق الهبة وأمثالها.
وقد يقع التنازل أحياناً في دعوى منظورة أمام القضاء كالتنازل عن الحق المدعى به، وقد يقع بعد صدور حكم فيها كالتنازل عن الحكم.
على أن هناك حقوقاً لاتقبل التنازل عنها للغير بطبيعتها. كالحق في لقب العائلة والنسب، وكثير من الحقوق الزوجية، وكذلك بعض الحقوق السياسية كالانتخاب مثلاً، ومثلها عدد من حقوق الإنسان كالحق في الحياة.
سادساً: سقوط الحق
قد يحدث أن يسقط الحق بعد ثبوته فيغدو كأن لم يكن، وقد يكون هذا السقوط اختيارياً كمن يسقط حقه في طلب التعويض عما أصابه من ضرر، وقد يكون بحكم القانون كما هو الحال في التقادم[ر]. وتذهب بعض التشريعات في بعض الحالات إلى الحكم بسقوط الحق في الشيء بعدم استعماله فيما أُعِد له. كمن يترك زراعة أرضه مدة من الزمن، فيؤدي هذا إلى مصادرة أرضه ونزع ملكيته عنها وسقوط حقه بها.
محمد وفا ريشي
الموضوعات ذات الصلة: |
الالتزام ـ الشريعة الإسلامية ـ القانون.
مراجع للاستزادة: |
ـ هشام القاسم، المدخل إلى علم القانون (جامعة دمشق 1987).
ـ مصطفى أحمد الزرقاء، المدخل الفقهي العام (دار الفكر، بلا تاريخ).
ـ فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق (مؤسسة الرسالة).
- التصنيف : القانون - المجلد : المجلدالثامن، طبعة 2003، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 385 مشاركة :
متنوع
البحوث الأكثر قراءة
هل تعلم؟
- - هل تعلم أن الأبلق نوع من الفنون الهندسية التي ارتبطت بالعمارة الإسلامية في بلاد الشام ومصر خاصة، حيث يحرص المعمار على بناء مداميكه وخاصة في الواجهات
- - هل تعلم أن الإبل تستطيع البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40% من ماء جسمها ويعود ذلك لقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغير درجة حرارة الجو،
- - هل تعلم أن أبقراط كتب في الطب أربعة مؤلفات هي: الحكم، الأدلة، تنظيم التغذية، ورسالته في جروح الرأس. ويعود له الفضل بأنه حرر الطب من الدين والفلسفة.
- - هل تعلم أن المرجان إفراز حيواني يتكون في البحر ويتركب من مادة كربونات الكلسيوم، وهو أحمر أو شديد الحمرة وهو أجود أنواعه، ويمتاز بكبر الحجم ويسمى الش
- هل تعلم أن الأبسيد كلمة فرنسية اللفظ تم اعتمادها مصطلحاً أثرياً يستخدم في العمارة عموماً وفي العمارة الدينية الخاصة بالكنائس خصوصاً، وفي الإنكليزية أب
- - هل تعلم أن أبجر Abgar اسم معروف جيداً يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول وحتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروين
- - هل تعلم أن الأبجدية الكنعانية تتألف من /22/ علامة كتابية sign تكتب منفصلة غير متصلة، وتعتمد المبدأ الأكوروفوني، حيث تقتصر القيمة الصوتية للعلامة الك
- عدد الزوار حالياً 1096
- الكل 83348389
- اليوم 18154
اخترنا لكم
أباظة (عزيز-)
أباظة (عزيز -) (1316-1393هـ/1898-1973م) عزيز بن محمد بن عثمان أباظة، شاعر وأديب من أسرة مصرية وجيهة أخرجت عدداً من رجال السياسة والقلم في تاريخ مصر الحديث. ولد في منطقة الشرقية، ودرس القانون وتخرج في كلية الحقوق بالقاهرة سنة 1923 وعمل في المحاماة ثم التحق بالحكومة وشغل عدة مناصب فيها، فعمل مدّعياً عامّاً فقاضياً ثم أصبح واحداً من أعضاء مجلس النواب عام 1929. وعاد بعد ذلك ليتولى مناصب إدارية فكان في سنة 1941 حاكماً عسكريّاً لمنطقة القناة وفي سنة 1947 مديراً لأسيوط، ثم عيّن عضواً بمجلس الشيوخ.
التعلم المستمر وتعليم الكبار
التعلم المستمر وتعليم الكبار تعددت المصطلحات الدالة على التعلم المستمر، وما يدخل ضمنه من تعليم الكبار continues learning and adult education والذي يعالج ميداناً واسعاً من التعليم والتعلم، يبدأ في سن الخامسة عشرة ويستمر حتى آخر الحياة، كما يبدأ في مستوى محو الأمية[ر] ويستمر بلا سقف أعلى، ولهذا يتم تعليم الكبار ضمن إطار التعلم المستمر من المهد إلى اللحد، ويسعى العلماء إلى تأصيله تحت اسم الأندراغوجية andragogy أو علم تعليم الكبار، المتميز عن التربية والتعليم للصغار المسمى بيداغوجيه pedagogy. وازداد الاهتمام بتعليم الكبار بعد الثورة الصناعية لتعليم العمال المهارات الأساسية والتخصصية، كما ازداد بعد ثورة المعلومات وتأصل علم المعلوماتية informatics إذ تضاعفت المعلومات كل سنتين في أواخر عقد التسعينات من القرن العشرين، مما يستلزم التعلم والتعليم وإعادة التدريب في نظام جديد لم يعد التعليم المدرسي النظامي formal قادراً على مواجهته، والتلاؤم معه لتغير المعلومات والتقنيات والمهن والشروط الاجتماعية المرافقة. وأقرت المؤتمرات الدولية لتعليم الكبار حق تعليم الكبار وربطه بالواجب والمسؤولية، مثل مؤتمر نيروبي 1976، وباريس 1985، وجوميتان 1990، وهامبورغ 1997. ووضع مؤتمر تعليم الكبار الخامس في هامبورغ تعريفاً شاملاً لتعليم الكبار فجعله «مجمل العمليات التعليمية النظامية وغير النظامية والعَرضية التي ينمي فيها الكبار قدراتهم ويثرون معارفهم ويطورون مؤهلاتهم التقنية والمهنية، ويسلكون به سبلاً جديدة تلبي حاجاتهم وحاجات مجتمعهم». من أجل تحسين حياتهم في الحاضر والمستقبل. ويتفاعل تعليم الكبار مع أدنى مستويات التعليم للصغار والتعليم الأساسي [ر] ومحو أمية الكبار، والتعليم المستمر مدى الحياة، كما يتحسن تعليم الكبار في المستويات العليا، وخاصة بعد ثورة المعلومات واستخدام التقنيات الإلكترونية، وضرورة إعادة تدريب المتخصصين لمحو الأمية الحاسوبية ونشر ثقافتها واستخدامها في تحسين العمل والتعليم، والرقي بالمهن إلى أقصى فاعليتها، مع تخفيض أثمان المنتجات والخدمات، حتى يتاح لكل فرد، أيّا كان مستواه أو عمره، مزيداً من فرص التعلم والعمل في مجتمع ديمقراطي وإنساني. ولهذا عُني تعليم الكبار في أولى اهتماماته بالتعليم الأساسي للكبار، في مجال محو الأمية الأبجدية، والوظيفية والحضارية، كما اهتم بالتعلم والتعليم للجنسين، وخاصة المحرومين من الريفيين والنساء، والمهاجرين داخل القطر وخارجه والمهجرين بسبب الحروب والنزاعات الداخلية، والفقراء من مستوى اقتصادي منخفض ليحسنوا شروط عملهم، ويزيدوا دخلهم، أو ليواجهوا البطالة في العمل. وتقوم بتعليم الكبار جميع المؤسسات الإعلامية والمعلوماتية والثقافية والخدمية والاجتماعية، حتى يقوم كل فرد بواجباته في تنمية نفسه ومجتمعه معاً. ويصبح مواطناً فعالاً في مجتمعه، ويشارك في مسؤولياته، ويحقق التوازن في بيئته، وفي الوقت نفسه يحافظ على صحته، وصحة أسرته ومجتمعه. وأسهمت وسائل الإعلام المتعددة في تيسير تعلم الكبار تعلماً ذاتياً، ضمن المكتبات والمعارض والمتاحف والإذاعة والتلفزيون والهاتف وشبكات الحاسوب، مما زاد من أهمية المعلومات والإعلام بتقنيات متعددة ليتعلم منها الكبير، وفق حاجاته وشروطه وسرعته. الخلفية التاريخية ركزّت الأنشطة القديمة على تعليم الكبار قبل الصغار، فدعت الديانات إلى التعلم من المهد إلى اللحد، للتمكن من مهارات القراءة والكتابة والحساب، وتعلم أصول الدين وتعاليمه وسلوك الإنسان المتعلم الطرق المناسبة لعصره. وحدثت ثورة معرفية بعد اختراع آلة الطباعة في أوائل القرن السادس عشر على يد غوتنبرغ[ر] ثم في الثورة السمعية البصرية، باختراع آلات التصوير والتسجيل الصوتي. وانتشرت المكتبات العامة والخاصة والمتاحف والمعارض التي أسهمت في شيوع قنوات تعليم الكبار. ولكن ثورة المعلومات الإلكترونية أتاحت للكبار التعلم الذاتي المفتوح، العرضي، والمقصود معاً. وكانت الحاجة لتعليم الكبار تتأثر بالأوضاع الراهنة في كل بلد، ففي الولايات المتحدة الأمريكية جرى التركيز على تعليم اللغة الإنكليزية وتحسين الزراعة، ومنها انتشرت إلى العالم. وخصصت الدروس المسائية والجامعات الشعبية والمفتوحة في كل من إنكلترة والدنمارك، وألمانية والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، واليابان ودول شرقي آسيا، وركزت الهند والصين على التعليم الزراعي بالراديو والتلفزيون. وتأسست في مصر وسورية مراكز ثقافية لتعليم الكبار منذ عام 1960، وتوسعت بالمكتبات وبأنشطة الوسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية. وتحسن تعليم الكبار في الدول العربية بعد تحسن أسعار النفط عام 1973. وأسهمت المنظمات الدولية في تعليم الكبار مثل اليونسكو والبنك الدولي واليونسيف، والمنظمة العالمية لتعليم الكبار، التي عقدت مؤتمرها الخامس في هامبورغ في تموز 1997. كما قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجهازها المتخصص «الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار» بأنشطة منوعة، منها وضع استراتيجية عربية لمحو الأمية عام 1976، واستراتيجية عربية لتعليم الكبار عام 1997، وأسهمت الجهود الفردية، والمنظمات الأهلية في ميدان تعليم الكبار وتدارك قصور المؤسسات الحكومية في هذا الميدان، وتأخر التشريعات الملزمة للتعليم الأساسي للكبار، ولكن الدول المتقدمة والنامية بما فيها الدول العربية، وضعت تشريعات ملزمة لإعادة التدريب والتعليم للمتخصصين الكبار في مهن التعلم والطب والهندسة والمحاسبة. أما المؤسسات الخاصة فقد سعت إلى إعادة تدريب موظفيها لمواجهة التغيرات في الأجهزة والبرمجيات والبرامج لتحسين أدائهم المهني ونشطت في إعادة التوازن بين تغير المهن وتغير التعليم. وبعد ثورة المعلومات، أصبحت المعلومات حاجة أساسية، في حياتنا المعاصرة، وغدت خدمة في المنزل والمكتب مما أشاع فكرة العالم الواحد الذي أصبح في متناول كل إنسان، كأنه قرية إلكترونية، أو فندقاً أو مقهى إلكترونياً، يرتاده جميع الناس ليترفهوا ويتعلموا من نظام تعلم مرن ومفتوح على العالم بكامله. ولذلك عاد العمل والتعلم إلى البيت المنتج أو البيت المدرسي. وأطلق عليه اسم البيت المدرسي school home المزود بالهاتف والفاكس (المثالة) والبريد الإلكتروني electronic mail وأصبح التعلم مفتوحاً داخل البيت، مما يحتمل أن يزيد من انتشار تعلم الكبير داخل البيت في المستقبل، ويحسن من فاعلية تعليم الكبار، ويقلل من كلفته، ولكنه قد يؤثر في ثقافة الشعوب ولغتها، وانتشار العولمة في الإعلام والمعلومات والاقتصاد. ولكن التعلم بوسائل المعلومات والإعلام الإلكترونية ما زال مكلفاً، ويتخلف الدول النامية والأشخاص الفقراء عن استخدامه وإلى أن تصبح كلفة المواد الإلكترونية أقل من كلفة المواد المطبوعة يبقى التعلم بالمواد المكتوبة والمطبوعة أكثر انتشاراً في تعليم والكبار وتعلمهم. واقع تعليم الكبار ما زال في العالم قرابة ألف مليون أميّ، وفي الوطن العربي أكثر من 60 مليون أميّ و9 مليون طفل في سن الإلزام لا يدخلون المدرسة. وفي القطر العربي السوري قرابة مليون ونصف أمي، ولذلك تبقى الحاجة إلى التعليم الأساسي للصغار والكبار معاً. وركزت البلدان النامية والعربية على محو أمية الكبار، أما البلدان المتقدمة فركزت على تعليم المتخصصين اللغة الإنكليزية وأساليب متطورة في الزراعة والصناعة والمعلومات. وبانتشار شبكات المعلومات أصبح تعليم الكبار أكثر فاعلية وأرخص ثمناً، وأشد انفتاحاً متجاوزاً حواجز المكان والزمان وقيود الحكومات والدول. وأنشأت معظم وزارات الدولة دوائر للتدريب والتدريب المستمر للموظفين، بما فيها وزارات التربية والتعليم العالي، والثقافة والإعلام والخدمات الاجتماعية. وتوسعت الدولة في خدماتها لتعليم الكبار بإنشاء المراكز الثقافية والمعاهد الثقافية، والمكتبات والمتاحف والمعارض الخاصة الدائمة والدورية. ولكن التحكم في تعليم الكبار لم يعد ممكناً من نظام واحد، بل أصبح نظاماً مفتوحاً معمماً على الشبكات العالمية المفتوحة مثل شبكة إنترنت، ونظام الشبكة العنكبوتية العالمية فيها المسماة نظام ويب العالمي WWW (WORLD WIDE WEB). وفي هذا النظام المفتوح يصعب إيراد إحصاءات تقديرية في البلدان النامية لتعليم الكبار. إذ يتم تعليم الكبار المهنة في التلمذة والمهنية وفي التدريب المهني قبل الخدمة وفي أثناء الخدمة، في جميع المهن السائدة. وقد تتغير المهن، فتظهر مهن جديدة، وتزول مهن قديمة، ولذلك أصبح الكبير يغير مهنته أكثر من مرة في حياته المهنية، أو يطور أساليب مهنته لتواكب التغيرات في المعلومات والتقنيات، وتصبح منتجاته المهنية أقدر على المنافسة المحلية والعالمية. وشاعت أنظمة التعلم المفتوح المستمر للتدرب على المهن الجديدة والتقانات الجديدة، كالتعليم بالمراسلة أو بالإذاعة والتلفزيون أو التعليم المفتوح من بعد، وعن بعد، وتأسست جامعات مفتوحة في بريطانية وألمانية، واليابان، واسترالية وكندا وغيرها من البلدان المتقدمة وكذلك في الهند والصين والباكستان والتايلند في البلدان النامية، والتعليم بالإذاعة والتلفزيون في الدول العربية. وسيزداد تعلم الكبار في الشبكة العالمية للحاسوب المسماة «ويب» لأنها تعلم بوسائط وقنوات متعددة مكتوبة ومسموعة ومرئية ومتحركة متجاوزة معظم الحواجز الاقتصادية والجغرافية والحكومية لجعل التعلم للجميع. ويشترك في نظام الإنترنت أكثر من مئة مليون حاسوب في أواخر عام 1997 يترفهون ويتعلمون فيه أحدث المعلومات وأوسعها شمولاً، مما ربط كثيراً بين المعلومات المفتوحة والتعلم المفتوح للكبار. وعندما توضع لهذه الشبكة أنظمة وحاسوب شبكي يسهل الاتصال بها يصبح التعلم بها أكثر فاعلية وأرخص ثمناً وأكثر مناسبة لحاجات كل إنسان. ويتوقع بل جيتس Bill Giates بعد أن سيطر على نظام المعلومات وشبكات الاتصال في العالم، وكما ذكر في كتابه «الطريق أمامك» The Rood Ahead وبعد إطلاق الأقمار الاصطناعية للاتصالات، أن تقل قيمة خدمة المعلومات، فتصبح خدمة داخل البيت شأن الماء والكهرباء والهاتف. وبذلك تسهم المعلومات في تنمية الفرد والمجتمع والعالم كله إذا أحسن استخدامها في نظام تعليمي لتنمية الإنسان. ويحتاج كل إنسان أن يتعلم كيف يتعلم؟ أي أن لا يضيع وقته بالمعلومات المبعثرة والتافهة، وأن يختار البرامج الملائمة، وأن يوازن بين الترفيه والتعلم، لكي يحسن حياته في الحاضر والمستقبل. مشكلات تعليم الكبار مازال تعليم الكبار يعمل في نظام واسع ومفتوح و يصعب التحكم فيه ضمن نظام مغلق، وينشأ عن ذلك مشكلات وعوائق، وقد أسهمت الحروب والنزاعات في عدم ضبط تعليم الكبار في أدنى مستوياته وهو محو الأمية، ولكن، في الوقت نفسه، أفادت وسائل الإعلام والمعلومات المتعددة في تعلم الكبار الشفاهيين (الأميين) تعلماً يتصل بحياتهم الصحية والبيئية والاقتصادية وحسّنها. ومع أن نسبة الأمية تتناقص عالمياً وعربياً، إلا أن الأمية تزداد كميّاً، بسبب زيادة نسبة المواليد على نسبة من محيت أميتهم. كما أن الفجوة الحضارية قد تزداد بين الدول المتقدمة التي أسرعت في الاستفادة من نظم المعلومات الحديثة وانتهاج استراتيجيات ملائمة لتعليم الكبار، وبين الأمم المتخلفة عن مسايرة الركب السريع في المعلومات والتقانات والمهن. وما زالت التشريعات والاستراتيجيات لتعليم الكبار متخلفة عن نظام المعلومات والمهن سريع التغير. وتتطلب الحاجة إلى إسهام الجميع، والمحرومين منهم، في مجال التعلم والتعليم مدى الحياة، للوصول إلى تنمية شاملة أفضل من السابق. ولذلك فليست المشكلة في ضرورة تعليم الكبار بل في سرعة التعلم والتعليم ليواكب المعلومات التي تغذُّ في سيرها السريع ويحتاج الكبير في هذا العصر أن يتعلم كيف يتعلم من التقانات المتعددة المتوافرة. فخر الدين القلا الموضوعات ذات الصلة: الاجتماع التربوي (علم ـ) ـ التعليم الأساسي والإلزامي ـ الإنترنت. مراجع للاستزادة: ـ إعلان مؤتمر هامبورغ لتعليم الكبار (اليونسكو 1977). ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار، علم تعليم الكبار (الأجزاء من 1-5) ـ فخر الدين القلا، محو الأمية وتعليم الكبار (مديرية الكتب الجامعية، جامعة دمشق 1993). - Bill Gates, The Road Ahead (Viking Penguin 1995).