logo

logo

logo

logo

logo

الملهاة المرتجلة

ملهاه مرتجله

Commedia dell'arte - Commedia dell'arte

الملهاة المرتجلة

 

الملهاة المرتجلة Commedia dell’arte ظاهرة مسرحية انتشرت في إيطاليا في أثناء القرنين 16- 17م، وأثرّت في نهضة مسارح البلدان المجاورة مثل فرنسا وألمانيا والنمسا. انطلقت الملهاة المرتجلة من مجموعات من الممثلين المحترفين (arte = حرفة، صنعة) الذين يعتمدون في عروضهم بصفة رئيسية على الارتجال improvisation في الحركة والكلام معاً، انطلاقاً من حدوتة بسيطة، يُكتب ملخصها في عنوانات المشاهد المتتالية باسم «سيناريو» scenario على جانبي العربة (المنصة الجوالة)، أو على طرفي «كواليس» المسرح، كي يتذكر الممثلون ما عليهم أن يؤدوه كلما خرجوا إلى المنصة لمواجهة الجمهور. ومن ثم تعد الملهاة المرتجلة ظاهرة مسرحية غير أدبية، لأنها لا تعتمد في عروضها على نصوص مسرحية أدبية لكتّاب معروفين أو جدد كسائر الفرق المسرحية الأخرى، وإنما على «الحدوتة» (السيناريو الحركي) التي يبتكرها عادة مديرو الفرق.

بدأت ظاهرة الملهاة المرتجلة نحو منتصف القرن السادس عشر في مدينة ڤينيسيا (البندقية)، حين ابتكر الممثلون المحترفون أسلوب أداء جديد، استقوا مادته من تقاليد الكرنڤال Carnevale ومسرح السوق الذي يعتمد على المهرّجين والمشعوذين والبهلوانات ونماذج نمطية من الحكايات البسيطة، كما اقتبسوا بعض شخصيات «الملهاة العالمِة» Commedia erudita من مسرح عصر النهضة، إضافة إلى كثير من حكايات بوكاتشو[ر] وغيره من القصاصين الشعبيين. ومنذ مطلع القرن السابع عشر انطلقت الفرق في جولاتها إلى المدن الأخرى داخل إيطاليا وخارجها، محفّزة على تأسيس فرق مماثلة أخرى هنا وهناك. واللافت هو أن هذه الفرق قد اتخذت لنفسها أسماء ذات دلالة، مثل «فرقة الغيورين» Gelosi و«فرقة المؤتمَنين» Confidenti و«فرقة المخلصين» Fedeli و«فرقة المتحدين» Uniti. وصارت تستضيفهم كبريات القصور والبلاطات والمسارح، لما في عروضهم من جدة ومتعة وإضحاك، ونقد لاذع أحياناً بحسب شخصيات أعضاء الفرقة ومستواهم الثقافي ووعيهم السياسي. وكانت هذه الفرق تتألف دائماً من الجنسين، وكان بعض مديري الفرق على درجة عالية من الثقافة والاطلاع على ما يجري في البلد اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، فكانوا يدخلون في سجالات على صفحات الدوريات مع كبار علماء العصر وأدبائه ومفكريه، كما كانوا يزيدون من الجرعة النقدية في عروضهم ارتجالاً، مما عرضهم للملاحقة والعقوبات المالية أحياناً، وإلى السجن أو النفي أحياناً أخرى، عند تجاوزهم ما سمي منذئذٍ بالخطوط الحمراء. أما نجاح عروضهم خارج إيطاليا فيُعزى إلى تركيزهم على الأداء الحركي، بحيث يفهم المشاهد ما يجري دونما حاجة إلى معرفة اللغة الإيطالية. وقد اشتهروا بفقرات فكاهية «كوميدية» حركية تدعى «لاتسي» Lazzi تتطلب من الممثل مهارات بهلوانية مثل «فقرة ملاحقة الذبابة المزعجة» أو «مقاومة الحارس لسلطان النوم».

تتميز عروض الملهاة المرتجلة بشخصياتها النمطية الأربع الرئيسية التي يرتدي كل منها قناعاً نصفياً خاصاً وزيّاً لا يتغير. ومن هؤلاء الأربع يأتي اجتماعياً أولاً العجوزان: التاجر الڤينيسي بَنتْلونِه Pantalone، والدكتور Dottore القادم من جامعة مدينة بولونيا Bologna، ويظهر مقابلهما اجتماعياً الخادمان الشابان: بريغِلاَّ Brighella الذي اشتهر لاحقاً باسم آرلِكينو  Arlecchino في إيطاليا وآرلوكان Arlequin في فرنسا، والثاني بولتشينِلاَّ Pulcinella القادم من أقصى الجنوب.

يُرجَّح أن الممثل الشهير جوليو باسكواتي Giulio Pasquati هو الذي ابتكر شخصية بَنتْلونِه التي صارت نمطاً يمثل البرجوازية الكبيرة، وهو فضولي طماع بخيل،  يتعرض دائماً لمؤامرات منافسيه، لكنه متلهف دائماً إلى علاقة عاطفية مع صبية أو زوجة فتية، ولما كان مقتنعاً بفتنته وسحر شخصيته الذي لايقاوم، فهو عرضة دائماً للسقوط في الأفخاخ التي تنصب له من قبل العشاق الشباب والخدم الناقمين. أما الدكتور فهو أكاديمي متبجح وطبل أجوف، ينثر مواعظه الأخلاقية حيثما تحرك وكيفما اتفق، لكنه في واقع الأمر جاهل ببديهيات الحياة اليومية، مما يوقعه دائماً في مصايد الحسّاد والمتآمرين.

وفي أواخر القرن السادس عشر أُضيف إلى هؤلاء الأربع نمط الجندي المتبجح، الإسباني المحتل المدعي والمرتزق والثرثار، أي القبطان Capitano الذي عُرف لاحقاً باسم سكاراموكو Scaramucco، وهو استمرار لشخصية الجندي المرتزق والمدّعي الكبير miles gloriosus عند اللاتيني بلاوتوس[ر].

أما محركو الأحداث ومبتكرو المقالب والحلول فهم بطبيعة الحال الخدم الذين يتحدثون بعامية مدينة بِرْغاما Bergama. ويتصف آرلكينو بكونه فقيراً وجائعاً وبسيطاً مما يدفعه دائماً إلى تدبير المكائد للحصول على المال أو الطعام، فيتعرض في أثناء الأحداث لمكائد مضادة وللضرب والتعنيف، لكنه لطيبة قلبه يخرج من الأزمة دائماً منتصراً. في حين أن بولتشينِلاّ، الفلاح الخشن، يُحلّ لنفسه ما يحرّمه على الآخرين ولا يرتدع عن القيام بأي فعل من أجل مصلحته، وهو ماكر خبيث. والمقابل الأنثوي للخادمين هي دائماً كولومبينا Colombina ذات اللسان الحلو حيناً والقاتل حيناً آخر، فهو سلاحها في جميع الحالات والمآزق، إلا أنها محبة وطيبة القلب وتحب الحياة.

أما الشخوص التي تظهر في الحدث بأزياء جميلة غير نمطية وبلا أقنعة فهم العشاق الشباب Innamorati الذين تسبب غرامياتهم المشكلات للآخرين من دون أن يكون لهم يدّ في ذلك. أدوارهم ثانوية لأنهم يحفزون على تطور الأحداث من غير أن يتورطوا فيها. وأسماؤهم تختلف من فرقة إلى أخرى.

لقد كان لفن الملهاة المرتجلة تأثير جلي في مسرحيين كثيرين في أوربا، وأبرزهم موليير[ر] الذي تدرب مدة طويلة في إحدى الفرق المقيمة في باريس، واستقى كثيراً من شخصياتها وموضوعاتها.

 

 

نبيل الحفار

الموضوعات ذات الصلة:

الأدب الشعبي ـ الارتجال، المسرح.

مراجع للاستزادة:

- SHELDON CHENEY, The Theatre, Three Thousand Years of Drama, Acting and Stagecraft (London 1972).

- VITTO PANDOLFI, La Commedia dell’arte. Storia e Testi (Firenze 1957).


التصنيف : الأدب
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 448
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 512
الكل : 31743724
اليوم : 19185

كنتال (أنتيرو دي-)

كِنتال (أنتيرو دي ـ) (1842ـ 1891)   أنتيرو دي كِنتال Antero de Quental، أحد أبرز الأسماء في الشعر البرتغالي الحديث، ورائد ما يسمى «جيل كويمبرا». ولد لعائلة أرستقراطية في ساو ميغِل São Miguel إحدى جزر الآزور البرتغالية في المحيط الأطلسي. ومع انتقاله للدراسة في البر البرتغالي انتسب إلى جامعة كويمبرا Coimbra، وأظهر تميزاً لافتاً بين أقرانه الذين شاركوه الثورة على الجيل القديم والشكلية السائدة في الأدب، وطالبوا بالإصلاح والتجديد، ليس على صعيد الأدب فحسب، بل في مختلف المجالات الأخرى السياسية والاجتماعية.
المزيد »