logo

logo

logo

logo

logo

مهابهاراتا

مهابهاراتا

Mahabharata - Mahâbhârata

مهابهاراتا

 

«المهابهاراتا» Mahabharata ملحمة الهند الكبرى باللغة السنسكريتية[ر]، وأحد المصادر المهمة لمعرفة تاريخ الديانة الهندوسية[ر] وتعاليمها وفلسفتها وأخلاقها. وتُعدّ مع أختها ملحمة «رامايانا[ر] أثرين أدبيين ولغويين بارزين في تاريخ الإبداع الفكري الهندي. وهي تنسب تقليدياً إلى ڤـياسا Vyasa الذي يقال إنه من دوَّن كتب الـڤيدا[ر] أيضاً. ومن حيث حجمها تُعدّ المهابهاراتا  ثالث أطول ملحمة شعرية في الأدب العالمي بعد «ملحمة الملك غيزار» Epic of King Gesar، و«ملحمة مِناس» Epic of Manas القرقيزية؛ فهي تتألف من مئة ألف بيت مزدوج، ومن مليونين ونصف المليون كلمة. وهي ليست مجموعة حكايات عن ملوك وأمراء وعرّافين وشياطين وآلهة وحسب، بل إنها تنطوي على عمق فلسفي شامل، لايقتصر على الهندوس فقط، وهنا يكمن سر تأثيرها عبر العصور. ففي بيتين افتتاحيين من الكتاب الأول يرد المعنى الآتي: «ما تجده هنا قد تجده في مكان آخر. وما لم تجده هنا؛ لن تجده في أي مكان آخر». كما يوضِّح مؤلفها ڤـياسا مغزاها بكونها تفسِّر للمتلقي (المستمع/القارئ) أهداف الحياة الأربعة: الاستمتاع، والإثراء، والقيام بالواجب، وتحرير الذات. وتحرير الذات هو الهدف الأعلى الذي يحققه خطّ الفعل الرئيسي في الملحمة، وهو كذلك أسمى غايات الإنسان حيثما وجد.

تتألف «المهابهاراتا» من ثمانية عشر قسماً؛ إضافة إلى ملحق بعنوان «سلالة نسب الإله هاري» Harivamsa أي: كريشنا- ڤـيشنو Krishna-Vishnu. ويرى الباحثون أن الملحمة في شكلها الحالي قد مرت بمراحل جمعٍ وصقلٍ للمواد التراثية وإضافاتٍ إليها، في زمن امتد بين القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الرابع بعد الميلاد، ومن ثم فإن نسبتها إلى ڤـياسا رمزية ذات مغزى ديني ثقافي تاريخي. أما الحرب التي تحتل موقعاً مركزياً في الملحمة فيرجح الباحثون أنها قد وقعت نحو 1300ق.م استناداً إلى الملحمة القصيرة «النصر» Jaya التي يُعتقد أنها أصل «المهابهاراتا»؛ كما يحيل الباحثون الحدث المركزي إلى مرحلة حضارة وادي الهند، فكل المدن والسلالات الحاكمة الواردة في «النصر» تكاد تُطابق الوصف الذي ورد في حرب المهابهاراتا العظمى التي أدت إلى زوال البشرية عن الوجود. وما يرجح ذلك هو أختام هَراپان Harappan التي كُشف عنها مؤخراً في مدينة دواراكا Dwaraka (مدينة كريشنا).

تُصنف لغة «المهابهاراتا»، من حيث التحليل اللغوي علمياً، على أنها «سنسكريتية ملحمية» تطورت ما بعد «السنسكريتية الـڤـيدية»؛ وتعود أقدم آثارها إلى القرن الخامس ق.م، وتمتد حتى القرن الثاني بعد الميلاد. ومهما اختلف الباحثون - من هنودٍ ومستشرقين غربيين - حول تحديد زمن أحداث الملحمة تاريخياً؛ يبقَ الأمر ثانوياً أمام موقع النص الملحمي المهم في سياق الأدب السنسكريتي الكلاسيكي والثقافة الهندية عامة وتأثيره في الحضارات المجاورة الأخرى.

احتفالات مملكة هستينابورا

وكما هي الحال بصدد الآثار الأدبية الهندية الأخرى وغيرها عالمياً تمَّ تناقل نصّ ملحمة «المهابهاراتا» في صِيَغِهِ المختلفة جغرافياً بين شمالي الهند وجنوبيّها شفاهة من جيل إلى آخر. إلا أن ما يميز العملية بصدد «المهابهاراتا» هو تطلب الحفظ الدقيق والحرفي لكلمات النص وأشكال لفظها من غير لَحْن، كما في النصوص المقدسة. ولهذا فإن بعض التغييرات الطارئة بين صيغة قديمة وأخرى أحدث منها لا تُعزى إلى خطأ وقع سهواً، بل إلى تغيير مقصود وإضافات تناسب روح العصر الجديد والتطورات الحاصلة في أثنائه.

يتمحور مركز حكاية الملحمة حول الصراع على السلطة/العرش في مملكة هَسْتينابورا Hastinapura التي تحكمها سلالة كورو Kuru. والطرفان المتصارعان داخل السلالة هما: جيل كاوراڤـا Kaurava القديم، وجيل بانداڤا Pandava الجديد. وتؤدي ذروة الصراع إلى معركة كوروكْشِترا Kurukshetra التي يحقق فيها جيل بانداڤا نصراً ساحقاً ماحقاً، يُنهي الجيل الآخر عن بكرة أبيه، لكنه لا يبقي من جيل المنتصرين سوى القادة - الأخوة الخمسة - من جيل بانداڤا الذين يأخذون طريق الجنة، متساقطين على الدرب؛ الواحد تلو الآخر، بحيث لايتبقى لمواجهة الرب سوى كبيرهم وأكثرهم حكمة وصبراً. وفي الوقت نفسه تدل مسيرة الأحداث على بداية عصر كالي يوغا Kali Yuga الهندي - وهو العصر الرابع والأخير من وجود البشرية - حين تنهار القيم العظيمة والأفكار النبيلة، ويتسارع مصير الإنسان باتجاه الفناء بانحلال مفاهيم العدالة والخير والفضيلة. فمثلاً نذر بهيشما Bhishma نفسه دائماً للدفاع عن مملكة هَسْتينا بورا مهما كان حاكمها، فإذا به يدافع عن الشر، عارفاً أن انتصار البانداڤا لن يكتمل إلا بموته، فيضحي بنفسه من أجل تحقيق النصر لقوى الخير.

احتفال مجلس الآلهة في الغابة

يعتمد أسلوب السرد في «المهابهاراتا» على الحكاية التوليدية الاستطرادية، كما في «ألف ليلة وليلة»[ر]، وهو أسلوب شائع في الأعمال الدينية والدنيوية الهندية. وقد ورد في متن النص أن أحد تلاميذ ڤياسا يروي أحداث الملحمة للملك جاناميجايا Janamejaya الذي تمتع سلفه الأكبر شانتانو Shantanu بزيجة قصيرة الأمد مع الإلهة غانغا Ganga، وكانت الثمرة الابنَ بهيشما ذا الصفات البطولية الذي صار وليّ العهد. وفي أثناء رحلة صيد بعد عدة سنوات يلتقي الملك شانتانو الفتاة ساتياڤاتي Satyavati؛ وهي ابنة صياد سمك، فيُغرم بها من أول نظرة، ويرغب الزواج بها، فيشترط والدها أن يكون لوليدها الحق باعتلاء العرش بعد والده. فينزل بهيشما عن حقه في العرش، ويقسم على البقاء عازباً طوال حياته؛ مما يكسبه في الممالك المحيطة لقب «ذو القَسَم الرهيب». لكن ابن ساتياڤاتي يموت شاباً، فيخلفه على العرش ابنه الأصغر باندو Pandu؛ لأن الأكبر دهريتراراشترا Dhritrarashtra مصاب بالعمى. إلا أن اللعنة التي جعلت باندو عاقراً تدفعه إلى الاعتزال في الغابة حيث يستخدم تعويذة سحرية لاستدعاء مجلس الآلهة للبتّ في مشكلته، وسرعان ما تنجب زوجته الأولى ثلاثة ذكور، وزوجته الثانية ذكرين توءمين، ثم تموت مع زوجها في الغابة، فتعود الأولى مع أبنائه الخمسة إلى مملكة هستينابورا؛ حيث يبدأ التنافس، وتزداد الكراهية بين أبناء دهريتراراشترا (الكاوراڤا) وأبناء باندو (البانداڤا) الذين كانوا المفضَّلين لدى معلم البلاط درونا Drona،  فنشؤوا؛ ليصيروا ذوي صفات استثنائية، إما على صعيد القوة الجسدية وإما الفضيلة النفسية وإما الجمال الفائق. في حين يغتذي أبناء دهريتراراشترا في نشأتهم الحقد والحسد والتآمر. وعندما يبلغ الأمراء مبلغ الشباب يدخلون في مباراة لإثبات نقاط قوة كل طرف منهم؛ مما يؤكِّد تفوق البانداڤا، ويعمق حقد الكاوراڤا وتآمرهم؛ بحيث يحصل كبيرهم وأكثرهم دهاءً بالخديعة في أثناء المباراة على حليف محارب قوي مشكوك في نسبه ويصير عنصر حسمٍ في المعركة بين أبناء العمومة المتحاربين.

الإله كريشنا على العربة يتناول الدولاب من المحارب آرجونا

يقوم دوريودهانا Duryodhana كبير الكاوراڤا بإحراق قصر البانداڤا الذين تصلهم نواياه مسبّقاً، فيهربون إلى المنفى مدة من الزمن وفي ظروف صعبة، لكن المحارب فيهم آرجونا Arjuna يتمكن من خطبة الأميرة دراوبادي Draupadi، ويعود بها إلى أمه وإخوته. ولكن أمّه لا تنتبه لهيئتها، وتتخيلها زوَّادة طعام، فتطلب منه أن يشاركها إخوته. وليضمن الأخوة أن أمهم النبيلة لا تخطئ - وإنْ لفظاً - بسبب مكانتها المبجلة؛ فإنهم يجعلون من دراوبادي - بموافقتها- زوجة مشتركة. وفي هذه الظروف العصيبة يلتقون الإله كريشنا الذي يصير حليفهم ومرشدهم؛ مما يساعدهم على العودة إلى المملكة. وعندها يتخلى لهم دوريودهانا عن العرش راضخاً للظرف القاهر. وسرعان ما يسيطر البانداڤا على جميع المناطق الهندية والمجاورة لها أيضاًً، ويصبح كبيرهم يودهيشثيرا Yudhishthira امبراطورا؛ مما يؤجج حقد دوريودهانا الذي يستعين بخاله الداهية شاكوني Shakuni المقتنع بأن دوريودهانا وجميع حلفائه لن يصمدوا في وجه البانداڤا، ولهذا كان لابدّ من اللجوء إلى الحيلة؛ للتخلص منهم، فيُجبر كبيرَ الكاوراڤا على دعوة البانداڤا إلى مباراة بلعبة النرد، يستخدم فيها الحيلة، بحيث يخسر البانداڤا حريتهم وممتلكاتهم وسلطانهم. ويكاد المحتفلون بالنصر من الكاوراڤا أن يُجرِّدوا دراوبادي من ثيابها لولا هيبة كريشنا. وعند هذا الحد من تطور الأحداث يتدخل الكبار، ويكشفون غشّ شاكوني الذي يفرض مباراة أخرى مكشوفة، يفوز بها، ويضطر الخاسر إلى اللجوء إلى المنفى مدة ثلاث عشرة سنة.

عانت جماعة البانداڤا في المنفى صعوبات جمة، وخاضت مغامرات كثيرة متنوعة، فالتمست الحصول على بعض القرى من امبراطوريتها الشاسعة سابقاً بهدف الاستقرار؛ إلا أن دوريودهانا يرفض ذلك، كما لا يستجيب لاقتراح السلام الذي يقدمه كريشنا لإيقاف العداوة والكراهية المؤذية. فلا يبقى من حلّ سوى الحرب البغيضة. يحشد الطرفان جيوشاً جرارة ويحصل كل منهما على مساعدات واسعة من ممالك وإمارات مختلفة، ويتواجهان في سهل كوروكِشترا. وينفطر قلب آرجونا لوقوف البطل بهيشما ومعلمهم درونا في صف الأعداء بسبب القسم الرهيب؛ ولفكرة اضطراره إلى قتلهما في المعركة. وفي القسم الأكثر قداسة وشهرة من الملحمة، الموسوم - بـ«نشيد الرب» Bhagavad Gita - يدخل الإله كريشنا بصفته سائق عربة آرجونا في حوار معه حول الحياة وأهدافها ومغزاها، ويحثه على القيام بواجبه. ويعدّ هذا النص تحديداً بالغ الأهمية في الديانة الهندوسية.

وعلى الرغم من الالتزام المعلن - بادئ ذي بدء - بأخلاق الفروسية في الحرب، سرعان ما تنحدر جماعة الكاوراڤا إلى مستوى ارتكاب المجازر، وجماعة البانداڤا إلى الخدع العسكرية. وفي ختام المذبحة التي استمرت ثمانية عشر يوماً لا يتبقى على قيد الحياة سوى مجموعة البانداڤا وكريشنا، وبعض قدامى المحاربين من جانب الكاوراڤا. وفي مواجهة هذه الخسارة الفادحة والمحزنة لاتستطيع غاندهاري Gandhari والدة الكاوراڤا النبيلة إلا أن تلعن كريشنا بأن يلاقي ما لاقته من فقدان ذريتها؛ ولاسيما أنه الإله القادر على إيقاف الحرب وإنقاذ الأرواح، ولم يفعل. ويقبل كريشنا اللعنة؛ لأنه كان قد صمم على قطع دابر الملوك الأشرار. وتتحقق اللعنة بعد ستة وثلاثين عاماً، فيغادر كريشنا عالم البشر ومملكة البانداڤا. أما ملوك البانداڤا الذين حكموا بالعدل طوال المدة المنصرمة، وصدمهم مصير كريشنا فأرهقهم؛ فإنهم يعتزلون كل شيء ويصعدون جبل هيمالايا نحو السماء متساقطين على الدرب واحداً إثر الآخر. ولا يتمكن من الوصول إلى الجنة سوى الحكيم يودهيشثيرا الذي بذل كل ما في وسعه لتجنب المذبحة البشرية؛ والذي لم يكن سعيداً باعتلائه العرش بعدها. وعلى الأرض يتابع حكم مملكة بانداڤا العادلة حفيد آرجونا الذي يموت بعضة أفعى، فيثور ابنه العنيف جاناميجانا ويقرر إقامة طقس احتفالي يضحّي فيه بجميع أفاعي الأرض. وفي أثناء هذا الطقس تُروى له ملحمة أجداده، فيتوقف طقس الأضاحي، وتُنقذ الأفاعي.

تُعدّ «المهابهاراتا» في المقام الأول عرضاً لأنواع السلوك، ولاسيما السلوك القويم لملك أو محارب أو إنسان يمر بنكبة فاجعة، أو إنسان آخر يبحث عن الاستنارة في عملية التناسخ والعودة إلى الحياة. والحقبة الطويلة التي بلغت الملحمة فيها شكلها الحالي كانت مرحلة انتقالية من الديانة الـڤـيدية وطقوس الأضاحي إلى التعبد الذاتي الهادي في الهندوسية اللاحقة. ولاشك في أن بعض أجزاء الملحمة يعبر عن معتقدات متباينة، قد تبلغ حد التناقض. وثمة مقاطع أخرى في الملحمة -إضافة إلى الملحق «هاريـڤامشا» - تعد مصادر مهمة للاطلاع على فكر «ڤايشناڤيتِه» Vaishnavite المبكر، إذ يتماهى كريشنا في الإله ڤيشنو.

رُويت الملحمة في نصها المكتوب بلغات متعددة، وبعاميات متعددة شفاهة في جميع أنحاء جنوب شرقي آسيا، وحازت دائماً شعبية واسعة وتأثيراً ملموساً. كما نُحت كثير من وقائعها في الحجر؛ ولاسيما بأسلوب الحفر النافر، وكذلك بأسلوب لوحات المنمنمات الجدارية في الهند وكمبوديا.

نبيل الحفار

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الملحمة ـ الهند.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- E.P.RICE, The “Mahabharata” Analysis and Index (London 1934).

- G.J.HEID, The “Mahabharata”, An Ethnological Study (Amsterdam 1935).

- KLAUS MILIUS, Geschichte der Literatur im alten Indien (Leipzig 1983).

- P.THOMAS, Epics, Myths and Legends of India (Bombay 1957).


التصنيف : الآداب الأخرى
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 765
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1108
الكل : 40579578
اليوم : 109393

الألم (ف)

الألم   الألم douleur شعور شخصي بعدم الارتياح أو بوجود أذى من شدة ما، لا يعرفه إلا من يجربه ولا يحسن وصفه إلا من يعانيه. والألم أول دلائل المرض، وهو شعور واقٍ ومحذر غايته حفظ الذات، إذ من دونه يمكن أن يطعن الإنسان أو يصاب بحرق أو بمرض خطير أو جهد قاتل من غير أن ينتبه للخطر الذي يهدده. وقد يكون الألم تعبيراً عن أذية نفسية سببها عمل لا يرضى عنه صاحبه، أو أوضاع عائلية أو اجتماعية صعبة، أو قلق أو خوف من مرض خطير، أو تهديد لتقدير الذات، كما قد يكون العرض الأول لكآبة خفيفة أو عصاب مستتر.
المزيد »