logo

logo

logo

logo

logo

المغرب العربي الكبير (جغرافيا)

مغرب عربي كبير (جغرافيا)

Maghreb - Maghreb

المغرب العربي الكبير (جغرافياً)

 

على الرغم من أن أرض المغرب العربي الكبير تنقسم إلى عدد من الوحدات السياسية المتميزة (تونس والجزائر والمغرب) فهي تمثل وحدة جغرافية لها شخصيتها التي تميزها من جهات إفريقيا الأخرى، وقد لاحظ الجغرافيون هذه الوحدة منذ زمن بعيد، فأطلقوا عليه، في جملته، اسماً واحداً، كان يختلف من حين إلى حين، حتى جاء العرب فسموه باسم «جزيرة المغرب» لوقوعه بين بحرين: أحدهما من الماء والآخر من الرمال، وميّز العرب بين أقطاره الثلاثة بأن أضافوا لفظة المغرب صفة تدل على الموقع، فكان «المغرب الأدنى» ويُقصد به تونس« والمغرب الأوسط» ويقصد به الجزائر و«المغرب الأقصى» ويقصد به المملكة المغربية، فلما برز اسما تونس والجزائر  أصبح المغرب مقصوراً على المملكة المغربية وحدها.

يُطلق على هذه البقعة أيضاً اسم « منطقة الأطلس»، لأن جبال الأطلس بفروعها تؤلف هيكله العام، وعُرفت أقسامها الغربية قديماً باسم «بلاد السوس»، وهناك اسم آخر لهذه البقعة وهو «بلاد البربر»، وهو اسم كان شائع الاستعمال في العصور القديمة والعصور الوسطى، لأن هذه المنطقة هي موطن قبائل «البربر». كما يطلق عليها بعض الجغرافيين الأوربيين اسم «إفريقيا الصغرى» تشبيهاً لها بآسيا الصغرى، مستندين إلى أن بلاد المغرب العربي تؤلف منطقة خاصة، ذات مظاهر جغرافية طبيعية تختلف عن بقية القارة الإفريقية، بل إنها أقرب إلى أوربا منها إلى إفريقيا من ناحية التركيب الطبقي والتاريخ الجيولوجي والمناخي والناحية البشرية، لأنها في مجموعها جزء من المجموعة الألبية التي تشكلت في الدور الزمني الثالث، في حين يعود تاريخ بقية الأرض الإفريقية إلى زمن سابق لهذا الدور الجيولوجي.

تمتد في جزيرة المغرب سلسلة جبال الأطلس، وهي حلقة من سلاسل جبال التوائية، تؤلف إطاراً جبلياً حديث العهد، نشأ مع جبال الألب، وتفرع في جنوب أوربا، فهي متممة لجبال سييرانيفادا الإسبانية من الغرب، ولجبال صقلية وجبال أبنين الإيطالية من الشرق، ولايفصلها عنهما إلا حفر انهدامية ضيقة، مثل جبل طارق (وعرضه 15كم وعمقه 450م). وعلى هذا الأساس فإن الأوربيين يعدّونها قوساً ألبيةً ملحقةً بأوربا من الناحية الجغرافية، بمنشئها وتشكلها وتضاريسها.

تمتد جبال الأطلس من ساحل الأطلسي في المملكة المغربية إلى رأس بون في تونس، ويقل ارتفاعها تدريجياً بالاتجاه شرقاً، ففي حين يبلغ ارتفاعها في المملكة المغربية 3500م وتصل بعض قممها إلى 4000م، فهي لاتؤلف في تونس سوى هضبة قليلة الارتفاع، لاتتجاوز الألف متر، وهي سلاسل شبه متوازية، تجتمع جميعاً في نقطة واحدة في تونس، وتتفرع بخطوط شبه مستقيمة نحو الغرب، لتغطي مساحة واسعة في المملكة المغربية. ويمكن تمييز مجموعتين كبيرتين فيها: مجموعة الأطلس الشمالية ومجموعة الأطلس الجنوبية.

مجموعة الأطلس الشمالية: وهي تكملة لجبال سييرانيفادا الإسبانية، تبتدئ عند رأس سبتة Ceuta في المملكة المغربية، وتكون قوساً جبليةً تُسمى أطلس الريف Atlas Rifain، وهو متوسط الارتفاع، ومن قممه جبل موسى الذي يرتفع إلى ألف متر تقريباً، أما أعلى ارتفاعاته، ففي جبل بني حسن الذي يقرب من ألفي متر.

وإلى الشرق من منطقة مليلة يوجد نهر الملّوية الذي يفصل بين جبال الريف والسلاسل الأطلسية الأخرى الممتدة في شمالي الجزائر وتونس. وتنحدر الأطلس الشمالية، بصفة عامة، إلى البحر على شكل مدرجات، حتى يصبح من السهل أن يُطلق عليها اسم الهضاب الساحلية، مكونة أحواضاً لها شخصياتها الجغرافية الخاصة، مثل سهل سيغ الذي يفصل بين هضبة الضهرا والسلسلة الممتدة فيما بين مليلة ووهران، وهذه الطبيعة السهلية هي العامل الأول في نشأة مدينة وهران، ثم سهل «متيجة» الذي يفصل بين هضبة الضهرا وهضبة القبائل، وإليه يرجع الفضل في نشأة مدينة الجزائر.

وتعرف الجبال الساحلية في الجزائر باسم أطلس التل أو أطلس البحرية التي هي تكملة لجبال الريف في المملكة المغربية. ويبلغ متوسط ارتفاع هضبة القبائل نحو ألفي متر، وتمتد منها نحو الشرق سلسلة جبلية في تونس، وهي سلسلة متقطعة بسبب الحركات الباطنية. وتمتاز أطلس التل هنا بانحدارها الشديد نحو السواحل الشمالية ونحو الأحواض الجنوبية المنعزلة. وتستمر جبال التل في امتدادها نحو الجهات الشرقية، ولكنها تصبح أقل ارتفاعاً وأقل تواصلاً، وتظهر في منطقة تونس وشبه جزيرة بون، وفيها يوجد جبل سيدي عبد الرحمن الغربي الذي يرتفع إلى 637م. ويفصل هذه الجبال المنخفضة عن جبال التل الأكثر ارتفاعاً خليج بنزرت والسهول التي حوله.

أما مجموعة الأطلس الجنوبية، فهي أكثر ارتفاعاً من الشمالية وأكثر تعقيداً. وهي تتألف في المملكة المغربية من سلسلة رئيسية متوسطة تُدعى الأطلس الأعلى Le Haut Atlas، ومن سلسلتين ثانويتين إحداهما في شمال الأطلس الأعلى، وتدعى الأطلس الأوسط Le Moyen Atlas وثانيتهما في جنوب الأطلس الأعلى، وتُدعى الأطلس الداخلية أو ماوراء الأطلس L’Anti-Atlas. وهذه السلاسل الثلاث تنتهي فجأة في جزر كناريا L’Archipel des Canaries، لكنها تمتد شرقاً لتنتهي عند رأس بون في تونس، مقابل جزيرة صقلية، وفي الجزائر، فإن الأطلس الأعلى هو الذي يمتد إليها، مبتعداً عن أطلس التل أو البحرية Atlas Tellien or Méditerranéen، ليترك بينه وبينها منطقة تدعى النجود العليا أو هضبة الشطوط، وتأخذ هذه الأطلس الجنوبية في الجزائر اسم الأطلس الصحراوي Atlas Saharien، وهو أقل ارتفاعاً من الأطلس الأعلى، ويصبح اتجاهه تقريباً من الغرب إلى الشرق، ويراوح متوسط ارتفاعه بين 1200-1800م، وتحمل أجزاؤه المختلفة أسماء مختلفة هي من الغرب إلى الشرق: جبال القصور وجبال عمور وجبال أولاد نايل وجبال الزاب، وجبال الأوراس، التي هي في الواقع هضبة مرتفعة، أعلى قممها جبل شليه الذي يرتفع إلى 2329 م، في الأوراس.

وفي تونس ترتفع هذه السلسلة، وتُعرف هناك باسم سلاسل جبال التل العليا، وتمتد إلى مسافة 180كم، عرضها نحو 90كم، من تبسّه إلى شبه جزيرة بون، ومن سهل نهر مجردة حتى القصرين. وهنا تتباعد الجبال عن بعضها بأوضح مما هي عليه في الشمال، وتختلف اتجاهاتها، ولكن الاختلاف السائد هو من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وكذلك تمتاز هذه المنطقة بظهور الجبال القبابية بمختلف أشكالها.  

وفي هذا النطاق الجبلي، توجد ثلاث سلاسل تتميز الواحدة منها من الأخرى: إحداها توازي المنابع العليا لنهر مجردة ثم تتصل بجبال التل الشمالي، والسلسلة الثانية تمتد من تبسّه إلى الحمامات على خليج تونس، وتُعرف أحياناً باسم الجبال التونسية، أما السلسلة الأخيرة فتقع إلى جنوب السابقة، وأهم قممها الشعانبي وارتفاعه  نحو 1544م، وهو أعلى قمم تونس ارتفاعاً.

ويخترق هذه السلاسل الجبلية، من الجنوب إلى الشمال، عدد من الأودية، أهمها وادي تسد ووادي سليانة ووادي مليان، كما يخترقها من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي أودية الزيرود ومرج الليل والحطب، وهي تنحدر إلى منطقة القيروان وما جاورها من الأراضي السهلة، وقد لاتصل إلى البحر، فتنتهي في عدة برك ومستنقعات.

وإذا كانت السلسلتان: أطلس البحرية والأطلس الداخلية تمثلان العمود الفقري الذي يبرز المظهر الطبيعي للإقليم، فإنهما تحصران فيما بينهما أنواعاً من مظاهر التضاريس هي: في الغرب، في المملكة المغربية الأطلس العظمى والأطلس الوسطى أو الصغرى. وفي الوسط في الجزائر هضبة واسعة تسمى هضبة الشطوط، وفي أقصى الشرق في تونس سهول نهر مجردة.

أما الأطلس العظمى، فتبدأ بالغرب من الساحل عند أغادير، وتتجه من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، في اتجاه يكاد يكون موازياً لسلسلة الأطلس الداخلية، ويبلغ متوسط ارتفاعها نحو 3000 م،وتمتد من هضاب منطقة وهران إلى مسافة 700 كم تقريباً، ويصل ارتفاع بعض قممها إلى أكثر من 4000م. وتضيق الجبال عندما تصل إلى رأس غير، كما يضيق السهل الساحلي كذلك، وتشرف في الجنوب على سهل سوس الذي يجري فيه وادي سوس، الذي يفصلها عن الأطلس الداخلية، ويفصلها عن الأطلس الوسطى في الشمال وادي أم الربيع.

وإلى الشمال من هذه السلسلة توجد سلسلة الأطلس الوسطى أو الصغرى، وحدودها الجنوبية الغربية واضحة المعالم، حيث تشرف على سهل تادلا، وكذلك حدودها في الشرق، حيث يوجد وادي مولاي، وفي الشمال حيث يوجد ممر تازة، ولكن حدودها الجنوبية غير واضحة تماماً، ففي منطقة نهر العبيد تقترب جداً من مرتفعات الأطلس العليا أو العظمى، ويزداد التعقيد في الشمال الغربي في إقليم زيان، الذي يمكن ضمه إلى الأطلس الوسطى أو ضمه إلى المزيتا المراكشية.

والجزء الأكبر من الأطلس الوسطى يشكِّل هضبة، إذ لا توجد سلاسل جبلية بمعنى الكلمة، إلا في الجنوب والشرق بمحاذاة نهر العبيد ونهر مولاي. والأطلس الوسطى الشمالية هي التي تمثل حقيقة سلسلة جبلية مركزها جبل «أبو عبلان» الذي يصل ارتفاعه إلى 3300 م تقريباً.

ومع أن الأطلس العظمى أكثر ارتفاعاً، فإن الأطلس الوسطى هي المصدر الرئيسي للحياة في المملكة المغربية عامة، فهي المصدر الدائم لمياه الأنهار التي تنحدر منها، كما أنها المصدر الرئيسي لمياه العيون، وقد تتجمع فيها المياه على شكل بحيرات كبيرة، كما هي الحال في «سيدي علي».

أما الظاهرة التضاريسية الثانية فهي الهضاب، وهي تبدأ من الغرب بالمزيتا المراكشية Meseta،وهي كلمة إسبانية تعني الهضبة المرتفعة، ولكن يذكر اللفظ أحياناً كاصطلاح يرادف الميزا Mesa، وتمتد بين الأطلس الوسطى  والعظمى حتى المحيط الأطلسي، فيما بين موغادور والرباط، وتشرف في الشمال على حوض نهر سيبو الأعلى والأوسط. وتنتهي الهضبة إلى سهل منخفض تمتد بإزائه الكثبان الرملية.

وفي الجزائر، يفصل بين مجموعة الجبال الشمالية والجنوبية هضبة الشطوط التي تمتد أيضاً في الجزء الشرقي من المملكة المغربية، ويربط بينها وبين المزيتا ممر تازة، وتحتل هضبة الشطوط جزءاً من كتلة الجزائر القديمة، ويبلغ ارتفاعها في المتوسط نحو الألف متر، لكنها تأخذ في الانخفاض شرقاً، وكذلك تتميز بالضيق في الاتجاه نفسه حتى تصل إلى شرقي الجزائر، وهنا تبرز هضبة أوراس المرتفعة، وتكاد تتصل بهضبة القبائل في الشمال، ومن ثم تفقد هضبة الشطوط صفتها وتصبح شبيهة بعقدة جبلية.

ومن أهم ما يميز الهضبة وجود البحيرات المالحة، يُسمى بعضها «الزاغر» إذا كانت صغيرة، فإذا كبرت سميت «الشط» ومنه أخذت الهضبة اسمها. وتعد هذه الشطوط ذات صفة خاصة في تكوينها تميزها من شطوط منخفض بسكرة (شط الجريد وشط ملغير) التي ترجع في تكوينها إلى آثار نشاط بحري قديم في الزمن الجيولوجي الثاني، وأهم شطوط الهضبة الشط الشرقي الذي يقع على ارتفاع ألف متر فوق سطح البحر، ويمتد إلى مسافة 225 كم تقريباً، وشط الحضنة والزاغر الشرقي.

وفي تونس منطقة هضبية تقع إلى الجنوب من سلسلة التل العليا، وترتفع فيها بعض السلاسل الجبلية، مثل سلسلة فريانة وسلسلة قفصة، ثم سلسلة نسلجة. وإلى الجنوب من هذه الهضاب توجد الشطوط التونسية،وهي تكملة لشطوط الجزائر، وتنخفض في بعض جهاتها إلى ما دون مستوى سطح البحر، وخاصة في منطقة حوض شط الغرسة، وأهم الشطوط هي شط الفرسة  وشط الجريد، وتمتد منطقة شطوط الجنوب إلى مسافة 3750كم من منخفض بسكرة في الجزائر حتى عتبة خليج قابس في الشرق. وإلى الجنوب منها تظهر الصحراء الكبرى، وتظهر بعض الهضاب الجنوبية التي يفصلها سهل جفارة عن البحر.

وتتمثل هذه الظاهرة في المملكة المغربية أيضاً، حيث تمتد في الجنوب والشرق مجموعة من الهضاب المترامية الأطراف، أهمها هضبة تافيللت إلى الشرق من الأطلس الداخلية، يخترقها عدة أودية أهمها وادي درعة.

وثمة ظاهرة أخرى وهي ظاهرة السهول، وهي على نوعين: سهول ساحلية وسهول داخلية. أما السهول الساحلية، فالمشرفة منها على البحر المتوسط ضيقة بصفة عامة. وتتمثل في سهل الريف في شمالي المملكة المغربية التي تمتد بين سبتة ومليلة. وفي الجزائر يضيق السهل الساحلي للغاية، ولكنه يتسع في بعض النقاط مثل سهل السيغ Sig خلف مدينة وهران وسهل متيجة خلف مدينة الجزائر. أما في تونس، فإضافة إلى السهل الساحلي بين أطلس التل ومياه البحر، توجد مساحة واسعة من السهول الساحلية تشغل النصف الشرقي من البلاد، ويجري في الشمال منها نهر مجردة، الذي يصب في خليج تونس.

ويبلغ متوسط ارتفاع سهول الساحل الشرقي نحو 250م، ويراوح اتساع هذه السهول بين 10و40كم. وتمتد من الحمامات شمالاً إلى طرابلس الغرب جنوباً، ويكاد يقسمها خليج قابس إلى قسمين: القسم الشمالي ويُعرف باسم الساحل؛ والقسم الجنوبي ويعرف باسم جفارة.

أما السهول الغربية التي تطل على المحيط الأطلسي فتنحصر بين الهضبة المراكشية ومياه المحيط، ويختلف اتساعها من جهة إلى أخرى، فيبلغ عرضها نحو 60 كم في سهول الشاوية، ويصل إلى 70 كم عند وادي أم الربيع، ويراوح ارتفاع السهل بين 150م و250 م فوق سطح البحر.

ويُسمى أقصى شمال السهل الساحلي بسهول الغرب، وهي تمتد على طول الساحل بين طنجة ووادي سيبو، ويخترقها وادي نهر سيبو، ويكمل هذا السهل امتداد شرقي تقع فيه مدينة فاس. ويبلغ طول الحوض الأدنى لنهر سيبو من الشرق إلى الغرب نحو 90كم، أما عرضه من الشمال إلى الجنوب فنحو 60كم، وتحيط به المرتفعات من جميع الجهات عدا الغرب، حيث ينصرف النهر إلى المحيط.

أما السهول الداخلية، فتتمثل في المنطقة بين مدينتي فاس ومكناس، التي تحتل المنطقة الوسطى من نهر سيبو. ويجري في منطقة فاس ومكناس عدد من روافد نهر سيبو. وإلى الشمال من سهل فاس ـ مكناس يوجد ممر تازة الذي تقترب عنده مرتفعات الريف من أطلس الوسطى، ويُراوح عرض الممر بين 2-3كم، ويقع على ارتفاع 600 م فوق سطح البحر.

وتتمثل السهول الداخلية أيضاً في سهل تادلا الكبير الذي يمتد  إلى مسافة 200 كم تقريباً، على عرض نحو 30 كم ممتداً من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، وينتهي عند أم الربيع، ويصل بسهل مراكش عن طريق فتحة قلعة السرحانة. ويُراوح ارتفاع السهل 400-500م.

أما سهل مراكش فطوله من الغرب إلى الشرق نحو 200كم، وعرضه من الشمال إلى الجنوب نحو 100كم، وتحيط به الجبال من كل النواحي. وتتمثل السهول الداخلية الأخرى في أودية الأنهار المختلفة، وأهمها سهل أم الربيع وسهل تنسفت، وفي أقصى الجنوب يوجد سهل موسى الذي يبلغ طوله 150كم.

وآخر النطاقات التضاريسية في بلاد المغرب هو نطاق الصحراء، وتشغله في تونس والجزائر  أشرطة من الرمال تمتد على شكل أقواس عبر الصحراء، وتكون بذلك نطاق الصحراء الكبرى الشمالي، وأهم هذه الكثبان الرملية العرق الشرقي في جنوب شرقي الجزائر، أما العرق الغربي الكبير فتوجد فيه منخفضات وواحات وأودية، وعدد من المدن مثل بسكرة والأغواط وعين الصفراء، ثم واحات غرداية وتوغرت وورغلة وغيرها إلى الجنوب.

وفي جنوبي المملكة المغربية يوجد عدد من الأودية تنحدر من جبال الأطلس نحو الجنوب الغربي، ولايصل منها إلى المحيط سوى وادي درعة، أما الوديان الأخرى كوادي غير فلا تصل إليه.

المناخ

يسود المناخ المتوسطي في بلاد المغرب العربي، الذي يتجاذبه عاملا البحر والصحراء، ويختلف حسب اختلافهما شدة وضعفاً، وللتضاريس دور بارز في توزيع عوامل المناخ من حرارة ورياح وأمطار.

الحرارة: تختلف الحرارة في بلاد المغرب العربي باختلاف التضاريس، وهي متأثرة بالبحر في الجهات الشمالية والغربية، وبالصحراء في الجهات الجنوبية، فمعدل الحرارة في إقليم التل والسواحل شتاءً 12ْم، وصيفاً 24ْم، أما في هضبة الشطوط فتصل الحرارة إلى الصفر شتاءً، وتنزل إلى تحت الصفر في المرتفعات، وهي لطيفة معتدلة صيفاً. وأما في الجهات الجنوبية فيسود المناخ الصحراوي، وتصبح الحرارة متغيرة بين الليل والنهار والصيف والشتاء، وفروق الحرارة عظيمة جداً.

الرياح: تتعرض بلاد المغرب العربي لرياح بحرية رطبة، ولرياح صحراوية جافة قاسية، وتسود الرياح البحرية الآتية من المحيط الأطلسي، وخاصة الرياح التجارية العكسية، وهي العامل الأول في تلطيف الجو وتزويد البلاد بالأمطار، ولولاها لصعبت الحياة في أكثر مناطق المغرب.

أما الرياح الصحراوية فهي الآتية من الصحراء الإفريقية الكبرى، والمتجهة شمالاً، وتعرف باسم «السيروكو» أو زفير الصحراء، وهي حارة لأنها تهب في موسم الصيف، حاملة معها الغبار، وتكون شديدة الهبوب،وتتمكن من اجتياز جبال الأطلس، والتأثير في جميع البلاد حتى المناطق البحرية، لأن هذه الرياح تتابع سيرها فوق سطح البحر المتوسط ويصل تأثيرها إلى جنوبي أوربا، في اليونان وصقلية وإيطاليا.

الأمطار: تتعرض بلاد المغرب العربي للرياح التجارية العكسية، كما تجتاحها الانخفاضات الجوية أو الأعاصير شتاءً، حاملة معها بخار الماء الذي ينعقد مطراً. وتختلف كميته باختلاف موقع الجبال ومواجهتها للرياح المطيرة. ويمكن القول بصفة عامة: إنها تقل من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، ولايشذ عن هذا إلا منطقة تونس.

ومتوسط المطر السنوي على السفوح الشمالية للأطلس البحرية أو إقليم التل يراوح بين 750و1000مم، في حين أنه ينخفض في المناطق الواقعة خلفها، حيث يراوح بين 250و500مم، وبذلك تصبح الحياة النباتية في هذه المنطقة الداخلية قاصرة على الحشائش والنباتات العشبية، في حين أن كمية المطر في إقليم التل كافية لقيام حياة زراعية غنية، وتقل كمية المطر في الأطلس الصحراوي ومايليها من المناطق الجنوبية التي تنتهي بالصحراء، وتقتصر الحياة النباتية هنا على الأعشاب الشوكية البسيطة والنباتات ذات القدرة على خزن المياه سواء بجذورها أم بسوقها أم بأوراقها. ولا تقوم الزراعة إلا في الوديان، حيث توجد الينابيع وتكثر الآبار، كما هي الحال في واحات توات Tuatوبسكرة Biskra.

ولاتتميز الفصول كثيراً في المغرب العربي الكبير، فالربيع والخريف قصيران جداً، ويمكن عدّ السنة مؤلفة من صيف وشتاء. وبما أن الأعاصير فد تجتاحها شتاءً، فتكون أمطارها عاصفية، تهطل فجأة وتدوم مدة قصيرة، وتكون غزيرة، وتبقى السماء أكثر أيام السنة صافية زرقاء، لاتتلبد بالغيوم إلا فترات قصيرة في أثناء مرور الانخفاضات الجوية. وكثيراً ما يضطرب نظام الأمطار، فتقل في بعض السنين بدرجة ينتشر فيها الجفاف، وتنضب الآبار، فيعمّ الجدب، وينتشر القحط، وتكثر في بعضها الآخر، فتمتلئ الواحات والبحيرات، وترتفع المياه الباطنية، ويعمّ الخير بكثرة الزراعة والأعشاب، فيزداد عدد الماشية، وتتوافر اللحوم والألبان.

وكثيراً ما تهطل الثلوج على المناطق المرتفعة من جبال الأطلس، وتكسو القمم العالية طوال أيام الشتاء، وفيها كثير من المدن والقرى الجبلية التي تنقطع بينها المواصلات لتراكم الثلوج على الطرق الجبلية المرتفعة.

النبات والحيوان: تختلف الحياة النباتية في بلاد المغرب الكبير، ليس باختلاف أقسامها السياسية، وإنما باختلاف تضاريسها. ويمكن تقسيمها إلى مناطق متوازية تتتابع من البحر إلى الصحراء على طول البلاد: ففي إقليم التل والمناطق المطلة على المحيط الأطلسي من المملكة المغربية، تسود نباتات حوض البحر المتوسط من خضر وفاكهة وكرمة ونخيل، وأكثر النباتات التي يمكن أن تخزن كميات من المياه لتقاوم فترة الجفاف، أو يمكنها أن تخزن لتستعمل في الغذاء شتاء في موسم فقدانها. وقد نجحت زراعة التوت على سفوح الجبال المعرضة للرياح الرطبة. وتوجد في المرتفعات الجبلية غابات مجتمعة ومتفرقة لكثير من أشجار حوض البحر المتوسط، كالسنديان بنوعيه الأخضر والفلّيني، والعرعر وشجر الأرز والصنوبر والبلوط، وهي تمدّ الأهالي بالخشب والفلين ومواد الصباغة، كما تزرع أشجار الفستق واللوز، وتقل هذه الأشجار جنوباً لغلبة المناخ الصحراوي، حتى إن أشجار الزيتون تنعدم في الجنوب، لبعدها عن المناخ المتوسطي، ولاتُرى إلا أشجار النخيل المتجمعة في واحات عديدة منتشرة هنا وهناك بكثرة وسط بحر من الرمال.

وفي الشطوط وفي أكثر مناطق الأطلس، ينبت نبات الحلفاء Alfa، وهو أكثر النباتات انتشاراً، وهو أعشاب دائمة الأوراق، تتحمل تقلبات الجو الفجائية والشديدة،وذات سوق طويلة مرنة وقوية، يصنع منها الأهلون الحصر والحبال والقفاف وغيرها، وقد صارت لها قيمة تجارية عظيمة بعد أن نجح تحويلها إلى عجين الورق، وأصبحت أوربا تستورد جميع المحصول.

وما قيل عن النبات يُقال عن الحيوانات المستأنسة والبرية، ويلاحظ هنا أن جميع الحياة الحيوانية في بلاد المغرب العربي هي من أنواع الحيوانات التي تعيش في ساحل البحر المتوسط، وخاصة في جنوبي أوربا، ولاترتبط بالمجموعة الحيوانية الإفريقية، فالزراف والغزال وحمار الوحش والفيل والقرد وغيرها من الحيوانات التي تتميز بها إفريقيا، تكاد تكون معدومة في المغرب العربي الكبير.

السكان

يرجع سكان المغرب العربي، في أصولهم العرقية إلى أساسين: الحاميّون الشماليون، وهم البربر، والساميّون وهم العرب. وكان البربر يؤلفون الأكثرية الساحقة قبل الفتح العربي، ولذا يطلق بعضهم اسم بلاد البربر على الجزيرة المغربية، كما ذكر، وبالرغم من اختلاط البربر بكثير من الدماء الغريبة نتيجة لاجتياح بلادهم من قبل أقوام عديدة، فإن ميزات العناصر الشمالية من بشرة بيضاء وشعر أشقر وعيون زرقاء لاتزال ظاهرة فيهم، وأكثر القبائل البربرية صفاءً هي القبائل المقيمة في سلسلة الأطلس العليا أو في جبال القبائل.

أما العرب فكان مجيئهم مع الفتح العربي الإسلامي في السنوات الأولى لتأسيس الدولة العربية الإسلامية (القرن الأول الهجري/القرن السابع الميلادي)، لكن تأثيرهم كان قليلاً، لتفضيلهم الإقامة في المدن العسكرية التي أنشؤوها، وفقاً للظروف التي لازمت إخضاع هذه المنطقة للفتح العربي، وكثرة ما كان يتجدد من نزاع بين العرب والسكان الأصليين، وما كانت تتأرجح المدن بخضوعها لهؤلاء أو أولئك، وهذه المدن القليلة العدد، سواء المدن التي شيّدها العرب، أوالمدن البيزنطية، التي تجمعوا فيها، ظلت تمثل جزراً ذات حضارة وطابع عربي في وسط محيط بربري واسع.

وكان انتشار الدم العربي والحضارة العربية ابتداءً من القرن الحادي عشر، وزاد في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، بعد أن أخذ كثير من القبائل العربية يُهاجر بقضّه وقضيضه عبر مصر إلى بلاد المغرب، وأهمها بنو سُليم وبنو هلال الذين لم يقيموا في المدن، وإنما بقوا على حياتهم البدوية الرعوية، واختلطوا مع قبائل زناتة البربرية وغيرها، مفضلين التعاون مع المتشابهين معهم في أسلوب الحياة. وقد وصلت هذه القبائل العربية إلى جميع أنحاء المغرب، متبعة الممرات الطبيعية السهلة في جبال الأطلس، مارة من بوابة بسكرة التي تمثل فجوة في الأطلس، وانتقلت إلى هضبة الشطوط حتى وصلت إلى المنطقة المنخفضة الواقعة بين أطلس الريف وبين الأطلس الأوسط، أي إلى ممر تازة، ومنه أطل العرب على السهول المشرفة على الأطلسي.

أما الأقليات العرقية واللغوية في البلاد، فهي دون العرب والبربر قيمة، وأهمها الجالية اليهودية في المدن، كما توجد أقلية طائفية إسلامية من الإباضية، إحدى فرق الخوارج، ويعرفون عند الإفرنج باسم الموزابيين  Mozabites، ويقيمون في واحات السوف Suf ومزاب Mozab ويعملون في التجارة، ويقيمون في المدن، ويتصلون دائماً بالواحات الداخلية،حيث يعيشون جماعات متضامنة.

 

                                                صفوح خير

 

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 149
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1072
الكل : 40492019
اليوم : 21834

زاتوبيك (إيميل-)

زاتوبيك (إيميل ـ) (1922 ـ 2000)   إيميل زاتوبيك Emile Zatopek بطل جري أسطوري ولد في مدينة براغ بتشيكوسلوفاكيا. نال شهادة العلوم باختصاص الكيمياء، ثم التحق بالجيش ووصل لرتبة كولونيل (عقيد). عدَّ زاتوبيك عملاق سباقات المسافات الطويلة في ألعاب القوى في منتصف القرن العشرين ولايزال عملاقها. ونال في أولمبيادين متتاليين 4 ذهبيات وفضية.
المزيد »