logo

logo

logo

logo

logo

الموزارب الإسبان (فن-)

موزارب اسبان (فن)

Mozarabic art - Art Mozarabe

الموزاراب الإسبان (فن ـ)

 

يعني لفظ المستعربين (موزاراب Mozarabe) أولئك المسيحيين الإسبان الذين حافظوا على معتقداتهم الدينية ومارسوا فعالياتهم المختلفة في ظل الحكم الإسلامي في الأندلس، وكانوا ذوي ثقافة عربية، يتكلمون اللغة العربية ويتدثرون بملابس عربية ويتكلم بعضهم الرومانسكية بلهجة بدائية إسبانية ويكتبونها بحروف عربية، وكانت طقوسهم باللغة العربية. وكان المستعربون يتمتعون بحرية العبادة ويمارسون فعالياتهم المختلفة في عهد الخلافة الأموية في الأندلس وملوك الطوائف Reyes de Taifas، إذ كان المسلمون في الأندلس أوسع صدراً ورحابة من مسيحيي الشمال المتعصبين.

من مخطوطة "بياتوس سان سيبير"

يدل فن المستعربين على هذا الخليط والمزيج مع عناصر من الفن الإسلامي. فالموضوعات مسيحية، ولكنها متأثرة بالفن الإسلامي. ويلاحظ في أعمالهم الفنية استخدام الزخارف المؤلفة من الأغصان النباتية المتشابكة والمتفرعة المنحوتة في الجص لتزيين المباني المعمارية. وفي الوقت الذي كان فيه نفوذ المسلمين السياسي في طريق التقلص والزوال، كان التأثير الثقافي الإسلامي آخذاً في الانتشار في الشمال، وذلك بفضل هجرة المستعربين (موزاراب) إلى هذه المناطق الشمالية وممالكها المسيحية في عهد المرابطين (1053- 1147)، ولاسيما في عـهد الموحـدين (1090- 1146)، في فترة ظهور التعصب الديني للمرة الأولى في تاريخ إسبانيا في المناطق الشمالية المسيحية، وقد حمل لواء هذا التعصب رهبان دير كلوني الذين كانوا يميلون إلى العمل الفكري والثقافي أكثر من ميلهم إلى العمل اليدوي الذي نص عليه القديس بنديكت Benedict ت(480-543م) في حركته التي قام بها لإصلاح أنظمة الكنيسة في القرن الخامس الميلادي. ويرجع أثر رهبان دير كلوني وعلاقتهم بالتراث الثقافي الإسلامي إلى هذا الاتجاه.

وكان المستعربون (موزاراب) المقيمون في بلانثيا Valencia قد وجدوا أنه صار من المتعذر عليهم استمرار العيش في ظل حكم المرابطين، فهاجروا إلى الشمال إلى مملكة قشتالة المسيحية، ثم هاجرت جماعات أخرى بعد ذلك في عهد الموحدين، وذلك بعدما شعر المستعربون بسوء حالهم. وكان فنهم قد تطور بموازاة ازدهار الحضارة الإسلامية وفنونها. وقد استعار المستعربون أشكال العمارة الإسلامية الأندلسية. فهناك مجموعة مهمة من مباني المستعربين في مملكة ليون Leon يلاحظ فيها تأثير الفن الإسلامي الأندلسي؛ إذ نقل المستعربون معهم خبراتهم الفنية وأساليب البناء وتقليد العمارة الإسلامية، إضافة إلى أزياء اللباس والعادات والتقاليد الإسلامية والمصطلحات والأقوال المأثورة والمخطوطات.

انتشر تراث الحضارة الإسلامية في أنحاء إسبانيا من جراء حروب الملوك المسيحيين الكاثوليك في النصف الأول من القرن الثالث عشر فيما يسمونه حرب الاسترداد Reconquista التي بدأت بسقوط طليطلة عام 1085، وقرطبة عام 1236، وإشبيلية عام 1248، وأخيراً غرناطة عام 1492. واستمرت هذه الحروب حتى عام 1609م. وكان سقوط طليطلة في أيدي الممالك المسيحية الشمالية قد ترك صداه الكبير والخطير، لأنه كان أول معقل إسلامي ينهار. وكانت مملكة قشتالة قد توحدت مع مملكة ليون بزواج إيزابيلا Isabella الأولى ملكة قشتالة من فرديناند الثاني ملك أراغون عام 1469 وهكذا توحدت قشتالة وليون وأراجون وغدت قوة كبيرة تهدد ملوك الطوائف. وكان المستعربون قد شاركوا في الحرب الأهلية في القرن التاسع الميلادي؛ فأدى رد الفعل إلى الضغط عليهم مما دفعهم إلى الهجرة إلى الممالك الشمالية المسيحية. وكان الاضطراب في قرطبة قد أنعش ملوك آستوريا Asturias الذين احتلوا جيليقية Galacia عام 912م، ونقلوا العاصمة إلى المدينة الرومانية ليون، فاستقبلوا المستعربين المتدثرين بملابس عربية ويتحدثون اللغة العربية فأنزلوهم في أراض يتزايد سكانها وحافظوا على كنائسهم الصغيرة في قشتالة وغيرها.

من مخطوطة مجموعة فيغلانوس Codex Vigilanus

يرجع طراز فن المستعربين في أصله إلى طراز معماري كان شائعاً في إسبانيا قبل الفتح الإسلامي عام 711م. وقد عدّت الممالك المسيحية في الشمال هذا الطراز المعماري طرازاً مثالياً فأفادت منه، وأبدعت على نموذجه حتى ظهور الفن المعماري الرومانسكي romanesque. وقد عُدَّ طراز عمارة المستعربين فرعاً آخر من فروع الفن البيزنطي برغم ما فيه من مظاهر فنية تظهر في العمارة الإسلامية مثل: النوافذ المزدوجة، والعقد بشكل حدوة الحصان الذي يوجد في المباني الإسلامية ومباني كنائس المستعربين في آن واحد.

ورأى بعض الباحثين أن فئة من أولئك المستعربين ممن هاجروا من قرطبة إلى الممالك المسيحية الشمالية وكان معظم أفرادها من القسيسين، قد نقلوا معهم إلى هذه الممالك أفكاراً وأساليب أرقى مما كان موجوداً فيها مثل:

- أساليب جديدة في البناء، ففي عمارة الكنائس الصغيرة التي ترجع إلى ذلك العصر معالم تدل على مدى تأثرها بفن قرطبة الإسلامي، وقد يحسب المتأمل فيها أنها بيزنطية، ولكن تأثير فن قرطبة لا يخفى، ولاسيما فيما يتعلق ببناء العقود المعمارية، وطريقة بناء الأقبية.

ومن أمثلة ذلك كنيسة سان ميغيل دي إسكالادا.

والجدير بالذكر أن بعض الباحثين مثل بند Bend يرى أن قرطبة لم تبدع هذا العقد الذي كان موجوداً في إسبانيا قبل الفتح الإسلامي، ويدل على ذلك ما يشاهد على القبور الباقية من أواخر العصر الروماني. وسرعان ما عرف المسلمون طرق الإفادة من هذا الكنز المعماري المهم، فقدّروه كثيراً وعرفوا تأثيره وجمال منظره المعماري والزخرفي، فأقبلوا على استخدامه في مبانيهم المعمارية وتوسعوا في تقويس الجوانب.

إن أعظم ما ابتكرته قرطبة الإسلامية وقدمته إلى الميادين المعمارية هو طريقة عمل القبوات التي تقوم على عقود متقاطعة وأضلاع متعارضة ظاهرة. وقد حلت هذه الطريقة المعمارية مشكلة أساسية في فن العمارة هي مشكلة عمل السقوف وذلك بالطريقة نفسها التي اتُبعت فيما بعد في العمارة القوطية. ثم تطورت الأشكال المعمارية التي ظهرت في قرطبة الإسلامية وانتقلت إلى طليطلة وسرقسطة وغيرها. ومهما يكن من أمر فإن تأثير فن قرطبة المعماري يتجلى في عقود لها شكل حدوة الحصان، وتُرى هذه الأشكال المعمارية بوضوح في مبانٍ جميلة شُيِّدت من الآجر، وقد شُيِّدت أديرة كثيرة من قبل كهنة قادمين من الأندلس وذلك بعد ثورة أولوخ Euloge.

وقد تحدث مانويل غوميس مورينو Manuel Gomez Moreno عن هذه الحضارة المشبعة بالإسلام التي حملها معهم هؤلاء المستعربون الذين كانت العربية لغتهم الأدبية. ومن فنون المستعربين التي كانوا يمارسونها ويبدعون فيها في «ورشاتهم» الفنية في الأديرة: الصياغة والأسلحة وعمل التماثيل البرونزية ونحت العاج وكتابة المخطوطات وتزيينها بالمنمنمات. وعدَّ ترند J.B.Trend طراز عمارة المستعربين ثورة على أساليب العمارة الإسلامية في بعض الوجوه على الرغم من تأثره بطراز العمارة الإسلامية في جنوبي الأندلس الذي كان أكثر تطوراً وتقدماً وغنى.

وظهر التأثير الإسلامي في مخطوطات المستعربين التي قام بإبداعها إسبان مسيحيون في ظل الحكم الإسلامي؛ فالموضوعات مسيحية وقد فسِّرت وشُرحت وزينت بعناصر من أصل إسلامي. ففي صور هذه المخطوطات تفاصيل معمارية مثل القوس المعمارية الدائرية والكسوة القاشانية الملونة وأزياء الملابس وتجهيزات الفرسان وشكل الهلال على عدة الحصان؛ بل توجد كتابات بحروف عربية.

إن من أكثر المخطوطات أهمية في مدرسة المستعربين، المخطوط الذي يمثل نموذجاً إسباني الأصل؛ هو «شرح رؤيا القديس يوحنا» Le commentaire sur l’Apocalypse، الذي ألفه في القرن الثامن الميلادي القس بياتوس ليبانا Beatus of Liebana في آستورياس.

ومن أكثر النماذج أهمية ودلالة مخطوط اسمه «بياتوس سان سيبير» Beatus de Saint Sever يعود إلى عام 1028-1072م، وهو محفوظ في المكتبة الأهلية في باريس، وقد أُخذ من دير سان سيبير في غاسكونيا Gascogne في عصر كان فيه جنوب غربي فرنسا وإسبانيا على صلة وثيقة. ومن مجموعة هذه المخطوطات مخطوط مجموعة ڤيغلانوس Codex Vigilanus المحفوظ في مكتبة الإسكوريال، تاريخه 976م، ويتميز بصور شخصية للملوك والحاشية والفنانين الذين زيّنوا هذا المخطوط. وهناك مخطوط مجموعة إيميليانوس Codex Emilianus، تاريخه 980م، ومخطوط التوراة La Biblia Hispalensi المحفوظ في مكتبة إشبيلية.

شهدت نهاية القرن الحادي عشر، منذ عهد ألفونسو السادس Alfonso VI ت(1065-1109) مجيء رهبان دير كلوني الذين استقروا في نافار Navarre ثم في قشتالة عام 1033 ثم في أنحاء شبه الجزيرة الإيبريّة. وكان الحج إلى كاتدرائية سان جاك دي كومبوستيل Saint Jacques de Compostelle خير مناسبة للتفاعل الحضاري.

يعدّ دير سان ميغيل إسكالادا دير المستعربين الكبير في مملكة ليون، كما يعدّ دير سان ميان دي لا كوغولا ديرهم الكبير في قشتالة. ومعظم مخطوطات المستعربين وغيرهم محفوظة في مكتبات إسبانيا وكاتدرائياتها وأديرتها، والجدير بالذكر أن هناك اسم الراهبة «إنده» Ende مما جعل المؤرخين يستنتجون وجود فعاليات فنية في أديرة النساء، تمارس فيها فنون تزويق المخطوطات وتزيينها بالمنمنمات.

بشير زهدي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الأندلس.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد عبد الله عنان، الآثار الأندلسية الباقية في إسبانيا والبرتغال (مؤسسة الخانجي، القاهرة 1381- 1961).

ـ لجنة الجامعيين لنشر العلم، تراث الإسلام، الجزء الأول (مطبعة لجنة التأليف والنشر، 1936).

ـ وجدان علي بن نايف، الأمويون - العباسيون - الأندلسيون (دار البشر للنشر والتوزيع، 1988).

- E.LAMBERT, L art en Espagne et au Portugal (Larousse, Paris 1945).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 913
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1084
الكل : 40506933
اليوم : 36748

أوكيو _ إي

أوكيو ـ إي   أوكيوـ إي Ukiyo-e  اسم يطلق على مدرسة يابانية في الرسم والحفر ويعني الاسم «رسم العالم السائب» Pictures of the Floating World باستخدام اللوحات الورقية المطبوعة على الرواشم الخشبية، وتعود هذه المدرسة إلى الفترة مابين سنة1680 وسنة1850. كان الفن في اليابان، في القرن السادس عشر، قد اتجه نحو رسم ما يلبي ذوق الطبقة الارستقراطية وماتؤثره. وقد ظهرت أعمال فنية متعددة لمدرستين تقليديتين هما مدرسة توزاTusa ومدرسة كانو Kano. ثم برز، مع الأيام، اهتمام ضباط الجيش والتجار بالأعمال الفنية، وأسهم ذلك في تطور حركة الإنتاج الفني على يد فناني مدرسة أوكيو ـ إي، الذين بالرغم من ارتباط أساليبهم بالمدرستين المذكورتين فقد جاؤوا بانجازات جديدة عالجت موضوعات الحياة اليومية والاجتماعية في مدينة إيدو Edo (طوكيو اليوم)، وفي أحياء اللهو والملذات خاصة ومسارح كابوكي Kabuki، إلى جانب موضوعات المرأة اليابانية فائقة التهذيب، كما أن أعمال هؤلاء الفنانين قد أظهرت عناية خاصة بالملابس اليابانية الموشاة التي اشتهرت بها مدرسة أوكيو ـ إي، وتناولت موضوعات عدة منها: أعمال هيشيكاوا (1618- 1649) Hishikawa ومن أشهر لوحاته لوحة نيشيكاوا Nishikawa التي أبرز فيها المرأة اليابانية المثالية في جمالها ووداعتها. وقد وفرت شهرة مسرح كابوكي فرصة جديدة لفناني أوكيو ـ إي، ولاسيما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لرسم الممثلين الذين كانوا يظهرون على ذلك المسرح، ولاقت هذه الرسوم رواجاً كبيراً، وساعد نشرها وبيعها بأثمان زهيدة على هذا الرواج. وثمة موضوعان آخران برزا في لوحات فناني أوكيو ـ إي: الأول، الطبيعة بما فيها من مناظر خلابة، والثاني المرئيات في هذه الطبيعة كالأزهار والعصافير والأسماك. ومن أهم الأعمال التي تناولت الطبيعة «مئة منظر لجبل فوجي» للفنان هوكوزاي كاتسوشيكا (1760- 1849) Hokusai Katsushika ويتسم هذا العمل بإبراز مكانة الحركة الفعالة، و«المراحل الثلاث والخمسون لطريق طوكيو» للفنان هيروشيج (1787- 1858) Hiroshige، وهو عمل يتسم بالواقعية والهدوء والنفحة الشعرية. لم تقف أعمال فناني أوكيو ـ إي عند مطبوعات الرواشم بل تعدتها إلى بطاقات المعايدة والكتب المصورة. وقد تطورت مطبوعات الرواشم في القرن الثامن عشر وأدخل عليها استعمال الألوان المتعددة. وسميت نيشيكي ـ إي Nishiki-e «الديباج» كما لو أنها قطع موشاة بخيوط ذهبية مثل «البروكار». وقد استمر هذا التطور في القرن التاسع عشر. وشمل عمليتي الإنتاج والإخراج. وقد انتقلت آثار فناني أوكيو ـ إي إلى الغرب، وكان تطور هذا الإنتاج، ولاسيما مايتصل بالطبيعة منه، بين العوامل التي أثرت في ظهور الانطباعية[ر] في فرنسة.   زهيرة الرز   مراجع للاستزادة:   - H.OSBORNE (ed), The Oxford Companion to Art (Oxford 1983). - R.D.LANE, Masters of Japanese Print (NewYork 1962).
المزيد »