logo

logo

logo

logo

logo

مين دو بيران

مين دو بيران

Maine de Biran - Maine de Biran

مين دو بيران

(1766 ـ 1824)

 

مين دو بيران Maine de Biran فيلسوف ومفكر فرنسي كان يعمل بالحقل العام، وانتخب نائباً ثم مستشاراً للدولة، تأثر بأفكار كابانيس Cabanis، ودستوت دو تراسيDestutt de Tracy، وكوندياك Condillac، فاز بجائزة المجمع العلمي 1799 عن رسالة بعنوان «رسالة في العادة». كان متديناً وقد مارس التجربة الدينية بعمق، ويعد المؤسس الفعلي لعلم النفس الديني Psychologie de religieux، أهم مؤلفاته: «تأثير العادة في نمط التفكير» Influence de l’habitude sur la faculté de penser ت(1801)، و«رسالة في تحليل الفكر» Mémoire sur la décomposition de la pensée ت(1805).

يعدّ مين دو بيران من أفضل الذين قدموا نظرية المعرفة والنفس والجسد من خلال التحليل السيكولوجي ذي الطابع الفلسفي للنفس والجسد، وعلاقة النفس بالجسد، فهو لايفصل بين النفس والجسد، ويقول إن ارتفاع قدر الإنسان وعلوه مرتبط بالمعرفة إلى حد كبير ليصل به إلى عالم الألوهية والإشراق، لكنه لايعد الإنسان قادراً على أن يصل من خلال الإدراك إلى الله، هناك قدرات معينة لهذا الإدراك لاتستطيع أن تخترق حاجز الصمت الذي يغلف عالم الألوهية، وهو عالم مستقل تماماً عن الإنسان وقدراته الإدراكية؛ لإن الإدراك عند الإنسان عملية متصلة بالجسد وقدرات العقل والدفاع، وبآن واحد متصلة بالنفس، وعالم ما فوق الحسي الموجود داخل الإنسان، فهو لايستبعد تماماً الإشارات والرموز التي يستطيع الإنسان أن يصل من خلالها إلى ذاته ويتعرف هويته، منفصلاً عن الجزء الحيواني الساكن فيه، إنها فلسفة جديدة، استطاع مين دو بيران بها أن يعزل الفكر الإنساني عن الثنائية الديكارتية التي لم يستطع أحد قبله أن يقدم بديلاً منها.

إن الإنسان يمتلك قوة استثنائية يستطيع أن يدير من خلالها شؤون جسده ويتكيف مع العالم الخارجي، من خلال الاعتياد، والعادة عنده هي حصيلة تلك القوة الموجودة داخل الإنسان وتؤدي دوراً أساسياً في التكيف مع العالم، ويفصل العادة عن الانفعال لأن العادة تجعل الفعل يفقد امتيازاته الانفعالية، ومن خلال الممارسة تضعف الانفعالات حتى تتلاشى، وذلك بفضل الاعتياد الذي يُعد من القوى المهمة في آلية التكيف البشري، فالإحساس برائحة يتضاءل، إذا ما تكرر الموقف ضمن فترات زمنية متقاربة حتى يصل إلى العدم؛ ذلك لأن تكرار الاتصال يُضعف العضو الحاس تحت تأثير قوة الاعتياد، وبتأثير العادة تتضاءل الانفعالات، ووفق هذا التفسير تصبح جميع الحركات الفيزيولوجية اعتياداً مستمراً، وفي حالة الرؤية تقوم العينان بحركاتها من دون أي شعور بذلك. أما في حالة الإدراك فالموقف لدى بيران مختلف لأن منابع الإدراكات مختلفة عن منابع الانفعال والمسائل الحسية المباشرة، والمعرفة عند الإنسان هي الجانب الأكثر أهمية؛ لأنها إمكانية يستطيع الإنسان من خلالها أن يصل إلى أبعد الآفاق في علاقته بالعالم الخارجي، والمعرفة هي جهد عضلي من خلاله يعرف الأنا نفسه معرفة مباشرة، ليصبح قوة تعلو على الجسم، وتتسامى الوظائف العضوية في حالة الإدراك لتصبح خارج الجسد تظهر على شكل توتر داخل الجسد، وهذا التوتر هو جوهر بحث الإنسان عن نفسه في خضم الخيارات التي تتقاذفه، ولايمكن للأنا أن يتعرف نفسه علة فاعلة إلا عندما يصطدم بمادة تقاومه، وإذاً فالإرادة هي ذلك الصراع بين الإنسان ونفسه بالدرجة الأولى، وهي تعي هويتها في سلسلة العمليات التي تحققها، وهي تؤلف داخل الجسد وحدة جوهرية لأنه مهما تعددت الانطباعات المختلطة التي تؤثر في الإحساس ليس هناك سوى وعي واحد وإرادة واحدة، هذا هو إنسان مين دو بيران. وتكمن وظيفة الإرادة في توفير النمط الأولي لكل هوية ولكل وحدة داخل الذات، وفي كل شعور بالأنا يلاحظ هذا الاتحاد المتين بين القوتين الجوهريتين اللتين تتصارعان داخل الجسد الواحد، القوة المادية تنبع منها المقاومة المادية، والقوة اللامادية التي تنبع منها المقاومة الروحية، وبين هاتين القوتين اتصال مستمر وليس انفصالاً، اتحاد وليس اغتراباً؛ لذلك ينتقد دو بيران ثنائية ديكارت [ر] التي تذهب إلى أنه لافعالية للنفس على الجسد، وأن العلاقة بين الأنا والنفس هي على غرار العلاقة الخارجية بين الصانع والمصنوع، ويرى دو بيران أن معنى حرية الإنسانية يكمن في تلك الحركات الداخلية التي تحدث داخل النفس عندما يعترض المثل العليا نزوع غريزي نحو توجهات ذات طابع فيزيولوجي في الصميم، ومن خلال تلك الحركات ينظم الإنسان علاقته كائناً متسامياً، مع نفسه من خلال تنظيم حركة الغرائز والانفعالات، وإخضاع هذه الحركة للذات العليا التي هي في جوهرها الإنسان ذاته بعد أن يتجلى بوضوح داخل الجسد، هذا الإنسان هو الذي يستطيع أن يدخل عالم الألوهية ليس عن طريق الإدراك، إنما عن طريق الإشراق والإبداع والتجلي، ومن هنا فإن دو بيران يعالج المسائل الميتافيزيقية والدينية بالمنهج السيكولوجي، ويفصل الله عن مجالات المعرفة والإدراك؛ لأن المعرفة عنده تحصيل متواصل ناجم عن الاحتكاك المستمر مع العالم الخارجي، والعقل نفسه لايتكون إلا بعد حصوله على اللغة التي هي عبارة عن إشارات ورموز، يقابلها معانٍ تدل عليها، وفي هذا النطاق تؤدي العادة دوراً أساسياً في اكتساب الإنسان قواه الإدراكية، وهذه القوى الإدراكية لاتصل إلى الله ولايمكن أن تصل إليه لأن الله ليس معرفة إنما انتماء يعود للقوة العليا داخل الإنسان، لذلك ينتقد دو بيران أدلة ديكارت على وجود الله، لأن الانتقال من النفس إلى الله أمر مستحيل وغير ممكن بموجب مبدأ العلية، ولايمكن الجزم بأن فكرة الله هي فكرة محصلة كغيرها من الأفكار المتعلقة بوجود العالم المادي، وينتقد أيضاً الدليل الوجودي لأن الوجود يُشاهد ولايستنبط من فكرة، ولايتبقى أمام دو بيران للتعامل مع فكرة الله سوى الرجوع إلى القوى المتسامية في النفس الإنسانية التي تعد منبع كل حقيقة وكل نور، ومن الممكن الشعور بوجود الله واللانهاية من خلال الإشراقات العبقرية الفجائية، وفي تلك الوثبات الآتية من تأمل الحقائق العليا، لذلك ينتهي دو بيران بوضع الإنسان ضمن ثلاثة أنساق من الحياة، الحياة الحيوانية وخاصيتها الإحساس، والحياة الإنسانية وخاصيتها الإدراك، والحياة الإلهية وخاصيتها الانفعال والامتثال والقبول.

عصام عبود

 مراجع للاستزادة:

 

ـ الشاروني حبيب، فلسفة مين دو بيران (دار النشر المغربية، الرباط، د.ت)

ـ إبراهيم مصطفى، مفهوم العقل في الفكر الفلسفي (دار النهضة العربية، 1993).

 - CÉLINE LEF?VE,”Les Discours de soutenance, Maine de Biran et Bergson“ Science et philosophie, la question de la psychologie subjective, Université Paris 7).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 292
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 483
الكل : 31102550
اليوم : 3940

استرداد المجرمين

استرداد المجرمين   استرداد المجرمين extradition أو تسليمهم هو عملية قانونية اتفاقية، تتم بين دولتين، تطلب إحداهما من الأخرى تسليمها شخصاً يقيم على أرضها، لتحاكمه، أي الدولة الطالبة، عن جريمة من اختصاص محاكمها، ويعاقب عليها قانونها، أو لتنفذ فيه حكماً صادراً عن هذه المحاكم. واسترداد المجرمين هو نوع من أنواع التعاون بين الدول لمكافحة الإجرام، بإلقاء القبض على المجرمين الفارين، ومحاكمتهم، وتنفيذ العقوبة بهم.
المزيد »