logo

logo

logo

logo

logo

المماثلة

مماثله

Analogy - Analogie

المماثلة

 

المماثلة أو التماثل analogy هو اتحاد الشيئين في النوع، أي في تمام الماهية، فكل اثنين اشتركا في تمام الماهية فهما متماثلان، وإن لم يشتركا فيها، فهما متخالفان.

والأشياء المتماثلة عند بعضهم هي الأشياء المتشابهة، ولكن الأشياء المتشابهة ليست متماثلة بالضرورة، يقال: تماثل الشيئان أي تشابها، وماثل الشيء شابهه، وماثل فلاناً بفلان شبهه به، فلا تكون المماثلة إلا بين المتفقين في الكيفية أو النوعية، كالقول: علمه كعلمه، ولونه كلونه، بخلاف المساواة فإنها بين المتفقين في الكمية.

والمماثلة في الفلسفة والمنطق هي تبيان التشابه في جوانب وخصائص ووظائف وعلاقات معينة بين الأشياء غير المتشابهة، ومن ثم الحكم على شيء معين لوجود ذلك الحكم في شيء آخر مشابه له في صفات معينة، كالحكم على الهواء بأنه صحي لأنه مشابه للغذاء، والغذاء صحي. ويسمى المعنى المتشابه بينهما بالجامع، ويكون إما في التركيب، وإما في الصفات، وإما في الوظائف، ولهذا تقوم المماثلة إما في التناظر ، وإما في التناسب، وإما في التشابه، وإما في التعالق المشترك correlation. وكما تكون المماثلة بين المعاني العقلية، فكذلك هي بين الأشياء الحسية كمماثلة الأعضاء، ومماثلة الصفات، فالعضوان المتماثلان في حيوانين مختلفين هما اللذان يكون محلهما في الجسم واحداً، واقترانهما بالأعضاء الأخرى واحداً، وإن كانت وظائفهما مختلفة، كاليد في الإنسان، والجناح في الطير، أو هما اللذان تكون وظائفهما واحدة.

سَبَّب الفهم الفلسفي لفكرة المماثلة تحولاً قيّماً في الفكر الإنساني. ففي المراحل المبكرة لتطور المجتمع حلّت المماثلة محل الملاحظة والتجربة العلمية، وعلى أساسها قامت معظم النظم الفلسفية الطبيعية عند قدامى اليونان، ثم سيطر هذا الفهم لها عبر امتداد الزمن على الفكر المتأثر بالنهج اليوناني، ولا يزال فعالاً في المناحي الفلسفية المعاصرة، خاصة فلسفة الواقعية الميتافيزيقية. فقد تأرجح الفكر اليوناني بين نزعتين أساسيتين هما الثبات والتغير اللتان تجسدتا في مدرستي بارمنيدس [ر] Parmenides  وهيراقليطُس [ر] Heraclitus. ثم تأثر بنزعة المساواة وعدم المساواة العددية، وما ينجم عنه التركيب العددي من تنويعات في الكائنات؛ وذلك بتأثير فيثاغورس [ر] Pythagoras وديموقريطُس [ر] Democritus ونحا سقراط [ر] Socrates منحى جديداً تفادياً للتخلخل الفكري المؤدي إلى تخلخل أخلاقي. فلجأ في فلسفته الأخلاقية إلى فكرة المماثلةً لدعم موقفه الجديد في  إقناع معاصريه - ولاسيما الخصوم السوفسطائيين منهم - بوجود اختلاف عميق بين الأفعال الإنسانية، وبخاصة الخلقية الصالحة منها والشريرة.

ومع أفلاطون[ر]Plato  أدّت فكرة المماثلة دوراً معرفياً بارزاً، تعدته فيما بعد إلى الإطار الميتافيزيقي (الأنطولوجي). تحدث فيه عن وجود تماثل بين الفكرة أو التصور الذهني المتكون عن الأشياء وبين الأشياء ذاتها في كينونتها المتفردة، أو كما يسميه أفلاطون نفسه تشابهاً ومحاكاة بين عالم المثل أو الصور (العالم المعقول) والعالم المحسوس (الأشياء).

ومال أرسطو بمفهوم المماثلة من المثالية الأفلاطونية إلى الواقعية الميتافيزيقية، فميز بين المماثلة الجوهرية والعرضية، ولزم عن الأولى امتلاك الصورة الجوهرية ذاتها وكلها، ولكن ليس كلياً، أو امتلاكها حسب درجة صورية واحدة، ولكن بصيغة واقعية مختلفة، كمشاركة كثيرين مختلفين في الماهية في صفة ما (الوجود)، ولاختلافهم في الماهية، تكون مشاركتهم في الصفة مختلفة في كل منهم تبعاً لماهيته، وإما عن امتلاك نسبي لها، وإما عن تشابه ناقص بإحدى الخصائص، فيحتمل أن يكون النقص في الصورة ، كما يحتمل أن يكون في الصيغة الواقعية الفعلية، وهي مماثلة بالنسبة proportion،لأنها مشاركة كثيرين في صفة، أحدهم أصيل حاصل عليها بالمطابقة، والآخرون منسوبون إليها لعلاقة ما (علاقة سببية مثلاً)، كتماثل الخليقة مع الله في الكينونة والحياة والحكمة، عند الفلاسفة القائلين بنظرية الخلق، كذلك القول: الله عارف، والإنسان عارف، فعلى الاشتراك في صفة المعرفة إلا أنها تكون لدى الله والإنسان على قدر ماهية كل منهما، فتكون الصفة في الله عز وجلّ علة الخلق عين ذاته، وتكون في الإنسان مضافة إليه، لكونه مخلوقاً معلولاً لله. أما المماثلة العرضية فلزم عنها الاشتراك في إحدى الصور العرضية التي بلغ عدد مقولاتها عند أرسطو تسعاً.

واستفاد علماء الكلام (الأشاعرة، خاصة الغزالي) وفلاسفة الإسلام (ابن رشد) من مفهوم المماثلة في مباحثهم حول الذات الإلهية والصفات الإلهية: الثبوتية (الحياة والعلم والقدرة) والسلبية (النسيان والخطأ والبصر والسمع)، لبلورة أفكارهم وفق سياق الشرع الإسلامي في نظرية التنزيه والتشبيه. يقول ابن رشد: «إذا كان الشرع قد صرح بنفي المماثلة بين الخالق والمخلوق، فإنه يفهم من هذا شيئان: أحدهما أن يعدم الخالق كثيراً من صفات المخلوق، والثاني أن توجد فيه صفات للمخلوق على جهة أتم وأفضل بما لا يتناهى في العقل».

وكان لمفهوم المماثلة أيضاً دور بارز في الميتافيزيقا المدرسية واللاهوت المسيحي الوسيط والمعاصر - خاصة التومائية - في تفسير وجود الأشياء وحدوثها عن علتها الأولى الله عزّ وجلّ. فالمماثلة عند الأكويني [ر] Aquinas هي علاقة مشاركة Participation. فالله - سبحانه وتعالى- علة مخلوقاته ولابد من وجود علة مشتركة هي سبب المماثلة أو المشابهة، فالكمال صفة الله عزّ وجلّ وصفة الإنسان، والجامع بينهما هو هذا الكمال.

وضمن هذا الإطار المعرفي أسهمت فكرة المماثلة في بعث العلم وتقدمه، سواء بوساطة الاستقراء أم الاستنباط، فكانت السبيل إلى تكوين القوانين العامة الناجمة عن إدراك التماثل في العلائق بين الأشياء المتعاقبة، فاكتشف كريستيان هيغنز Ch.Huygens تماثلاً بين حركة الضوء والصوت، وتوصل إلى فكرة النظرية الموجية للضوء، وقد توسع جيمس ماكسويل بالفكرة، فجعلها تشمل خصائص المجال المغنطيسي. وللمماثلة تطبيقات على نطاق واسع في نظرية التشابه كما تستخدم في اصطناع النظير.

 

 

سوسن بيطار

الموضوعات ذات صلة:

توما الأكويني ـ ابن رشد ـ اللاهوت.

مراجع للاستزادة:

ـ دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة عبد الهادي أبو ريده، (القاهرة 1954).

ـ محمد يوسف موسى، بين الدين والفلسفة في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط، (دار المعارف، القاهرة 1959).

 - G.E.R.LLOYD, Polarity and Analogy: Two Types of Argumentation in Early Greek Thought (Cambridge 1966).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 461
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1136
الكل : 31564434
اليوم : 80839

ريمونت (لاديسلاف ستانيسلاف-)

ريمونت (لاديسلاف ـ) (1867 ـ 1925)   لاديسلاف ستانيسلاف ريمونت Wladyslaw Stanislaw Reymont كاتب بولوني ولد في بلدة كوبييله ويلكيه Kobiele Wielkie وتوفي في العاصمة وارسو. أنهى بضعة صفوفٍ في مدرسةٍ للإيرادات المالية تابعةٍ للكنيسة، وارتحل في بداية حياته كثيراً مع فرقةٍ جَوّالة، ثم اشتغل عاملاً في السكك الحديدية. أقام ردحاً من الزمن في فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، وحاز على جائزة نوبل للأدب عام 1924.
المزيد »