logo

logo

logo

logo

logo

نياندرتال

نياندرتال

Neanderthal - Neanderthal

نياندرتال

 

جمجمة رأس إنسان نياندرتال (اكتشفت عام 1908)

حمل إنسان نياندرتال صفات بشرية مشابهة كثيراً لصفات الإنسان الحديث، وقد تواجد الإنسانان معاً في أوربا وغربي آسيا منذ نحو 30000 سنة خلت

(المتتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي)

نياندرتال Neanderthal تسمية أُطلقت على نوع قديم من البشر، عُثر عليه أول مرة عام 1856 في مغارة فِلدُهوفَر Feldhofer في وادي نياندر قرب دوسلدورف Dusseldorf في جنوبي ألمانيا. ثم تتالت الاكتشافات لبقايا الهياكل العظمية من مختلف المناطق ونسبها الباحثون إلى نوع بائد أُسمي إنسان نياندرتال Homo neanderthalensis الذي انتشر في مناطق أوربا ووسط آسيا والشرق الأوسط في الفترة الواقعة بين نحو 200-40 ألف سنة خلت. وقد حمل هؤلاء النياندرتاليون صفات فيزيولوجية وحضارية متشابهة. إذ كان النياندرتال قصير القامة، تراوح طوله بين 150-160 سم، ووزنه بين 60-70كغ، وجهه مسطح وبارز إلى الأمام، عظام حواجبه غليظة وبارزة وجمجمته كبيرة، وهي أقل تدوراً وجبهته أكثر تراجعاً من جبهة الإنسان الحالي، كما أن ذقنه ضعيفة الظهور، وأسنانه كبيرة وقوية، وخاصة الأنياب، وفتحات أنفه واسعة، ويراوح حجم دماغه بين 1300-1500سم3، صدره عريض وعظامه غليظة وبنيته قوية تدل على إنسان تكيّف مع العيش خاصة في المناطق الباردة. وعلى صعيد آخر تمتع النياندرتال بقدرات ذهنية وحضارية واضحة، فهو قد استوطن مناطق جديدة وباردة لم تكن مسكونة من قبل، بعد أن أتقن صناعة الجلود وارتداء الملابس الدافئة، وأقام في الملاجئ والمغاور، بعد أن كيفّها بالشكل المطلوب؛ بل إنه أشاد الأكواخ البسيطة في العراء. وهو الذي طوَّر الاستفادة من النار التي دلت عليها المواقد المنتظمة التي أقامها في مواقعه.

وكان إنسان نياندرتال صياداً ماهراً، صنع حراب صيد فعالة وقتل حيوانات كبيرة وخطيرة، استفاد من لحمها وجلدها وعظمها، وهو صانع الحضارة الموستيرية Mousterian التي حققت إنجازات كثيرة ومهمة على أكثر من صعيد، بما في ذلك استخدام مختلف أنواع الأسلحة والأدوات الحجرية والعظمية والخشبية. كان النياندرتال أول من مارس المعتقدات الروحية والشعائر الدينية، التي عززت إنسانيته وأبعدت عنه صفة التوحش والبدائية التي نسبها إليه بعضهم، فهو أول من دفن موتاه بعناية كما تدل القبور النياندرتالية التي عُثر عليها في مختلف المواقع، وخاصة في فرنسا والعراق وفلسطين وسورية، حيث كُشف عن هياكل ليافعين وأطفال دُفنت في قبور منتظمة، بشكل فردي وأحياناً جماعي، مثنية أو ممددة على ظهرها أو جانبها أو مقلوبة، مطلية بالألوان ومزودة بالأسلحة والأدوات والأطعمة التي تدل على اعتقاده بالحياة بعد الموت. وقد خص رؤوس موتاه بعناية فائقة، فدفنها مستقلة. ومارس أحياناً أكل لحم ونخاع موتاه، مدفوعاً باعتبارات دينية واجتماعية، كالرغبة في اكتساب قوة الميت وذكائه، وليس إرضاءً للجوع، كما ظن بعضهم. ويسود رأي بأن النياندرتال قد عبد الدب ودفنه باهتمام مما يدل على أن هذا الحيوان المخيف قد تمتع بمكانة خاصة لدى المجتمعات النياندرتالية في أوربا وفي المشرق الأوسط حظي الغزال بهذه المكانة.

يدور منذ زمن طويل نقاش حاد حول أصل إنسان النياندرتال ومصيره ومكانته بين الأنواع الإنسانية الأخرى التي سبقته أو لحقته، ويعتقد بعضهم أنه أتى من سلفه الهوموإرِكتوس Homo erectus ثم تطور نحو الإنسان العاقل Homo sapiens الجد المباشر للإنسان الحالي، في حين يرفض آخرون عدّ النياندرتال الجد المباشر للإنسان الحالي قائلين إن النياندرتال والإنسان الحالي يعودان إلى جد واحد مشترك هو الهوموإرِكتوس الذي تفرع منه خطان تطوريان: الأول، في أوربا، نحو النياندرتال الذي انقرض فيما بعد، والخط الثاني، في إفريقيا، نحو الإنسان العاقل الذي تابع تطوره حتى اليوم، على النقيض من النياندرتال المنقرض لأسباب لا زالت مجهولة. وتؤدي المكتشفات التي أتت من المشرق العربي القديم دوراً مهماً في هذا النقاش، وهناك من يقول إن النياندرتال الفلسطيني هو الذي انتقل فيزيولوجياً وحضارياً إلى نوع الإنسان العاقل صانع الحضارة الإنسانية بمعناها الشامل، وإن كان بعضهم يرفض هذه الفرضية، لأسباب ليست بعيدة عن العنصرية، إذ يصعب عليه أن يكون أصله من المشرق العربي القديم، حيث هناك دلائل تعاصر وتعايش مشترك بين النياندرتال والإنسان العاقل؛ مما أدى إلى تلاقح ثقافي وعرقي بين النوعين مسرحه هذا المشرق. ومهما يكن فإن هذا الموضوع لا زال بحاجة إلى المزيد من البحث والمعطيات الدقيقة بما في ذلك دراسات الحامض الآميني DNA لتحديد العلاقة الوراثية بين مختلف الأنواع الإنسانية القديمة ومكانة النياندرتال بينها.

سلطان محيسن

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الأنتروبولوجيا ـ عصور ما قبل التاريخ.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- E. DELSON & al (eds), Encyclopedia of Human Evolution and Prehistory (New York 2000).

- C. STRIGNER & C. GAMBLE In Search of Neanderthal (Theames and Hudson, London 1993).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 176
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1079
الكل : 40500241
اليوم : 30056

بيرك (جاك-)

بيرك (جاك ـ) (1910ـ1995م)   جاك بيرك Jacques Berrque كاتب ومترجم ومستشرق فرنسي، وُلد في الجزائر، ونشأ فيها في كنف والده الحاكم الإداري الفرنسي لمدينة فرندة في ولاية تغدمت. وتلقى أول تعليمه في فرندة وفي الجزائر العاصمة، ثم انتقل إلى باريس ليتم في السوربون دراسته الجامعية. من فرنسة عادت به الخدمة العسكرية الإلزامية إلى مراكش في المغرب، حيث عاش متنقلاً في أنحائها في وظائف عسكرية ومدنية حتى عام 1953. وفي هذه السنة سافر إلى مصر ليعمل خبيراً لليونسكو في مركز سرس الليان.
المزيد »