logo

logo

logo

logo

logo

النطوفية (الحضارة-)

نطوفيه (حضاره)

Natufian culture - Natoufien

النطوفية (الحضارة ـ)

 

اسم لحضارة قديمة (Natufian) نسبة إلى وادي النطوف، إلى الغرب من البحر الميت في فلسطين، استخدمته أول مرّة الباحثة الإنكليزية كاتلين كينيون K.Kenyon في الثلاثينيات من القرن الماضي بعد أن اكتشفت الآثار المميزة لهذه الحضارة في مغارة شقبة في الوادي المشار إليه. عاش النطوفيون بين 10 ـ 8 آلاف سنة ق.م تقريباً، وهم يمثلون حضارة متطورة عن أسلافهم الكباريين؛ ميزت المرحلة التي فصلت بين مجتمعات التنقل والصيد والالتقاط ومجتمعات الاستقرار والزراعة وتدجين الحيوانات. انتشر النطوفيون على مساحة واسعة في المشرق العربي القديم، وعثر على آثارهم من وادي النيل في الغرب حتى وادي الفرات في الشرق، ومن شمال سورية وحتى جنوب البحر الميت،تميز عصرهم بتحسن مناخي واضح وبخيرات بيئية وافرة؛ مما ساعد على انتقالهم من سكن الملاجئ والمغاور الطبيعية وتمكنهم من إشادة البيوت في العراء أول مرّة.

سكن النطوفيون في بيوت متقنة الصنع، مغروسة قليلاً في الأرض، أساساتها من الحجر، وجدرانها من الطين، وسقوفها من الخشب، أشكالها دائرية، وأرضيتها مرصوفة بالحجارة، في وسطها موقد وبقربها مخازن للحبوب؛ مما يدل على أنها منازل عائلية لم تكن معهودة من قبل، وهي تمثل قرى الصيادين الأولى التي وإن كانت لا زالت تعتمد في كسب قوتها على الصيد والالتقاط؛ فأنها قطعت خطوة مهمة نحو الاستقرار وإنتاج الطعام.

آثار فنية من العصر النطوفي

 وقد بلغت هذه القرى مساحات كبيرة (نحو 3000م2)، وسكنها نحو 200 نسمة، وهذا الحجم هو الأكبر من نوعه في ذلك الحين، وهو دليل الانتقال من مرحلة الجماعة إلى مستوى القبيلة ونشوء علاقات اجتماعية واقتصادية أكثر تطوراً وتعقيداً. اصطاد النطوفيون الحيوانات البرية خاصة الغزال، وتغذوا بالأحياء المائية وأهمها الأسماك، كما التقطوا الثمار والحبوب البرية. اشتهروا بصنع الأدوات الدقيقة ذات الأشكال الهندسية microlithes géométriques، كما صنعوا الأدوات العظمية والأدوات الزراعية البازلتية الكبيرة. وكانوا أول من صقل الأدوات الحجرية، وأول من بنى المقابر الكبيرة بجوار قراهم التي دفنوا فيها موتاهم على نحو فردي أو جماعي وبأوضاع ممددة أو مثنية، ولكن دون توجيه خاص، وزوَّدوا هؤلاء الموتى بأشياء مختلفة، أهمها أدوات الزينة والخرز والصدف الذي جلبوه من مناطق بعيدة، وبفضل هذه المقابر يمكن تعرف كثير عن صفاتهم الأنتروبولوجية التي تشبه صفات سكان بلاد الشام الحاليين. وتعدّ الفنون والمعتقدات أهم إنجازات النطوفيين التي تمثل موقفهم من بيئتهم ومن مختلف القضايا التي تحيط بهم وتتفاعل في أعماقهم. وكان الفن النطوفي تشخيصاً مبسطاً، تناول الحيوانات التي عاشت في محيطهم، ولاسيما الغزال الذي تم تجسيده بدمىً صغيرة مصنوعة من الطين أو الحجر أو العظم، بعضها واقعي ودقيق والآخر رمزي ومختزل، مما يدل على موقف معيّن من هذا الحيوان الذي احتل لديهم مكانة فنية وروحية خاصة. كذلك حظي الكلب بعنايتهم الواضحة، ودفنوه باهتمام، فكان هذا الحيوان المخلص قريباً جداً إلى نفوس النطوفيين الذين يعتقد بأنهم دجّنوه قبل كل الحيوانات الأخرى، لكنهم نادراً ما جسَّدوا البشر في فنونهم؛ إذ عُثر على نماذج قليلة لرؤوس ودمى بشرية، بينها تمثال صغير فريد من نوعه، وُجد في موقع عين صخري في فلسطين يمثل شخصين، رجلاً وامرأة، في احتضان حميم، إشارة إلى العملية الجنسية التي كانت مجتمعات ما قبل التاريخ تنظر إليها بقدسية واحترام. كما أعار النطوفيون اهتمامهم لجماجم الموتى، فقاموا في بعض الحالات بفصل الرؤوس ودفنها منفردة في داخل بيوت السكن، وكانوا أحياناً يدفنون عدة رؤوس مع هيكل واحد؛ مما يدل على أنهم قدسوا هذه الجماجم (الرؤوس) وعدّوها تجسيداً لأمواتهم في بيوت أحيائهم معبّرين عن إيمانهم بحياة أخرى بعد الموت.

فضلاً عن ذلك فقد وُجدت في معظم المواقع النطوفية أدوات الزينة كالخرز والأساور والعقود والحلق والخواتم المصنوعة من الصدف والعظم والأسنان، واللوحات الحجرية والأواني والأدوات التي تحمل أشكالاً وزخارف متنوعة. وقد اكتشفت في المشرق العربي القديم عشرات القرى النطوفية المتباينة في حجومها ومعطياتها، ولكنها تلتقي بوجود سمات عامة مشتركة تجمع بينها كالبناء والفنون والأواني والأدوات والشعائر الدينية، كما دلت على ذلك أمّهات المواقع النطوفية، مثل المريبط و«أبو هريرة« في سورية، وأريحا وعين الملاحة في فلسطين، ووادي الحمة والبيضا في الأردن، وحلوان في مصر ومواقع أخرى في بلاد الرافدين، حملت بعضها ملامح الحضارة النطوفية التي جسدت أقدم وحدة حضارية عرفها المشرق العربي القديم منذ الألف العاشر ق.م، وأكدت أن هذه الحضارة لم تقتصر على فلسطين كما زعم بعضهم من ذوي التوجهات العنصرية والصهيونية.

سلطان محيسن

مراجع للاستزادة:

 

ـ جاك كوفان، الإلوهية والزراعة، ثورة الرموز في العصر النيوليتي، ترجمة موسى ديب الخوري، مراجعة وتقديم سلطان محيسن (وزارة الثقافة، دمشق 1999).

- O.BAR YOSEF and F.R.VALLA, The Natufian Culture in the Levant, (Ann Arbor. International Monographs in Prehistory U.S.A. 1991).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 715
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1094
الكل : 40542664
اليوم : 72479

الاشتراط ل-مصلحة الغير

الاشتراط لمصلحة الغير   الاشتراط لمصلحة الغير la stipulation pour autrui يعني تعاقد شخص باسمه، يسمى المشترط، مع آخر يسمى المتعهد، على تحقيق التزام لمصلحة شخص ثالث أجنبي عن العقد، يسمّى المستفيد. والأصل في العقود، أنّ آثارها تتناول عاقديها وتؤول إليهم، لا تتعداهم أو تجاوزهم إلى الغير، فلا يفيد من العقد ولا يضارّ به أحد سوى العاقدين اللذين إليهما وحدهما الحقوق والالتزامات المتولدة عنه، وهذا هو الأثر النسبي للعقد.
المزيد »