logo

logo

logo

logo

logo

إراسموس (ديزيديريوس-)

اراسموس (ديزيديريوس)

Erasmus (Desiderius-) - Erasme (Desiderius-)

إِراسموس (ديزيديريوس -)

(نحو 1466-1536)

 

ديزيديريوس إِراسموس Desiderius Erasmus (ويسمى بالفرنسية Didier Erasme) عالم إِنسانيات, واعظ وقسيس كاثوليكي هولندي. ولد في روتردام بهولندة لقسيس, وتوفي والداه وهو صغير. وقد دخل سلك الكهنوت, وهو غير راغب فيه, في دير شتاين Steyen الأوغسطيني. وفي عام 1492 رسّم قسيساً, ثم عينه هنري برغن Henry Bergen, أميناً لمكتبه, فساعده هذا التعيين على التخلص من عزلة الدير. وبعد سنوات طلب إِعفاءه من رتبة الكهنوت, واستجاب البابا إِلى طلبه ونزع عنه ثوب الرهبانية في 9 نيسان 1517.

ترك إِراسموس مكتب الأسقف عام 1496 وذهب إِلى باريس طلباً للعلم, والتحق بجامعة السوربون. لكن الفكر الفلسفي السائد هناك لم يرق له, ولقيت أفكاره معارضة شديدة فترك باريس عام 1499 وقصد لندن. واتصل بأشهر العلماء هناك, ومن بينهم توماس مور Thomas More (1478-1535), وهو محام وكاتب ووزير, وجون كوليت John Colet مؤسس مدرسة القديس بولس في لندن التي كانت مركز انبعاث الحركة الإِنسانية في المدارس الثانوية الإِنكليزية, وجميس فيشر James Fisher وغيرهم. وشجع هؤلاء على دراسة الكتب المقدسة, فعمد إِلى دراسة اللغة اليونانية ليتسنى له فهم الكتاب المقدس بلغته الأصلية. وتعلم اللغة العبرية. وكان أول معلم لليونانية في جامعة كمبريدج, كما حاضر في جامعة أكسفورد.

قاد إِراسموس الحركة الإِنسانية في شمالي أوربة, وكان له تلاميذه في إِنكلترة, ثم زار إِيطالية حيث نشر مبادئه الإِنسانية وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة تورينو في 4 أيلول عام 1506 فذاع صيته, وأصبح يتمتع بمكانة عالية في أوساط المؤسسات العلمية, ولدى الطبقات الحاكمة. ومنحته الكنيسة لقب «علاّمة», وعدَّه بعض المفكرين أمير الإِنسانيين وأعظم مفكريهم وأوسعهم علماً وخيالاً.

كان قصير القامة, ضعيف البنية, على غاية من اللطف ودماثة الأخلاق, محبوباً, شديد الإِعجاب بنفسه, مبالغاً في الحرص على صحته وسمعته. تناولت كتاباته مجالات واسعة من المعلومات , وأُحيط بهالة من الاحترام. ومن أهم أعماله كتابه «الأمثال أو الأقوال المأثورة» Adagia (عام 1500) وكتابه «مدح الحماقة» The Praise of Folly الذي انتقد فيه رجال الدين الذين أخفقوا في تربية الشعب, وسخر من أصحاب القلوب الطيبة الذين ظنوا أن العبادات الطقسية وممارسة بعض أعمال التقوى أو التقدمات كافية لأن ترسلهم إِلى السماء. لكنه لم يهاجم الكنيسة أو يحاول الانفصال عنها, لإِيمانه بوحدة المسيحية, وعارض المناهج الصارمة في المدارس البابوية والأديرة, وقسوة القيود والفرائض التي أُلزم بها الناس. وقد أفاد من روحه الإِنسانية المرحة وطريقته التهكمية اللاذعة التي وجدت صدىً محبباً لدى الشعب عامة, ومن قدرته على التلميح الدقيق والغمز المقنَّع. وساعده في إِخراج الكتاب الرسام الهولندي هولبين Holbine الذي زود الكتاب برسوم ساخرة تعبّر عن تلك الانتقادات أصدق تعبير, وتثير الضحك فكان لها أثر كبير في إِثارة مشاعر الناس واتساع شهرة الكتاب.

وفي عام 1506 طبع بالتعاون مع توماس مور ترجمة لاتينية لبعض دراسات الناقد الساخر لوقيانوس Lucian, الذي كتب باليونانية في عصر الامبراطورية الرومانية, وهي دراسات انتقادية ساخرة, كوَّنت فيما بعد جوهر التعاليم الإِنسانية في النهضة. وقد سميت هذه الشروح «النبي المزيف». وله محاورات عدة كتبها ما بين العامين 1518 و1533.

أما عمله العظيم فكان نشره للإِنجيل باللغة اليونانية لأول مرة في أوربة عام 1516 وقد أراد من ذلك تزويد الكهنة بمادة صحيحة للوعظ والإِرشاد مستقاة من الكتاب المقدس, فقام بدراسته باللغة اليونانية ومراجعة عدة مصادر وتدقيقها, واقتنع بأن الترجمة اللاتينية البسيطة التي كانت الكنيسة تستعملها آنذاك تتضمن كثيراً من الأخطاء. وأخرج نسخة جديدة بترجمة صحيحة اطمأن إِليها اللاهوتيون. وقد أخذ مارتن لوثر[ر] هذه الترجمة ونقلها إِلى اللغة الألمانية الشعبية. فكان تعاون المصلحين بنّاءً من هذه الناحية, لأن إِراسموس قدم الكتاب المقدس إِلى العلماء والخاصة, ووضعه لوثر بين أيدي العامة من الشعب الألماني.

آمن إِراسموس بقدرة التربية على تغيير العالم وأعرب عن رغبته في أن يعرف كل ولد فلاح سفر المزامير, وينشده, ويردده, معرفته لحراثة الأرض. واعترف أن عمل التربية بطئ الخطا, قليل التقدم, ولكنه قادر على إِذكاء روح النهضة, والثورة على التسلط والاستبداد. وفضَّل الثورة الفكرية والثقافية المسيَّرة بعقلٍ واتزان على إِخضاع إِيمان الجماهير للرغبة أو الرهبة. وله في مجال التربية كتاب «تربية الأولاد تربية حرة», وكتاب «طريقة التدريس». وقد ألحّ في الكتابين على أهمية دراسة طبيعة الطفل دراسة علمية واعية, وأوصى بمتابعة الاهتمام بشخصيته على أنه فرد في المجتمع, وتوجيه الدروس على أساس مواهب الطفل وإِمكاناته, وشدد على أهمية اللعب والرياضة في التربية, وفائدة ربط التربية بالحاجات اليومية, الاجتماعية والحياتية. وانتقد بقوة طرائق الضبط الجائر, والقسوة في العقاب. وأوصى بالاعتدال واستعمال المدح والمكافآت المادية. وحث المعلم على مساعدة التلاميذ وفق قابلياتهم, وعلى أن يُدرك جوانب الضعف والجهل عندهم, وأن يمد يده لانتشالهم ويشجعهم على النمو والتقدم.

أجاد نظم الشعر وله قصيدة نظمها على لسان السيد المسيح يخاطب فيها الجنس البشري الهالك ويدعوه إِلى معرفة الحق وطريق الخلاص, وأنه وحده «أي المسيح» مصدر كل صلاح وبرّ وسلام. وانقياداً لنزعةٍ إِنسانيةٍ شاملةٍ متأثراً بأفلاطون, حاول صوغ مذهب فلسفي إِنساني ديني, ينأى عن الخلافات الدينية ويلحّ على إِيجاد مبادئ عامة مشتركة. ويؤكد أن المسيحي الإِنساني يدافع عن الحقيقة والحرية وسمو الشخص الإِنساني الذي ينير عقله بالروح وهو يتقصى السر الخفي الذي هو المسيح.

انتسب إِلى «أخوية الحياة المشتركة» وهي أخوية علمية أسسها جيرار غروت Gerard Groot عام 1376 في هولندة. وكان لهذه الأخوية أثر بالغ في انتشار دعوة «حركة النهضة» في شمالي أوربة التي سادت فيها روح التقوى الإِنسانية والاجتماعية والتي يقضي نظامها بأن يعيش أعضاؤها من شغلهم اليومي, ومن نسخ الكتب. وكان إِراسموس عالمها المشهور وشارح مبادئها بكتاباته التي اتسمت بالروح الأدبية العالية التي زانت النهضة الإِيطالية آنذاك.

وعندما أعلن مارتن لوثر احتجاجه, ونشر قضاياه مطالباً بإِصلاح الكنيسة, حملها إِراسموس معه إِلى لندن بُعيد إِعلانها - أي عام 1517- وتساءل الناس هل سيتفق مع لوثر, وهو معروف بدعوته إِلى الإِصلاح الديني, وبانتقاده بعض معاهد الكنيسة. بيد أن إِراسموس كان يرغب في إِصلاح الكنيسة من الداخل, ولم يشأ دعم الإِصلاح, ووقف من بعيد محايداً يراقب تطور الدعوة اللوثرية. ولما طُلب منه الرد على لوثر تردد وامتنع وآثر عدم الاصطدام مع حركة الإِصلاح قائلاً: «إِن في الرد على لوثر لخطراً عظيماً» وعندما علم لوثر بتردُّده كتب له :»إِذا كنت لا تملك الشجاعة وتعلن رأيك في تأييدنا وتنبري لمؤازرتنا فلا تذرَّ الملح على جراحنا, ولا تدخل في صراع معنا». إِلا أنه عندما طلب منه الملك هنري الثامن وأشراف مملكته وبعض رجال الدين أن يسهم في مقاومة الإِصلاح, تهيَّب الموقف وتردد, لكنه انفعل واضطرب عندما قال الناس :«إِن إِراسموس يخاف لوثر وهو عاجز عن الرد عليه» وقرر أن يجيبهم إِلى طلبهم فاختار قضية يختلط فيها مذهب الكنيسة والمذاهب الفلسفية وهي قضية «حرية الاختيار» ونشر كتابه «رسائل في حرية الإِرادة» عام 1524 يعارض فيه آراء لوثر, إِذ كان في جملة ما يقوله لوثر «إِن كل صلاح في الإِنسان هو هبة من الله». أما إِراسموس فقال :«إِن صلاح الإِنسان يصدر عن الإِنسان نفسه, وهو معيار ذاته ويملك حرية الإِرادة وحق الاختيار». ولكن وجه الخلاف هذا كان ظاهرياً, لأن لوثر يقيّد خلاص الإِنسان بأن يقبل هبة الخلاص والإِيمان من الله. ويحيا بموجبها. لذلك كان رد لوثر على كتاب «حرية الإِرادة» غير ما توقع إِراسموس فقد كتب إِليه يقول: «عليّ أن أعترف بأنك في هذه القضية الرجل الوحيد الذي بلغ جوهر المادة وأنا أشكرك شكراً قلبياً». ولما اطلع إِراسموس على رأي لوثر في كتابه «حرية الإِرادة» أمسك عن الطعن بحركة الإِصلاح فغضب مقاومو الإِصلاح ونقموا على إِراسموس وأثاروا جمعية اللاهوت في باريس عليه.

بذل إِراسموس جهده في دعوة الناس إِلى استعمال عقولهم في أمر خلاصهم والإِفادة من المعارف الإِنسانية: الموروثة والمكتسبة, في سبيل إِنهاء النزاعات الدينية, داخل الكنيسة وخارجها. وشجعهم على اتباع وسائل الحكمة والتعقل في حل مشاكلهم. وأن يحيوا مسيحيين حقيقيين وفق مقاييس الإِنجيل ومفاهيمه.

وقد منحه عقله الصافي وفكره النير شهرة واسعة, وقاده علمه الموسوعي إِلى الإِيمان بقدرة الإِنسان على التفكير العقلي الصحيح الذي يمكن أن يحرره من الأوهام والخرافات.

ألح في حياته على محاربة الجهل والحماقة ورفع صوته ضدَّ كل النظم الكنسية المتعلقة بالملابس والصوم والأعياد والنذور وغيرها. وتمرد على الأوضاع الكنسية القائمة آنذاك ولكن تمرده كان ضعيفاً مشوباًَ بالخوف فبدت شخصيته وسيرة حياته صورة مكررة لكل من حركتي النهضة والإِصلاح. ومع أنه وضع منهجاً دعاه «فلسفة الأخلاق المسيحية» مسترشداً بالإِنجيل وبتعاليم سقراط العقلية, ودعا الناس إِلى اتباع ذلك المنهج, إِذا ما أرادوا أن يحيوا في وفاق وسلام, فإِنه لم يستطع إِقناع العامة بصحة دعوته, وبقي ناقداً لاذعاً ساخراً من الأجيال الإِنسانية, قليل الإِيمان بجدوى قيادة الناس في منهج الإِصلاح, ولم يبد اهتماماً واضحاً بالكشوف العلمية التي أخذت في النمو تلك الأيام. ولم يكن عديم الاكتراث بالعلوم الطبيعية فحسب بل سخر من فلاسفة تلك العلوم, وأعلن ذلك في مقطع مشهور من كتابه «مدح الحماقة».

صرف إِراسموس قسماً كبيراً من وقته في دراسة كتب الآباء الأولين وتحقيقها ونشرها بمساعدة أسرة فروبينوس Frobinuse.

ويبدو أن الهالة التكريمية التي أُحيط بها والإِعجاب الذي حظي به من رجالات الطبقات العالية الدينية والسياسية, جعلاه يشعر بالسمو, ولكنه كان يسخر من المظاهر التي كانت تنطوي على التعالي.

مات إِراسموس في 12 تموز في بازل بسويسرة وترك ثروة كبيرة من الكتب والرسائل.

توفيق جرجور

الموضوعات ذات الصلة:

لوثر (مارتن) - مور (توماس ـ).

مراجع للاستزادة:

ـ كرين برنتون, «تشكيل العقل الحديث», عالم المعرفة رقم 82 (الكويت).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 772
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1028
الكل : 56533158
اليوم : 40814

بايه انكلان (رامون ديل-)

بايه إنكلان (رامون ديل ـ) (1866 ـ 1936)   رامون ماريا ديل بايه إنكلان Ramón María del Valle Inclán روائي وكاتب قصصي ومسرحي وشاعر إسباني يعد من كبار الشخصيات التي تمثل عصر التجديد في إسبانية، دعا لتجديد الأدب الإسباني، ولد في غاليثيا Galicia في بيانويبا دي أروسا Villanueva de Arosa وتوفي فيها، سافر في شبابه إلى المكسيك عدة مرات، وشعر بانجذاب نحو هذا البلد الذي يتخذ الجمال فيه، بحسب رأيه، أشكالاً مختلفة جداً عن الجمال في شبه جزيرة إيبيرية، ثم عاد إلى مدريد بزيه الغريب، ونظاراته الدائرية وشعره المسترسل ولحيته الطويلة، وخياله الغزير وكلامه اللاذع. كل هذا جعله أديباً شهيراً وغريب الأطوار.
المزيد »