logo

logo

logo

logo

logo

هاينه (هاينريش-)

هاينه (هاينريش)

Heine (Heinrich-) - Heine (Heinrich-)

هاينِه (هاينريش ـ)

(1797 ـ 1856م)

 

هاينريش هاينه Heinrich Heine أحد أبرز الأدباء الألمان في القرن التاسع عشر ومؤسس مفاهيم الصحافة الألمانية الحديثة. ولد في مدينة دوسلدورف وتوفي في باريس. وهو سليل عائلة يهودية من التجار والمصرفيين، وكانت والدته مثقفة مقارنة بنساء عصرها. اسمه الأصلي هاري Harry هاينه، وعندما تحول إلى العقيدة البروتستنتية في عام 1825 وتعمد صار اسمه كريستيان يوهان هاينريش هاينه Christian Johann. بعد أن أنهى تعليمه الأساسي في دوسلدورف، أرسلته عائلته في عام 1816 لتعلم مهنة التجارة في فرنكفورت، ثم إلى عمه المصرفي في هامبورغ عام 1818 الذي افتتح له متجراً للأقمشة، لكن هاينه الشاب أعلن إفلاسه بعد سنة واحدة. ونتيجة لقناعة العم بأن موهبة ابن أخيه لا تكمن في التجارة، أرسله على حسابه الخاص لدراسة الحقوق في جامعة بون Bonn. بعد سنة هناك انتقل هاينه إلى جامعة غوتينغن Göttingen منجذباً إلى محاضرات الأدب، ولاسيما عند أ. ڤ. شليغل[ر] A.W.Schlegel، وبسبب تورطه في مبارزة طلابية حُرم من الدراسة مدة ستة أشهر، فقرر الانتقال إلى جامعة برلين كي لا يضيِّع الوقت ويهدر مال عمه، فأمضى هناك سنتين تردد في أثنائهما على الصالون الأدبي الأشهر آنذاك للسيدة راهِل فارنْهاغِن فون إنزِه Rahel Varnhagen von Ense، حيث تعرف كبار كتّاب العصر، ولاسيما الرومنسيين  [ر. الإبداعية (الرومنسية)]. عاد هاينه بعدها إلى غوتينغن حيث أنهى دراسة الحقوق في عام 1825 بنجاح متوسط وتحول إلى البروتستنتية، لا عن قناعة، وإنما لأن ذلك برأيه: «الطريق إلى ولوج عالم الثقافة الأوربية». وبحثاً عن فرصة عمل في الأوساط الرسمية الألمانية.

نشر هاينه في أثناء النصف الأول من العشرينيات بعض قصائده في المجلات الثقافية، ونشر ديوانه الأول في عام 1822 بعنوان «قصائد» Gedichte. ثم صدر له في العام التالي «مأساتان وفاصل شعري» Tragödien, nebst einem lyrischen Intermezzo. كانت المأساة الأولى بعنوان «المنصور» Almansor، بنى فيها هاينه قصة متخيلة عن الصراع في الأندلس بين المسلمين والمسيحيين في عهد فرديناند Ferdinand وإيزابيلا Isabella، في أثناء أحداث سقوط غرناطة يظهر فيها تعاطفه مع الحضارة الأندلسية وأخلاقيات رجالها ونسائها العرب. وحملت المأساة الثانية عنوان «وليم رَتْكليف» William Ratcliff عالج فيها مأساة حب مرفوض في إطار علاقات اجتماعية معقدة في إسكتلندا المعاصرة، وكلا العملين منظوم بالشعر المرسل.

قام هاينه في عام 1824 برحلة إلى شمالي ألمانيا متنقلاً بين مدنها وجزرها، ثم توجه نحو منطقة الهارتس Harz مشياً على الأقدام متجولاً عبر غاباتها وجبالها وبلداتها، وكتب بعدها أول أعماله النثرية بعنوان «رحلة الهارتس» Die Harzreise الذي كان الجزء الأول من أربعة أجزاء نشرت بعنوان «صور رحلات» Reisebilder ت(1826-1831) اتسمت جميعها بالنقد الاجتماعي الساخر في أسلوب جديد لفت إليه الأنظار. وعقب تخرجه وإخفاقه في الحصول على أي وظيفة، قام برحلة ثانية إلى شمالي ألمانيا، ثم بجولة في إنكلترا عام 1827 مع استمرار عمه في تمويله، عاد في إثرها إلى مونيخ ليعمل في الصحافة. وفي العام نفسه صدر ديوانه الثاني «كتاب الأغاني» Buch der Lieder الذي حظي بانتشار واسع وشعبية أسست لسمعته شاعراً متميزاً. وسرعان ما تُرجم الديوان إلى لغات أوربية متعددة، كما لُحِّنت أغانيه من قِبل مشاهير الموسيقيين. وقد ورد في بعض المراجع أن ملهمه في هذا الديوان هو حبه من طرف واحد لابنتي عمه أمالِْيه Amalie وتيريزِه Therese. وعندما أخفق ثانية في الحصول على عمل أكاديمي في مونيخ سافر في عام 1828 إلى إيطاليا حيث أمضى بضعة أشهر، ثم عاد إلى برلين واستقر فيها مدة سنتين.

عندما اندلعت ثورة تموز/يوليو عام 1830 في فرنسا رافقها حلم البرجوازية الألمانية بعالم جديد يخلصها من أسلوب الحكم المطلق Absolutism ومن التجزئة إلى إمارات وممالك متناحرة. وكان من أوائل آثارها انتقال هاينه في عام 1831 إلى باريس وإقامته فيها حتى آخر حياته، حيث بدأ يعيل نفسه بقلمه وباللغتين الفرنسية والألمانية معاً، إذ صار ينشر مقالاته الصحفية - ذات الروح واللغة المغايرتين للسائد - في صحيفة «ألغِماينِه تسايتونغ» Allgemeine Zeitung الصادرة في مدينة آوغْسبورغ Augsburg وذات الانتشار الواسع ألمانياً، وفي مختلف الصحف الفرنسية الرائجة بعد الثورة. وفي أثناء العقد الأول من منفاه الاختياري الباريسي حصر هاينه كتاباته في مجالات السياسة والمسائل الاجتماعية، وكذلك في تأريخ الأدب الألماني، وجمع أولى المقالات السياسية وأصدرها عام 1833 بعنوان «أوضاع فرنسية» Französische Zustände، وأولى المقالات الأدبية الجديدة، والقديمة الموسَّعة، وأصدرها عام 1836 بعنوان «المذهب الرومنسي (الإبداعي)» Die romantische Schule. كما نشر بين 1334- 1340 أربعة مجلدات بعنوان «الصالون»Der Salon  تضمنت مقالاته في الفن التشكيلي «رسامون فرنسيون» Französische Mahler والعمل المتخيل الساخر «من مذكرات السيد فون شنابِلِڤوبْسكي» Aus den Memoiren des Herrn von Schnabelewopski، و«ليالي فلورنسية» Florentinische Nächte، و«عقليات تأسيسية» Elementargeister، والرواية غير المكتملة «حَبْر بلدة باخِراخ» Der Rabbi von Bacherach، والدراسة المهمة «في تاريخ الدين والفلسفة في ألمانيا» Zur Geschichte der Religion und Philosophie in Deutschland. كما نشر في عام 1844 ديوان «قصائد جديدة» وقد تضمن بعض القصائد القديمة التي أعاد صياغتها. وبسبب المكانة الفكرية والسمعة الأدبية اللتين اكتسبهما في فرنسا منحته الحكومة الفرنسية راتباً شهرياً دائماً.

تعرف هاينه في عام 1834 بائعة فرنسية شابة غير متعلمة اسمها كرِسَّنْس أوجيني ميرا Crescence Eugénie Mirat التي ورد ذكرها في قصائده باسم ماتيلدِه Mathilde وتزوجها في عام 1841. وقد كانت له بمنزلة عشيقة وفية وصعبة القياد في الوقت نفسه.

كان هاينه في كتابته السياسية والاجتماعية أحد الدعاة الأساسيين لحركة «ألمانيا الفتاة» Junges Deutschland. وبسبب ذلك مُنع طبعُ أعماله وتداولها في ألمانيا بقرار اتحادي صدر عام 1835. وفي أثناء المنفى الباريسي الاختياري زار هاينه ألمانيا مرتين فقط، في عامي 1843 و1844 لتفقد أحوال عائلته، ونشر في الوقت نفسه رائعتيه الشعريتين الساخرتين حول الأوضاع الألمانية، أولاهما ملحمة «أتّا ترول» Atta Troll التي أعاد صياغتها في عام 1847، والثانية بعنوان «ألمانيا. حكاية شتائية» Deutschland. Ein Wintermärchen. وفي عام 1843 التقى هاينه كارل ماركس[ر] Karl Marx في باريس وتحمس لمشروعه الاجتماعي الاقتصادي السياسي الذي صيغ لاحقاً في «البيان الشيوعي»، لكنه لم يتبنَ أهدافه المستقبلية المتجلية في سيطرة الطبقة العاملة وحدها على جميع مرافق الدولة وتسييرها حسب مصلحتها.

بدأ هاينه في منتصف الثلاثينيات يعاني مرضاً في عموده الفقري أقعده طريح الفراش منذ 1848، وظهرت عليه تدريجياً عوارض الشلل الجزئي والعمى، فوصف فراشه بالقبر، وكان يتعرض لنوبات ألم فظيع. وفي مثل هذه الظروف التي أحاطت بسنوات حياته الأخيرة نظم الشاعر بعضاً من أروع قصائده التي نشرها في عام 1851 بعنوان «رومانسيرو» Romanzero وهي من نوع القصائد الحكائية التي تحاكي الرباعيات الفارسية في أسلوبها وإيقاعاتها، تناول فيها بعض الشخصيات الأدبية التاريخية من الأدب العالمي، كما وصف حالته المرضية وأثرها الجسدي والنفسي، إلى جانب بعض قصائد المناجاة التي عُدّت من روائع الشعر الألماني مثل «الفاتِر» Der Abgekühlte و«حفل تأبين» Gedächnisfeier، و«إلى الملائكة» An die Engel، و«إنها تنطفئ» Sie erlicht، و«وصية» Vermächtnis، و«ابن ضال» Enfant perdu. ثم نشر «قصائد» Gedichte ت(1853) و«كتابات متنوعة» Vermischte Schriften ت(1854) التي تضمنت إضافة إلى القصائد الجديدة مادة سياسية مهمة بعنوان «لوتيتيا. تقارير إخبارية عن السياسة والفن والحياة الشعبية» Lutetia. Berichte über Politik, Kunst und Volksleben (لوتيتيا هو الاسم اللاتيني القديم لمدينة باريس).

قبيل وفاته ببضعة أشهر تعرف هاينه السيدة إليزِه كرينيتس Elise Krinitz القادمة من ڤيينا كي تنقل إليه تحيات معجب بأشعاره، واستمرت في زيارته يومياً تقريباً حتى وفاته، فأضاءت روحه وخففت من آلامه. وبعد سنوات طويلة نشرت بالاسم المستعار كاميل سِلدُن Camille Selden كتاباً مهماً بعنوان «آخر أيام هاينه» Les Derniers Jours de Heinrich Heine ت(1883) سلطت فيه الضوء على ما كان يشغله فكرياً وسياسياً وشعرياً في المرحلة الأخيرة من حياته.

على الرغم من أن هاينه لم يكن يوماً رومنسياً على الصعيد الفكري، عُدَّ شعره المبكر إحدى ذرا الرومنسية، ولاسيما على الصعيد اللغوي التصويري لدخيلة النفس وأهوائها ونجواها. لكن مكانته الحقيقية على صعيد الأدب الألماني خاصة والأوربي عامة تكمن في قصائده المتوسطة والأخيرة التي تبرز تطور فكره وأدواته الشعرية ورهافة تعبيره المقترنة بسخرية لاذعة من تقلبات الحياة ومظاهر الفساد الاجتماعي والسياسي وانكسار أحلامه تجاه إخفاق الحركات الثورية في جميع أنحاء أوربا في مواجهة عنف الأرستقراطية الحاكمة والمفلسة على الصعيد الإنساني.

 تنوعت موضوعات أعمال هاينه الشعرية والنثرية كثيراً، مما يدل على سعة اطلاعه وعمق ثقافته ذات الصفة التنويرية الثورية التي تبغي تحرير الذات الإنسانية من كل ما يعوق تفتحها عقلياً وشعورياً كي تصير فاعلة في الحركة الاجتماعية. إلى جانب ذلك كله تُعدّ إسهاماته الصحفية تطويراً جذرياً لمفهوم المقالة الصحفية على صعيد مخاطبة عقل القارئ وجعله شريكاً في المسألة المطروحة للنقد والنقاش، وكذلك على صعيد اللغة الجديدة التي ارتفعت بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى مستوى لم تعرفه الصحافة حتى ذلك الحين؛ مما أدى إلى استقطاب كثير من المعجبين بكتاباته حتى إن اختلفوا معه فكرياً، ومن مختلف المواقع السياسية والأدبية.

ترجمت أعمال هاينه إلى كثير من اللغات العالمية، وترجم بعضها إلى العربية.

نبيل الحفار

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الإبداعية ـ ألمانيا ـ الشعر ـ المقالة.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- B. FAIRLEY, H.Heine. An Interpretation (Oxford 1954).

- HANS KAUFMANN, H. Heine. Geistige Entwicklung und Künstlerishes Werk (Berlin u. Weimar 1976).

- M. M. KOFKA, Heine und die bürgerliche Revolution (Berlin 1952).

- P. BÜRGER, Der Essay bei Heinrich Heine (München 1959).


التصنيف : الآداب الجرمانية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 358
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 541
الكل : 29627716
اليوم : 7726

خسرو (منلا-)

خسرو (مُنلا -) (…-885هـ/…-1480م)   شيخ الإسلام منلا خسرو محمد بن فراموز بن علي الرومي الحنفي الشهير بملا خسرو أو مولى، عالم بأصول الفقه الحنفي. رومي الأصل، أسلم أبوه، نشأ هو مسلماً تبحر في علوم المعقول والمنقول. أخذ منلا خسرو العلوم عن برهان الدين حيدر الرومي المفتي في البلاد الرومية،ثم صار مدرساً بمدينة أدرنة بمدرسة شاه ملك، ثم مدرِّساً بالمدرسة الحلبية، ثم صار قاضياً بالعسكر المنصور، ولما جلس السلطان محمد خان (الفاتح) على سرير السلطنة ثانياً (855-886هـ)، جعل له كل يوم مئة درهم، ولما فتح القسطنطينية جعل خسرو قاضياً بها بعد وفاة المولى خضربك، وضم إليه قضاء غلطة واسكدار وتدريس أيا صوفيا. قال ابن العماد: «صار مفتياً بالتخت السلطاني، وعظم أمره، وعمَّر عدة مساجد بقسطنطينية، وتوفي بها ودفن في بروسة في مدرسته».
المزيد »