logo

logo

logo

logo

logo

النبع

نبع

Spring - Source

النبع

 

يعني النبع spring تفجر المياه الجوفية على سطح الأرض الطبيعية، أو في قيعان البحار والبحيرات والأودية. تخرج المياه من فوهات أوشقوق أو كهوف، وباندفاع يتناسب مع طاقة الحامل المائي الجوفي ground water aquifer المغذي للنبع وطوبوغرافيته الجوفية.

علاقة النبع بالتشكيلات الجيولوجية المحيطة

الشكل (1)

إن الوقوف على نبع ذي أهمية يطرح مباشرة السؤال عن ظروفه الهدروجيولوجية (الجيولوجية المائية) hydrogeological وإن التعمق في دراسة هذه الظروف يفسح المجال، عند الإيجاب، لتطوير طاقة هذا النبع وتنظيم استثماره، بما يغطي احتياجات المنطقة الجافة وشبه الجافة، كما هي الحال في معظم البلاد العربية.

في جميع الأحوال يتوضع الحامل المائي الجوفي على طبقات ليتولوجية lithological beds صخرية كتيمة impermeable (صماء) أونصف كتيمة من حيث نفوذية permeability المياه. ويتكون الحامل من طبقات مسامية، رملية أورسوبية، أو طبقات جيرية limestone مشققة متكهِّفة كارستية karstic، أوطبقات طباشيرية متكهفة، وما إلى ذلك من طبقات نفوذة permeable. الينابيع الأشد تفجراً وتصريفاً yield هي تلك التي تصدر عن حوامل مائية جوفية كارستية، كما هي الحال في نبعي بردى والفيجة اللذين يتشكل منهما نهر بردى المار بمدينة دمشق، وهو شريان واحة دمشق الشهيرة (الشكل 1).

تظهر الينابيع في مواقع جيومورفولوجية geomorphological مختلفة، منها: سفوح المرتفعات، وقيعان الأودية، وفي منخفضات السهول حيث يتكشف الحامل المائي الجوفي.

حركية (ديناميكية) dynamism الينابيع الطبيعية

يشير موقع النبع إلى تفجر فائض overflow الحامل المائي الجوفي في المكان، عندما يتجاوز مستوى الحامل المستوى الحدي critical limit للتوازن المائي السكوني hydrostatic equilibrium.

تقسم الينابيع إلى فئتين: ينابيع هابطة descending وينابيع صاعدة rising، بحسب طبيعة مخرج النبع. فالينابيع الهابطة تصدر عن حوامل مائية جوفية ذات سطح حر، في حين أن الينابيع الصاعدة تصدر عن حوامل مضغوطة captive. تقع الينابيع الهابطة في المواقع الطبيعية الأقل مقاومة في سفوح المرتفعات وقيعان الأودية والأراضي المنبسطة. أما في الينابيع الصاعدة فتجري المياه الجوفية تحت المستوى المائي السكوني بحيث تقع تحت الضغط فتصعد للخروج من فتحة النبع.

ثمة حالة شائعة في معظم الينابيع الكارستية الكبرى، وهي كون هذه الينابيع متناوبة intermittent، ترتفع فيها التصاريف وتهبط فصلياً. وثمة حالة خاصة في بعض الينابيع، متعارف عليها عالمياً باسم الينابيع ذات السيفون، حيث يرتفع التصريف بشدة وعلى نحو مفاجئ، ولمدة محدودة، ثم يعود إلى حالته الطبيعية تدريجياً، كما هي الحال في نبع الفيجة الذي يزود مدينة دمشق بمياه الشرب. تسمى هذه الحالة «تفجر النبع» وهي تحمل ظاهرة تعكر المياه بنسبة عكارة تزيد أوتنقص وفقاً لشدة التفجر.

تصنيف الينابيع

1ـ الينابيع الحلوة الطبيعية العادية: وهي ينابيع شائعة في العالم، وعلى نطاق واسع، كما أنها على العموم ينابيع هابطة، حرارتها عادية، وتستعمل مياهها للشرب والري والصناعة وغيرها من الاستعمالات العادية.

2ـ الينابيع الحلوة الطبيعية الكارستية: وهي ينابيع أقل شيوعاً، ولكنها ذات تصاريف فائقة على العموم. وهي ينابيع صاعدة وباردة، تستعمل مياهها لأغراض الشرب والري الزراعي، تتطلب تصاريف عالية من المياه، وخاصة في إمداد المدن الكبرى بمياه الشرب. وقد تتفجرهذه الينابيع في قيعان البحار.

3ـ الينابيع الحلوة الصنعية (الفجَّارات): الفجَّارة تقنية هندسية مائية تراثية عريقة، ظهرت في بلاد الفرس في القرن الثالث قبل الميلاد، وانتشرت في البلاد العربية تدريجياً، حيث تأخذ تسميات مختلفة منها: كهريز في العراق، أفلاج (جمع فلج) في الخليج والجزيرة العربية، فجَّارة في الشرق الأوسط، قطارة في المغرب العربي، قناة رومانية (وهي تسمية شائعة). ومع تلاحم الأقطار العربية الحديث في مجالات العلوم الهدرولوجية (المائية) شاع مصطلح «الفجَّارة» وهو اليوم معروف عربياًً.

تنفذ الفجَّارات في أراضٍ مسطحة، بميول خفيفة، تجري تحتها مياه جوفية عذبة، قريبة من سطح الأرض وغزيرة. يتلخص التنفيذ باختراق الحامل المائي الجوفي من خلال حفر نفق أفقي بعكس اتجاه حركة مياه الحامل. يستمر حفر النفق إلى أن يتقاطع مع الحامل لتجري مياهه في قاع النفق بالراحة وتخرج إلى الأرض الطبيعية على صورة نبع طبيعي.

تتيح الفجَّارات استثمار الشريحة الطازجة والأجود من مياه الحامل المائي الجوفي، وهي بذلك أداة خيرة من شأنها حماية المنطقة القائمة فيها من تدهور البيئة والتصحر، ومكافحة النزوح عن الريف. تستثمر مياه الفجارات في توفير مياه الشرب والري الزراعي لقرية أو مجموعة من قرى مشاركة في إنشاء الفجارة وصيانتها وترشيد استثمار مياهها.

لا زالت تقنيات الفجَّارات ـ على قدمها ـ مجدية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في معظم المناطق العربية التي شاعت فيها في الماضي. غير أنها منذ عقود في سبيلها إلى الانقراض في بعض المناطق بسبب عاملين اثنين، أولهما الإقدام على تحديث أساليب استعمال الموارد المائية وتطويرها، وثانيهما ضخ المياه من آبار مجاورة بكميات من شأنها تجاوز الحدود النظامية بما يؤدي إلى هبوط مستوى المياه الجوفية، علماً أن استمرارية أداء الفجارة يرتبط بمستوى المياه المغذية لها بالدرجة الأولى.

4ـ الينابيع الحرارية ـ المعدنية thermo-mineral: تتميز الينابيع الحرارية من سابقاتها بكونها نافورية، تتفجَّر بشدة تصاعدية، من شق أرضي عميق أو فالق عميق، في مواقع لا تنبئ عن ظواهر هدروجيولوجية. وإذا كانت مواقع الينابيع الأخرى متوافقة مع الظروف الهدورجيولوجية المحيطة فإن الينابيع الحرارية ـ المعدنية لا تبدو متوافقة مع هذه الظروف، بل تبدو كأنها متصلة بنهاية عرق شبه معدني سائل. وكما يدل عليها اسمها، فإن الينابيع الحارة ـ المعدنية تكون حارة في معظم الحالات، الأمر الذي يجعلها غنية بالعناصر المعدنية مما يدعو إلى اهتمام المجتمع بها من حيث الاستعمالات وخاصة العلاجية الطبية. وإضافة إلى الحرارة العالية والعناصر المعدنية، تتصف الينابيع الحرارية ـ المعدنية على العموم بتصاريف نظامية ثابتة، وهي ظاهرة غير شائعة في الينابيع الأخرى.

وثمة بدائل للينابيع الحرارية ـ المعدنية، فمنها ما تكون حارة بحمولة معدنية عادية، أو حرارية ـ معدنية بالتكامل، أو معدنية بحرارة عادية وتفجر غير نافوري. وعلى ذلك، إن ما يؤكد انتماء كل من هذه البدائل إلى فئة الينابيع الحرارية - المعدنية هو قدرتها على شفاء بعض الأمراض، إذ أطلق عليها بعض المؤلفين اسم «الينابيع العلاجية الطبية». هذا، ويشهد التاريخ بأن هذه الينابيع كانت تستعمل بهدف المعالجة المائية، وسرعان ما اكتشف الأقدمون أنها تتميز بخواص شفائية، وخاصة في عهد الفيلسوف اليوناني أفلاطون.

أمهات الينابيع في الأحواض المائية السورية

الشكل (2)

 

الشكل (3)

رسمت خارطة الأحواض المائية السورية في عام 1967 وعددها سبعة، منها ثلاثة أحواض داخلية مغلقة (دمشق ـ حلب ـ البادية)، وأربعة مفتوحة على البحار (الأردن الأعلى ـ العاصي ـ الساحل ـ الفرات الأوسط). فيما يأتي عرض لأمهات الينابيع الواقعة في كل من هذه الأحواض، مع الإشارة إلى أن كل رقم مقابل اسم النبع، أومجموعة ينابيع يرمز إلى التصريف بالمعدل الوسطي السنوي وبملايين الأمتار المكعبة.

1ـ في حوض دمشق: نبع بردى (130) (الشكل 2) ونبع الفيجة (345) (الشكل 3)، ويتشكل منهما نهر بردى الذي يعد شريان واحة دمشق. نبعا الطمَّاسيات والطبيبية (70) ويتشكل منهما نهر الأعوج. مجموعة مؤلفة من خمسين فجَّارة منتشرة في واحة دمشق، في سبيلها إلى الانقراض نتيجة لانتشار آبار الري الزراعي في الواحة على نطاق واسع. نبع فاسريا الحراري الواقع في منطقة دوما شمال غربي دمشق، ونبع المكبرت الحراري ـ المعدني الواقع في منطقة الضمير ويقع كلاهما في واحة دمشق.

2ـ في حوض الأردن الأعلى: نبع بانياس (160)، الذي يشكل نهر بانياس أحد أهم روافد نهر الأردن, ويقع في أعلى الجولان. مجموعة ينابيع السفوح الغربية للجولان (150) التي تصب في منطقة الحولة. ينابيع مزيريب (125) التي تصب في نهر اليرموك الرافد الرئيسي لنهر الأردن. ينابيع السريا وأم الدنانير في منطقة الشيخ مسكين بحوران. ينابيع الحمة الحرارية ـ المعدنية المهمة التي تصب في نهايات نهر اليرموك.

3ـ في حوض العاصي: ينبع نهر العاصي في منطقة الهرمل شمالي سهل البقاع في لبنان، ويصب في البحر المتوسط جنوبي أنطاكية. في سورية يرفد حوض العاصي من الينابيع: نبع التنور (45) عند الحدود اللبنانية، نبع الساخنة (40) في منطقة القصير جنوبي حمص، ينابيع تل العيون (160) قرب محردة، مجموعة الينابيع الكبرى شرقي سهل الغاب (280)، مجموعة الينابيع الكبرى غربي سهل الغاب (200)، مجموعة ينابيع عرى في سهل الروج (75)، مجموعة ينابيع نهر العفرين أحد روافد نهر العاصي الكبرى (120). وتوجد في حوض العاصي فجارات منها: مجموعة فجارات حوض مجر القلمون بمعدل فجارة أواثنتين لكل بلدة، مجموعة فجارات منطقة السلمية ويتجاوز عددها أربعين فجارة ترفد المجمعات السكنية بمياه الشرب والري الزراعي، وقد جف معظمها نتيجة تأثير آبار الري الزراعي التي غزت المنطقة فكانت كارثة مشهودة في سورية. ومن الينابيع الحرارية ـ المعدنية حمامات الشيخ عيسى شمال غربي جسر الشغور, وهي مقصودة للاستشفاء.

الشكل (4)

4ـ في حوض الساحل: نبع السن الكارستي (340) بالدرجة الأولى (الشكل 4)، بتصريف وسطي قدره 10.5 م3 في الثانية، وهو بذلك من أهم ينابيع حوض البحر المتوسط من حيث التصريف وعذوبة المياه، ويمثل الشريان الرئيسي لإمداد مدينتي طرطوس واللاذقية وعدد من القرى الساحلية بمياه الشرب. ومن ينابيع حوض الساحل: ينابيع نهر الكبير الشمالي (100)، ينابيع نهر الكبير الجنوبي (90)، نبع بانياس (45) ونبع السوريت (45) ونبع الناصرية (16) في منطقة بانياس، وعدد كبير من ينابيع الأودية الساحلية أهمها (من الشمال إلى الجنوب): القنديل، الصنوبر، حميميم، البرغل، المرقية، الحصين، طرطوس، عمريت، الأبرش، العروس. ويتفجر عدد من الينابيع الكارستية المهمة تحت البحرية مقابل مدينتي طرطوس وبانياس.

5ـ في حوض حلب: حوض حلب فقير بالأنهار والينابيع الرئيسية. ثمة ينابيع ثانوية لنهرين: نهر القويق الذي يجتاز مدينة حلب، ونهر الذهب. وفيما عدا ذلك، تنتشر الفجَّارات على نطاق واسع شمالي الحوض في منطقة المنبج والباب والسفيرة، وثمة فجَّارة حيلان المهمة التي كانت ترفد مدينة حلب بمياه الشرب، وقد جف بعضها نتيجة تأثير آبار الري الزراعي المحدثة.

6ـ في حوض الفرات الأوسط (الجزيرة العربية): نبع رأس العين الكارستي الشهير (1260)، الذي يشكل نهر الخابور بتصريف وسطي قدره 40 م3 من المياه العذبة في الثانية، الرافد الرئيس لنهر الفرات في سورية، وهو من أهم الينابيع الطبيعية العالمية. مما حدا أحد المؤلفين تسمية هذا النبع «ملكة الينابيع». يتبعه نبع العروس الكارستي (150) في تل أبيض الذي يشكل نهر البليخ، الرافد الثاني لنهر الفرات في سورية. ينابيع نهر الساجور (50)، الرافد الثالث لنهر الفرات في سورية.

7ـ في حوض البادية: حوض البادية فقير بالينابيع لوقوعه في المنطقة الجافة من سورية. من الينابيع: نبع رأس العين (2) في القريتين، ونبع زنوبيا (6) الحراري ـ المعدني الكبريتي في مدينة تدمر، وحمامات «أبو رباح» شمال غربي القريتين. ويتوفر في حوض البادية عدد من الفجارت لإمداد المجمعات السكنية بمياه الشرب والري الزراعي.

أمهات الينابيع في الأقاليم العربية

الأوضاع المائية في أراضي الدول العربية متفاوتة تبعاً لمواقعها الجغرافية وخواصها الجيومورفولوجية ومناخها، وتأثير هذه الظروف في واقع الينابيع وخواصها. ومن أجل اعتماد مبدأ التماثل في عرض أمهات الينابيع قسمت الدول العربية إلى خمسة أقاليم هي من الشرق إلى الغرب: الخليج العربي ـ شبه الجزيرة العربية ـ الشرق الأوسط ـ شرق إفريقيا العربية ـ غرب إفريقيا العربية (المغرب).

1- في الخليج العربي

(1) الكويت: أراضي الكويت خالية من الينابيع الطبيعية.

(2) البحرين: نبع داخلي أوحد هو نبع العذاري الواقع في قلب البحرين. ثمة ينابيع كارستية تحت بحرية على بعد عشرة كيلومترات شمال شرق المحرق, وينابيع كارستية تحت بحرية أخرى إلى شرق البحرين مباشرة. يقدر مجموع تصاريف هذه الينابيع بـ 290 ل/ثا، ما يعادل 9.6 مليون م3 سنوياً.

(3) قطر: أراضي قطر خالية من الينابيع الطبيعية. تنتشر في أراضي قطر حفر انهدامية كارستية تظهر مياه عذبة في قيعانها كان الإنسان يتزود منها بمياه الشرب.

(4) الإمارات: الينابيع الطبيعية قليلة في الإمارات ومحدودة التصاريف منها: ينابيع الخت الشمالي والخت الجنوبي، وسيجي، وبوسخانة، ومسافي، ويبلغ مجموع تصريفها السنوي 4 ملايين م3 من المياه الحلوة نسبياً. وتتميز الإمارات بمجموعة كبيرة من الفجّارات يبلغ مجموع تصريفها السنوي 30 مليون م3، وأشهرها أفلاج معلا.

(5) عمان: أم الفجّارات في العالم العربي، حيث تنتشر على نطاق واسع في الشرط الساحلية المحاذية لسفوح السلاسل الجبلية، وأهمها أفلاج وادي البطحا والمضيبي، وتوفر 50% من الاحتياجات المائية للري الزراعي. وتوجد في سفوح السلاسل الجبلية مجموعات من الينابيع الصغيرة والمتوسطة منها: عيون أرزات وصحنوت وجرزير وحمران، بمعدل تصريف سنوي قدره 10 مليون م3.

2ـ في شبه الجزيرة العربية

(1) السعودية: في البداية، «نبع زمزم» القائم في قلب حرم بيت الله الشريف بمكة المكرمة، وفيما يأتي خواصه المقدسة : تتفجر مياه نبع زمزم من فالق أرضي عميق و باندفاع مؤكد بدليل طاقته المائية الفائقة. المياه قلوية لحد ما، pH = 7.5، الملوحة 1550مغ/ل تتألف من: الصوديوم  Naت(332)، الكلسيوم  Caت(104)، المغنزيوم  Mgت(52)، البوتاسيوم  K ت(12)، الفحمات  CO3Hت(395)، الكلور  Clت(360)، أكسيد الكبريت  SO4 ت(290). وقد أعطى تحليل عناصر الأثر trace elements بطريقة التنشيط النتروني neutron activation قيماً تفوق 30 عنصراً بتراكيز مختلفة منها: الانتموان، البريليوم، البزموت، البروم، الكوبالت، اليود، المولبدينوم، مما يؤكد فائدة مياه زمزم لصحة الإنسان كما هو معلوم. أخيراً الماء نقي، لا لون له ولا رائحة، ومذاقه مالح قليلاً.

تقسم أراضي السعودية من حيث طبيعة الينابيع إلى ثلاث مناطق هي: السهل الساحلي الغربي (تهامة) على البحر الأحمر، سلسلة الجبال الغربية (الدرع العربي)، المسطحات الشرقية. في تهامة هناك ينابيع سهلية صغيرة عذبة، وكهوف بحيرات مياه عذبة غزيرة ومتجددة على طول السفوح، يطلق عليها اسم عيون الأفلاج منها: الراس، أم هيب، الرويس، الباطن، أم برج، الشقيبات، أم البقر. تجر مياه هذه العيون إلى الأراضي الزراعية غرباً بطريقة الفجَّارات. وفي الدرع العربي تحمل سلسلة الجبال كثيراً من الينابيع الصغيرة والمتوسطة العذبة، وأغزرها في جبال عسير جنوباً، ومنها نبع زرقا. أما في المسطحات الشرقية المطلة على الخليج، فتوجد ثلاث واحات تتفجر في كل منها ينابيع غزيرة منها: ينابيع الهفوف في واحة الاحساء، وينابيع القطيف شمال الدمام، وينابيع الخرج في واحة جبرين.

(2) اليمن: لا توجد في اليمن أنهار دائمة الجريان، بل تشهد اليمن في مواسم الأمطار فيضانات كبرى. وتنتشر في اليمن في السلسلة الجبلية والسفوح الخارجية والنجود العليا مئات الينابيع الصغيرة (الغيول جمع غيل - المعايين جمع معين) العذبة والدائمة، تراوح تصاريفها بين ليتر واحد إلى بضعة ليترات في الثانية، وقد تتجاوز عشرات الليترات أو مئة أومئتين ومنها: غيل باوزير، وينابيع وادي حضرموت ووادي عدم ووادي العين في اليمن الجنوبي. وفي اليمن تنتشر ينابيع حرارية - معدنية منها: حمام العيون وحمام السخنة في منطقة الحديدة.

3ـ في الشرق الأوسط

(1) العراق: تتمركز الينابيع في النصف الشمالي من العراق، وتتوزع على النجود الشمالية الشرقية (سفوح جبال زاغروس) حيث تكون عذبة وطبيعتها كارستية غزيرة، وعلى سهول الجزيرة (أرض الرافدين) حيث تكون مياهها أقل عذوبة من سابقتها. وتنتشر الفجارات (الكهاريز) في سائر المناطق المذكورة، مياهها غزيرة وعذبة عموماً.

(2) لبنان: الأراضي اللبنانية، وخاصة السفوح والنجود، غنية بالينابيع، وأكثرها غزيرة وعذبة منها: ينابيع نهر العاصي في لبنان بمعدل تصريف سنوي 350 مليون م3، وينابيع نهر الليطاني (295)، ونبع أفقا (145)، ونبع اليمونة (90)، ونبع جعيتا (85)، ونبع قاديشا (80)، ونبع عنجر (65)، وينابيع الحاصباني (55)، ونبع الصفا (45)، ونبع الباروك (35)، ونبع فوار انطلياس (25)، ونبع العسل (23) جديتا (15). هذا، وثمة ينابيع كارستية تحت بحرية قريبة من الشواطئ اللبنانية في مناطق شكا وخلده والدامور وصيدا وصور، تراوح تصاريفها بين 60ـ1000ل/ثا.

(3) الأردن: في الأردن تسود الينابيع في النجود والأراضي العليا والسفوح، وفي المسطحات الشرقية على نحو أقل. المياه محدودة التصاريف، وهي عذبة ودائمة الجريان عموماً. ومن هذه الينابيع في مناطق: إربد بمعدل تصريف سنوي قدره 42 مليون م3، الكرك (24)، الزرقا (23)، عمان (22)، البلقا (19)، السخنة (10)، طفيلة (9)، الأزرق (4)، معان (3). وثمة بعض الينابيع الحرارية - المعدنية، أهمها ينابيع الحمة الأردنية المقابلة لينابيع الحمة السورية على نهر اليرموك.

(4) فلسطين المحتلة: نهر الأردن من جهة، والمياه الجوفية الغزيرة من جهة هي مصادر إمداد فلسطين المحتلة بمياه الشرب والري الزراعي وغيرها، مضافاً إليها مجموعة الينابيع الغزيرة الكارستية في منطقة رأس العين التي يتشكل منها نهر العوجا (اليركون) المتجه غرباً ليصب شمالي تل أبيب. يقدر معدل تصريف هذه الينابيع بـ 100 مليون م3 سنوياً، نُقل 32 مليوناً منها إلى مدينة القدس لإمدادها بمياه الشرب.

4ـ في شرق إفريقيا العربية

في دول هذا الإقليم، مصر والسودان والصومال، ومع توفر المياه الجوفية القريبة من السطح لا توجد ينابيع مياه عذبة ذات أهمية. وعلى العموم لم تحظ المياه الجوفية من الاهتمام إلا في أطر مشروعات توفير مياه الشرب لقرى الأرياف البعيدة عن نهر النيل وروافده، حيث تمارس أوسع أعمال الري الزراعي. وتنتشر في كل هذه الدول أعداد من الينابيع الحرارية - المعدنية منها: في مصر، ينابيع حمام فرعون الكبريتية الحارة الواقعة في المنطقة الفالقية غربي سيناء، وينابيع حمام موسى الكبريتية الحارة الواقعة في طور سيناء، وينابيع أخرى كثيرة وأقل أهمية في حلوان والفيوم. وفي الصومال تنتشر ينابيع حرارية - معدنية في المناطق الجبلية الشمالية.

5ـ في غرب إفريقيا العربية

(1) ليبيا: تمثل المياه الجوفية في ليبيا 95% من الموارد المائية القابلة للاستثمار. توجد في ليبيا ثلاثة ينابيع رئيسية هي: نبع الزيانة شرقي بنغازي بمعدل تصريف سنوي 90 مليون م3، ونبع تاورغا جنوب مصراته (60)، ونبع كعام شرقي الخمس (11)، وينابيع براك في الفزَّان (4). إضافة إلى ينابيع سفوح جبل نفوسة، والجبل الأخضر، والمناطق الداخلية.

(2) تونس: تمثل المياه الجوفية في تونس 40% من الموارد المائية القابلة للاستثمار. تتمركز الينابيع الكبرى في الشمال، حيث تشكل الأنهار الكبرى هي: وادي مجردة، وادي زرود، وادي الكبير، وادي عليانة، وادي ملاقة. تليها الينابيع الحلوة المنتشرة في الوسط والجنوب منها: نبع بومرشاق، نبع دراهم، نبع قصرين، نبع سبيلا، نبع حلما، ينابيع شط الجريد، ينابيع غابس، ويراوح المعدل السنوي الفردي لهذه الينابيع بين 3 ـ20 مليون م3، أي دون طاقة ينابيع الشمال. ويوجد في تونس عدد من الينابيع الحرارية - المعدنية منها: نبع قربص الشهير، ونبع حمام بورقيبة، وليف، وبعض ينابيع غابس الحارة.

(3) الجزائر: تسود في سهول الجزائر ونجودها وسبخاتها (الشط) الداخلية حوامل مائية جوفية حبيسة، الأمر الذي يؤدي إلى تفجر ينابيع (عيون) كثيرة في هذه المنطقة. وأهم هذه الينابيع ما يتفجرمنها في الشط الشرقي، نبع سكرونا، ونبع كريدر ونبع صاوس، ويقدر متوسط تصريفها السنوي بـ 35 مليون م3. وتتفجر كذلك ينابيع كارستية كثيرة في سفوح جبال الأطلس. كما تنتشر الفجارات في السهول والنجود على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، توجد ينابيع حرارية ـ معدنية (حمامات) منها: نبع بوحنيفة غرباً ونبع بوحلون في جنوب الجزائر العاصمة.

(4) المغرب: أراضي المغرب غنية بالمياه الجوفية من خلال بنيتها الجيومورفولوجية المتنوعة من جبال ونجود وسهول ومناخها الملائم. كما أن معظم الحوامل المائية الجوفية كارستية حبيسة، الأمر الذي يؤدي إلى تفجر ينابيع عالية التصاريف ومياه عذبة نسبياً. يتميز المغرب بأنهار كثيرة وغزيرة، تطلق عليها أسماء الينابيع الكبرى التي تشكل هذه الأنهار ومنها: نبع أم ربيعة ومتوسط تصريفه السنوي 600 مليون م3، ونبع تدلا (540)، ونبع سيبو (500)، ونبع الصوص (365)، ونبع بين الأودية (250)، ونبع مولويا (150)، ونبع بني مطهر (35). وتنتشر الفجارات (القطَّارات) في سهول المغرب ونجوده على نطاق واسع, وأهمها فجارة حوض الصوص الواقعة أسفل جبال الأطلس الصحراوية جنوباً، وهي أهم فجارة في الأراضي العربية طولاً وغزارة إذ يبلغ متوسط تصريفها متراً مكعباً واحداً في الثانية، ما يعادل 32 مليون م3 في العام.

(5) موريتانيا: المورد المائي الأساس في موريتانيا هو نهر السنغال الغزير المشترك مع جمهورية السنغال. المياه الجوفية متوفرة ولكن بشروط متدنية, الأمر الذي لا يفسح المجال لتفجر أي ينابيع طبيعية من أي طاقة كانت، بحيث اقتصرت الاستثمارات على حفر الآبار العامة والخاصة.

تنظيم جريان الينابيع الكارستية الكبرى بطريقة التخزين الجوفي ground water reservoir

شهد العصر الحديث طفرات ملموسة في تقنيات تطوير استثمار المياه الجوفية ودعمها، كان من شأنها تحقيق منجزات مائية متكاملة مع الاحتياجات المائية، ومتوازنة مع طبيعة الأحواض المائية التي تقع هذه المنجزات في زمامها. وذلك بهدف تطوير استثمار الموارد المائية بتحويل مصادرها من أوضاعها الطبيعية إلى أوضاع استثمارية مجدية. ومن أهم هذه التقنيات الحديثة تنظيم جريان الينابيع الكبرى بطريقة التخزين الجوفي. تمارس هذه التقنية في حالات العجز المائي الموسمي المسمى (التحاريق low water level) للنبع الكارستي، حيث يرتفع التصريف إلى معدلات فائقة في موسم تفجر النبع كل عام، ليهبط في موسم التحاريق. تتلخص هذه التقنية بضخ مياه النبع في موسم التحاريق بمعدلات تتجاوز المعدلات الطبيعية، وتعويض حجوم هذا التجاوز في موسم تفجر النبع. على أن هذه التقنية سلاح ذو حدين، إذ قد يؤدي تطبيقها إلى عواقب سلبية على طبيعة النبع، إذا لم يسبق التطبيق دراسة متعمقة للنظام الجيوهيدروليكي geohydraulic system للنبع مشفوعة بالغطس في الأعماق.

التشريع المائي وحماية الينابيع الطبيعية

تشكل الينابيع الطبيعية نقاطاً متميزة على سطح الكرة الأرضية. وإن تفجرها حادثة طبيعية ترمز إلى التوازن الهيدروليكي hydraulic equilibrium ما بين التغذية الطبيعية للحامل المائي الجوفي ومخزونه الإجمالي، وإفراغ ما يرد هذا الحامل من التغذية الفائضة عن المخزون الإجمالي. وبذلك، يعد جريان النبع صمام الأمان في التخزين المائي الجوفي، مما يدعوإلى حماية هذا النبع من الاستنزاف الناتج من ضخ المياه من الآبار المحيطة إن وجدت. مع العلم أن حرارة مياه الينابيع الطبيعية وعذوبتها تكون متميزة من سواها. ولهذا الغرض، يُعنى التشريع المائي الحضاري بصياغة أحكام خاصة بتحديد حرم مساحي لكل نبع، تُحظَّر في زمامه أي ممارسة لضخ المياه الجوفية من خلال الآبار وغيرها. يكون تحديد هذا الحرم في ضوء دراسة هدروجيولوجية للنبع ونظامه الهدروليكي. وينسحب ذلك أيضاً على الفجَّارات.

محمد شفيق صفدي

مراجع للاستزادة:

 

ـ «الثروة المائية العربية»، مجلة الإنماء العربي للعلم والتكنولوجيا، بيروت العدد 17-18 تموز/يوليو 1989.

ـ محمد شفيق صفدي، الثروة المائية في الجمهورية العربية السورية (وزارة الأشغال العامة، دمشق 1974).

ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، موسوعة مصادرالمياه الأرضية في البلاد العربية (جامعة الدول العربية، تونس 1972).

- P. FOURMARIER, Hydrogéologie (Masson et Cie, Paris, 1958).

- G. BOGOMOLOV, Hydrogéologie et notions de géologie d’ingénieur (Éditions de La Paix, Moscou 1952).

- GEORGES DROUHIN, Les problèmes de l’eau en Afrique du Nord- Ouest, études et recherches sur la zone aride (UNESCO, Paris 1952).

- ESCWA, United Nations, Assessment on the Water Resources Situation in the ESCWA Region (E/ESCWA/Rev.1, 1981).


التصنيف : الهندسة
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 445
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1080
الكل : 40533776
اليوم : 63591

عدم رجعية القوانين

عدم رجعية القوانين   مبدأ عدم رجعية القوانين non- retroactivity of laws، مبدأ أساسي يعدّ من قديم الأصل في حل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان، وهذا المبدأ مقرر اليوم في أغلب الشرائع الحديثة، وهو يعني عدم انسحاب القوانين الجديدة على الماضي واقتصارها على حكم المستقبل، أي على حكم ما يقع ابتداء من يوم نفاذها، وهذا المبدأ من المبادئ المقدسة التي كسبتها الإنسانية بعد جهاد طويل، حتى غدا اليوم من تراثها الثابت سواء كان مسطوراً في الدساتير والقوانين أم غير مسطور.
المزيد »