logo

logo

logo

logo

logo

نهرو (جواهر لال)

نهرو (جواهر لال)

Nehru (Jawaharlal-) - Nehru (Jawaharlal-)

نهرو (جواهرلال ـ)

(1889 ـ 1964)

 

ولد جواهرلال نهرو Jawaharlal Nehru سنة 1889 لأسرة ميسورة، تنتمي إلى الطبقات الاجتماعية المتميزة عند الهندوس. والده المحامي موتيلال نهرو، رئيس المؤتمر الوطني الهندي. كانت إقامته مع عائلته في مدينة الله آباد، حيث كان الأب يعمل محامياً، وكان مكتبه مزدهراً، مما مكّن العائلة من التمتع بعيش رغيد ومرفه.

تلقى جواهر دروسه الأولى بين عامي 1902 - 1904 على يد مدرس خاص. ثم أرسله والده في عام 1905 إلى بريطانيا للالتحاق بمدرسة «هارو» Haro، انتقل بعدها إلى كامبردج، ليحصل على إجازة في العلوم الطبيعية وأخرى في الحقوق من جامعتها.

شغف الشاب الهندي بالقراءة في أثناء دراسته الجامعية، وعمل على تثقيف نفسه منكباً على مطالعة الكتب الأدبية والتاريخية والعلمية والفلسفية والاقتصادية، مما مكنه من تحصيل زاد غني من الأفكار والآراء العصرية المتقدمة. تأثر بالفكر الاشتراكي ومفاهيمه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. راسل من بريطانيا صحيفة تايمز التي كانت تصدر في الهند، وركز في مقالاته على حزب المؤتمر الذي مثل الحركة الوطنية الهندية في تلك الفترة. وفي الجامعة  تعرف نهرو بعض قادة حركة «الجمهوريين الإيرلنديين» وأفاد من تجربتهم في المطالبة باستقلال إيرلندا عن التاج البريطاني.

تخرج في الجامعة عام 1912 ليصبح محامياً لدى المحاكم العليا، ثم عاد إلى الهند وبدأ العمل في الإدارات الحكومية، وهو مفعم بالأفكار الوطنية، ثم مالبث أن التحق بحزب المؤتمر الهندي الذي أسسه غاندي Gandhi.

 وفي عام 1920 ترك نهرو ووالده مهنة المحاماة وما تدره من أرباح، وباعا ممتلكاتهما وآثرا العيش البسيط والمتقشف على طريقة غاندي، وتفرغا للعمل بالحركة الوطنية، الأمر الذي زاد من إعجاب الهنود بهما. ثم ظهر نشاطهما جليّاً بعد «مذبحة  أمريستار» Amristar Massacre التي ارتكبها جنود الاحتلال البريطاني في الهند عام 1919، وشاركا بفاعلية في تأسيس «حركة اللاتعاون». وهي الحركة التي دعت الهنود إلى عدم التعاون مع المحتل البريطاني ومقاطعته.

ومنذ أن انضم المحامي الشاب إلى الحملة الوطنية التي يقودها المهاتما غاندي؛ صار وثيق الصلة معه وشديد التأثر برسالته وآرائه ومواقفه، وامتد تأثير غاندي داخل أسرة نهرو ليشمل أخته فيجايا لا كشمي بانديت التي انخرطت معه بالعمل الوطني من أجل الهند.

وعلى الرغم من الاختلافات العديدة التي حصلت بين الرجلين فقد بقيا شديدي الإخلاص والوفاء لبعضهما منذ اللقاء الأول بينهما عام 1916.

ونتيجة للعمل الحماسي في الوطن الهندي تعرض نهرو للسجن من قبل قوات الاحتلال البريطاني ثماني مرات، مما أكسبه شهرة واسعة في جميع أنحاء البلاد ، وبدأ نجمه يسطع أحد قادة التحرر في مواجهة الاحتلال البريطاني  ومن أجل الاستقلال الوطني للهند.

سافر نهرو عام 1926 إلى أوربا بصحبة زوجته وابنته أنديرا غاندي Indira Gandhi، وهناك اتصل بحركة (الاشتراكية الدولية) التي كان يرى في أهدافها وسيلة لتحقيق بعض رؤاه الإصلاحية. وفي أحد مؤتمرات هذه الحركة انتخب عضواً في هيئتها العليا.

وحينما عاد إلى الهند مجدداً انخرط في المعارضة السلمية للاستعمار، فاعتقلته قوات الشرطة من جديد عام 1928. وتعرض للضرب ولاعتقالات عديدة ومتكررة، لم تنته إلا مع حصول الاستقلال. انتخب نهرو عام 1929 رئيساً لحزب المؤتمر في عموم الهند، وقد تكرر ذلك في الأعوام 1936- 1937- 1946.

عشية نشوب الحرب العالمية الثانية كان نهرو قد تبوأ موقعاً مهماً في حركات الاحتجاج السلمي الطويل من أجل الاستقلال، وحين غدا في عام 1939 رئيساً للمؤتمر الشعبي لعموم الهند صار في أفضل وضع للتفاوض مع الاحتلال البريطاني من أجل الاستقلال. وفي عام 1946 وصل إلى موقع نائب رئيس الحكومة المؤقتة التي تدير الهند باسم التاج البريطاني. واختير كبيراً للمفاوضين في المفاوضات التي عرفت بمفاوضات «انتقال السلطة» من الإنكليز. وبعد نجاح تلك المفاوضات أصبح نهرو رئيساً للحكومة الانتقالية التي شُكِّلت آنذاك، وفي عام 1947 أعلن استقلال الهند، وعندما قسمت شبه القارة الهندية، إلى دولتين (الهند والباكستان)، كان نهرو زعيماً لحزب المؤتمر الهندي مما وفر له الفرصة لزعامة البلاد ودخول التاريخ أول رئيس وزراء للهند المستقلة في 15 آب/أغسطس 1947.

كانت جهود نهرو بارزة في وضع الدستور الديمقراطي للدولة الهندية الجديدة، فقد ظهر فيه تأثره الكبير بالديمقراطية الإنكليزية التي درسها بعمق وعاش في كنفها ردحاً طويلاً من الزمن.

تركزت هموم نهرو الهندية بعد الاستقلال على بناء أمة جديدة، تخرج من تخلفها التاريخي،  لتدخل إلى رحاب العصر الحديث بحيث تتمكن من إعالة وإطعام عدد السكان الكبير وإطعامه وكان يزيد على 500 مليون. فاهتم بإقامة التنمية على أسس إنسانية، واعتمد التخطيط المركزي وفق خطط خمسية متتالية، بدأت بالخطة الخمسية الأولى 1951- 1956 التي استهدفت زيادة إنتاج الطعام والمواد الغذائية بالتركيز على تنمية الأساليب الجديدة في الزراعة وتعميقها. وقد أحرزت هذه الخطة نجاحاً ملحوظاً في هذا المجال، في حين واجهت إجراءاتها صعوبات كبيرة وتحديات حقيقية، مثل الانتشار الواسع للأمية وتفجر الصراعات الدينية التي استعرت بعد الاستقلال.

ومع ذلك تابع نهرو برنامجه التنموي الطموح، فحقق زيادة في الدخل الوطني للبلاد، وحينما تفجر النزاع بين الهند وباكستان على منطقة كشمير أعلن نهرو أنه لا حل لمشكلة كشمير إلا بتمكين سكانها من تقرير مصيرهم عبر استفتاء حر ونزيه، غير أن المشكلة تعقدت بين الهند والباكستان؛ مما أدى إلى صدام مسلح بين الدولتين التوءمين نجم عنه تقسيم هذه الولاية ذات الأغلبية المسلمة، ومع سيطرة الهند على أكثر من نصف مساحة الولاية فإن النزاع بينها وبين الباكستان لم يتوقف. وفي عام 1957 اتهم نهرو الباكستان بدعم الجماعات الكشميرية المسلحة التي تتخذ من المناطق الخاضعة للسيطرة الباكستانية مقراً لها، مما أدى إلى اندلاع حروب متتالية بين الدولتين، وما زال النزاع قائماً.

لم يكن جواهرلال نهرو زعيماً للهند فقط ، إنما كان في الوقت نفسه زعيماً عالمياً ترك بصماته على السياسة الدولية، فإلى جانب تأكيد حضور الهند ومكانتها في العالم ودورها في معالجة الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واجهت البشرية حينذاك، برز نهرو واحداً من كبار قادة العالم الثالث والفاعلين في حركته من أجل الاستقلال والحياد الإيجابي وعدم الانحياز.

ومع استمرار الهند بعضوية «رابطة الشعوب البريطانية» British Commonwealth، فقد استطاعت تحت قيادة نهرو أن تحافظ على نهجها في الاستقلال الوطني ودعم حركات التحرر في العالم. واشتهر نهرو بخطابه السياسي الرافض للامبريالية والداعي إلى محاربة الاستعمار، وهو الخطاب الذي لقي صدى طيباً لدى الشعوب الساعية  إلى الخلاص من الاستعمار والراغبة في التحرر وإنجاز الاستقلال الوطني. ودعا إلى عدم الانضمام إلى أي من المعسكرين الشرقي أو الغربي، الأمر الذي ولَّد فكرة تكوين مجموعة دول عدم الانحياز[ر] التي ظهرت إلى الوجود، وعدّ نهرو أن هذه المجموعة الدولية يمكن أن تقيم التوازن الدولي وتسهم في حفظ السلام العالمي، ومن أجل ذلك كان من أوائل الداعين إلى عقد مؤتمر باندونغ. في نيسان/إبريل عام 1955 وهو أول مؤتمر دولي يعقد باقتراح الدول المستقلة حديثاً ومشاركتها، وتغيبت عنه الدول الغربية، وصدرت عنه المبادئ الخاصة بالعلاقات الدولية، والتي اعتمدت آنذاك من عدد كبير من الدول مبادئ جديدة لإقامة العلاقات الدولية، وسيبقى هذا المؤتمر خالداً في ذاكرة التاريخ بوصفه حدثاً سياسياً دولياً فتح صفحة جديدة في التاريخ المعاصر.

كان المؤتمر منطلقاً لحركة عدم الانحياز بحضور عدد كبير من أبرز زعماء العالم الثالث، مثل الرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو A. Sukarno، ورئيس الوزراء الهندي جواهرلال نهرو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والملك الكمبودي نوردوم سيهانوك Norodom Sihanouk، وأصبحت الدول الـ 29 المشاركة فيه أعضاء رئيسيين في حركة عدم الانحياز. وقد أثار هذا المؤتمر موجة جديدة من نضال الشعوب من أجل الاستقلال، وأجّج حركات التحرر الوطني، وعجّل في انهيار المنظومة الاستعمارية في العالم.

ظهرت حركة عدم الانحياز نتيجة للحرب الباردة التي بدأت بين المعسكرين الشرقي والغربي أواخر الأربعينات. وكان ظهورها رداً على هذه الحرب، إذ سعت الدول التي عملت في إطار هذه الحركة إلى اعتماد مبدأ جديد في السياسة الخارجية هو «عدم الانحياز»، ومناهضة الاستعمار وسياسة التمييز العنصري، ومساندة حركات التحرر في العالم، والمحافظة على استقلاليتها عن الدول الكبرى وعن التكتلات السياسية والعسكرية على الساحة الدولية.

كان أول ظهور لمصطلح «عدم الانحياز» عندما أعلنه نهرو في اجتماع كولومبو (عاصمة سري لانكا Sri lanka حالياً) الذي ضمه إلى جانب رئيس وزراء الصين شو إن لاي Chou En Lai عام 1954. وتم تثبيته بمحتواه السياسي في لقاء بريوني عام 1956 وقد اشتملت بنوده على:

- الاحترام المتبادل لحق السيادة على كامل الأراضي الوطنية للدول.

- عدم اللجوء إلى العنف والتعايش السلمي.

- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

- التعاون المتبادل المفيد بين الدول والشعوب على أساس المساواة.

انعقد أول مؤتمر لدول حركة عدم الانحياز بحضور خمس وعشرين دولة في بلغراد سنة 1961؛ إثر مبادرة من الرئيس اليوغوسلافي تيتو Tito، فكان جواهر لال نهرو الهندي وتيتو اليوغوسلافي وجمال عبد الناصر المصري وأحمد سوكارنو الإندونيسي من جملة هؤلاء الرؤساء الذين كان لهم دور مهم في بلورة سياسات عدم الانحياز. وانعقد المؤتمر الثاني بالقاهرة سنة 1964 بحضور 49 دولة. وقد أوجدت هذه الحركة رابطة قوية في العلاقات الآسيوية الإفريقية من جهة والعربية من جهة أخرى، تبادل الجميع من خلالها الدعم والتأييد والمساندة، من أجل المصالح والمنافع المشتركة.

كان نهرو صديقاً للعرب ومتعاطفاً مع قضاياهم، أيّد حقوق الشعب الفلسطيني، ودعا إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وحل القضية الفلسطينية حلاً سلمياً عادلاً، كما أبدى دعمه التام للنضال الفلسطيني من أجل التحرر من «الاستعمار والعنصرية»، مؤكداً شرعية النضال الفلسطيني بصفته جزءاً من حركة التحرر العالمية. وعدّ حصول الفلسطينيين على حقوقهم شرطاً أساسياً للسلام الدائم والعادل في المنطقة.

ودعا كذلك إلى استقلال الجزائر وتحررها من نير الاستعمار الفرنسي في الوقت الذي كان ينادي فيه برحيل البريطانيين عن الخليج العربي.

بعد حياة سياسية حافلة بالنضال والعمل ودّع نهرو الحياة والمسرح السياسي الهندي والعالمي، وسط حزن شديد من ملايين الهنود، الذين شيعوه إلى مثواه الأخير.

جورج صبرا

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

تيتو (جوزريف بروز ـ) ـ سوكارنو (أحمد ـ) ـ عبد الناصر (جمال ـ) ـ عدم الانحياز (حركة ـ) ـ غاندي (أنديرا ـ) ـ غاندي (المهاتما ـ).

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد محمد أبي الوفا، قادة عدم الانحياز (الكتاب العربي، القاهرة 1969).

ـ وليم لانجر، موسوعة تاريخ العالم (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1963).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 84
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 595
الكل : 31226351
اليوم : 51508

سندر (رامون-)

سِنْدِر (رامون ـ) (1901ـ1982)    رامون خوسيه سِنْدِر Ramón José Sender من أبرز الروائيين الإسبان، ومن أكثر من ترجمت أعمالهم إلى اللغات الأجنبية بعد ثِربانتِس. ولد في بلدة تشالامِرا دي سنِكا Chalamera de Cinca، وعمل في شبابه صحفيّاً ومديراً لمجلّة «تِنسور» Tensor. بدأ الكتابة روائياً واقعياً، ضمن حركة التسييس العامة للحياة الأدبية التي قامت في الثلاثينيات من القرن العشرين فركز في أعماله على تاريخ إسبانيا والقضايا الاجتماعية.
المزيد »