logo

logo

logo

logo

logo

الهيكسوس

هيكسوس

Hyksos - Hyksôs

الهيكسوس

 

يطلق اسم الهيكسوس Hyksos على القوم الذين جاء منهم ملوك الأسرتين الخامسة والسادسة عشرة الذين حكموا في مصر من 1674 إلى 1558 قبل الميلاد تقريباً. وهذا الاسم صيغة إغريقية من التسمية المصرية القديمة هيقا خاسوت heqa khasut التي تعني «حكام البلاد الأجنبية». وقد استعمل الكاهن مانيتو Manetho هذا الاسم حين كتب في القرن الثالث قبل الميلاد تاريخ مصر القديمة. ولا يوجد خلاف على كون هؤلاء القوم انحدروا إلى مصر من سورية عن طريق فلسطين، لكن أصلهم تسبب في جدل طويل بين المختصين، بيد أنه يوجد اتفاق عام حالياً على أنهم يمثلون خليطا بشرياً تمتد جذوره من مناطق غربي سورية وقوامه الرئيس من الأموريين، مع عناصر حورية، والتحقت بهم مجموعات من سكان فلسطين القدماء، ويعود تاريخ تكوينهم إلى العصر البرونزي الوسيط الثاني [ر]. وهذا الرأي يستند إلى ما عرف من أسماء أعلام هيكسوسية فضلاً عن بعض الأدلة الأثرية والمكتوبة.

لا يمكن تصور دخـول الهيكسوس إلى مصـر بشكل غـزو مفاجـئ أدى إلى قيام حـكم أجنبي غريب عن البلاد وأعـرافها، فهناك أدلـة تشير إلى دخـول جماعات منهم إلى مصر منذ منتصف عصر المملكة الوسطى، وعلى وجه التحديد في عهد الملك الرابع من الأسرة الثانية عشرة سنوسرت الثاني Senwosret II ت(1897ـ1878ق.م). ومن المرجح أنهم كونوا قوة ثقافية تزايدت تدريجياً لتصبح قوة سياسية سبقت في وجودها قيامهم بتأسيس الأسرة الخامسة عشرة. وقد ازداد نفوذهم في مصر في أواخر عصر المملكة الوسطى، وفرضوا سلطانهم في أثناء المرحلة المضطربة التي وصلتها مصر القديمة مع بداية الفترة الفاصلة الثانية التي أعقبت حكم الأسرة الثالثة عشرة (1786ـ1633ق.م) حتى تمكنوا من تأسيس الأسرة الخامسة عشرة في عام 1674ق.م تقريباً.

تمثال ملكي من عصر الهيكسوس

اتخذ الهيكسوس مدينة أفاريس Avaris في شرقي الدلتا عاصمة لهم وقاموا بترميم أبنيتها وتحصينها. وقد تحدد موقع هذه المدينة حالياً في تل الضبعة الذي قامت بعثة آثارية نمساوية بالتنقيب فيه في ستينيات القرن العشرين، وامتد حكم الهيكسوس من أفاريس ليشمل معظم البلاد، ولا تعرف على وجه التأكيد طبيعة علاقتهم بحكام الأسرة الرابعة عشرة التي كانت تحكم في غربي الدلتا، والمرجح أن المناطق التي كانت تحكمها تلك الأسرة قد تقلصت أمام توسع سيطرة الهيكسوس حتى إن حكامها باتوا تابعين للملوك الهيكسوس، وقد حافظ هؤلاء الملوك على حكم طويل ومزدهر في مصر القديمة بخلاف ما شهدته البلاد تحت حكم الأسرتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة.

وردت أسماء ثلاثة وعشرين ملكاً من أسماء الملوك الهيكسوس مدونة على الآثار التي تركوها، لكن هذه الأسماء متفرقة ولا يعرف تسلسل حكم أصحابها. وبحسب ما أورده «مانيتو» فإن ثلاث أسر من الهيكسوس حكمت في مصر، وهي الأسرة الخامسة عشرة (6 ملوك)، والسادسة عشرة (32 ملكاً) والسابعة عشرة (43 ملكاً). والأسرة الأخيرة هي غير الأسرة السابعة عشرة التي تكونت من أمراء طيبة Thebes في الجنوب. ويبدو من خلال أسماء الملوك الهيكسوس المعروفة أنهم اقتبسوا الألقاب و الأزياء والتقاليد المصرية وكتبوا أسماءهم بالهيروغليفية, وكذلك حملوا أسماء عروش مصرية وتظهر في أسماء بعض ملوكهم مقاطع معروفة في الأسماء الكنعانية في سورية مثل أيل El وعنات Anat.

إن أشهر ملكين من ملوك الهيكسوس في مصر هما خيان Khayan وعاوسررع أبوفيس Auserre Apopi، وكلاهما من ملوك الأسرة الخامسة عشرة، وقد بلغت سيطرة الهيكسوس على مصر في عهديهما أقصى مداها وشملت بلاد النوبة. ومما يذكر عن خيان أموري أنه عثر على آثار تعود إلى عهده في سورية وفلسطين وكذلك في كريت والعراق، أما عاوسررع أبوفيس فقد دام حكمه أكثر من أربعين عاماً ووجدت له آثار عديدة في أرجاء مصر، ومن تلك الآثار لوح خشبي جاء من الفيوم نعت هذا الملك في النص المدون عليه أنه ملك مصر العليا والسفلى، وقد أرخ العام الثالث والثلاثون من حكم هذا الملك، وهو التاريخ الوحيد الذي حفظ من حكم ملوك الهيكسوس. بعد عهود أولئك الملوك الأقوياء كان حكم الهيكسوس راسخاً في منطقة الدلتا وفي مصر الوسطى، أما إلى الجنوب من ذلك فقد كان أمراء طيبة يحكمون البلاد حتى الشلال الأول من شلالات نهر النيل في الجنوب، ولكنهم لم يكونوا مستقلين تماماً عن الهيكسوس وكانوا يدفعون الضرائب لهم. وإلى الجنوب من الشلال الأول قامت مملكة النوبة التي ازدادت قوتها في آخر عهد الهيكسوس. عبد الهيكسوس في مصر الإله رع Re، وحمل ملوكهم لقب «ابن رع» الذي كان ملوك مصر القديمة يطلقونه على أنفسهم. وفي حالات عديدة أدخل اسم رع ليكون مقطعاً في أسماء ملوك الهيكسوس ولا يوجد ما يشير إلى حدوث انتهاك للمعابد أو إسقاط لأجهزة الدولة مع انتقال الحكم إليهم. واتخذ الهيكسوس الإله ست Seth ـ الذي عرف أيضا باسم سوتخ Sutekh ـ إلهاً رئيساً لهم. وكانت مدينة أفاريس التي اتخذوها عاصمة لهم مركزاً لعبادة هذا الإله منذ عصر المملكة القديمة، وربما كان في اتخاذه إلهاً من قبل الهيكسوس ميل للإبقاء على التقاليد الدينية للبلاد كما هي أكثر من احتمال اعتقادهم به نظيراً للإله بعل.

كان للهيكسوس دور مهم في التأثير في الحضارة المصرية بما أدخلوه إليها من أفكار وتقنيات جديدة كانت سبباً بارزاً من أسباب إبقاء مصر القديمة ضمن آفاق ثقافة العصر البرونزي [ر] التي كانت سورية مركزاً أساسياً لها. ونتيجة لذلك كانت هناك تطورات وتجديدات عديدة شهدتها مصر في عهد الهيكسوس في مجالات مختلفة، فقد تطور استعمال البرونز وأصبحت المواد البرونزية أكثر شيوعاً، ودخل السيف المقوس والقوس المركبة إلى مصر، وفي مجال الأختام [ر] المنبسطة نصف الدائرية التي دخلت إلى مصر في نهاية عصر المملكة القديمة وحولت إلى الجعلان الشائعة في عصر المملكة الوسطى فقد أقبل الهيكسوس على صناعتها بأعداد كبيرة وأصبحت أكثر انتشاراً من قبل، وكان لهم الدور الرئيس في إدخال استعمال الخيول للركوب وفي صناعة العربات التي تجرها الخيول. ويبرز هذا الدور من خلال الأخشاب المستعملة في صناعة تلك العربات وفي المصطلحات الكنعانية التي أطلقت على أجزائها فضلاً عن دور الأشخاص القادمين من سورية في قيادتها وصيانتها.

كانت مصر في عصر المملكة الوسطى تتقن صناعة التزجيج، وهي صناعة كانت تمارس في الشرق الأدنى القديم منذ الألف الرابع قبل الميلاد، لكنها بقيت مقتصرة على الخرز والمواد الصغيرة. أما في عهد الهيكسوس فإن صناعة التزجيج أخذت تشمل المواد الكبيرة وتتصف بتعدد الألوان، وانتشرت هذه الصناعة في ذلك العهد إلى سورية وبلاد آشور وإلى كريت، ورودس وقبرص. ورافق وجود الهيكسوس في مصر تحسين وسائل صناعة الأنسجة باستعمال النول العمودي. و في مجال الموسيقى ظهرت أدوات جديدة تشمل نوعاً من القيثارات، وعوداً طويل العنق والمزمار والدفوف الصغيرة. كذلك ساعدت وسائل النقل التجاري التي تبناها الهيكسوس على نقل ثيران ذوات سنام آسيوية المصدر إلى مصر، وربما تم ذلك بوساطة السفن. ومن بين الأشياء المهمة التي أدخلوها زراعة الزيتون والرمان. ومن الإنجازات الثقافية التي اقترنت بالهيكسوس مجموعة من المدونات التي استنسخت عن أصول أقدم فحفظت من الضياع، وتجدر الإشارة إلى أن الفضل في معرفة جانب مهم من الرياضيات في مصر القديمة يعود إلى نصوص من عهد الهيكسوس.

أدت التنقيبات الآثارية في تل الضبعة إلى اكتشاف طبقات تعود إلى عهد الهيكسوس، وتحتها طبقة مخربة تعلو الطبقات التي تؤرخ إلى عصر المملكة الوسطى، وفي الطبقات الهيكسوسية اكتشف معبد وموضع مخصص للدفن ضمت قبوره أثاثاً جنائزيا مماثلاً لما وجد في مواقع فلسطين في العصر البرونزي الوسيط، وقدم هذا المدفن أدلة على تقديم أضاح من الحمير خارج القبور، وهو ما وجد في بعض المواقع في فلسطين. والفخار المكتشف في ذلك الموقع من النوع المتميز المسمى جرار تل اليهودية الصغيرة، وتل اليهودية موقع أثري في جنوبي الدلتا عثر فيه على آثار الهيكسوس أيضاً. وتظهر الرسوم الجدارية المكتشفة في تل الضبعة صلة مع أمثلة مشابهة في كل من ألالاخ[ر] (تل عطشانة في سهل العمق) وكريت في عصر الحضارة المينية Minoan وعثر في تل الضبعة أيضاً على الكثير من الأسلحة المصنوعة من النحاس غير الممزوج بمعادن أخرى.

بدأ كاموس Kamose ـ آخر الحكام من الأسرة السابعة عشرة في طيبة ـ الحرب ضد الهيكسوس واستطاع أن يحاصر عاصمتهم أفاريس ويمنع حصولهم على مساعدة ملك بلاد النوبة، ولكن لم يتمكن من دخول العاصمة فعاد إلى طيبة، وخلف كاموس أخوه أحموس Ahmose الذي استولى على عاصمة الهيكسوس ولاحقهم عند انسحابهم إلى فلسطين حيث حاصرهم في المدينة المحصنة شاروحين Sharuhen التي يرجح أن يكون موقعها في تل العجول على الساحل الجنوبي لفلسطين حالياً. وبعد سقوط تلك المدينة عاد أحموس ليكون أول ملوك الأسرة الثامنة عشرة لمصر الموحدة، وهي الأسرة التي ابتدأ بها عصر المملكة الحديثة في 1558ق.م.

نائل حنون

 مراجع للاستزادة:

 

- M. BIETAK, Avaris: the Capital of the Hyksos, (London 1995).

- E. OREN (ed.),The Hyksos: New Historical and Archaeological Perspectives, (Philadelphia 1997).

- VAN SETERS ,The Hyksos: A New Investigation (New Haven 1966).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثاني والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 56
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 578
الكل : 31211502
اليوم : 36659

الزقوم

الزقوم   يعتقد بعض المؤلفين أن اسم الزقوم Zaqqum يُطلق على نبات يُعرف باسم إيفوربيا (فَرْبيون) أبيسينيكا Euphorbia abyssinica من الفصيلة الإيفوربية (الفربيونية) Euphorbiaceae التي تضم نحو 290 نوعاً. وهي شجيرات غبراء متوسطة القد لها في سوقها كعابر كثيرة ولها وعاء ضعيف جداً، تحرص عليه النحل، ومنابته السهل في المناطق المدارية الحارة والرطبة.
المزيد »