logo

logo

logo

logo

logo

نقولا زيادة

نقولا زياده

Nicola Ziyada - Nicola Ziyada

نقولا زيادة

( 1907 ـ 2006)

 

نقولا زيادة مؤرخ وأستاذ جامعي متميز، ولد في دمشق لأبوين يعودان بأصلهما إلى الناصرة بفلسطين. تلقى علومه الأولى في دار المعلمين الابتدائية بالقدس. انتقل إلى جامعة لندن، حيث نال إجازة في الآداب قسم التاريخ ثم دكتوراه في التاريخ الإسلامي عن دراسة بعنوان: «الحياة المدنية في بلاد الشام 1200- 1400م». شغل مناصب أكاديمية عدة أبرزها: أستاذ شرف في التاريخ بالجامعة الأمريكية في بيروت، وكان عضواً في كثير من الجمعيات التاريخية والثقافية، العربية والدولية. وصف بنفسه مرحلة الدراسة في الغرب بقوله: «تعلمت من إقامتي في إنكلترا أموراً كثيرة كان لها أثر كبير في مسيرتي وإتمام نموي الفكري الذي أعتز به». وبقي زيادة حتى أيامه الأخيرة منفتحاً على جميع الآراء والاتجاهات الفكرية، وكان على قناعة تامة بأن الكتابة التاريخية لها أيضاً تاريخها، وأن على المؤرخ أن يطور كتابته انطلاقاً من الانفتاح الدائم على تطور المعارف التاريخية بالإطلاع على وثائق جديدة في موضوع أبحاثه السابقة من جهة، والأخذ بكل ما هو ايجابي من الانتقادات العلمية التي توجه إلى مقولاته النظرية وأبحاثه التاريخية من جهة أخرى. انكب على دراسة فرعية وشمولية للدول العربية على النحو لم يسبقه إليه مؤرخو عصره، من العرب وغير العرب، فقد زار مراراً الغالبية الساحقة من تلك الدول، ومارس التدريس في بعض جامعاتها، وحضر الكثير من المؤتمرات العلمية العربية والعالمية، حول تاريخ العرب في مختلف حقبه. يقول في ذلك: «زرت أقطار العالم العربي جميعها… فالمغرب العربي أعرفه معرفة جيدة لا تزيد عنه سوى معرفتي ببلاد الشام في وحداتها الأربع (فلسطين ولبنان وسوريا والأردن) ومصر. فضلاً عن ذلك فقد أتيح لي أن أزور الهند وباكستان وأواسط آسيا، وقد جنيت من كل هذه الزيارات فوائد شتى، كانت كلها زاداً فكرياً وروحياً لي استمتعت به وتحدثت وكتبت عنه… فأنا، والحمد لله، كرم على درب. وما ألفت من كتب، وما كتبت من مقالات، وما ألقيته من محاضرات، وما تحدثت به في الإذاعات المنتشرة في العالم العربي وبريطانيا، وما قمت به من مقابلات تلفزيونية دليل ذلك».

في عام 2002 أصدرت «الدار الأهلية» في بيروت الطبعة الأولى من الأعمال الكاملة لنقولا زيادة في ثلاثة وعشرين جزءاً، ومن أبرز أعماله: «رواد الشرق العربي في العصور الوسطى»، «القومية والعروبة»، «برقة الدولة العربية الثامنة»، «ليبيا من الاستعمار إلى الاستقلال»، «لمحات من التاريخ العربي»، «الجغرافية والرحلات عند العرب»، «الحسبة والمحتسب في الإسلام»، «تونس في عهد الحماية الفرنسية»، «مدن عربية»، «دمشق في عهد المماليك»، ليبيا سنة 1948، «صفحات مغربية»، «أبعاد التاريخ اللبناني الحديث»، «من رحلات العرب في البحار الشرقية»، «دراسات في الثورة العربية الكبرى»، «قصة الاستعمار في الوطن العربي»، «عالم العرب»، «قمم الفكر العربي الإسلامي»، «أبعاد الثورة العربية الكبرى»، «اللغة العربية في قفزاتها التاريخية»، «شاميات»، «إفريقيات»، «لبنانيات»، «أيامي: سيرة ذاتية»، «التاريخ»، «أعلام عرب محدثون»، «عربيات»، «مشرقيات»، «في سبيل البحث عن الله»، «المسيحية والعرب»، إضافة إلى كم هائل من المقالات المنشورة بالعربية والإنكليزية، ومشاركات كثيرة في كتب جماعية، وعدد كبير من التسجيلات التلفزيونية والإذاعية.

بعد وفاته بدأت لجنة مصغرة بجمع أعماله الباقية - المنشورة منها في الصحف والمجلات وغير المنشورة - لتطبع في مجلد إضافي يكمل مسيرة هذا المؤرخ الموسوعي المتميز. قدم  نقولا زيادة بنفسه توصيفاً دقيقاً لمراحل حياته في مقدمة مستفيضة وبالغة الأهمية كتبها عام 2001 والظروف التي أسهمت في تكوينه الثقافي، وأبرز سمات منهجه في التأريخ، ومواقفه النقدية الجريئة لسياسات الأنظمة والقوى والأحزاب العربية التي أدت إلى التخلف المريع الذي يعانية العالم العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين. تُقسم أعمال زيادة على كثرتها مجموعتين متكاملتين:

الأولى: الأبحاث والدراسات التاريخية الموثقة

ترك نقولا زيادة مجموعة كبيرة من الكتب التاريخية الموثقة بصورة دقيقة للغاية، وأشرف على عدد كبير من الأطروحات الأكاديمية،وكانت له باع طولى في عملية البحث التاريخي في مختلف مراحله. وتُعدّ بعض دراساته أعمالاً رائدة في التأريخ لعدد من الأحداث التاريخية التي كان زيادة أول من عالجها بصورة أكاديمية موثقة وباتت مرجعاً علمياً موثوقاً يصعب تجاهله أو تجاوزه. عالج موضوعاته التاريخية بكثير من الشمولية، ولم يقف عند اللحظة التاريخية للحدث بل حلل أسبابه العميقة والنتائج التي تولدت منه، وكان، في غالبية أبحاثه ودراساته شديد الحرص على شمولية التاريخ العربي في مختلف حقبه، ودوله ومشكلاته الكبرى، وآفاقه المستقبلية.

الثانية: الدراسات الانطباعية، والأحاديث الإذاعية والتلفزيوينة بصفته شاهداً على العصر، ولهذه الأحاديث أهمية استثنائية لأنها كانت تخاطب المواطن العربي مباشرة، عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، وتنقل إليه مشاهدات حية تنبع من ذاكرة خصبة قلّ نظيرها لدى المؤرخين الآخرين. وقد تحلل زيادة في أحاديثه وكتاباته الانطباعية من تعقيدات الكتابة التاريخية التقليدية،كالتوثيق والأرشيف والاقتباسات المطولة ومناقشة آراء الآخرين، وبما أنه كان شاهداً ثقةً على الأحداث العربية والعالمية التي عايشها؛ فقد رأى أن من واجبه أن ينقل مشاهداته بالصورة والصوت والكلمة إلى الأجيال العربية؛ لتوعيتهم بمشكلات تاريخهم الحديث والمعاصر. يقول في ذلك: «إن عالمنا العربي الذي أنا جزء منه مرت به أمور لعل من واجبي أن أبدي رأيي فيها. قد يختلف الكثيرون معي حول بعض الآراء، لكني لا أكتب لأرضي أحداً، إنها آراء أرجو أن يقرأها «الآخر» على ما هي عليه، وله أن يقبلها أو يرفضها،فهذا حقه، وأنا لا أنوي التحدث عن أي من هذه الأمور بأي تفصيل، لا لأنه لم يكن لي دور فيها، ولم أكن في الأغلب من الأحوال سوى شاهد عليها، بل لأنني لا أؤرخ لها.كل ما أبتغيه هو أن أقيد هنا بعض الخطوات والمشاهدات والآراء على أنني شاهد على العصر».

مواقفه النقدية الواضحة

طالت مواقفه النقدية مختلف القضايا العربية على المستويين النظري والتطبيقي، وذلك بدءاً بنقد المقولات القومية العربية، مروراً بالأحزاب السياسية، وصولاً إلى نقد الممارسة اليومية التي أدت إلى الأزمات الحادة في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومواقفه النقدية من قضايا التعليم والمرأة.

- حول فكرة القومية العربية:

ترك زيادة عدداً كبيراً من الدراسات التاريخية ذات الصلة الوثيقة بمفهوم العرب والعروبة والقومية العربية واللغة العربية  والتراث العربي. لكنه كان حريصاً على الدقة والموضوعية في معالجة القضايا القومية العربية، ونقد الكتابات الانفعالية التي بالغت في نشر تفاؤل قومي خادع بقرب ولادة الوحدة العربية وقيام دولة الوحدة. كانت له مواقف متقدمة في القومية العربية ومتقاربة مع مواقف المؤرخين القوميين البارزين من العرب الذين شددوا على العروبة الثقافية أو الحضارية، إلا أنه لم يفرد في أعماله الكثيرة كتباً خاصة لدراسة هذه المسألة بصورة منفردة أو من خلال أعمال نظرية معمقة حول نشوء القومية العربية، والمشكلات التي تعرضت لها بسبب تباين المواقف منها في مشرق بلاد العرب ومغربه. لذلك كتب في مقدمة الطبعة الخاصة بأعماله الكاملة ما يأتي: «عرفنا القومية العربية شعوراً وعاطفة ممزوجة بتاريخنا، وأنها تؤدي إلى الوحدة العربية. كان المتحدثون عنها بادئ الأمر كتاباً وشعراء… وفي الثلاثينات (من القرن العشرين) بدأ المفكرون يدلون بدلوهم حول الموضوع محاولين توضيح الفكرة تاريخاً وأصولاً واتجاهات، فصار عندنا أمور نرتكز عليها لفهم مضمون الفكرة،مستوحين التجربة القومية الأجنبية، فبدت أهمية اللغة العربية، ودراسة التاريخ العربي لاستخلاص العبر وبعض الأسس، فإذا كان التاريخ واحدا في الماضي فجدير به أن يوحد نهجنا القومي في المستقبل. وقيل إن الجامعة العربية هي اللبنة الأولى في سبيل البناء الكبير في المستقبل القريب، ثم أخذت فكرة الأوطان القطرية تتقوى وتضعف معها فكرة الوحدة العربية، لكن القومية العربية ظلت مع ذلك مطلباً مثالياً، إلا أن هذا المطلب المثالي أخذ يخبو ضوؤه، هل لهذا الضوء أن يعود بحيث يؤدي إلى عمل ما؟ إن الذي شاهدته في السنوات الأخيرة قد لا يشجع على أمل من هذا النوع.لكن لا يجوز لنا، نحن دعاتها والمنافحين عنها، أن نسمح لليأس أن يقضي عليها، فلنعمل». 

- حول الأحزاب السياسية العربية:

تناول زيادة وبأسلوب ساخر مسألة قيام الأحزاب العربية، وتحجرها، ثم موتها المعنوي بإنفضاض الناس عنها قبل أن يعلن عن انتهاء دورها والدعوة إلى ولادة أحزاب سياسية جديدة تتلاءم مع متطلبات التغيير والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان العربي ومستقبل العرب أنظمة وشعوباً، في آن واحد. «سمعت في شبابي وقرأت عن أشياء سمَّت نفسها أحزاباً سياسية. وكنت، بادئ الأمر أصدق ذلك. لكن تبين لي - منذ الثلاثينات (القرن العشرين)، أن الأحزاب السياسية كانت تكتلات «أسرية»، أو تحزبات «مناطقية»، أو تآلفات «مصلحية». كان لبعضها دوي في أوقات مختلفة، لكن الدوي كان أكبر من العمل وأهم… الأحزاب السياسية لم يكن لها تنظيم يؤدي بالراغبين في العمل السياسي أن يتدربوا كي يتولوا القيادة فيما بعد. المؤسس للحزب كان زعيمه الأول، وكان يظل على ذلك حتى الرمق الأخير .دون العمل على إيجاد صف ثان يتدرب لتسلم القيادة».

- آراء زيادة الجريئة في نقد أسباب التخلف العربي:

ليس من شك في أن الإحاطة بمقولات زيادة في البحث العلمي التاريخي، وفي نقد التخلف العربي يحتاج إلى مجلد بأكمله. لذا لابد من تكثيف تلك المقولات والآراء ضمن محورين: نقد السياسات التعليمية ومناهجها وبرامجها المفضية إلى ترسيخ التخلف، ونقد السياسات الاجتماعية التي تعوق تحرر المرأة العربية. فالسياسات التعليمية جزء لا يتجزأ من السياسات العامة المتبعة في جميع الدول العربية، والتي تلحق التعليم بالأنظمة السياسية القائمة لكي تعيد إنتاج التسلط والتخلف في آن واحد، يقول زيادة : «تأخر التعليم بدل أن يتقدم، وأسرت الجامعة بدل أن تتحرر. وخبا الفكر بدل أن يلمع. وانحط شأن الفرد بدل أن يرتفع ويصبح مواطناً. وظلت المرأة واقفة في مكانها بدل أن تسرع الخطى نحو المستقبل» فالمرأة نصف المجتمع، وتحررها شرط أساسي من شروط تحرره، على مختلف الصعد السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية. ومع بعض التبدلات الإيجابية التي شهدتها الدول العربية في مجال تحرر المرأة، لكن تلك التبدلات ليست كافية، ولم تكن ثابتة إلا في بعض الدول العربية،في حين بل يتم تجاوزها في بعضها الآخر، مما أبقى مسألة تحرر المرأة على سلم أولويات تقارير التنمية العربية المستدامة؛ العربية منها والعالمية على حد سواء.

 نقولا زيادة مؤرخ عربي موسوعي، لا بل من أبرز مؤرخي العرب في القرن العشرين، وقد كان - بعمره المديد الذي قارب المئة عام - شاهداً ثقةً على كثير من التبدلات التي طرأت على التاريخ العربي طوال ذلك القرن ولسنوات عدة من القرن الحادي والعشرين.

مسعود ضاهر

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

جامعة دمشق.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ نقولا زيادة، الأعمال الكاملة، 23 جزءاً (الدار الأهلية، بيروت 2002).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 23
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1096
الكل : 40516927
اليوم : 46742

رييس (ألفونسو)

رِيِّيس (ألفونسو ـ) (1889 ـ 1959)   ألفونسو رِيّيس Reyes Alfonso باحث وشاعر وقاص مكسيكي، وأحد أعلام العلوم الإنسانية في القارة الأمريكية، وشغل مكانة فريدة في الثقافة المكسيكية والأمريكية اللاتينية بعامة. ولد في مدينة مونتيريّ Monterrey وتوفي في مكسيكوستي. كان في شبابه أحد أعضاء نادي الشباب الأدبي (1909ـ1913) حيث قرأ أعلام الكلاسيكيين القدماء.
المزيد »