logo

logo

logo

logo

logo

التنشيط

تنشيط

Activation - Activation

التنشيط

 

التنشيط Activation (أو التفعيل) هو سلسلة الحالات التي تمر بها الجملة إثر اكتسابها قدراً معيناً من الطاقة. تنتقل الجملة إثر ذلك من الحالة الأولية initial state إلى حالة الاستثارة exitation، وذلك نتيجة تركز الطاقة المكتسَبَة في نقطة الصدم impact، يتم بعدها انتشار هذه الطاقة في الجملة بكاملها، فترفعها إلى مستوٍ طاقيٍّ أعلى. وهذه هي الحالة الانتقالية transitional state التي تعاني فيها الجملة تغيرات محدودة موروثة في الخصائص الفيزيائية للجسيمات وفي الخصائص الفيزيائية والكيميائية للجزيئات وفي الخصائص الفيزيائية والكيميائية والحيوية للخلية والنسيج والكائن الحي. وما إن تنتهي الحالة الانتقالية حتى تصير الجملة ذات بنية فيزيائية وكيميائية جديدة. وهذه هي الحالة النهائية final state التي تتمثل بانتهاء تفكُّك أو اضمحلال decay النظير المشع مثلاً، أو بنشوء نوع جديد من الجزيئات، أو بموت الكائن الحي.

ولأن مفهوم التنشيط قد ارتبط تقليدياً بتشكل جزيئات كيميائية جديدة نتيجة فعل الوساطة catalysis من جهة، وببدء حادثات تنامي development الجنين نتيجة إلقاح البيضة بالنطفة من جهة أخرى، فإن البحث سيقتصر على التنشيط الوسيطي وتنشيط العروسين الذكري والأنثوي دون التعرض لتنشيط الجمل الخلوية الأخرى كخلايا الجهاز المناعي مثلاً.

1ـ التنشيط الوظيفي:

تصنف التفاعلات الكيميائية في صنفين اثنين وفقاً لتغير الطاقة الحرة Free energy  فيهما والتي تُعَرَّف بأنها الكمية القصوى للعمل الذي يمكن الحصول عليه من تفاعل يتم في درجة حرارة واحدة (متدرج). ويشمل الصنف الأول التفاعلات التي تمتص الحرارة endergonic (حيث يكون التغير في الطاقة الحرة  ΔG موجباً)، أي إنّ التفاعل يؤدي إلى ازدياد في الطاقة الحرة للجملة، وهذه هي حالة التركيب الضوئي مثلاً، وكذلك كل تفاعلات الاصطناع الحيوي التي تحدث في الجملة الحية. ويشمل الصنف الثاني التفاعلات التي تطلق الحرارة exorgonic (حيث يكون التغير في الطاقة الحرة  ΔG  سالباً) أي إنّ التفاعل يؤدي إلى نقصان في الطاقة الحرة للجملة، وهذه هي حالة أكسدة الغليكوز مثلاً. وفي كلا الصنفين يحتاج التفاعل إلى حدٍ أدنى من الطاقة حتى يتسنى للجزيئات المتفاعِلة اجتياز ما يعرف بالحاجز الطاقي energy barrier، وتعرف هذه الطاقة بطاقة التنشيط، وهي الطاقة اللازمة لانتقال الجزيئات من مستو طاقي أدنى إلى مستوٍ طاقي أعلى لتمر ذرات الجزيئات بحالة الاستثارة.

وتزوّد الطاقة الحرة في التفاعلات اللاوسيطية من مصدر خارجي، وتحدث في درجة حرارة مرتفعة نسبياً. أما في التفاعلات الوسيطية فإن الوسيط اللاحيوي، كإسفنج البلاتين مثلاً، يُنقص طاقة التنشيط بآلية معقدة يمكن تبسيطها بالقول إن الوسيط يمتز إلى سطحه الجزيئات المتفاعلة منقصاً بذلك طاقة التنشيط. وتقوم في التفاعلات الحيوية بفعل الوساطة جزيئات ضخمة ذات بنية ثالثية محددة، يحوي الجزيء منها تشكيلاً configuration  يعرف بالمقر الفعال active site، وتكون هذه الجزيئات الوسيطة إما من طبيعة بروتينية، وهذه هي الأنزيمات، وإمّا من طبيعة ريبية نووية (تتألف من الحمض النووي الريبي الـ رنا R.N.A)، وهذه هي الريبوظيمات Rhibozymes، ومن المعلوم أن هذه الجزيئات الضخمة تُنجز في الحي in vivo وفي الزجاج in vitro في الدرجة 36 سلزيوس مثلاً، تفاعلات لو رُغِبَ في إجرائها بمنأى عن هذه الجزيئات الحيوية لاحتاجت إلى كمية كبيرة من الحرارة وإلى ضغط مرتفع جداً. والمثال على الوسطاء الحيوية أحد أنظيمات الحلمهة (التي تحل في الماء) Hydrolysis، أو ما يعرف بأنظيمات السيرين serine لاحتواء المقر الفعال لهذه الأنظيمات كلّها على زمرة الهدروكسيل للحمض الأميني السيرين، كالأسيتيل كولين إستراز مثلاً acetylcholine esterase الذي يحلمه الأستيل كولين إلى حمض الخل والكولين

 

 

إذا أخذنا هذا الأنزيم كمثال فإن تنشيط الأسيتيل كولين يتم بارتباط هذا الجزيء مع المقر الفعال للأنزيم بتشكل روابط لاتكافؤية (كالرابطة الهدروجينية والرابطة الكهربائية الساكنة والرابطة الكارهة للماء ورابطة فان درفالس). ويسبب هذا الارتباط، بخصائصه الفيزيائية انثناء الرابطة بين جذر الأسيتيل والأكسجين (-CONO-)، مما يجعل الجزيء يجتاز الحاجز الطاقي ويصبح، بعد حالة الاستثارة هذه، في الحالة الانتقالية. وتنخفض بذلك طاقة التنشيط إلى أدنى حد ممكن، مما يؤدي إلى انفصام الرابطة، فينفصل عندئذٍ حمض الخل بعد أن يأخذ جذر الهدروكسيل من السيرين، كما ينفصل الكولين الذي يأخذ الهدروجين من الماء، في حين أن جذر هدروكسيل الماء يحل محل هدروكسيل السيرين، الذي كان مُنح لجذر الأسيتيل. وتعود على هذا النحو الجملة إلى حالة الاستقرار من جديد أو إلى الحالة النهائية.

 

 

أمّا في تفاعلات الاصطناع الحيوي فإن مصدر الطاقة تفاعل يطلق الحرارة، كحلمهة الأدينوزين ثلاثي الفسفات (أتب A.T.P)، ويتم عادة قرن هذا التفاعل الذي يطلق الحرارة إلى تفاعل يمتص الحرارة، كتركيب الغوانوزين ثلاثي الفسفات (P.T.G) بدءاً من الغوانوزين أحادي الفسفات (G.M.P) والفسفات النارية الغنية بالطاقة، وذلك وفقاً للتفاعلين الآتيين:

 

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مردود هذا التفاعل يزيد على 50%، وهو أعلى من مردود أيّة آلة استطاع الإنسان أن يصممها حتى الآن.

2ـ تنشيط العروسين الذكري والأنثوي:

استطاعت المعطيات الحديثة في بيولوجية التنامي developmental biology أن تقدم صورة واضحة لما يحدث أثناء الإلقاح من تبدلات، اتضح أنها تعكس تطابقاً واسعاً بين تنشيط النطفة وتنشيط البييضة، مزيلة بذلك الغموض الذي كان يكتنف بعض الجوانب الأساسية لظاهرة التنشيط تلك.

ففي حالة الإلقاح في الفأر مثلاً، يصطدم رأس النطفة بالباحة الشفيفة Zana pellucida المحيطة بالبييضة، وتتنشط بتأثير أحد السكاكر البروتينية التي تُكَوِّن هلام هذه الباحة. وتعرف هذه المادة بالبروتين P.Z-3. وينجم عن هذا التنشيط تمزق الغشاء البلازمي لرأس النطفة، وكذلك تمزق ما يقع تحته، وهو الغشاء الخارجي للجسيم الطرفي Acrosome. وتتحد قطع الغشاءين المتمزقين لتكوّن حويصلات هجينية المنشأ وغنية بالأنزيمات الحالّة للبروتينات التي أتت من حويصل الجسيم الطرفي. كما تتحرر نتيجة هذا التمزق بقية أنظيمات الجسيم الطرفي، التي تحلمه الطبقات العميقة من الباحة الشفيفة، وتسمح بذلك لنُبَيْب الجسيم الطرفي (الآخذ بالتشكل بدءاً من الغشاء الداخلي لهذا الجسيم) بملامسة الغشاء البلازمي للبييضة. ويحمل سطح هذا النبيب مستقبلات نوعية، تسمح (في حالة النوع الواحد) بالتصاق النبيب بالغشاء البلازمي للبييضة والاتحاد به، ومن ثم يتمزق الغشاء الهجين المزدوج المنشأ، ومن هنا تأتي نوعية الإلقاح التي تضمن بقاء النوع.

أما فيما يتعلق بالبييضة، فما إن تصل أنزيمات الجسيم الطرفي سطح البييضة، حتى تستثار، فيشكل غشاؤها البلازمي استطالات (أرجلاً كاذبة) يطلق على أضخمها اسم مخروط الإلقاح الذي يتحد بمقدمة نبيب الجسيم الطرفي، ويتم في اللحظة نفسها تمزق الحبيبات القشرية cortical granules التي تقع تحت الغشاء البلازمي للبييضة، والغنية بالأنزيمات الحالة للبروتينات. وتتحد أغشية هذه الحبيبات بالغشاء البلازمي للبييضة مشكلة، هي الأخرى، حويصلات هجينة تذكر كثيراً بالحويصلات الهجينة التي تتشكل عند تنشيط النطفة. وتنفتح هذه الحويصلات على سطح البيضة بما يسمح لأنزيماتها بالتوضع في الغشاء البلازمي للبييضة، أو ما يعرف بالفضوة حول المح perivitelline space.

إن الانتشار السريع لهذه الأنزيمات بين الغشاءين (البلازمي والمحي) هو المسؤول عن الإنطاف الأحادي monospermy في الزمر الحيوانية كلّها، ما عدا زمراً قليلة تأتي الزواحف والطيور في مقدمتها بسبب ضخامة بيوضها. ويسبب وجود هذه الأنزيمات في الفضوة حول المح ارتفاع الضغط الحلولي osmotic pressure، مما يستدعي نفوذ قسم من ماء البييضة إلى هذه الفضوة، مؤدّياً إلى ازدياد سعتها وإلى ارتفاع غشاء ثخين نسبياً يتألف أساساً من الغشاء المحي الذي تبلمرت polymeries مكوناته مسببة قساوة هذا الغشاء، وهذا هو غشاء الإلقاح fertilization  membrane المنيع تجاه فعل النطاف، وتعد البييضة التي عانت كل هذه التبدلات، وطرحت الكرية القطبية الثانية، بييضةً مُنَشَّطة، فتبدأ عندئذٍ في هذه البييضة مضخة الهدروجين بالعمل، مفرغةً بذلك إيونات الهدروجين خارج البييضة، كما يتم في الوقت نفسه دخول كمية كبيرة نسبياً من إيونات الكالسيوم إلى البييضة المنشطة، ويعقب هذا التنشيط استئناف عمليات استنساخ replication  أنواع الـ (رنا R.N.A) الثلاثة واستئناف عمل آلة اصطناع البروتين، وبطبيعة الحال تنسخ المادة الوراثية، أو الـ (رنا R.N.A) والتَقَسُّم cleavage. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ما يحدث أثناء الإلقاح في الفأر يماثل، بصورة عامة، ما يحدث في الزمر الحيوانية كلّها.

وإذا ما أثَّرنا في قشرة البييضة بعوامل فيزيائية (الضغط، الحرارة، الوخز...)، أو بعوامل كيميائية (حموض، أسس، أملاح، أو سوائل غير مستقطبة....) فإن رد فعل البييضة يكون دائماً هو نفسه، أي التنشيط. فالمؤثر هو غير نوعي على الإطلاق، في حين أن استجابة البييضة هو الفعل النوعي الثابت الموروث في خصائصها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية. إن البييضة المنشطة صنعياً تتنامى إلى جنين ضعفاني (أي إن خلايا الجنين تحوي عدداً مضاعفاً من الصبغيات، أتت كلها من الأم، ويعد هذا تكاثراً لا جنسياً غير عادي)، وهذا هو التكون البكري[ر] الصنعي artificial parthenogenesis، الذي يماثل التكون البكري الطبيعي natural parthenogenesis الواسع الانتشار في اللافقاريات ولاسيما الحشرات كما في النحل مثلاً، الذي يصادف في بعض الفقاريات ولاسيما في الزواحف. وبطبيعة الحال فإن العامل المسبب للتكون البكري الطبيعي هو نتاج البيئة التي توجد فيها هذه البيوض التي وَرِثت، عبر التطور، إمكان التكاثر بهذه الطريقة المحافظة.

 

هاني رزق

 

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الأنزيمات ـ الطاقة ـ الإلقاح

 

مراجع للاستزادة:

 

- Giese , A.C. , Cell physiology. W.B. saunders &  CO London,1973

- Wasser man  , P.M., the biology and chemistry  of  fertilization. science ,235 (1987): 553 – 560.


التصنيف : علم الحياة( الحيوان و النبات)
النوع : علوم
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 911
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1091
الكل : 40510033
اليوم : 39848

دوهاميل (جورج-)

دوهاميل (جورج -) (1884-1966)   جورج دوهاميل Georges Duhamel أديب فرنسي، اشتهر بكتاباته ذات البعد الإنساني وبانتقاداته القاسية للتردي الأخلاقي المواكب للتقدم الصناعي. ولد لأسرة ريفية فقيرة تركها يافعا ليتابع دراساته في الطب والعلوم في جامعات باريس. وبدأ نظم الشعر وكتابة النقد في صحيفة «ميركور دي فرانس» Mercure de France، وأصدر عام 1913 كتاباً نقدياً عن الشاعر بول كلوديل[ر] Paul Claudel ثم اتجه نحو المسرح إثر اقترانه بالممثلة بلانش ألبان Blanche Albane، لكنه لم يعجب بالفن المسرحي وهو ما عبر عنه في كتاب صدر عام 1922 بعنوان «رسائل أوسبازي» Lettres d’Auspasie.
المزيد »