logo

logo

logo

logo

logo

البرداء

برداء

Malaria - Malaria / Paludisme

البُرَدَاء

 

البُرَدَاء malaria خمج دموي حاد أحياناً ومزمن غالباً، سببه طفيلي من الأوالي يدعى المتصورة Plasmodium. وينتقل إلى الإنسان بلدغ نوع من البعوض يدعى الإنفيل Anophele.

يعرف المرض بتكرار مجموعة من التظاهرات السريرية المتتابعة يطلق عليها اسم النوبة البردائية. تبدأ كل نوبة بعُرواء تليها حمى فتعرّق فمدة لا حرورية، وبتكرر بدء النوبات في مدد زمنية متساوية. 

عُرف لجنس المتصورة أربعة أنواع تصيب الإنسان هي: المتصورة النشيطة  P.vivax والمتصورة البيضوية P.ovale والمتصورة الوبالية P.malariae والمتصورة المنجلية P.falciparum.

يسبب النوع الأول والثاني نمطاً من الحمى تسمى حمى الثلث tertian fever ويدعى المرض الناجم عنهما بالبرداء الثلث، لأن النوبة الأولى تبدأ في اليوم الأول وتتكرر النوبة فتبدأ الثانية في اليوم الثالث، ويسبب النوع الثالث نمطاً آخر من الحمى تدعى حمى الرِّبع quartan fever ويدعى المرض الناجم عن البرداء الربع لأن النوبة الثانية تبدأ في اليوم الرابع.

ويسبب النوع الرابع نوبات تتكرر يومياً على نحو حمى الثلث أو حمى الربع أو على نحو غير منتظم، وأطلق على هذا النوع اسم البرداء الوبيلة أو الخبيثة pernicious.

سيرة المتصورة

تتشابه جميع أنواع المتصورات في طريقة انتقالها وتكاثرها. والإنسان هو المستودع الوحيد للمتصورة البشرية التي تعيش في مجرى دمه ضمن الكريات الحمر، وتتكاثر فيه بطريقة لاجنسية انقسامية schizogony، كما تتشكل ضمن الكرية الحمراء أشكالاً أخرى مميزة جنسياً خاصة بالتكاثر التبوغي sporogony هي العِرسِيات gametocytes بعضها أعراس كبيرة مؤنثة macrogametocyte وبعضها الآخر صغيرة مذكرة micro gametocytes.

ويتم التكاثر التبوغي في البعوضة في حين يتم التكاثر بالانقسام في الإنسان (الشكل رقم 1).

 

ـ التكاثر التبوغي: تعيش العرسيات في الدم المحيطي لمدة أسبوعين ثم تموت ما لم تمتصها أنثى بعوضة مناسبة من الإنفيل مع غذائها وتخرجها من دم الثوي (المضيف) لتنقلها لثوي آخر بطريقة غير مباشرة ودورية، أي إنّها بعد أن تتم فيها تطورها وتكاثرها بطريقة جنسية تبوغية تمر بعدة أطوار.

ـ التكاثر بالانقسام: بعد زرق الحيوانات البوغية في الجلد، تنتقل هذه الحيوانات إلى الدورة الدموية التي توصلها في نصف ساعة إلى الكبد حيث تدخل خلاياها المتنية ويتحول شكلها المغزلي المتطاول إلى شكل كروي أطلق عليه اسم الخافية cryptozoite.

تبدأ الخافية، بعد توضعها في الخلية الكبدية، التي يتشوه شكلها. وتتجزأ الخافية الواحدة إلى آلاف من الأقاسيم merozoites والخوافي التي تتحرر من الخلية الكبدية المتلفة فتهاجمها خلايا كوبفر والبالعات وتلتهم أعداداً منها. فيدخل ما نجا من الأقاسيم الدوران إذ تهاجم الكريات الحمر لتبدأ أول دورة تكاثرية تقسمية دموية؛ ويدخل ما نجا من الخوافي خلايا كبدية سليمة حيث تشكل كل واحدة خليفة خافية metacryptozoite وتعيد الدورة التكاثرية التقسمية النسجية التي تدعى بالدورة خارج الكريات الحمر، وقد تستمر هذه الدورة الكبدية أشهراً أو سنين بحسب الذرية.

أما الأقاسيم التي دخلت الدورة الدموية فتلتصق بالكريات الحمر، ثم تدخل الكرية لتبدأ بالنمو والتكاثر ضمنها بطريقة لا جنسية تقسمية، فيتبدل حجم الأقسومة وشكلها بحسب مراحل النمو والتكاثر ونوع المتصورة، إذ تكون عند دخولها الكرية الحمراء كريّة قطرها 0.7-1.5 مكرومتر يطلق عليها اسم الأتروفة (الحُييوان الغذائي) trophozoite. ثم تبدأ الأقسومة منذ دخولها الكرية الحمراء بالنمو والتغذي بهيموغلوبين الكرية، فتستهلك الغلوبين من دون الهيمheme . يبدأ الكروماتين بالتجزؤ ليبلغ عدداً ثابتاً لكل نوع، فيطلق على الطفيلي في هذه المرحلة اسم «المتقسمة schizont». ومتى بلغت الأجزاء العدد المناسب وصارت المتقسمة ناضجة فتدعى باسم الوردية rosace، عندئذ تتشقق هيولاها بين أجزاء الكروماتين وتنفصل الأجزاء مشكلة أقاسيم جديدة تاركة خارجها الأصبغة البردائية. ثم يلي ذلك تحطم الكرية الحمراء.

تستغرق كل دورة تكاثرية 24-48 ساعة إذا كانت المتصورة منجلية، و48 ساعة إذا كانت المتصورة نشيطة أو بيضوية، و72 ساعة إذا كانت المتصورة وبالية.

وبعد أربعة أيام إلى عشرة من بدء الدورة التكاثرية الدموية الأولى تظهر في الكريات الحمر أقاسيم لا تحتوي  فجوة غذائية ولا يمكنها التجزؤ بل تتابع نموها وتتمايز جنسياً لتصبح بعد ستة أيام عرسيات كبيرة وصغيرة خاصة بالتكاثر التبوغي.

الأعراض السريرية

ترتبط التظاهرات البردائية، ارتباطاً مباشر أو غير مباشر، بانفجار الكريات الحمر وانطلاق ماتحتويه، في نهاية كل دورة تكاثرية تقسمية دموية، إلى المجرى الدموي. أما التكاثر التقسمي الكبدي والعرسيات فلا تحدث أي تظاهرات مرضية.

وترتبط شدة الأعراض وخطرها بنوع المتصورة وكثافتها في الدم ودرجة مناعة المصاب. ولا تبدأ الأعراض الوصفية أول مرة إلا إذا بلغت الأقاسيم، في كل ميلي لتر مكعب من الدم، عدداً كافياً وقادراً على إحداث الأعراض، يختلف بحسب أنواع المتصورة وذراريها، ويتطلب بلوغ هذا العدد إتمام دورتين تكاثريتين في الدم أو ثلاث بعد انتهاء الدورة الكبدية، مما يجعل دور الحضانة يستغرق عشرة أيام إلى عشرين، وقد يمتد إلى ستة شهور أو تسعة.

ولا يشاهد أي عرض في الجزء الأول لدور الحضانة الكامن. أما في دور الحضانة الظاهر فقد تظهر عند بعض المرضى أعراض غير وصفية تبدو حمى بدئية مستمرة أو غير منتظمة، تنجم عن غزو الطفيلي للدم، ترافقها وعكة عامة وصداع وقهم (قلة الشهوة إلى الطعام) anorexia وغثيان أو إقياء وإسهال بسيط، كما تظهر عند المصاب باقة من الحلأ الشفوي herpes. ويكشف الفحص السريري وجود ألم في الطحال من دون ضخامته في حين يزداد حجم الكبد غالباً وخاصة عند الأطفال، ويقل البول ويصبح لونه قاتماً وقد يحتوي الألبومين.

بعد مدة من الزمن، تصبح الأعراض وصفية، وتحدث نوبات بردائية منتظمة يتواقت بدؤها مع تخرب الكريات الحمر وانطلاق محتوياتها التي تصبح مادةً مولدة للحرارة. تبدأ النوبة غالباً في أثناء الليل فجأة وتستمر ما يقرب من عشر ساعات تتظاهر في أثنائها بثلاثة أدوار هي النافض ثم الحمى ثم التعرق وتعقبها مدة إقلاع (لا حرورية).

إن هذه الأعراض الناجمة عن الإصابة الدموية، قد تشاركها تظاهرات أخرى تحدث نتيجة اضطرابات وتبدلات جهازية تختلف باختلاف نوع المتصورة المسببة وتكرار الإصابة وطريقة العدوى مما جعل البرداء تتجلى بعدة أشكال هي:

البرداء الحميدة والبرداء الوبيلة والبرداء المزمنة والبرداء الولادية والبرداء بنقل الدم وحمى الماء الأسود.

1 ـ البرداء الحميدة: تحدث عند الإصابة بالمتصورة النشيطة أو البيضوية أو الوبالية. ولا تتعدى شدة أعراضها النوبة الوصفية ولا تترافق بمضاعفات، وتتجلى نوبتها بالأعراض الآتية:

ـ النافض: ترتفع حرارة المريض فجأة فتبلغ 39ْ. ويشعر المصاب في أثناء ذلك ببرودة محيطية تترافق بنافض شديد وصَكَّة snap سنية فيلتحف بما تصل إليه يداه. ويتسرع نبضه ويهبط ضغطه ويتضخم طحاله. يستمر هذا الدور ساعة من الزمن.

ـ دور الحمى: يتوقف النافض ويشعر المريض بسخونة متزايدة تضطره إلى طرح أغطيته. ويحتقن وجهه وتصبح حرارته 40ْ-41ْ ويمتلئ نبضه ويتسرع تنفسه ويجف حلقه ويشعر بآلام مفصلية وهضمية وتتضاءل ضخامة طحاله المؤلم. يستمر هذا الدور من ساعتين إلى ثماني ساعات ثم يدخل الدور الثالث.

ـ دور التعرق: يحدث عند المصاب تعرق غزير يبلّل ثيابه وتنخفض حرارته، ويعود نبضه وتنفسه لسوائهما، ويسكن صداعه. فيشعر براحة يتوخى في أثنائها النوم. يستمر هذا الدور من ساعتين إلى خمس ساعات.

ـ المدة اللاحرورية: تعقب الأدوار الثلاثة السابقة مدة لاحرورية، يستمر في أثنائها الشعور بتوعك خفيف. وتمتد هذه المدة حتى نضج الورديات وانفجار الكريات الحمر من جديد لتبدأ نوبة جديدة.

وهكذا تتكرر النوبات عند المصاب بالمتصورة النشيطة أو البيضوية كل ثمان وأربعين ساعة فتسمى الحمى الناجمة عنها بالحمى الثلث أو الغِبّ أي تحدث نوبها في اليوم الأول فالثالث فالخامس فالسابع؛ وتتكرر النوبات عند الإصابة بالمتصورة الوبالية كل 72 ساعة فتسمى الحمى الناجمة عنها بالحمى الربع أي تبدأ نوباتها في الأيام التالية (الأول فالرابع فالسابع فالعاشر). وتتكرر النوبات عند الإصابة بالمتصورة المنجلية بعد مدة تمتد بين أربع وعشرين ساعة وثمان وأربعين، مما يجعل النوبات والحمى فيها غير منتظمة غالباً.

ويمكن أن تحدث النوبات من دون انتظام أيضاً إذا أصيب الإنسان بنوعين من المتصورات أو الأنسال فتتداخل النوبات.

2 ـ البرداء الوبيلة: إصابة شديدة وصاعقة تترافق بأعراض دماغية حادة، تحدث عادة لدى المصابين بالمتصورة المنجلية ونادراً بالمتصورة النشيطة أو الوبالية، وذلك لأن المتصورة المنجلية تتم مراحل تكاثرها في الشعيريات الجهازية ولاسيما الدماغية والكلوية؛ كما تحدث درنات على سطح الكريات الحمر المصابة مما يجعل الكريات الحمر تلتصق بالخلايا البطانية للشعيريات الجهازية، فتضيق لمعة الأوعية وتتكون فيها صمات صغيرة. ثم تنحل الكريات المتراصة وتطلق مادة شحمية فسفورية تؤدي إلى حدوث تخثر منتشر داخل الأوعية، تنجم عنه احتشاءات مختلفة السعة ونزوف. كما تتحرر مواد منشطة للأوعية (كينين، وسيروتونين وهيستامين) تزيد من خطورة الاضطرابات الوعائية بإحداثها توسعاً في الشعيرات، ينجم عن بطء دوراني وزيادة في نفوذية جدر الشعيرات فتؤدي إلى ظهور رشح مصوري ووذمات حشوية. كما يطلق الطفيلي سموماً تثبط التنفس الخلوي فتتأثر الخلايا النبيلة.

ومن خصائص المتصورة المنجلية أنها تصيب الكريات الحمر الفتية والشائخة ولا يوجد حد لعدد الكريات الحمر المصابة بها. لذلك يكون فقر الدم الناجم عن تخرب الكريات شديداً. ويتطلب هذا التخرب زيادة فعالية البالعات لتخليص الجسم من المخلفات وهذا يستدعي زيادة تصنعها في الجملة الشبكية البطانية المتوضعة، خاصة في الطحال والكبد، والنقي والعقد اللمفية، فتتضخم. كما تنجم، عن تخرب الكريات الحمر، كمية من الخضاب؛ يقوم الكبد بتحويلها إلى هيموسيدرين ثم إلى بليروبين يطرح مع الصفراء. وقد تكون كمية البليروبين كبيرة فتنحبس في الدم مسببة اللون اليرقاني في البدن. لذلك يمكن للبرداء الوبيلة أن تقلّد كثيراً من الأمراض، فأطلق على نوباتها اعتماداً على الأعراض المتغلبة الأسماء الآتية:

ـ النوبة الدماغية: يحدث فيها سبات أو هيوجية irritability أو اضطراب نفسي أو وظيفي. وهي أخطر النوبات؛ إذ تبلغ نسبة الوفاة 25-50% من المصابين بها.

ـ النوبة المعدية المعوية: ترافق النوبات في هذا الشكل أعراض هضمية تتبدى بفُواق hiccup، وإقياء عنيدة وآلام معدية معوية وإسهالات دموية أو زحارية أو هيضية.

ـ النوبة الصفراوية: يحدث فيها احتقان كبدي مؤلم وإقياء صفراوية ويرقان.

ـ النوبة النزفية: ترافقها نزوف في الأغشية المخاطية والجلد.

ـ النوبة القلبية: تبدو بشكل نقص ارتواء أو احتشاء قلبي.

ـ النوبة الرئوية: تتغلب فيها الأعراض الرئوية.

ـ النوبة الكلوية: يرافقها التهاب حاد أو مزمن في الكلية.

3 ـ البرداء المزمنة: تنجم البرداء المزمنة عن استمرار معاودة النوبات مدةً طويلة من الزمن. وتحدث المعاودة إذا كان المصاب سيئ التغذية أو منقوص المناعة أو مقيماً في منطقة موبوءة وتعرض لأخماج إضافية، أو عولج معالجة ناقصة فتكرر النكس عنده مراراً. ففي مثل هذه الحالات يزداد نشاط الجملة الشبكية البطانية فيتضخم الطحال (صورة رقم1) ويصل أحياناً حتى الحفرة الحرقفية؛ كما يتضخم الكبد. ثم ينضم لفرط التصنع التليف فيصبح الطحال قاسياً والكبد متليفةً وتنقص هيولينات الدم مما يؤدي إلى الدنف البردائي (النحول) cachexia وحدوث وذمة أو حبن (استسقاء) في الجسم (صورة رقم2)، كما يؤثر في نمو الطفل المصاب بنيوياً وعقلياً. ويؤدي تليف النقي والعقد اللمفية إلى حدوث نقص في عدد الكريات البيض.

4 ـ البرداء الولادية: من الثابت اليوم أن المتصورات تنتقل من الحامل المصابة بالبرداء إلى جنينها بطريق الحاجز المشيمي. ويسبب وجود الطفيليات في دم الجنين موت الجنين غالباً. فإذا أصيبت الحامل بنوبة بردائية في أثناء الحمل، سببت لها الإجهاض أو ولادة طفل مليص (ميت) stillborn. أما إذا كانت إصابة الحامل مزمنة ويحتوي دمها على غلوبينات مناعية فإن الغُلوبلين المناعي G الذي ينتقل إلى الجنين في أشهر الحمل الثلاثة الأولى يحميه من الإصابة في أثناء هذه المدة فقط؛ ولهذا يوصى بالمعالجة الوقائية في أثناء الحمل، لأن استعمال الكينين أو 4ـ أمينوكينولين لايسببان أي تأثير مجهض، خلافاً لكل اعتقاد سابق.

5 ـ البرداء بنقل الدم: تقاوم الأشكال التقسمية للمتصورات درجات الحرارة المنخفضة فتبقى حية في الدم المحفوظ بدرجة 4ْ مئوية لعدة أيام. لذلك يمكن للبرداء أن تنتقل بنقل الدم المحفوظ لكنها تختلف بالمظاهر السريرية عن الانتقال الطبيعي. فدور الحضانة يقتصر على يومين حتى ستة أيام. ولا يحدث فيها نكس. ومعالجتها بسيطة تقتصر على الأدوية المؤثرة بالطور الدموي فقط. ويمكن حماية آخذ الدم في مناطق استيطان البرداء بتطبيق المعالجة الوقائية.

6 ـ حمى الماء الأسود: شكل خطير من البرداء يحدث في البلاد الحارة عند المصابين ببرداء مزمنة بالمتصورة المنجلية أو إثر إصابة متكررة أو معالجة ناقصة لها. فيحدث عند المصاب انحلال فجائي لكريات دمه الحمر المصابة بالمتصورات أو غير المصابة وينجم هذا الانحلال عن حالة تجاوبية غالباً. فترتفع كمية الخضاب في مجرى دمه إلى نسبة تتجاوز عتبته الكلوية فتحصل بيلة دموية، كما يزداد البيلروبين الناجم عن استقلاب الخضاب في الكبد، فتزداد لزوجة الصفراء وبالتالي تسبب إعاقة لطرح البيلروبين فيرتفع مقداره في مجرى الدم ثم يتوضع في النسج والجلد مسبباً اليرقان، وهكذا تكتمل اللوحة السريرية لحمى الماء الأسود التي تتصف بثلاثة أعراض أساسية هي الحمى واليرقان والبيلة الخضابية. ويكون إنذار هذا النوع من البرداء سيئاً لكثرة وفياته التي تنجم عن انقطاع البول واسترخاء القلب.

التشخيص السريري والمخبري للبرداء

توحي النوبات الوصفية، في منطقة توطن البرداء، بالإصابة البردائية الحادة. كما يوحي اجتماع الحمى مع فقر الدم وضخامة الطحال بالبرداء المزمنة.

أما في المناطق التي لايتوطن فيها هذا المرض، فإن التشخيص السريري يبقى بعيداً عن التفكير لأن مظاهر النوبة والأعراض المرافقة لها، تشبه أعراضَ كثير من الأخماج فتلتبس بها. ومن أهم هذه الأخماج: السل، والحمى التيفية ونظائرها، وذات القصبات والرئة، والنزلة الوافدة، وتجرثم الدم، والخراجة المتحولية، والزحار بالشيغِلاَّت Shigella، والهيضة، والحمى الراجعة، والحمى المتموّجة، والحمى الصفراء، وحمى الضنك. لذلك لابد لتأكيد التشخيص من إجراء فحوص مخبرية مباشرة (طفيلية) وغير مباشرة (خلطية).

ـ الفحص المباشر: يتم برؤية المتصورة أو أصبغتها في دم المريض أو نقيّه بعد تهيئة قطرة ولُطاخه من دمه السطحي وتلوينها بطريقة «غمزا». فتفيد القطرة للكشف عن المتصورة وتساعد اللطاخة على تعيين نوعها.

ويشترط للحصول على نتيجة صحيحة، أخذ الدم قبل أي معالجة وفي ذروة دور الحمى أو نهايته. فإذا لم تشاهد المتصورة، مع الاشتباه بالمرض سريرياً، وجب تكرار أخذ  النماذج كل يومين وفحصها والتأكد من خلوها من المتصورات قبل نفي الإصابة إذ قد تكون كمية الطفيليات قليلة. وإذا شوهدت المتصورات في قطرة الدم أمكن تمييز أنواعها ضمن اللطاخة بالصفات الشكلية المميزة لكل نوع منها، ويتعرف عليها المخبري.

ـ الفحص غير المباشر: يفتش فيه عن التبدلات الخلطية الخلوية والكيمياوية والمناعية. فيطلب من المشتبه بإصابته وبحسب حالته، عدد الكريات الحمر وشكلها وحجمها، وعدد الكريات البيض والصيغة حيث تغلب الكريات البيض الحمضة eosinophile وعدد الكريات الشبكية والصفيحات؛ كما يطلب تحري الأصبغة البردائية.

أما الفحوص المناعية فإنها لا تعيض دوماً من الفحص المباشر لغياب الأضداد أحياناً أو انخفاض مقدارها إلى درجة حتى ليصعب كشفها وخاصة إذا كانت الإصابة أولية والنوبات في بدئها، لكن هذه الفحوص ذات أهمية لتشخيص الإصابة عند الذين استعملوا أدوية مضادة للبرداء سواء للمعالجة أو للوقاية وكذلك للدراسة الوبائية؛ كما تستعمل في مناطق توطن البرداء للكشف عن إصابة المتبرعين بالدم ولمعرفة أسباب بعض المتلازمات كضخامة الطحال المدارية والحُميات المديدة وتُسلك في هذه الفحوص طريقة التألق المناعي غير المباشر، أو التراص الدموي أو الترسب أو الطرق المناعية الأنظيمية (إليزا ELISA).

المعالجة

يعالج المصاب بالبرداء معالجة عرضية ومعالجة سببية.

1 ـ المعالجة العرضية: يدفأ المريض في دور النافض، ويوضع في مغطس بارد في دور السخونة، ويوقى من البرد في دور التعرق ويبزل سائله الدماغي الشوكي في حالة السبات؛ وينقل له الدم عند حدوث فقر دم شديد ويعطى غذاءً جيداً بعد انتهاء النوبة.

2 ـ المعالجة السببية: تتطلب المعالجة التامة استعمال دواء مبيد للمتصورة بأشكالها المختلفة الدموية والنسجية والعرسية.

وتقسم الأدوية المبيدة للمتصورات بحسب سرعة تأثيرها وما يحدث من مقاومة تجاهها مجموعتين:

ـ تضم المجموعة الأولى الكينين ومشتقات 4 ـ أمينوكينولين 4-amino-quinolines وهي مواد سريعة التأثير ومبيدة للأشكال التقسمية الدموية تحديداً دون النسجية ويصعب حدوث مقاومة لها.

ـ وتضم المجموعة الثانية مواد بطيئة التأثيرهي: مضادات الفوليك: كالسُلفون والسُلفوناميد، ومضادات الفولينيك كثنائي غوانيد biguanides ودي أمينوبيريميدين وهي مواد تبيد الطور التقسمي الدموي لجميع الأنواع والطور التقسمي خارج الدم للمتصورة المنجلية وتمنع التكاثر التبوغي لجميع أنواع المتصورة. كما تضم هذه المجموعة بعض الصادات (كالتتراسكلين والكلنداميسين) التي تبيد الأشكال التقسمية الدموية ولكن تظهر مقاومة تجاهها بسرعة. 

عرفت منذ عام 1951 مقاومة بعض ذراري المتصورة النشيطة والمنجلية تجاه مركب ثنائي غوانيد، وفي عام 1960 ذكرت أيضاً مقاومة بعض الذراري لمركب دي أمينوبيريميدين. لكن أكثر المقاومات أهمية وخطورة هي مقاومة المتصورة المنجلية لمشتقات 4ـ أمينوكينولين التي ظهرت في أمريكة الجنوبية وجنوب شرقي آسيا.

فللشفاء من النوبات أو للوقاية من الإصابة، إذا كان الشخص غير منيع إزاء البرداء، تستعمل حبوب الكلوروكين أو الأمودباكين لمدة ثلاثة أيام، وإذا كان الشخص منيعاً يكتفى بجرعة واحدة من الدواء، وإذا كان المقصود وقاية شخص في مناطق توطن البرداء استعمل العلاج بمقادير أقل أي جرعة واحدة كل أسبوع. وإذا كانت ذرية المتصورة مقاومة للكلوروكين استعمل لعلاجها المفلوكين. ولاستئصال المرض ومنع نكسه تشرك الأدوية السابقة بمشتق 8 ـ أمينوكينولين (بريماكين) القاتل للطور قبل الدموي وللعرسيات.

لمحة وبائية

البرداء مرض خطير عرف منذ فجر التاريخ. فقد حدثت له جائحات قضت على أعداد كثيرة من البشر وماتزال تقدر الإصابات بالملايين. ففي عام 1988 بلغ عدد المصابين بالبرداء، كما ورد في تقرير منظمة الصحة العالمية (240 مليون مصاب)، وكانت أكثر الإصابات ناجمة عن المتصورة المنجلية وتليها المتصورة النشيطة فالوبالية فالبيضوية. وتنتشر هذه الإصابات، في الأقاليم الحارة والدافئة حول محور الكرة الأرضية.

ومن الأسباب المساعدة لانتشارها توفر المجامع المائية الراكدة المساعدة لتكاثر البعوض (المستنقعات ومزارع الرز في آسية وإفريقية خاصة).

وقد أظهرت الإحصائيات أن معدل الإصابات آخذ بالانخفاض في بعض البلدان كالصين والهند وسورية، نتيجة للجهود المبذولة باستمرار في مكافحة الناقل وتطبيق المعالجة الشافية. وتراجع وجود المستنقعات في سورية خاصة نتيجة الجفاف الآخذ بالازدياد تدريجياً إضافة إلى تجفيف المستنقعات لاستثمار الأراضي كما حصل في مشروع تجفيف الغاب مثلاً.

ولابد عند مكافحة الناقل من التغلب على مقاومة الإنفيل للمبيدات الحشرية. إذ تبين منذ خمسينات القرن العشرين أن استعمال المبيدات الحشرية بكثرة ولغايات مختلفة جعل الإنفيل يطور مقاومته لها فأصبح لا يتأثر بمعظم المواد الكيمياوية المستخدمة.

 

برهان الدين الحفار 

 

مراجع للاستزادة:

 

- SHERRIS, Medical Microbiology, an Introduction to Infectious Diseases, Appleton and Lange (East Norwlk, Kenneth J. Ryan, Editor 1994).


التصنيف : طب بشري
النوع : صحة
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 850
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1069
الكل : 40502712
اليوم : 32527

بريمو دي ريفيرا

بريمو دي ريفيرا (1870-1930)   ميغل بريمو دي ريفيرا miguel Primo de Rivera حاكم وقائد عسكري إسباني، ولد عام 1870 ونشأ في أسرة إسبانية معظم أفرادها من العسكريين المحترفين. انتسب إلى أكاديمية طليطلة Toledo العسكرية وتخرج فيها عام 1888. خدم ضابطاً في المغرب (مراكش) وكوبة والفيليبين. وفي عام 1915 عيّن حاكماً عسكرياً لمدينة قادس Cadiz، ثم قائداً عاماً لمنطقة مدينة بلنسية Valencia ثم في برشلونة Barcelona عام 1922.
المزيد »