logo

logo

logo

logo

logo

باسترناك (بوريس ليونيدوفتش-)

باسترناك (بوريس ليونيدوفتش)

Pasternak (Boris Leonidovich-) - Pasternak (Boris Leonidovich-)

باسترناك (بوريس ليونيدوفتش ـ)

(1890ـ1960)

 

بوريس ليونيدوفتش باسترناك Boris Leonidovich Pasternak شاعر وروائي روسي ـ سوفييتي، وُلد في مدينة موسكو. كان أبوه الرسّام ليونيد باسترناك أستاذاً في معهد الرسم والنحت والعمارة بمدرسة الفنون الجميلة في موسكو. أمّا أمه روزاليا كاوفمان فكانت عازفة بيانو ومدرسة للموسيقى. فنشأ باسترناك في أسرة متنوعة الفنون كانت تستقبل الشعراء الرمزيين وكبار كتاب روسية، مثل: ليف تولستوي[ر] وأنطون تشيخوف[ر]، وأشهر الموسيقيين مثل: سكريابين[ر] وتشايكوفسكي[ر]. وقد أشار باسترناك إلى أن جو المنزل هذا أنشأ لديه حساسية مفرطة تجاه العالم الخارجي، وكان أساساً في تكوينه الفني. أثر الأب الفنان في موهبة الابن فكانت لوحات باسترناك الابن الأدبية تنبض بالحياة، وترصد الظواهر لتستعرضها وتنتقدها وتستشرفها في نواحيها المختلفة. وكان بوريس باسترناك لا يرى الحياة إلا موسيقى: (الحياة هي الموسيقى... والموسيقى هي الأصل الذي يقبل بعد ذلك كل صورة، وكل شكل، من مأساة إلى ملهاة إلى ملايين الظلال والدرجات التي تتفاوت وتتباين بين هذين الطرفين).

انتسب باسترناك إلى قسم الفلسفة في جامعة موسكو وتخرج فيه عام 1912، وسافر إلى ماربورغ كي يتابع دراسته العليا. إلاّ أنه ما لبث أن تخلى عن الفلسفة التي درسها بجدية وعمق، مفسراً ذلك بأن طبعه كان أبعد ما يكون عن الصرامة الفلسفية وأقرب إلى إدراك الواقع إدراكاً أكثر مرونة وحيوية، وكان يقول: إن طموحه ليس دراسة هذا الكون، بل التأمل فيه.

ظهرت موهبة باسترناك الشعرية منذ عام 1909، وقد بدأ شاعراً انطباعياً إبداعياً (رومنسياً) عفوياً، لكنه مالبث أن تخلى عن الإبداعية، وشنَّ هجوماً على الرمزيين، وشرع يدعو مع ماياكوفسكي[ر] إلى المستقبلية Futurism معترفاً بأنه تأثر بشاعرين روسيين هما: ألكسندر بلوك[ر] وأندريهْ بْييليّْ[ر]، وبشاعر نمساوي هو ريلكه[ر]، ثم مالبث أن انصرف عن المستقبلية ليكون شاعر الغنائية Lyric بعد أن انضم مع ماياكوفسكي إلى جماعة «ليريكا».

نشر باسترناك أولى مجموعاته الشعرية عام 1914، وكانت بعنوان: «توأم في الغمام» The Twin in the Clouds. ثم ديوانه الغنائي: «أختي الحياة» My Sister Life عام 1922، ثم روايته الشعرية: «سبكتورسكي» Spektorskiy التي عبَّر فيها عن إعجابه بالثورة، فأتت هذه الرواية الشعرية لتقول إن الثورة سامية بأهدافها ومنابعها وأخلاقياتها، إلا أن هذه الأهداف تتعارض مع العنف والديكتاتورية، حتى لو كانا وسيلة لتحقيق أهداف الثورة. ثم تتالت مجموعاته الشعرية: «المرض السامي» عام 1928، ومجموعة «عام 1905» في عام 1926، و«الملازم شميدت» عام 1927 فعبرت هذه المجموعات عن نَفَسٍ ملحميٍ موسوم بغنائية تجمع  الذات والتاريخ. ثم صدرت الطبعة الأولى من مجموعته: «من فوق الحواجز» Over the Barriers عام 1917 ونفدت بسرعة كبيرة، وتتابعت طبعاتها، وصار باسترناك شاعر الغنائية الأول في روسية. وتلتها مجموعة «أمواج» التي ضمت قصائد عن إقامته في جبال القفقاس وجورجية، كما صدرت عام 1932 مجموعة من السيرة الذاتية تغنى فيها بجمال بلاد القفقاس هي «الولادة الثانية» The Second Birth.

انكبَّ باسترناك في الثلاثينات على الترجمة والكتابة النثرية، إلا أنه لم يتوقف عن كتابة الشعر حتى وفاته. وقد جمعت قصائد المرحلة الممتدة بين عامي 1936 و1942ـ أي من تأسيس اتحاد الكتاب إلى بدايات الحرب العالمية الثانية ـ في ديوان «في قطارات الصباح الباكر» On Early Trains، وصدرت عام 1943 مجموعة «فضاء أرضي» The Terrestrial Expanse. أما مجموعة «عندما تنفلت القيود» فقد ضمت قصائد مرحلة ما بعد ستالين أي بين عامي 1956 و1959.

وقد ترجم باسترناك الكثير بدءاً من شعر عصر النهضة ووصولاً إلى شعر بدايات القرن العشرين، من أهم هذه الترجمات غنائيات غوته[ر] وشِلي[ر] وفرلين[ر]، وريلكه وغيرهم. كما ترجم قصائد عدة لشعراء من جورجية ضمتها مجموعته: «شعراء من جورجية». لكن أهم ترجماته إلى الروسية كانت مؤلفات شكسبير التي صدرت عام 1949 في مجلدين، تلتها «ملاحظات على ترجمة مسرحيات شكسبير التراجيدية» عام 1956.

كتب باسترناك القصة والرواية والسيرة الذاتية. ومن قصصه: «طفولة ليوفرس» التي قدمها للنشر عام 1918، وصدرت عام 1922، و«دروب هوائية» التي أنجزها عام 1924 وصدرت عام 1933، و«قصة» عام 1929. ومن السيرة الذاتية كتابه: «الجائزة المصونة» الذي أورد فيه تصوراته عن الفنون وجذورها، وصدر عام 1930، ثم تابع سيرته الذاتية في كتابه: «ناس وأحوال» الذي صدر عام 1957.

إنَّ أهمَّ ما كتبه باسترناك نثراً كان روايته «الدكتور جيفاغو» Doctor Zhivago التي صدرت في إيطالية عام 1957 مترجمة إلى الإيطالية أولاً، ثم تلتها طبعات بالروسية؛ وتحكي قصة حياة طبيب ولد أواخر القرن التاسع عشر وأنهى دراسة الطب أثناء الحرب العالمية الأولى، مما أتاح للمؤلف أن يعطي صوراً عن الحياة في روسية قبل الحرب وأثناءها، ثم أيام اشتعال الثورة في أثناء الحرب الأهلية وبعدها. كتب باسترناك هذه الرواية وهو ما يزال واقعاً تحت تأثير فرحِهِ بانتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار شعبه فيها وأمله بتجديدٍ طالما انتظر المجتمع السوفييتي أن يَحمِل إليه الحرية والديمقراطية وينهي «المرحلة الجدانوفية»[ر] في التعامل مع الأدب والأدباء، وأن يضع حداً لأعمال القمع والمضايقات والاتهامات والمحاكمات والحظر التي يتعرض لها المثقفون وغيرهم. لكن سرعان ما تبدى أن هذا الأمل المفعم بالفرح ليس إلاّ سراباً. وقد أكد باسترناك في هذه الرواية النزعة الإنسانية ورفض العنف. ولم تكن الرواية لتمس النظام السوفييتي في جوهره، بل تمس بعض الجوانب التطبيقية فيه، إلا أنَّ اتحاد الكتاب السوفييت قرر منع نشر الرواية.

كتب باسترناك في أواخر حياته مسرحية درامية وافَتْه المنية قبل إتمامها وصدرت طبعتها الأولى عام 1969 تحت عنوان «الحسناء العمياء».

يتميز إبداع باسترناك كله بعمق نفسي (سيكولوجي) وفلسفي وإدراك عميق للعالم والروح الإنسانية مع الحفاظ على بساطة في التعبير تعكس عمق الرؤية ووضوحها. وكانت الغنائيةُ السمةَ البارزة في إبداعه، وهي غنائية تقوم على سيل دافق من الأصوات والألفاظ المتناغمة المثقلة بالإحساسات والصور والإيقاعات المتنوعة. لذا أولى باسترناك الإيقاع والموسيقى والوزن الشعري أهمية خاصة، وهو ما كان يميزه من صديقه ماياكوفسكي الذي انكب على تكسير البيت الألكسندري Alxcandrine، وهو بيت شعري مكون من اثني عشر مقطعاً، معتمداً على إيقاعاتٍ جديدة للشعر الروسي.

كان باسترناك يتوجه في قصائده إلى كلِّ فردٍ على حدة. كما تميز بالدقة، وبتداعي الأفكار، وبالنص المعقد. ويتصف معجمه اللغوي بالضخامة والغنى، أما صوره الفنية فقد اتسمت بالتكثيف مما جعل قيمتها التعبيرية والجمالية والغنائية أغنى وأشد وقعاً.

عاش باسترناك سنوات نضجه في المرحلة الستالينية، فسعى جاهداً أن يبتعد عن الصيغ الجاهزة والجمود العقائدي. وقد وضعته السلطة السوفيتية تحت المراقبة منذ مطلع الثلاثينات، وصورته إنساناً معزولاً عن العالم، ذاتياً إلى أبعد الحدود، ثم أطلقت عليه لقب «المرتد» و«عدو الشعب».

حاز باسترناك جائزة نوبل للآداب عام 1958. وقد اضطر إلى التخلي عن هذه الجائزة بسبب الضغوط التي واجهها، إلا أن هذا لم يُنْجِهِ، إذ فُصِلَ من اتحاد الكتاب وأوقف إصدار ترجماته وفرض حظر عليه وترك من دون راتب.

بدأ  يعاني آلاماً شديدة في قلبه وقدميه، ثم صار عاجزاً عن الوقوف. وتوفي في بيرديلكينو Peredelkino بالقرب من موسكو، ودفن عند تخوم تلّةٍ صغيرة، قرب منزله في الضاحية حيث أمضى أيّامه الأخيرة.

 

رضوان قضماني

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ بوريس باسترناك، ذكريات الصبا والشباب، ترجمة الدكتور نظمي لوقا، كتاب الهلال (يونية 1961).

- LAZAR FLEISHMAN, Boris Pasternak: The Poet and His poetics (Harvard Univ.Press 1990).

- OLGA R. HUGHES, The Poetic World of Boris Pasternak (Princeton Univ. Press 1974).


التصنيف : الآداب الأخرى
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 606
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1082
الكل : 40520909
اليوم : 50724

التحقيق الإعلامي

التحقيق الإعلامي   التحقيق الإعلامي فن يقوم على تفسير القضايا الاجتماعية بصورها المختلفة، ويبحث في أسبابها والعوامل المؤدية إليها، بغية وضع حلول مناسبة من خلال استنطاق المحرر للنص الذي يقوم بجمع مادته أو من المعلومات التي يُعدها، ومن الأشخاص الذين يشاركون في أحداثها، ويؤلفون الطرف الأهم في المعادلة، كحدث أو قضية من القضايا التي تهم المجتمع.
المزيد »