logo

logo

logo

logo

logo

الانفعال

انفعال

Emotion - Emotion

الانفعال

 

الانفعال affection أو emotion اضطراب حاد يصيب الفرد أو رد فعل هيجاني مصحوب بمشاعر قوية واندفاع نحو سلوك ذي صفة معينة يلاحظه الآخرون في سلوك الشخص المنفعل  أو في نشاطه المضمر الداخلي الذي تقوم به العضلات الملساء والغدد الداخلية أو عضلة القلب بمساعدة أجهزة خاصة تكشف عن الانفعال. ويتحكم في نشاط هذه الأعضاء الجهاز العصبي اللاإرادي، وقد يرافقه نشاط عقلي، وتغير في إيقاع التنفس ودقات القلب وضغط الدم وإفراز الأدرينالين، ويتم كل ذلك لمواجهة الخطر في حالات الخوف والعدوان والغضب والأسى والاشمئزاز والألم، وفي حالات إيجابية جذابة كالفرح والبهجة والسرور والحب.

ويفرق بعضهم بين حالات الانفعال البسيطة والأخرى المعقدة التي تكون على شكل عواطف ثابتة نسبياً، وتتركز حول موضوع محدد مثل محبة شخص معين أو جماعة معينة، أو فكرة محددة، أو عقيدة قد تتوحد في شخصيته، فيعرف بها في سلوكه اليومي، وتسمى هذه الحالة «عاطفة».

ويظهر الانفعال البسيط منذ ولادة الطفل على شكل سلوك معبر عن السرور أو الألم. ويستجيب الطفل للأمر السار بأشكال مختلفة من التعبيرات كالابتسام والضحك وحركات الأطراف، ويستجيب للأمور المؤلمة بالبكاء والصراخ، وبتأثير الحياة الاجتماعية في الأسرة يتطور التعبير عن الانفعال بأشكال مختلفة في تعبيرات جسدية، أو بالرموز اللغوية التي تستخدم بدلاً من التعبيرات الجسدية.

تصنيف الانفعال وتعلمه والتحكم به

قسّمت جماعة تايلور Taylor الأهداف التربوية إلى ثلاثة مجالات هي العقلية والانفعالية والحركية، وصنفوا تربية الانفعال في خمسة مستويات حسب تصنيف كراثول Krathwahl ورفاقه:

1ـ استقبال مثيرات الانفعال والانتباه إليها.

2ـ الاستجابة للموقف الانفعالي استجابة ظاهرة بالعضلات واللغة.

3ـ تبنّي القيم التي تسهم التربية والحياة الاجتماعية في تكوينها وتطويرها.

4ـ تنظيم القيم المتبناة وتمثلها أي تقمص تلك الفكرة التي تنظم معظم سلوكه اليومي وحياته الخاصة، فتصبح الفكرة التي تقمصها أو تمثلها جزءاً لا يتجزأ من شخصيته وسلوكه، ويظهر هذا واضحاً في مرحلة المراهقة حين يضحي الإنسان بجهده وماله، وربما حياته من أجل فكرة تبناها وتمثلها في سلوكه، وتوحدت في شخصيته وتماهت فيها.

واستخدمت في العربية مسميات متعددة للدلالة على درجات الشدة في بعض الانفعالات والعواطف من دون اتفاق؛ إذ عبّر بعضهم عن عاطفة الحب بكلمات متنوعة ومختلفة في التدرج كالود، والمحبة والعشق والغرام والهوى. ولكن هذا التدرج غير متفق عليه إذ ورد الهوى في شعر بعض المتصوفين في قمة التشخيص والتقمص والتوحد للمحبة الإلهية:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا   نحن روحان حللنا بدنا

 

في حين يأتي الهوى في تصنيفات أخرى في بداية المحبة والحب.

ويخضع تعلم الانفعال إلى قوانين الإشراط الكلاسيكي التي وضعها إيفان بافلوف[ر]Ivan Pavlov ويسمى السلوك المتعلم السلوك الاستجابي، وطبقها جيمس واطسن [ر] James Watson في المدرسة السلوكية في علم النفس وطوّرها السلوكي بوروس فريدريك سكنر [ر] B.F.Skinner في الإشراط الإجرائي أو الإشراط الفعّال، ويتم الإشراط الاستجابي بتعلم السلوك الانعكاسي للعضلات الملساء والغدد داخل جسم الكائن الحي بربط مثيرين كان أحدهما قبل الإشراط مثيراً للانفعال فصار المثير الشرطي بعد الإشراط قادراً على جر الاستجابة الانفعالية، وبالتالي يحدث التعلم الانفعالي مثل سيلان اللعاب والدموع، وإفرازات الغدد الهضمية الداخلية، وزيادة نبضان القلب أو ضغط الدم بتنبيهات متعلمة جديدة. وقد يسهم السلوك الإجرائي (الفعال) في إثارة المظاهر الانفعالية، كأن تضع الممثلة البصلة لزيادة سيلان دموعها لإظهار الانفعال للمشاهدين، أو تستخدم الليمون أو قطعة الحلوى لزيادة إفراز اللعاب، أو أن يستخدم الانسان كلمات مؤذية لإثارة الانفعال لدى الخصم. وهكذا تسهم الكلمات في توليد الانفعال.

وحين يختل التوازن في الانفعال الشديد يحدث الاضطراب النفسي [ر] الذي يعالج بتخفيض الإحساس بالانفعال الشديد بالتحليل النفسي واستخدام أساليب العلاج المعرفي ـ السلوكي  والعلاج بالأدوية والعقاقير المهدئة. وأثبتت البحوث فاعلية الجمع بين هذه الأساليب. وتسهم التغذية الراجعة الإيجابية والسلبية في تخفيض الانفعال في أساليب العلاج المعرفي ـ السلوكي؛ في حين تسهم المهدئات بتخفيض الانفعال والشدة النفسية. ويفضل البدء مبكراً بتعليم السيطرة على الانفعالات، فالأم، التي تعالج مخاوف الطفل من الظلام والحيوانات، قد تخفف من تلك المخاوف بجعل الطفل يقوم بأعمال ناجعة وممتعة في الظلام، وقد تُسمعه الحكايات الممتعة والموسيقى الهادئة، أو تطعمه في الظلام، فهذا الاقتران يؤدي تدريجياً إلى تحكم الطفل بانفعال الخوف والسيطرة عليه. وازدادت ضرورة التحكم بالانفعال في الحياة الحضارية المعاصرة وتستخدم تقنيات متعددة لضبط الانفعال منها:

الانشغال بعمل آخر بديل: ويحدث هذا عندما يعاني الإنسان مشاعر الخوف أو الكآبة أو الغضب، فيوجه انتباهه إلى أشياء أخرى، ويمارس أعمالاً تساعده على تخفيف توتره الانفعالي، واستهلاك طاقته الانفعالية في أعمال بديلة منها الأعمال السارة، كأن يشارك الطفل المنفعل بألعاب اجتماعية سارة، أو يلتحق الراشد بنادٍ رياضي يمارس فيه هواياته ومهاراته، أو ينشغل التلميذ بحفلة مدرسية أو نشاط يميل إليه داخل المدرسة أو خارجها. وعندما تتنوع الأعمال والأنشطة البديلة التي يقوم بها الإنسان تؤول هذه الأعمال إلى هوايات راقية في ميادين الفن والموسيقى والشعر والكتابة والرسم والتصوير والنشاط الرياضي والاجتماعي. وتسهم هذه الأنشطة في تخفيف الانفعالات وإعادة الاضطرابات النفسية إلى حالة التوازن والصحة النفسية.

تحاشي المواقف المؤلمة: يمكن ضبط الانفعال بتجنب المواقف المثيرة للألم، أو بالسيطرة المباشرة على المواقف المؤذية ومصادر الانفعال. وقد تبين مثلاً أن التدريب على المهارات القتالية يجنب الإنسان الخوف من المجهول، ويمكّنه، في الوقت نفسه، من الدفاع عن الذات، والهجوم على الخصم، ومواجهة الأعداء. وتجري مثل هذه التدريبات في الجيش فتخفف من مخاوف المجندين الأغرار وتكسبهم المهارات اللازمة للنجاح في مواجهة العدو في القتال الفعلي.

التعبير عن الانفعال واختزاله

تسهم التربية والحياة الاجتماعية في تعليم الأفراد طريقة التعبير عن الانفعال بالإيماءات وحركات الجسد أو تعبير الوجه والأطراف أو بألوان الملابس، فقد يعني فرك اليدين الفرح والسرور في حضارة ما، ويعني أشياء أخرى في حضارة أخرى. كما تدل حركات الرأس إلى الأمام والخلف أو إلى الجانبين على معانٍ مختلفة في التعبير عن الانفعال. وقد يدل رفع الحاجبين على الدهشة في حضارة ما، في حين يدل على ذلك بمد اللسان في حضارة أخرى.

 ويتأثر التعبير عن الانفعال بنمو الإنسان ونضجه، واتساع ثقافته وطبيعة تربيته، فالإنسان الذي نشأ على الخجل والخوف من الكذب، قد يؤدي كذبه إلى زيادة ضغط الدم وبالتالي زيادة رطوبة جلده، مما يخفف من مقاومته؛ ويكشف عن ذلك بجهاز كشف الكذب الذي يقيس المنعكس الكهربائي «الغلفاني ـ النفسي». ويصلح هذا الجهاز لكشف الانفعال، ولكنه قد لا يصلح  لكشف الكذب لدى الشخص الذي لا ينفعل من الكذب بسبب تربيته السابقة. ولذلك فإن استخدام  جهاز كشف الكذب، قد يكون مؤشراً غير كاف للدلالة على الكذب، ولكنه مؤشر على شدة الانفعال والهيجان في أثناء استجواب ذلك الشخص. وقد استخدم ابن سينا طريقة سهلة لكشف الانفعال وتشخيص عاطفة الحب لدى شخص مريض نفسياً بأن أخذ يسأل المريض أسئلة مثيرة، أو يطرح عليه أسماء تثير انفعال الشخص المريض، ومن رجفان أطراف أصابعه كان يتعرف مدى انفعاله، ومواطن عواطفه، وبعدها يقترح العلاج.

وتسهم التقنيات اليوم بالكشف عن الانفعالات وعلاجها باستخدام أجهزة التغذية الراجعة البيولوجية Biofeed back التي تكشف عن التوتر الانفعالي، ويسهم المفحوص نفسه في تخفيض التوتر بالاسترخاء واستبعاد الإحساس بالتوتر والانفعال تدريجياً. وهي أجهزة تستخدم في العلاج المعرفي ـ السلوكي واختزال الإحساس للوصول بالانفعال إلى حد طبيعي من التوازن النفسي. وتستخدم بعض أجهزة العلاج المعرفي ـ السلوكي ضمن برامج في التعلم الذاتي لاختزال الانفعال. وعلى العكس من ذلك تسهم المؤثرات البيئية الشديدة كالأصوات العالية والضجيج وتلوث الهواء في زيادة حدة الانفعالات في حياتنا اليومية، كما يسهم أي اختلال في التوازن الصحي والبيئي في زيادة حدة الانفعال في حياتنا المعاصرة.

الانفعال والأمراض النفسية الجسدية

تتفاعل العوامل النفسية مع الجسدية في تكوين الأمراض الجسمية المسماة النفسية الجسدية Psychosomatic، فقد تؤدي شدة التوترات والضغوط النفسية والانفعالات المستمرة والحادة، إلى أمراض تصيب الجهاز الهضمي مثل القرحة المعدية، والقرحة المعوية الناشئة عن أسباب نفسية، وكذلك بعض حالات فقدان الشهوة إلى الطعام أو الإفراط في الأكل، والإسهالات والإمساك، وأمراض الجهاز التنفسي كالحساسية والربو. وفي جهاز الدوران قد تحدث اضطرابات في التوتر الشرياني والذبحة الصدرية وأمراض القلب، وقد تسبب الانفعالات حالات من الصداع النصفي (الشقيقة)، أو تسبب في بعض الحالات الإصابة بالبول السكري الناشئة عن الشدة والتوتر النفسي. وتمكن العلماء من توليد مثل هذه الأمراض تجريبياً في مخابر التجارب على الحيوانات، بتعريضها باستمرار إلى خوف شديد مديد، وقد كان من نتائج هذه التجارب حدوث الاضطرابات النفسية والجسدية المتعلقة  بالإفرازات الهرمونية والهضمية والغدية وتقلصات العضلات الملساء في أجهزتها  الداخلية.

تفسير الانفعال

وضعت نظريات نفسية معرفية وأخرى جسدية لتفسير الانفعال منها النظريات التالية:

ـ نظرية لازاروس Lazaros: قدم لازاروس وزملاؤه تفسيراً معرفياً للانفعال يقوم على أن الانفعال يحدث نتيجة التقويم المعرفي لموقف مثير، وفسّر التغيرات الفيزيولوجية التي تعقب التقويم المعرفي الذي يتأثر بالعوامل الشخصية والاجتماعية والحضارية للإنسان.

ـ نظرية المهاد Thalamus: وهي نظرية تستند إلى تفسيرات للعلاقة بين الحالات الجسمية والشعور الانفعالي وكشفت التجارب والأبحاث العلمية عن دور المنطقة تحت المهاد Hypothalamus في الدماغ في تكوين الخبرة الانفعالية، إذ ترسل مراكز منطقة تحت المهاد منبهات إلى كل من العضلات والأحشاء للقيام بالسلوك، وإلى القشرة الدماغية لتكوين الخبرة الانفعالية في حالات الخوف والغضب. وتمكن علماء من عزل المنطقة تحت المهاد عن بقية الدماغ في تجارب على القطط فنقصت استجابات الخوف والغضب لديها، وفي التجارب على الإنسان تُدرس في الدماغ العلاقة بين العقل والانفعال باستخدام التصوير الطبقي لمناطق الدماغ أو نشاط مناطقه المختلفة. ومازالت معارفنا عن الدماغ والعقل والانفعال غير حاسمة، كما يصعب عزلها بعضها عن بعض.

وتستمر التجارب الحديثة في علم المورثات وعلم النفس، والمعلوماتية لإيضاح عمل الدماغ والعقل والانفعال في حياتنا اليومية.

 

فخر الدين القلا، محمود ميلاد

 

الموضوعات ذات الصلة

 

الإشراط ـ الاضطرابات النفسية ـ بافلوف (إيفان ـ) ـ سكنر (بوريس فردريك ـ).

 

مراجع للاستزادة

 

ـ نعيم الرفاعي، الصحة النفسية، «دراسة في سيكولوجية التكيف» (منشورات جامعة دمشق 1982).

ـ عبد الرحمن العيسوى، علم النفس العام (دار النهضة العربية للطباعة والنشر، القاهرة 1987).

ـ علي سعد، علم الشذوذ النفسي (منشورات جامعة دمشق 1995).

ـ عبد الستار إبراهيم، «العلاج السلوكي للطفل»، عالم المعرفة، العدد 18 (الكويت 1993).

- D.R.KRATHWAHL, et al, Taxonomy of Educational Objectives, Hand book 2, Affection Domain (New York, David  MC Kay 1964).


التصنيف : تربية و علم نفس
النوع : صحة
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 46
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 512
الكل : 31193183
اليوم : 18340

ابن معطي (يحيى بن عبد المعطي)

ابن معطي (يحيى بن عبد المعطي) (564 ـ 628هـ/ 1169 ـ 1231م)   يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي المغربيّ، النّحويّ، الفقيه، واشتهر بابن معطي، ينسب إلى قبيلة زواوه - وهي من كبرى قبائل بجاية - ولذا يقال له: الزواوي، وكان أحد أئمة عصره في النحو واللغة، واشتغل عليه خلق كثير، وانتفعوا به، وكان شاعراً محسناً أيضاً. ومن شيوخه: عيسى بن عبد العزيز الجزولي، وابن عساكر، والتاج الكندي.

المزيد »