logo

logo

logo

logo

logo

بروتون (أندريه-)

بروتون (اندريه)

Breton (André-) - Breton (André-)

بروتون (أندريه ـ)

(1896 - 1966)

 

أندريه بروتون André Breton، كاتب ومفكر فرنسي ولد في تَنْشِبري Tinchebray بفرنسة، والتحق إثر إنهائه دراسته الثانوية بكلية الطب، وفي عام 1915 استُدعي إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وأوكل إليه، العمل في قسم العيادة النفسية، مما أتاح له الاطِّلاع على مؤلفات فرويد[ر] في علم النفس، والتعمُّق في دراستها، وقد توثقت عُرى الصداقة، آنئذ، بينه وبين أراغون[ر] Aragon وسوبولت Soupault وانضموا جميعاً، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، إلى الحركة الدادائية[ر] Dadaïsme التي كان تريستان تزارا[ر] Tristan Tzara قد أنشأها في مدينة زوريخ عام 1916، وأصدر هؤلاء صحيفة «الأدب» ما بين عامي 1919 و1921 لتكون منبراً لآرائهم الجريئة وقصائدهم، وتنفسح من ثَمَّ للحركة السريالية المتحدِّرة منها. وقد أضحى بروتون، مؤسسَ السريالية ومنظِّرَها الرئيسي، وظلَّ، عمرَه كلَّه، ينافح عنها ويقرنها بأدبه وحياته وقدره جميعاً. وقد عكف بروتون، بوحيٍ من تأثره بفرويد، على دراسة التنويم المغنطيسي، مما أفضى به إلى قضية الكتابة الأوتوماتيكية، وأهميتها في استلهام الشعر، ينساب عفوَ الخاطر صوراً منثالةً متلاحقةً موحيةً. غير أن بروتون، ونخبة من رفاقه ـ منهم أراغون وإيلوار[ر] ـ آثروا أن يتخلوا عن الدادائية، وإن لم يتخلوا عن اتفاقهم معها على التمرد على مواضعات المجتمع القائم، وقطعوا صلاتهم بها، وحين أدركوا أن الثورة الفكرية والشعرية وحدها غير كافية لتغيير مسرى الحياة، فقد وجدوا في الحزب الشيوعي المنادي بتقويض أسس البرجوازية السائدة، ما يلبِّي تطلعهم إلى الثورة العارمة الراغبة في تغيير وجه المجتمع القائم ونمطية الحياة الرتيبة، فانضوى بعضهم في هذا الحزب، الذي أفاد من مواهبهم الشعرية وشهرة أسمائهم، غير أن بروتون لم يلبث أن استقال من الحزب، وآثر أراغون وإيلوار البقاء فيه، وبقي بروتون، وحده، المنظِّرَ الرئيسي لهذه الحركة، والراعي لمبادئها وأفكارها التي لخصها في ثلاثة بيانات مهمة صدرت في الأعوام 1924-1930-1942 كما أنشأ صحيفةً خاصةً بها هي «الثورة السريالية» صدرت ما بين عامي 1924 و1929. وقد نشر بروتون مؤلفاتٍ جمَّةً، تنهل كلُّها من معين السريالية، مستجلياً ملامحَها، موضِّحاً تعاليمَها وفلسفَتها، مستلهماً منها صوَره وتهاويلَه الشعرية.

وفي عام 1941 مضى بروتون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبقي فيها ثلاث سنوات، يعمل في القسم الفرنسي في إذاعة «صوت أمريكة» ثم قام بجولةٍ سياحيةٍ في القارة الأمريكية، وعاد في عام 1946 إلى وطنه فرنسة، ليرعى حركة السريالية، وفياً لها، معتزاً بأن يحمل شعلتَها الثوريةَ في الأدب والحياة، حتى وافته المنية.

ليس من ريب في أن بروتون هو المنظِّر الرئيسي للسريالية التي لم تقتصر على كونها أكبرَ ثورةٍ شعريةٍ في فرنسة، في النصف الأول من القرن العشرين، كما يقول الناقد غايتان بيكون، بل طمحت إلى أن تشملَ الحياة كلَّها، موطّئةً بمبادئها، منهجاً لجميع مظاهر الحياة المبدعة من أدبية وفكرية وسياسية.

وقد بدا بروتون كما لو أنه الراعي الرئيسي للسريالية والمتنبِّئ الذي يحمل لواءَ عقيدةٍ راسخةٍ يمكن أن تحلَّ محل الدين، وإن يكن بروتون وصحبه يأبون أن تنضوي السريالية تحت أيِّ مفهومٍ، يصنِّفها ضمن حركةٍ أو مدرسةٍ أو عقيدةٍ، بيد أنه تأتَّى له أن يُجْمِلَ مبادئَها وملامحها العامة وأن يلخصَها في بياناته الثلاثة، وأن يوضحها في آثاره الأدبية المترجِّحة بين الدراسةِ والقصةِ والشعر، وأن يرتقي بموهبته الفذة كاتباً مبدعاً وشاعراً ملهماً ومفكراً عميقَ الغور. غير أن السريالية لم تبدأ، في الواقع، من بروتون وحده، فقد سبقه روادٌ يمكن أن تعد آثارهم إرهاصاتٍ ممهدةً لها، من أشهرهم بودلير[ر] ورامبو[ر] ولوتريامون[ر] وأبولينير[ر] الذي كان أولَ من وضع كلمة «السريالية».

استقال بروتون من الحزب الشيوعي، حين جاذبته الخيبة من المهام التي أوكل إليه النهوض بها، وحرصاً منه على استقلالية حركته لتكون بمنأى عن توجيهات السياسة الحزبية المتقلبة. ولكنه ظلَّ، وإن يكن قد تخلى عن الدادائية، يتفيَّأ ظلَّ السريالية التي كان يدعو إليها بحماسةٍ متَّقدةٍ، مستبقياً كلَّ ما يمكن أن يشدَّه إلى إثارة الدهشة والتمرد، والغوص في مضطرب اللاشعور، والتنقيب في مسرى الأحلام وتأويلها، ومن هنا جاء اهتمامه بفرويد وأبحاثه النفسية واعتماده على الكتابة الأتماتية والتنويم المغنطيسي، وحرصه الدائب على أن يورد في شعره، وفي قصته «ناديا» Nadja خاصة، صوراً آبدةً، ناشزةً على المألوف، نابعةً من أعمق أغوار اللاشعور، ليتاح لها أن تعكسَ، على غرابتها، جوهرَ الإنسان وحقيقتَه على نحوٍ أدق وأوفى.

إن تألق السريالية، على النحو الذي بسطه بروتون، لا يجد تفسيرَه بما أثار من دهشةٍ وتطلُّعٍ وفضول، بل بما نفضته حركتُه ـ ولاسيما في مجال الشعر ـ من الصور الغريبة، المذهلة، وبما لهجت به من الألفاظ المفاجئة ـ غير المألوفة في أكثر الأحيان ـ كما لو أن الشاعر كان يتوق، فيما هو يسردها، أن يستلَّ منها كلَّ ما يستكنُّ فيها من أسرارٍ خفيةٍ، وأن يلتقط، فيما هو يغوص في هذا الخضم، من شوارد الألفاظ التي يمليها اللاشعور، أن يلتقطَ كلَّ ما يعينه على جرح واقعه، على حد تعبيره، والعثور على أفقٍ جديدٍ، على لُقىً باهرةٍ، غيرِ متوقَّعة، تغريه بالتمرد ورفض واقعه المتبلد، بغيةَ تحويره وتبديله. ولئن بدت محاولاته في نظر المتشككين الهازئين بحركته ترمي إلى التخريب فحسب، إنها تظل برأي بروتون وصحبه، مغامرةً مفتوحةً، لابد منها، نحو المجهول، وخطراً لا محيدَ عنه للوصول إلى الحرية المرجوة. هكذا تراءت السريالية التي دعا إليها موسومةً في مجملها باصطفاء الغرابة وإيثار الدهشة، والتماس اللامعقول واللامنطقي، والتخلي عن الواقع المبذول، رغبةً في تجاوزه وتخطيه إلى ما فوق الواقع حيث يُلاءم ما بين الحلم والحقيقة.

اشتملت دراسات بروتون المنتظمة على بياناته الثلاثة وبعض آثاره الفكرية وأهمها: «مدخل إلى خطاب حول القليل من الحقيقة» و«الخُطا الضائعة» و«ما هي السريالية؟» و«موقف السريالية السياسي» و«منتخبات من الدعابة السوداء» Anthologie de l’humour noir و«السريالية والتصوير» و«قصة ناديا». كما اشترك مع سوبولت في ديوان «الأواني المستطرقة» Les vases communicants ومع بول إيلوار في ديوان «الحبل بلا دنس» L’Immaculée conception. ذلك لأن السرياليين، كما يقول الناقد هنري كلوار، كانوا مولعين بالنظم المشترك الجماعي لأنه يتيح لهم مزيداً من حصاد الصور والإيحاءات. وأهم أعماله الشعرية هي: «المسدس ذو الشعر الأبيض» و«الحب المجنون» و«اللغز 17» Arcane 17 و«قصائد» Poemes وفيها ينهض بروتون قمةً باذخةً من قمم الشعر المعاصر.

لعل أهم ما يتجلى في شعره، هو موضوع الحرية التي يتعشَّقها، داعياً لها، مدافعاً عنها، فقد مجَّد الثورة الجزائرية ودافع عن المنشقين السوفييت في المحاكمات التي جرت في الثلاثينات، كما يتجلى في شعره موضوع المرأة التي شبَّب بها، متغزلاً بمحاسنها، لتبدوَ في عينه مخلوقاً فاتناً، رائعاً، من دون أن ينحدر بشعره إلى الإسفاف والإباحية التي وسمت أدب الدادائيين، يقول بروتون: «لقد اخترت في الحب، الشكلَ المتوحدَ، العاطفي عازفاً عن أي لونٍ من ألوان النزوة». ويقول الناقد مارسيل: «إن غزله بالمرأة ينتفض في صورٍ متناغمةٍ يفضي بعضها إلى بعض كما لو أنها تودُّ أن تذوب في الكون كله».

هاجم خصوم السريالية بروتون بأن شعره السريالي لا يعدو كونه هذياناً غائماً، عقيماً، عصياً على الفهم والتفسير، وأن الأحلام التي يتكئ عليها في أدبه للكشف عن أعماق اللاشعور قد تحسر أحياناً عما يتمناه المرء أو يخشاه ولكنها لا تستطيع، وحدها، أن تفسر حقيقته كلَّها، فإن الضارب في طريق اللاشعور هو أشبه بحاطبِ ليلٍ، يسعى إلى الحَلَكِ المظلم ليفضي إلى منزلقٍ قد يتردَّى فيه ويهوي.

وقد أتيح لبروتون أن يبدع حركةً اتصفت بسيرورتها وديمومتها وأثرها العميق وانسيابها من ثَمَّ إلى ميادين الشعر والقصة والمسرح والسينما وإن يكن أثرها في مجال السياسة ظلَّ ضيِّقاً محدوداً بمغازلتها للشيوعية في البدء ثم في تخلِّيها عنها في ما بعد.

وقد انبثق شعر بروتون، منذ بداياته، تياراً خلاَّباً، فاتحاً آفاقاً جديدةً من التعبير، وتأتَّى له أن يجتذب أعظم الشعراء الفرنسيين موهبة، كأراغون وإيلوار، كما أن كثيراً من الشعراء النابهين، المعاصرين له نهلوا من مورده العذب، مثل سان جون بيرس[ر] Perse وسيزير Césaire وشار[ر] Char وميشو[ر] Michaux وجورج شحادة [ر] وغيرهم. كما تسنى له أن يستقطب بحركته كثيراً من الفنانين التشكيليين.

 

بديع حقي

 

مراجع للاستزادة:

 

- PIERRE DE BOIDEFRE, Une histoire vivante de la littérature d’aujour d’hui (Perrin, Paris 1961).

- GAETAN PICON, Panorama de la Nouvelle Littérature Française (N.R.F, Paris 1960). 


التصنيف : الآداب اللاتينية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 8
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1084
الكل : 40501565
اليوم : 31380

الجنين (علم-)

الجنين (علم ـ)   يعرف علم الجنين embryologie بأنه دراسة التبدلات التي تطرأ على البيضة الملقحة، والتي تؤدي بها إلى تشكل متعضية جديدة تشبه الأبوين. وهو علم شاب ازدهر في بداية القرن التاسع عشر، واستمر في التطور سريعاً بسبب التطبيقات البيولوجية والطبية. وكان علم الجنين في بداياته وصفياً، يقتصر على وصف حادثات التشكل في متعضية من المتعضيات، وخاصة عند الإنسان.
المزيد »