logo

logo

logo

logo

logo

بيكاسو (بابلورويث-)

بيكاسو (بابلورويث)

Picasso (Pablo Ruiz-) - Picasso (Pablo Ruiz-)

بيكاسو (بابلو رويث ـ)

(1881 ـ 1973)

 

بابلو رُويث بيكاسو Pablo Ruiz Picasso مصوّر ونحات إسباني. ولد في مدينة ملقة الأندلسية، وهو الابن الأول للفنان دون جوزيه رويث بلاسكو من برشلونة، والدته ماريا بيكاسو لوبيث من ملقة.

حمل بيكاسو الروح الإسبانية التي طبعت فنه بطابع خاص، وصارت تمثل أهم الجوانب وأشدها تأثيراً في حياته الفنية، لأنه بقي إسبانياً بالطبيعة ولم يظهر تحيزاً مفتعلاً بل أخذ ينثر المأساة الإسبانية، بلا إسراف، بأعماله في التصوير والنحت وما إلى ذلك من فنون الرسم والحفر والخزف. ومع أنه عاش في باريس وتفاعل مع الثقافة الفرنسية، والحياة الباريسية في مطلع القرن العشرين، كان أحد رواد الحداثة الفنية فشارك في كل المغامرات الطليعية التي ظهرت في فرنسة في النصف الأول من القرن العشرين المتمردة على المفاهيم الفنية التقليدية السائدة منذ عصر النهضة الأوربي، وقد حقق الشهرة والمجد اللذين جعلاه الفنان الأكثر تأثيراً في الفن في النصف الأول للقرن العشرين، لما تمتع به من قدرات فنية متعددة الجوانب، وما حققه من مهارة فنية في الرسم والتحكم بالأشكال الفنية التي جعلت نقاد الفن التشكيلي يقولون عنه إنه «كان يرسم بأسرع مما كان يتكلم»، وقد أسهم بيكاسو في عملية التحديث الفني، ورفد وسائل التعبير بالمواد الجديدة كالمخلفات التالفة والقصاصات والرمل وما إلى ذلك، وسعى إلى تبديل المفاهيم الجمالية في الخامات والرؤية والابتكار، وربط الفن بالإنسان ليكون الفن إبداعاً إنسانياً، وللإنسان الأهمية الأولى فيه على ما عداه. ومع كون بيكاسو إسبانياً، قل أن يتمثل فنان أجنبي مثله الروح الفرنسية والفكر اللذين طبعا ذلك العصر بطابعهما.

إن دراسة حياة بيكاسو وما خضعت له من تطورات فنية وما مر على تجربته من تغييرات، تدل على عمق الصلة بين حياته وفنه. وفي اللوحات المصورة الخلاصة المكثفة لما عاشه من أفكار وما انفعل به من رؤى حياتية يومية، فالفن تلازم لديه مع تبدلات الحياة لحظة فلحظة.

بدأ بيكاسو التصوير في عام 1888 بعد مشاهدته لحفل مصارعة الثيران، فكان ذلك موضوع لوحاته الأولى المعروفة التي دلت على موهبته المبكرة، ثم تدرب على أصول التصوير الاتباعي على يد والده، وثمة لوحات كثيرة رسمها في تلك الآونة لوالده وأمه وأفراد أسرته، ومناظر المواقع المحيطة ببلدته التي تدل على تعلقه المبكر بالفن، وتسجيل كل المشاهد المحيطة به، وقد ساعده هذا على النجاح في امتحان القبول في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في برشلونة.

حين سافر بيكاسو إلى باريس[ر] في عام 1900 أول مرة كان على معرفة وثيقة بالفن التشكيلي، ولهذا قيل عنه: «إنه الفنان الموهوب القادم إلى باريس حديثاً، والذي لم يتجاوز العشرين من عمره وهو يصور ثلاث لوحات يومياً». ولكنه كان يبحث عما هو جديد يتجاوز ما كان يعرفه من أصول تقليدية، ولهذا اكتشف أهمية ما قام به الفنانون التشكيليون الذين أتوا بعد الانطباعيين من أمثال فان كوخ[ر] وتولوز لوتريك[ر] وديغا[ر] وبونار[ر] وسيزان[ر]، وهم الفنانون الذين ألحوا على أهمية ربط الفن بالإنسان، وتحديث الفن وجعله يصور الحياة اليومية، والتقاط الواقع الإنساني في حركته وتبدله. كما تبنى هؤلاء مفهوماً جديداً للشكل والمادة واللون والتأليف بعد أن غالت الانطباعية في تفسير تلك العناصر في لحظة الضوء والهواء فحسب.

وبدأ بيكاسو يتعرف الاتجاهات الفنية الشائعة، ويستفيد من هذه التجارب ليقدم الفن التشكيلي الذي يحمل رؤيته الشخصية، والذي استطاع أن يحقق المزيد من الاكتشافات المختلفة التي ترافقت مع كل مرحلة من مراحل تجربته الفنية والتي يمكن تحديدها وفقاً لما يلي:

المرحلة الأولى (1888-1902)

وفيها تأثر بالفن الإسباني التقليدي وبالفنان غويا[ر] خاصة، ثم بمرحلة «ما بعد الانطباعية»، وقدم الأشكال الفنية الملائمة للموضوعات وصور تحت تأثير هذه التجارب مجدداً، وأعاد تصوير الأشكال من الطبيعة تحت تأثير المفاهيم الجديدة، ومن أهم هذه اللوحات لوحة «الأسطح الزرقاء» (1901).

المرحلة الثانية الزرقاء (1903-1904)

كان بيكاسو في الثانية والعشرين حين شاع اسمه، واتخذ لنفسه محترفاً في ما سمي باتو لافوار Bateau-Lavoir (وهو تجمع سكني متواضع في حي مونمارتر في باريس)، صار المكان موئلاً للفنانين الطليعيين والأدباء أمثال ماكس جاكوب[ر] وأبولينير[ر] وسواهم. صور فيها المهرجين المشردين، بلغة حديثة ملائمة لهذه الموضوعات، وأظهر العالم الداخلي للأشخاص المصورين، وسميت تلك المرحلة بالزرقاء لأنه كان يغلب عليها اللون الأزرق وتدرجاته، أزرق الليل والغموض، مما أسهم في التعبير عن الأشخاص الذين يعيشون الاستلاب والوحدة، وبرزت بداية عملية التحريف للأشكال الملائمة، ومن أهم اللوحات لوحة «الحياة» (1903) و«لاعب السيرك مع الطابة» (1904).

المرحلة الثالثة الوردية الزرقاء (1905-1908)

وفيها أدخل اللون الوردي مع الأزرق الذي تأكد في الخلفية، ويعكس اللون الوردي التعطش إلى الحياة على الرغم من كل المآسي، وانتصرت الألوان الحارة على الباردة، وبدأت المعالجة الرمزية تكتسي أهميتها الكبيرة سواء في التشويه أو في تقديم المعاني بالرموز الشكلية واللونية. ومن أهم لوحات تلك المرحلة «رجل يقود حصاناً» (1906) و«العاريتان» (1906) و«فتيات أفينيون» (1907) وهي في متحف الفن الحديث في نيويورك وتمثل ثلاث فتيات تحولت وجوههن إلى أشكال هندسية. وتعد البداية الحقيقية لعملية تحطيم الشكل الخارجي والابتعاد عن نقل مظهر الأشكال الخارجي، والاتجاه نحو التأليف الحديث للوحة التي تنطلق من مبدأ رئيسي وهو أن للوحة وجودها المستقل عن الواقع، ولها حياتها الخاصة، وقد استفاد من النحت الإسباني، كما استفاد من النحت الإفريقي، وقد زاد في حدة التشويه وركز على وحدة الزمان والمكان والموضوع والاهتمام بالمضمون الإنساني، وهو تصوير حالة بؤس حياة النسوة اللواتي يمارسن البغاء في مدينة أفينيون. لقد فتح بيكاسو في تلك اللوحة فصلاً جديداً في تاريخ الفن مع عدم التجانس البادي في التأليف والتلوين، إلاّ أنها أعلنت (اللوحة) الثورة التكعيبية، فلم تعد لوحة فحسب بل نقطة انطلاق لحدث جديد ومؤثر.

المرحلة الرابعة التكعيبية[ر] (1908-1909)

تمثل بداية اكتشاف أهمية التحليل الهندسي المعماري، بتأثير سيزان و«التماثيل الإفريقية»، وقد تعرف، في أثنائها، جورج براك[ر] وتبادلا الخبرات والتجارب الفنية، التي توصلت إلى تحريف الشكل ورده إلى الشكل الهندسي المعماري الذي يمكن تحوير الأشكال إليه، مثل الهرم والمكعب ومتوازي المستطيلات، ليكون للوحة وجودها المستقل، أي البحث عن القيم الثابتة في الأشكال بدلاً من المتغيرات، وإيجاد الحلول الفنية من دراسة الواقع، واختزاله، والإبقاء على ما هو جوهري معماري، وأهم لوحات تلك المرحلة «بيوت في سانتا بربارة» (1908)، وقد مالت ألوانه فيها إلى الرماديات الداكنة والأخضر والبني.

المرحلة الخامسة التكعيبية التركيبية (1909-1918)

صار الفن، انطلاقاً من الرؤية الجديدة، إعادة لتأليف اللوحة، والاستفادة من التجارب التحليلية من أجل ذلك، وصار التأليف يعتمد المواد الجديدة، والملصقات، وقصاصات الصحف، وبدأت عملية إعادة تقويم مادة التصوير الزيتي، وحق للفنان أن يصور لوحته بأي مادة، وقد سميت تلك التقنية «اللصق» Collage، لوحة «أرلكان» (1912).

المرحلة السادسة الواقعية الجديدة (1918-1973)

استمر التكعيبيون يصورون لوحاتهم، ويقدمون الرؤى المستقلة الخاصة بكل فنان، ومن أهمهم خوان غري[ر] وفرناند ليجيه[ر] وغيرهما، لكن بيكاسو عاد إلى الواقع ليصوره بأسلوب جديد، إذ يمكن القول إنها مرحلة «الواقعية الجديدة»، وفيها صور مئات اللوحات التي تمثل المفهوم الاتباعي الحديث الخاص ببيكاسو، وتأثر في إحدى المراحل بالفنانين السرياليين[ر]، لكنه لم يعرض معهم، ولم يكن مؤمناً بأن الفن هو التعبير المباشر اللاواعي، بل كان يؤكد أهمية التحوير والتجديد بوعي ومضمون إنساني، حتى قدم التجارب التي تملك الرؤية الشخصية، المتجددة، التي لا تتوقف عند شكل ما إلاّ لتبدله، مستفيداً من أشكال التعبير الفنية المتنوعة، وقد حفر عدة لوحات على المعدن والحجر، ومارس (الخزف) بأسلوبه الخاص به.

 

 

ومن أهم لوحات المرحلة الأخيرة لوحة «الغورنيكا» الشهيرة التي صورها عام (1937) وكانت في متحف الفن الحديث في نيويورك ثم نقلت إلى إسبانية، على أثر عدوان النازيين على قرية الغورنيكا في إسبانية، واللوحة ضخمة بقياس  7.80 × 3.50م، وقد عدت من اللوحات التي تدين (الفاشية)، وتمجد نضال الإنسان من أجل الحياة والسلام، وقد أعاد بيكاسو صوغ لوحة الغورنيكا بتقنيات متعددة وقياسات مختلفة.

تمثل اللوحة «الحصان الجريح» في الوسط وفوق رأسه شمس هي العين البشرية التي تراقب الأحداث، وتحت قدمي الحصان سقط أحد المحاربين وفي يده سيف مبتور ويده الأخرى تستصرخ، وثور في أقصى اليسار يعبر عن القوة الفاشية والظلام، والحصان رمز يعبر عن البشر، الذين يعانون، وإلى اليسار من اللوحة امرأة تحمل ابنها القتيل وتصرخ يائسة، أما على اليمين فتوجد ثلاث نساء، الأولى تصرخ وهي تحترق بالنيران، والثانية تفر مذهولة، والثالثة لا يرى إلا رأسها، وقد امتدت يدها لتحمل مصباحاً كهربائياً.

من الواضح أن بيكاسو أراد أن يصور المأساة التي وقعت والتي تبعثر فيها نظام الحياة في القرية نتيجة القصف الجوي النازي، وجمع فيها بين المضمون الإنساني، والأمل بالحياة والمستقبل. وقد أخذ العناصر المبعثرة من الواقع والخيال والأساطير وجمعها في تأليف واحد متماسك.

تتوزع لوحات بيكاسو في متاحف العالم كمتحف الفن الحديث ومتحف بيكاسو في باريس، ومتحف المتروبوليتان ومتحف الفن الحديث في نيويورك، والمتحف الوطني في واشنطن، ومعهد الفن في شيكاغو، ومتحف الإرميتاج في بطرسبورغ، وغيرها.

عمل بيكاسو في النحت أعمالاً رافقت أعماله في التصوير وعبّرت عن معتقداته الفنية وابتكاراته، واستعمل فيها الطين والجص والمواد المستهلكة من سقط الخشب والحديد، وقد لوّن بعض المنحوتات بالدهان. من تلك الأعمال: «تحولات» من الجص (1928 متحف بيكاسو في باريس)، و«رأس ثور» شكّله من مقود دراجة ومقعدها (1943 متحف بيكاسو في باريس)، و«راع يحمل خروفاً» من البرونز (1944 متحف فيلادلفية)، و«عنزة» من البرونز (1950 متحف الفن الحديث في نيويورك).

تنوع إنتاج بيكاسو الفني تبعاً لابتكاراته الفكرية ومعاناته الإنسانية، ووضع المختصون بحوثاً ومؤلفات كثيرة لسبر غور تلك الأعمال التي تعد في أهم منجزات القرن العشرين الفنية، وتثبت قول صاحبها المأثور: «أنا لا أبحث بل أجد».

 

طارق الشريف

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

إسبانية ـ فرنسة.

 

مراجع للاستزادة:

 

- William Rubin, “Pablo Picasso, Retrospective”, The Museum of Modern Art (New York).

- Harold Osborn, Oxford Companion to Art (Oxford, England).

- Pierre Daix, Picasso (Thames and Houdson, England).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 761
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1096
الكل : 40487426
اليوم : 17241

كفافيس (كونستنتينوس-)

كڤافيس (كونستَنْتينوس ـ) (1863ـ 1933)   كونستنتينوس بيترو كڤافيس Konstantinos Petrou Kavafis، أو صاحب الاسم المستعار كونستنتين كڤافي Constantine Cavafy، هو أحد أبرز الشعراء المحدثين في الأدب اليوناني في القرن العشرين. ولد في مدينة الاسكندرية في مصر لعائلة برجوازية من القسطنطينية، انتقلت للاستقرار في الاسكندرية عام 1850 حين افتتح ربّ  العائلة متجراً للاستيراد والتصدير، ولكن على أثر وفاته عام 1870 اضطرت العائلة إلى الانتقال إلى ليڤربول Liverpool في إنكلترا حيث تلقى كڤافيس تعليمه الأساسي باللغة الإنكليزية. وفي عام 1882 عادت العائلة إلى الاسكندرية وتابعت حياتها السابقة فيها، ولكن فقط حتى أحداث 1885-المرتبطة بنضال الحركة الوطنية في مصر ضد الاحتلال البريطاني- حين رجعت العائلة إلى موطنها في القسطنطينية.
المزيد »