logo

logo

logo

logo

logo

البطل

بطل

Hero - Héros

البطل

 

البطل hero بالمعنى العام للكلمة هو كائن استثنائي يختلف عن البشر عامة بصفاته أو بأعماله. وهو التعبير المثالي عن حلم الإنسان بالتفوق على القدرات المحدودة للجنس البشري.

على الصعيد الجماعي يُجسّد البطل منظومة من القيم تسعى جماعة ما لتثبيتها وتعزيزها، ولذلك أُفردت له في الممارسات الاجتماعية والدينية في كل الحضارات أهمية كبيرة. وطقوس الاحترام والتقدير التي أحيط بها دائماً، أعطته تميزاً وجعلت منه قيمة مثلى ونموذجاً يقتدى به.

أظهرت الآداب والفنون مكانة البطل في حياة الجماعة، فكان محوراً لكثير من الأساطير[ر] والسير الشعبية والملاحم[ر] والحكايات[ر] وغيرها من وسائل القص والتعبير الشفوي والمكتوب. وقد تنوعت صورة البطل في هذه الأعمال الأدبية والفنية على مدى العصور، لكنها كانت دائماً تثير أحلام الناس وتخرج بهم عن نطاق اليومي إلى الاستثنائي والخارق.

ومفهوم البطل في الحياة وفي الأعمال الأدبية والفنية واسع يشمل أنماطاً متنوعة من الشخصيات الاستثنائية. فقد كان في الحضارات القديمة ملكاً يمتاز من سائر البشر بالخلود (أوزيريس الذي يعود للحياة بعد أن تجمع إيزيس رفاته من وادي النيل في الحضارة الفرعونية)، أو إنساناً خارقاً يبسط سيطرته على الحيوانات الوحشية فيروضها (أنكيدو في ملحمة غلغامش البابلية). وفي الحضارة اليونانية، امتزج الخارق بالإنساني في صورة البطل، فكان نصف إله له قدرات استثنائية، لكنه فانٍ كبقية البشر (أخيل الذي يموت من سهم يصيب كعبه مع كل قدراته الخارقة)، وهو المنقذ الذي يؤسس المدن أو يحميها بذكائه (أوديب الذي ينقذ مدينة طيبة بإجابته عن أحجية الهولة)، أو بدهائه وقوته الجسدية (ثيسيوس الذي يقتل وحش المينوطور Minotaur في الأساطير الإغريقية ويخرج من المتاهة بفضل الخيط الذي حمله معه). وقد تطورت صورة البطل تدريجياً وازدادت التصاقاً بالواقع مع حفاظها على بعض الملامح الأسطورية للبطل القديم، وهذا ما تعبر عنه القدرات الاستثنائية للولي الصالح صاحب الكرامات الذي تنسب إليه وإلى مزاره قدرات عجيبة، وللمحارب الذي يجتاح العالم.

والواقع أن هامش البطولة قد اتسع في العصور الحديثة مع اختلاف المعايير التي أفرزتها الحياة المعاصرة. فإلى جانب الإخلاص للوطن والدفاع عنه (القادة العسكريون ورجال الحكم)، هناك الذكاء والعبقرية (المخترعون والعلماء وأصحاب الاكتشافات البارزة)، والجهد والمثابرة والعمل الدؤوب (أبطال الإنتاج في الاتحاد السوفييتي سابقاً)، والجمال والرشاقة الجسدية والقدرة على جذب الجماهير (ملكات الجمال وأبطال الرياضة ونجوم السينما والمسرح والغناء). لذلك اختلفت الاحتفالات التي تقام لتبجيل البطل باختلاف مكانته في الذاكرة الجماعية لكل شعب من الشعوب وعلى مر الأزمان، فأخذت تارة شكل الشعائر الدينية الفردية حول الأضرحة والمزارات التي تحوي رفات البطل، وتارة أخرى شكل الاحتفالات المدنية التي تشارك فيها أمة بكاملها وتخصص لذوي الإنجازات المهمة من الراحلين أو من الأحياء، كالاحتفالات الرسمية التي تُقام حول نصب الجندي المجهول ومقابر الشهداء، وكاحتفالات تقليد الأوسمة وتقديم مفاتيح المدن ومنح الشهادات الفخرية لزوار البلد من الشخصيات المهمة. إضافة إلى ذلك صارت هناك احتفالات بالبطولة تتجاوز النطاق القومي لتجمع بين شعوب الأرض كاحتفالات منح الميداليات الأولمبية وجوائز نوبل وجوائز الأوسكار التي تتناقلها وكالات الأنباء في سائر أنحاء العالم.

اهتم المفكرون وعلماء الاجتماع ورجال السياسة بصورة البطل وتأثيرها في الأفراد والشعوب، ولذلك استُخدمت أساطير البطولة في العصر الحديث استخداماً إيجابياً أو سلبياً ولغايات دعائية كتغذية الشعور القومي في أوقات الحروب، أو تعزيز أساطير التفوق العرقي، وهذا ما يبدو من دراسات توماس كارلايل[ر] Thomas Carlyle حول عبادة البطل، وكتابات فريدريش نيتشه[ر] Friedrich Nietzsche التي تبنتها النازية. كذلك قامت السينما بصفتها وسيلة اتصال جماهيرية عالمية بدور مهم في هذا المجال. فقد أبرزت الأفلام الأمريكية التجارية صورة البطل وربطتها بالإنسان الأبيض الذي ينتصر دائماً على «الأشرار» من الهنود الحمر في أفلام رعاة البقر، أو من «المتوحشين» في أفلام طرزان ورامبو، أو من سكان الكواكب الأخرى في أفلام الخيال العلمي.

صورة البطل في الأدب

من أهم البحوث التي تناولت صور البطولة في الأدب البحث الذي كتبه الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل[ر] Friedrich Hegel، وقام فيه بتصنيف الأبطال، بحسب الأعمال الأدبية التي تغنت بهم، في ثلاثة أصناف: البطل الملحمي، وهو الذي يصارع قوى قاهرة خارجة عن إرادته تأخذ شكل القدر المحتوم، والبطل المأساوي الذي تسيّره الأهواء الذاتية المسيطرة فلا يملك لها دفعاً، والبطل الدرامي الذي يواجه القوى الخارجية وعواطفه الذاتية معاً لكنه يتجاوزها بإرادته وبأعماله التي تخرج عن نطاق العادي. والواقع أن صورة البطل في الملاحم والأدب الشعبي امتزجت غالباً بالفكر الديني الذي انصب على تصوير موقع الإنسان ضمن الكون وفي مواجهة قوى قاهرة تسيّره. لكن تطور المجتمعات المدنية كان وراء التحول من الفكر الأسطوري إلى فكر مدني، وكان لذلك انعكاسه على صورة البطل في الأدب، إذ غابت القوى الغيبية وصار البطل إنساناً يمتاز بانتمائه الطبقي (طبقة الملوك أو النبلاء أو الفرسان) وبصفاته الأخلاقية الرفيعة (الكرم والشجاعة والتضحية والإخلاص)، وهذا ما أبرزه بوجه خاص المسرح الاتباعي (الكلاسيكي) في القرن السابع عشر، إذ يجمع البطل مجمل الصفات الإيجابية التي تسمح للمتفرج أن يرى نفسه فيه. وفي تطور لاحق، ومع تغير المعايير الاجتماعية والسياسية، بات البطل في روايات القرن التاسع عشر وفي الدراما والميلودراما رجلاً من عامة الشعب يحقق إنجازات مهمة بفضل ذكائه وقوته الجسدية. وفي العصر الحديث، صارت تسمية البطل تدل على الشخصية الرئيسية في العمل الأدبي أو الفني (بطل الرواية وبطل الفيلم) بغض النظر عن طبيعة إنجازاته. ولأن هذه الأدوار كانت تسند إلى النجوم من الممثلين في المسرح والسينما، اختلط مفهوم البطل بمفهوم النجم، بل صار النجم بديلاً عن البطل لأنه نموذج حي يدغدغ أحلام المراهقين والشباب فيحيطونه بمظاهر الإعجاب الجماعية.

في القرن العشرين، ومع اهتمام الأدباء والفنانين بمعالجة حياة الناس العاديين والشخصيات الهامشية، غاب البطل بمعناه التقليدي عن الأدب، وظهرت صورة نقيضه، أي اللابطل anti héro الذي يعيش مسحوقاً في آلة المجتمع الضخمة، وهذا ما تمثله في السينما شخصية شارلو التي ابتدعها شارلي شابلن[ر] Charlie Chaplin وشخصية الرجل العادي الذي أبرزه برتولت بريخت[ر] Bertolt Brecht في مسرحه، وكل شخصيات روايات صموئيل بيكيت[ر] Samuel Beckett ومسرحياته.

 

حنان قصاب حسن

 

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الأسطورة.

 

مراجع للاستزادة:   

 

- G.DURAND, La structure anthropologique de l’imaginaire (Paris 1960).

- H.BROCHER, Le mythe du heros et la mentalité primitive (Alcan, Paris 1932).

- T.CARLYLE, On Heroes, Hero Worship, and the Heroic in History (London 1840).


التصنيف : الأدب
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 164
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 573
الكل : 29615666
اليوم : 70582

فولغيموت (ميشيل-)

ڤولغيموت (ميشيل -) (1434-1519)     ميشيل ڤولغيموت:   «صورة شخصية لأورسولا توشر»   ميشيل ڤولغيموت Michael Wolgemut مصور وحفار ألماني. ولد وتوفي في مدينة نورمبرغ Nürnberg بألمانيا. يُعدّ أحد رواد الفن القوطي gothique في مرحلته الأخيرة (أواخر القرن الخامس عشر). وكان قد تولى إدارة محترف معلمه هانس بليدنورف Hans Pleydenwuerff، وتزوّج أرملته بعد وفاته عام 1472، وكان هذا المحترف من أكثر محترفات نورمبرغ شهرة وازدهاراً.
المزيد »