logo

logo

logo

logo

logo

بايرون (جورج غوردن-)

بايرون (جورج غوردن)

Byron (George Gordon-) - Byron (George Gordon-)

بايرون (جورج غوردن ـ)

(1788 ـ 1824م)

 

اللورد جورج غوردن بايرون George Gordon, Lord Byron، من أشهر شعراء الإنكليزية، ولد في لندن من أسرة نورمندية الأصل، وكان والده معروفاً بغرابة طباعه، أما أمه فكانت امرأةً جياشةَ العاطفة وقد هجرها زوجها بعد خلافاتٍ جمّةٍ قامت بينهما. وقد أثَّر في طبع بايرون المجبول على التمرد عاهةٌ مستديمةٌ إثر التواءٍ في كاحل قدمه، فكان يعرج في سيره وكان ظاهرَ النزق، سوداويَّ المزاج، ولكنه كان يتمتع بحيوية متدفقة ترفدها موهبةٌ شعريةٌ متميزةٌ، وكان شعوره بالاستعلاء ـ وخاصة بعد أن ورث لقب لورد من عمه المتوفَّى، كما ورث أملاكه كلَّها ـ يدفعه إلى تحدي مجتمعه المحافظ تحدياً سافراً، وقد أنهى دراسته في مدرسة هارو Harrow School وجامعة كامبريدج، مخلِّفاً فيهما ذكرى شاعرٍ متقلّب المزاج. بيد أن شخصيته لم تنضجْ وموهبته الشعرية لم تتضحْ إلا بعد قيامه عام 1809 بجولة واسعة في أوربة زار خلالها الكثير من البلاد وتعرّف الكثير من الناس منهم محمد علي باشا في ألبانية، فاتسعت له آفاق الإلهام، ونشر إثر عودته إلى بلاده «مسيرة حج هارولد الشاب» Childe Harold's Pilgrimage (1812) ، التي هيأت له شهرةً ذائعةً في أفراد طبقته الأرستقراطية. ومابين عامي 1813-1814 نظم قصائد «الكافر» The Giaour و«عروس ابيدوس» The Bride of Abydos و«القرصان» The Corsair، و«لارا» Lara و«حصار كورنثة» The Siege of Corinth، و«باريزينا» Parisina التي ظفرت بتقدير الأوساط الأدبية في لندن. وبدا نجمه الأدبي يسطع متألقاً وقد غذَّى شذوذَه وحساسيتَه بمظاهر أناقةٍ مصطنعةٍ كان يتكلَّفها ويزهو بها، وكان يُمثل في وهمه أن ثمة لعنةً تلاحقه وتجثم فوقه، وجلا ذلك في بعض قصائده بدقةٍ ظاهرةٍ. لم يكن قط موفقاً في حياته الزوجية، فقد عقد قرانه على فتاةٍ خشنةِ الطبع، هي آنابيلا ميلبانك Annabella Milbanke، لم تلبث أن زعمت أن له علاقةً مريبةً تشدُّه إلى أخته من أبيه أوغستا Augusta، ولم يدم زواجه سوى عامٍ واحد مخلفاً ابنةً وحيدةً، فقد افترقت عنه زوجته طالبةً الطلاقَ. أثار بايرون حفيظة طبقته المحافظة، فنُحِّي عنها، وساعدت في هذا الإشاعة المغرضة التي كانت تلوكها زوجته مدعيةً بأنه يميل إلى أخته جنسياً. وأكدت هذه الإشاعة قصيدتان نسبتا إليه، مما هاج عليه كوامن الكراهية والبغضاء، وطلّق زوجته عام 1816، وغادر وطنه نهائياً. سافر بايرون إلى بروكسل وزار ساحة واترلو ـ وكان شديد الإعجاب بنابليون ـ ومنها إلى جنيف حيث التقى الشاعر شلي[ر] Shelley و كلير كليرمونت Claire Calirmont، التي أحبها وولد له منها بنت عام 1817 لم تلبث أن توفيت وهي ما تزال طفلةً صغيرةً.

وتتابعت منذئذِ أناشيد «مسيرة حج هارولد الشاب»، ثم استقرَّ بايرون في إيطالية، متنقلاً بين رومة والبندقية وجنوة والتقى مرة أخرى صديقه شلي، الذي غرق مع قاربه إثر عاصفةٍ عاتيةٍ عام 1822 قرب ليريتشي Lerici، وشهد بايرون حرق جثمانه، وقد حزن عليه حزناً موجَعاً، غير أنه لازم سرحَ اللهو والتبطُّل في إيطالية، ولم يلبث أن ملَّها. وحملته روحُه المتمردةُ وكلفه بالحرية على المشاركة في الحركات التحررية الإيطالية، فانضمَّ إلى حركة الكاربوناري (الفحامين) الداعية إلى تحرير إيطالية وتوحيدها، وتجلى نشاطه الأدبي في «نبوءة دانتي» (1821) The Prophecy of Dante وفي مأساة «دون جوان» (1819- 1824) Don Juan. ثم ضاق بايرون بحياته العابثة، واتجهت نظراته إلى اليونان فأبحر من جنوة إلى ميسولونخي Missolonghi، ليشارك في ثورة اليونانيين على الأتراك العثمانيين، واستُقْبِلَ فيها استقبالاً حماسياً، منقَطِعَ النظير، غير أنه لم يستطعْ أن يشارك حقاً في الثورة، وألمَّ به وهنٌ شديدٌ وتوفي هناك، إثر إصابته برثية حادةٍ في مفاصله، رافقها التهاب السحايا، وحُمِلَ جثمانه في تابوت ليوارى في ثرى رمسه، بمسقط رأسه. هكذا آب الشاب التائهُ إلى وطنه، وخُتمت أسطورته شاعراً إبداعياً فذاً.

تعد «مسيرة حج هارولد الشاب» قمةً من أعظم قمم الإبداعية في الشعر الإنكليزي، وتنتظم في أربعة أناشيدَ، وقد نظم النشيدين الأولين منها عام 1809، وأتبعهما بالنشيدين الثالث والرابع، وتروي هذه الأناشيد رحلة حاجٍ مغامرٍ، ثائرٍ على الحياة الرتيبة، وتهفو نظراته إلى آفاق مستجدةٍ، في تركية وألبانية واليونان وإسبانية وبلجيكة. وقد تأثر بايرون، بالشاعر وُردزورث[ر]  Wordsworth ولاسيما شغفه بمجالي الطبيعة ومغانيها، وبمنفسح السماء الرحيبة ومضطرب البحر اللجي، فقد كانت مفاتن الطبيعة تجذب عينيه كما يجذبُ النورُ الفراشَ، وتلخِّص هذه الأناشيد شخصيةَ بايرون الثائرة المتمردة التي تعكس سأمَ العصر ومتاعبه.

وأهم مزايا شعر بايرون أنه يجتذب قارئه بخيوطٍ خفيةٍ آسرةٍ، ويترقرق أسلوبُه في قصائده كلِّها ماءً وصفاءً وطلاوةً، وتتجلَّى في شعره نفسيتُه القلقة، فهو كالمرآة التي يعكس صِقالُها رهافَته ونرجسيتَه وفرديتَه، ومع هذا فإن أكثر شعره ـ كما يقول الكاتب الإيطالي جاكامو ليوباردي[ر] Giacomo Leopardi ينبجس من إرادته، وتمكُّنه من صياغة القصيد، أكثر مما يمليه إلهامه. فبطل قصيدته «القرصان» كونراد Conrad يماثل بايرون من نحوٍ ما، إنه نموذج البطل البايروني، فهو شرسٌ وحشيُّ الطبع، على النحو الذي جلته قصيدته «الكافر» فكأنه البركان الذي يقذف الحِمَمَ حتى يظفر بالنشوة الخالصة، فإنه يشغل نفسه بمناهضة مجتمعه، فهو أشبهُ بالقرصان أو قاطع الطريق وهو متمردٌ على مواضعات مجتمعه، هكذا تبدو المماثلة بين بايرون ونماذج أبطاله، فهو مثلهم في اتِّقاد مشاعره، وفي يأسه وإحباطاته، ولكنه يخالفهم في ملامحه وقسماته. فكونراد قويٌّ، أما بايرون فأعرجُ، وضحكة كونراد أشبهُ بزمجرة الليث، أما ضحكة بايرون فتتدفَّق ـ كما قيل ـ رقةً وحلاوةً وعذوبةً، فكأن بايرون يتشوَّق، في قرارة نفسه إلى أن يماثل أبطالَهُ الذين جلتهم ريشتُه البارعةُ الملهمةُ. ويغلب على شعره مايتَّسم به طبعُه القَلِقُ من تناقضٍ، ولعل أصدق ماقيل عنه في هذا الصدد، ماذكره الكاتب الفرنسي باربي دورفييي[ر] Barbey DصAurvilly من أن بايرون يزأر كالأسد، بعضَ الشيء، حتى وهو يهدل كالحَمَام، ولكنه يظل دوماً، الأسدَ العاشقَ، هكذا يتَّسق للزئير والهديل، أن يكونا في شعره منسجمين، مؤتلفين.

ولعل صراحته الفجة في الكشف عن سرائر نفسه قد أساءت إليه كثيراً، وقد حسرت زوجته في مذكراتها عن بعض مساوئه التي غلبت على طبعه الطَّرِف المتقلّب، لاسيما علاقته بأخته لأبيه أوغستا إن صَحَّت. وتعكس قصيدة «مانفريد» (1822) Manfred، أهواءه وصباباته، ويقال إنه استوحاها من عشقه الآثم لأخته، إذ يتلاحم طيفها في ثنايا القصيدة، حين يعتصر مانفريد حبيبته عشتروت Astarte حتى يقضي عليها بضمته العتية، وقد بدا تأثير غوته[ر] في هذه القصيدة موازنة برائعته «فاوست» Faust. وعلى أي حال، فقد كان بايرون زيرَ نساءٍ وأسير صبابةٍ وهوى، وقد ألهمتْه حياتُه اللاهيةُ العابثة في إيطالية، ملحمة «دون جوان«، منتظمة في تسعة فصول، تضمُّ ستةَ عشر ألف بيتٍ ابتدأ كتابتها عام 1818، وتُعَدُّ في غُرر شعره وروائعه، وتعكس هذه الملحمة طباعَه وتجربتَه الحسيةَ وسخريته وعبث الأقدار به.

يقول غوته عن بايرون: «إن بايرون لا يسمو في شعره إلا حين يغني، أما حين يفكر، فإنه يتراءى كالطفل، وتنبثق خصالُه في مجملها من كونه إنساناً حساساً، سئم وطنه إنكلترة، وعافه وتحداه في نشدانه الغربةَ المُضنِية التي استبدت به حتى نهاية حياته، ولايمكن قياسُ عبقريته فهو يمتلك قدرةً شعرية فذَّةً لم يؤلف مايماثلها لدى شاعرٍ آخرَ، حتى ليطاول شكسبير[ر] Shakespeare نفسه، بإحاطته بالعالم الخارجي وبميزته في النفوذ إلى دخائل الأشياء ونفضِها وتصويرها». وليس من ريب أن بايرون يعدُّ قمةً باذخةً من قمم الإبداعية في عصره، وقد تأثر به كثيرون من الشعراء الأوربيين، لعل أعظمهم شاعرُ روسية الكبير بوشكين[ر] Pushkin كما تأثَّر به بعض شعراء العرب.

بديع حقي

 

مراجع للاستزادة:

 

- Histoire des Littératures (tomeII) nRF (Belgique1956).

- M. Drabble, (ed). The Oxford Companion to English Literature (1987) O.U.P.

- Oeuvores completes tomeVI, Byron. Libraire Artheme Fayrd (Paris1957).


التصنيف : الآداب الجرمانية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 687
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 570
الكل : 28932880
اليوم : 29276

كوكوشكا (أوسكار-) (ف)

المزيد »