logo

logo

logo

logo

logo

الإسقاط

اسقاط

Projection - Projection

الإسقاط

 

يستخدم مصطلح الإسقاط projection في العلوم الطبيعية وفي علم النفس. وقد يخصص مصطلح الإسقاط للعلوم الطبيعية ويستخدم في العلوم النفسية مصطلح آخر هو الإضفاء.

الإسقاط في العلوم الطبيعية

يعني الإسقاط  في العلوم الطبيعية إيقاع الشيء أو معالجته ليسقط في مستو «ى» يسمى مسقطاً، ولكن هذه الفكرة تتفاوت في مدلولها من علم إلى آخر. فالإسقاط إجمالاً هو إنزال مجموعة من النقط إلى مستو محدد فتكون مكوناته النقطة والخط والمستوي، ويكون لكل نقطة نظيرها في مستوي الإسقاط.

وفي العلوم الرياضية يكون إسقاط نقطة «ن» على مستقيم «ق» أو على مستوٍ «ى» هو رسم مستقيم «ل» يمر بـ «ن» ويلاقي «ق» أو «ى» في النقطة «نَ» التي تدعى مسقط «ن» أو صورة «ن». ويسمى «ق» مستقيم الإسقاط و «ى» مستوي الإسقاط و «ل» شعاع الإسقاط (شكل1).

وإسقاط جسم على مستقيم أو مستو هو إسقاط كل نقطة من نقاط ذلك الجسم على هذا المستقيم أو المستوي وهو على شكلين:

1ـ الإسقاط المتوازي: وتكون فيه أشعة الإسقاط جميعها متوازية كما هو شأن أشعة الشمس الساقطة على الأرض وهو نوعان: إسقاط قائم إذا كانت أشعة الإسقاط عمودية على مستقيم الإسقاط أو مستوي الإسقاط (الشكل 1)، وإسقاط مائل إذا لم يكن الإسقاط قائماً (الشكل 2).

2ـ الإسقاط المركزي: وفيه تمر أشعة الإسقاط جميعها بنقطة واحدة تسمى «م» أي مركز الإسقاط (الشكل 3) كما هو الحال عند إسقاط الصور في أجهزة العرض.

ولا تكون الصورة في الإسقاط، بوجه عام، مماثلة للأصل بل تختلف عنه، وإن كان يُحرص في غالب الأحيان على المحافظة على بعض العناصر من دون تغيير. فبعض الإسقاطات تحافظ على الزوايا، وبعضها يحافظ على المساحات.

وفي الفيزياء يستعمل مصطلح الإسقاط الكهرساكن[ر] عند تطبيق مادة مجزأة (مسحوق، ضباب) على جسم صلب بمساعدة حقل كهربائي. ويستعمل مصطلح الإسقاط الضوئي عند إسقاط جسم على شاشة أو جدار بوساطة جهاز إسقاط، وذلك بإمرار الأشعة الضوئية المنبعثة من الجسم عبر عدسات جهاز الإسقاط لتلاقي عند خروجها من هذا الجهاز الشاشة أو الجدار مكونة صورة للجسم. ويمكن التحكم في هذه الصورة عن طريق جهاز الإسقاط نفسه أو بتحريك الشاشة.

ويعبر عن الإسقاط في علم الأحياء عندما يسقط خيال جسم ما عبر عدسة عين الإنسان أو الحيوان على الشبكية مقلوباً، فيقوم المركز العصبي في الدماغ بإعادة قلب الصورة ليراها الكائن الحي كما ألفها في الطبيعة بحسب خبراته.

وفي الهندسة الوصفية يسقط الجسم الثلاثي الأبعاد على مستويات بغية الوصول إلى صور موضحة لذلك الجسم.. ويشترط في ذلك إمكان إعادة إنشاء الجسم من صوره. ويكون الإسقاط عادة على مستو أفقي ومستويين شاقوليين متعامدين. ولكنه في الرسم الهندسي والصناعي إسقاط بالاتجاهين الشاقولي والأفقي خاصة، ومن ثم يتم الحصول على أربعة مساقط: مسقط جبهي front ومسقط جانبي lateral ومسقطين أفقيين plan من اليمين واليسار. ولكن عملية إسقاط شكل من هذه المساقط الأربعة قد تتخذ أسماء أخرى تدل على القلب والعكس في الشكل والصورة. فالقلب الجانبي أو الأفقي هو تغير الاتجاه من اليمين إلى اليسار أو بالعكس، وهي شبه الصورة  التي ترى في المرآة. أما القلب الشاقولي أو الرأسي فهو تغير الاتجاه من أعلى إلى أسفل أو بالعكس. وعندما يجمع النوعان معاً تسمى العملية القلب الرأسي - الأفقي، وهو صورة الجسم بعد تدويره 180 درجة في المستوي نفسه. ويوضح الشكل (4) أسماء المساقط وعمليات القلب بها كما تطبق في الرسم الهندسي والصناعي وفي الإسقاط بأجهزة العرض الضوئية وفي هذه الحالة يكون لكل نقطة في الصورة نظيرها على الشاشة.

بعض تطبيقات الإسقاط في أجهزة التصوير والعرض والطباعة

تـصمم الأختام البدائية مقلوبة الصورة أو الكتابة فلا يمكن تعرفها إلا إذا عكست بوساطة مرآة أو عند النظر إليها من وراء خلفية شافة. ويتم هذا القلب أيضاً في الأجهزة والمعدات الأكثر تعقيداً التي تحوي مرايا وعدسات، وتعتمد على نفوذ الأشعة أو الحبر إلى الوجه الآخر من الورق أو انعكاسها لرؤية الناتج النهائي وذلك بحسب نوع أجهزة العرض سواء كانت مسقطة للضوء أو مسلطة للضوء على شاشة أمامها أو خلفها إذا كانت شافة.

وتستخدم أجهزة العرض والإسقاط بكثرة في الحياة اليومية كما في وسائل الإيضاح المدرسية لإلقاء المحاضرات والتعليم.

ويجري الإسقاط بأجهزة عرض تحمل أسماء مختلفة مثل:

مُسقِط الصور الشفافة الصغيرة diascope ويسمى أحياناً الفانوس السحري ويتم إسقاط الصور فيه إسقاطاً مركزياً.

ومُسقِط الصور المعتمة episcope الذي يسقط الصور والأجسام المعتمة بانعكاس الصورة عن الجسم.

وما يجمع بينهما يسمى مسقط صور شفافة - معتمة epidiascope. ويستخدم جهاز السبورة الضوئية over head projector لإسقاط الصور الشفافة لعرضها على المشاهدين في المحاضرات والمؤتمرات.

وثمة أجهزة مسقطة تربط بأجهزة الفيديو أو الحاسوب. وتجمع التقنيات الحديثة أكثر من جهاز في نظام واحد للإسقاط والعرض، تعطى أسماء مختلفة، إلا أن تصميمها جميعاً يراعي عرض الصور مكبرة وواضحة وغير مقلوبة حتى يكون الاتصال بين العارض والمشاهد أميناً وموضوعياً بأقل قدر من التأويلات والأخطاء.

ولا يقتصر الإسقاط بالقلب على عرض الصور مقلوبةً أفقياً أو رأسياً، بل قد يتم الإسقاط المقلوب بالأجهزة العارضة للصوت بحسب حركة الشريط السمعي المغنطيسي، وبحسب مكان التسجيل وطريقة العرض، ولذلك يحتاج المرء إلى التدرب على أجهزة العرض والاستماع هذه حتى لا تعرض الصورة مقلوبة أو يسمع الصوت مقلوباً، إلا إذا قصد العارض ذلك لأغراض خاصة بالعرض.

أما أجهزة النسخ والطباعة، فتصمم على أن تطبع الصور والنصوص مقروءة. ويراعى في تصميمها إجراء الإسقاط المطلوب في الصورة النهائية المنتجة.

ومع تطور التقنيات الحديثة أصبح في وسع الحواسيب تقديم الصور الثابتة والمتحركة والكلمات المكتوبة، والمنطوقة (المسموعة) بالشكل الملائم في الإنتاج النهائـي. ولدى تزويد الحاسوب ببرامج خاصة يمكن إجراء عمليات كثيرة على الصور المسقطة تغير من شكل إسـقاطها على شاشة الحاسوب أو على الصفحة المطبوعة. وقد يستخدم الإسقاط في روائز لقياس قدرة الإنسان على قلب الصورة في الفراغ، كما تستخدم تمارين الرسم بوساطة المرآة لقياس زمن التعلم وسرعته ودقته. ومن تطبيقات الإسقاط في الطبوغرافية تمثيل سطح الأرض أو الكرة السماوية بإسقاط خطوط الطول والعرض على سطح مستوٍ بالاستعانة بتسطيح الأشكال المخروطية أو الأسطوانية أو المماسية المركزية، أو الرأسية أو المجسمة حتى يستطيع الإنسان تحديد خطوط الطول والعرض.

الإسقاط في علم النفس

يعني الإسقاط في علم النفس إضفاء سمة أو خاصية أو عمل قام به الإنسان على أشخاص آخرين أو على أشياء خارجية، مما يتفق مع صحته النفسية ويخفف من توتره النفسي، أو يسوغ أخطاءه، ويعرف هذا بالإسقاط التمثلي assimilative projection، وفيه يتمثل الإنسان الآخرين أو يظن أن الآخرين يفكرون كما يفكر، أو يعملون كما يعمل، فالكذّاب يظن أن كثيراً من الناس يعانون هذه السمة أو الصفة، والمصاب باضطراب نفسي كالزوَر paranoia الذي تسوده مشاعر العظمة والاضطهاد قد يظن أن الآخرين مصابون به أيضاً. ولذلك يعزو كثير من الناس أخطاءهم إلى الآخرين أو الأشياء الخارجية، فقد يعزو الصانع إخفاقه في الإنتاج أو العمل إلى العاملين معه أو الأحوال أو الآلات أو الأدوات التي يتعامل معها.

وتظهر تطبيقات الإسقاط في الحياة الاجتماعية المعقدة، عندما يسقط شعب مغلوب على أمره إخفاقاته على شعب آخر ويحمّله عواقبها، وربما يكون تحويل الأنظار عن المشكلات الداخلية إلى مشكلات خارجية أحد أشكال الإسقاط. واستخدمت الشعوب البدائية الإسقاط للراحة النفسية وضبط سلوك الأفراد وفق أفكار الجماعة، وظهرت فيها نزعات إحيائية بافتراض وجود روح تحرك الأشياء، لأن الإنسان البدائي يفترض أن الأشياء تتحرك لأن فيها روحاً مثل روحه. وكذلك بافتراض الاصطناعية، أي أن لكل شيء صانعاً كما يصنع هو الأشياء. والفكرة المشتركة في هذه المناهج الإسقاطية هو أن الإنسان يسقط ما في نفسه من أفكار وعواطف ومعتقدات على الأشياء والأشخاص الخارجين عنه.

ويستخدم الإسقاط في الحياة اليومية بكثرة كأن تقوم قارئة الفنجان بإسقاط ما بنفسها على الصورة غير المحددة في بقايا القهوة لتعبر بها عن أحوال الشخص الذي تقرأ له الفنجان، ولكنها في الواقع إنما تعبر عن إسقاطاتها على الصورة الغائمة في بقايا القهوة. وكذلك عندما يضفي الإنسان ما في معتقداته الداخلية على أشكال النجوم غير المحددة المعالم كما في قراءة الأبراج والتنجيم[ر]، وكذلك عندما يفترض أنه والأرض مركز الكون وأن الشمس تدور حوله (وقد صحح هذا القلب كل من الحسن بن الهيثم وغاليلو وكوبرنيك)، وكذلك في رؤيته الخاصة لأشكال الغيوم، والأشكال غير المحددة للنوازل والصواعد في المغارات الكلسية. ويستطيع كل شخص أن يجرب الإسقاط النفسي، بوضع بضع نقاط من الحبر على ورقة ويطويها ثم يفتحها ويسأل الآخرين عما يرونه في الصورة المشكّلة، فيعبر كل منهم عن تصوراتـه وشخصيته في الصورة غير المحددة المعالم. ويلجأ المصورون والفنانون إلى إسقاط ما بأنفسهم على الأشكال الغائمة في الطبيعة التي لا تدل على معنى معين، ولكن الإنسان يضفي عليها ذلك المعنى من  تصوراته وعواطفه.

1ـ تفسيرات الإسقاط النفسية: يغلب أن يُستخدم مصطلح الإسقاط للمفهوم العام ويستخدم الإضفاء في علم النفس خاصة.

أ- تفسير فرويد: استخدم فرويد مصطلح الإضفاء في إحدى مقالاته التي نشرها عام 1894 عن عصاب القلق. والإضفاء عنده وسيلة دفاعية يعزو فيها الفرد دوافعه وإحساساته ومشاعره إلى الآخرين أو إلى العالم الخارجي. ويعد هذا عملية دفاعية تتخلص بها الأنا من الظواهر النفسية غير المرغوب فيها، أي أنه حيلة عقلية لا شعورية تنسب بها الأنا أخطاءها ورغباتها غير المقبولة اجتماعياً إلى أحد عناصر البيئة الخارجية مما يخفف حدة التوتر عند الفرد ويفرق فرويد بين نوعين من الإضفاء: الإضفاء البسيط والإضفاء المقلوب.

ففي الإضفاء البسيط يقوم الأنا بإلصاق المشاعر والرغبات التي لا يقبلها لنفسه بالآخرين، وغالباً ما تكون هذه الرغبات والمشاعر ذات مضمون يستثير شعوراً بالألم. أما في الإضفاء المقلوب فتقلب المشاعر والرغبات إلى نقيضها وتنسب إلى الآخرين.

وقد أوضح فرويد ذلك في بحثه عن إحدى حالات الزَوَر أو ذهان العظمة والاضطهاد التي قد تأخذ صورة ميول جنسية مثلية مكبوتة ومُسقطة، تتحول تحت ضغط الأنا الأعلى، من «أنا أحبه» إلى «هو يكرهني» على الشكل التالي:

ـ الرغبة الجنسية التي تتمثل في «أنا أحبه» لكن هذا الدافع لا يحتمله الشعور.

ـ تكوين مقلوب يحول هذه الرغبة من «أنا أحبه» إلى «أنا أكرهه».

ـ لكن هذه الكراهية هي دافع غير مقبول من الشعور، ولكي تتخلص الأنا من هذا الدافع العدواني تقوم بإسقاطها أو إضفائها على الشخص الآخر، ومن ثم تتحول من «أنا أكرهه» إلى «هو يكرهني».

ب - تفسير فرانك: ذكر فرانك الإضفاء أول مرة عام 1939 عند استخدامه مصطلح «المنهج الإضفائي» projective method ليشير إلى تلك الطريقة التي تعتمد على موقف يقدم فيه الاختصاصي النفسي (الفاحص) للمفحوص مثيراً أو منبهاً يوحي بمعانٍ تختلف عن المعنى الأساسي الذي صمم الموقف تبعاً له. والمعاني التي يذكرها المفحوص إنما تعكس بعض جوانب شخصيته وبنيتها ودوافعه وصراعاته ومثله وقيمه.

يقوم هذا الأسلوب على افتراض رئيسي يتجلى في أن تنظيم الفرد لموقفٍ غامضٍ غير محدد البناء نسبياً يدل على إدراكه الذاتي للموقف المثير، والمعنى الذي يضفيه الفرد على ذلك الموقف والطريقة التي ينظم مادته وفقاً لها، ومن ثم فإنه يكشف عن نظرته لذاته وللعالم الخارجي. فالفرد يسقط شخصيته الداخلية إبان تفسيره للموقف، ويكشف بذلك عن جوانب بنيانه النفسي التي لفها اللاشعور في قراره، وعن سماتٍ لا يمكن كشفها عن طريق روائز التقرير الذاتي.

جـ - التفسير العام: يشير هذا التفسير إلى العملية التي يمكن بوساطتها الكشف عن حاجات الفرد ودوافعه ونزعاته ورغباته باستخدام مثير غامض يقوم الفرد بتفسيره وتأويله من دون أن يدرك مقدار ما يكشف به عن نفسه، ومن دون أن تظهر حساسيته الذاتية وضرورة الدفاع عنها. في هذا المعنى ليس من الضروري أن يكون الإضفاء عملية دفاعية، أو أن يرتبط بأي نوع من أنواع الصراع، فالفرد ينسب ما يحسه من مشاعر وأحاسيس إلى العالم الخارجي. ويسوغ في هذا التفسير شيوع التمثيليات والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية الاجتماعية، التي تعرض مشكلات عاطفية يسقط فيها المُشاهد ما بنفسه على الحوادث التي يشاهدها.

2- آلية الإضفاء: تستند عملية الإضفاء أساساً إلى الإدراك الذي يتطلب موضوعاً مُدْرَكاً وذاتاً مُدْركَة، أي أن عملية الإدراك تخضع إلى مجموعتين من العوامل: عوامل موضوعية، وعوامل ذاتية. ولأن  هناك عوامل ذاتية تؤثر في الإدراك فهناك احتمال كبير ألا يكون الشيء المدرك موضوعياً تماماً وعلى نحو مطلق، إذ يمكن أن يتأثر بخبرات الفرد وحاجاته وقيمه. وقد درس العالم الاجتماعي التركي مظفر شريف M.Cherif ظاهرة إسقاط نقطة ضوئية في غرفة مظلمة وتوصل إلى أنه كلما كان الموقف المثير غامضاً ومبهماً وغير محدد كَبُر الدور الذي يؤديه الاستعداد والاتجاهات والعوامل الذاتية في عملية الإدراك، وأصبح الإنسان ميالاً إلى إسقاطها على ما يشاهده في الظلمة.

إن إبهام المثير في الروائز الإضفائية وغموضه مع إعطاء المفحوص الحرية المطلقة لإعادة تكوين المثير يتيح له الفرصة لأن يمزج عالمه الداخلي وواقعه النفسي بالخصائص الموضوعية للمدركات التي تمثلها منبهات الرائز الإضفائي أو بنوده. فالاستجابة هنا هي محصلة التداخل بين العالمين الداخلي والخارجي. والأساس في تحديد غلبة أحدهما على الآخر هو درجة وضوح المثير.

3ـ اختبارات الإضفاء وروائزه: الرائز الإضفائي projective test أداة تتألف من مثيرات على درجة ما من الغموض والإبهام وعدم التشكل تستثير استجابات من الفرد تكشف عن كوامن شخصيته ومشاعره ودوافعه وعقده النفسية وطرائق توافقه وغير ذلك.

ومن هنا لا توجد في الرائز الإضفائي استجابات صحيحة وأخرى خاطئة فكل ما يذكره المفحوص في استجابته، له دلالته ومعناه في تفسير سلوكه. ويهدف الرائز الإضفائي إلى إعطاء صورة شاملة عن الشخص و شخصيته تتضمن خصائصه الانفعالية والاجتماعية والدافعية، وتقدير مستوى قدراته العقلية. وهذا يعني أن الرائز الإضفائي يُخضع الشخصية كلياً للفحص والقياس، وليس مجموعة سمات مستقل بعضها عن بعض.

 4- أساليب الروائز الإضفائية: قدمت تصنيفات كثيرة للروائز الإضفائية اعتمدت أسساً متعددة، ومع ذلك فإن الشكل العام لتصنيفها يمكن أن يستند إما إلى درجة إبهام المثير أو وضوحه، وإما إلى بساطة الاستجابة أو تعقدها. ويعد تصنيف لندزي Lindzey من أشهر التصنيفات التي اعتمدت أسلوب الاستجابة المرجوة من المفحوص وهدف الفاحص منها. ويقسمها إلى خمسة أنواع هي:

أ - أساليب التداعي أو الترابط: وفيها يُطلب إلى المفحوص أن يعطي أول كلمة أو صورة أو مدرك يخطر له لمثير معروض عليه غير منظم. ومن أمثلتها رائز رورشاخ Rorchach ink blot test الذي يعرض على المفحوص بقعاً من الحبر ملونة، ويُسأل عما يمكن أن يدركه من تلك البقع. ولأن البقع ليس لها دلالة واضحة خاصة بها فإن المفحوص يكوِّن لها دلالة ويعطيها معناها. ومنها أيضاً روائز تداعي الكلمات كرائز يونغ Jung لدراسة العقد ومجالات الاضطراب الانفعالي لدى الفرد، إذ تقدم له كلمات ذوات مضمون محدد يستجيب لها بأول كلمة تخطر بباله.

ب - الأساليب البنائية أو الإنشائية: وفيها يقدم للمفحوص موقف أو عمل يستجيب له عن طريق القيام بنشاط مبدع يعبر فيه عن أفكاره ومشاعره وآماله، ويتطلب منه نشاطات ذهنية أكثر ضبطاً وأشد تعقيداً. ورائز تفهم الموضوع The Thematic Apperception Test (TAT) مثال واضح لذلك، إذ يطلب إلى المفحوص، بعد أن تقدم له بطاقة عليها صورة، أن يبتدع حكاية أو قصة مثيرة عن الصورة المرسومة التي تحويها البطاقة. وكذلك رائز «صنع قصة من صورة» make a picture story وفيه يبدأ المفحوص مواقفه التمثيلية باختياره صوراً تناسب خلفية معينة، ثم يروي قصة حول ذلك المشهد.

جـ- أساليب التكميل: وفيها يُعطى المفحوص جُملاً أو قصصاً ناقصة ويُطلب إليه إتمامها على النحو الذي يريد. ومن أشهر هذه الروائز رائز روتر لتكملة الجمل Roter incomplete sentences blank، إذ يعطى المفحوص جُملاً عليه أن يكملها لتعبر عن مشاعره الحقيقية. ورائز روزنزفيغ المصور للإحباط Rosenzweig picturee frustration الذي يجمع بين المثيرات اللفظية والمصورة ويتطلب تكملة حوار ما بين شخصين أو أكثر.

د- أساليب الاختيار أو الترتيب: وهي تتطلب من المفحوص إعادة ترتيب صور، أو تسجيل تفصيلاتٍ وما شابه ذلك. والمثيرات في هذه الأساليب أكثر بناءً وتنظيماً مما هو حال كثير من الروائز  الإضفائية الأخرى، وتقتضي إجابات أبسط. وفي روائز زوندي Szondi tests تعرض على المفحوص صور لمرضى نفسيين من الجنسين في مجموعات، ويطلب إليه اختيار الصورتين اللتين يميل إليهما، والصورتين اللتين ينفر منهما أكثر من الصور الأخرى في كل مجموعة.

هـ- الأساليب التعبيرية: وتضم هذه الأساليب روائز الرسم بوصفها أسلوباً للتعبير كرائز رسم المنزل والشجرة والشخص الذي وضعه بَك Buck، وروائز اللعب والعرائس والنماذج المصغرة، وأداء الأدوار التمثيلية (السيكودراما) الذي ابتكره مورينو Moreno، وفيه يقوم المفحوص بأداء مختلف الأدوار على مسرح، تحت إشراف الفاحص. ولا تقتصر هذه الطرائق على كشف العمليات الذاتية لدى الفرد بل تساعده على التخفيف الانفعالي. ويهدف أكثر أنواع اللعب العلاجي للأطفال إلى التخلص من الانفعالات والتعبير عنها، مثلما هو الحال في تقنية أداء الأدوار، إذ يتيح الفرصة للمفحوص أن يتقمص أدواراً معينة يفرّغ انفعالاته بها من دون أن يعاقب أو يلام.

5- الخصائص القياسية للروائز الإضفائية: كانت أهم الانتقادات التي وجهت للروائز الإضفائية غياب معاييرها، وضعف صدقها وثباتها لدى علماء النفس السريري والتجريبي والإحصائي، مما جعلها في نظر كثير من علماء النفس روائز غير موضوعية وغير موثوق بها، ذلك أنها تعتمد التحليل الكيفي لمضمون الاستجابة لها. وأدّى الخلاف في هذه المسألة إلى ظهور آراء وأفكار متعددة بين المناهضين لها والمؤيدين، حتى بين المؤيدين فعلاً، إذ يذهب فريق إلى إهمال الثبات أو الموثوقية والاقتصار على الصدق، وجعله مركز الاهتمام، على افتراض أن الصدق يتضمن الثبات (أو الموثوقية)، في حين ينادي فريق آخر بأهمية المنهج العلمي، وأنه من اللازم إخضاع هذه الروائز إلى معايير الصدق والثبات التي تخضع لها الروائز الأخرى، ولكن يجب أن تُعدَّل بما يتفق مع خصائص الروائز الإضفائية غير العادية. أي أن مشكلات الصدق والثبات يجب ألا تُغفل عمداً بحجة أن المعالجة الإحصائية التي تستخدم غير مناسبة. ومع أن بحوثاً كثيرة  أجريت لمواجهة هذه المشكلة فإن الخلاف مازال قائماً، وإن كان كثير من الأبحاث يؤكد إمكانية تحقيق صدق الروائز الإضفائية وثباتها، مثلما هناك أبحاث أخرى كثيرة أتت نتائجها عكس ذلك.

أ- المعايير: لقد بُحثت الأسباب وراء غياب معايير الروائز الإضفائية وانتهت في مجملها إلى القول: «إن السبب في ذلك هو أن ظهور هذه الروائز في العيادات النفسية وتركيزها على الشخصية الفردية وضع في الأذهان قضية لا تتطلب النقاش، تتمثل في أن هذا التركيز لا يتطلب أي مقارنات مع الآخرين، كما لا يتطلب معالجات إحصائية كتلك الموجودة في الروائز التقليدية، إضافة إلى تعدد طرائق تحليل هذه الاستجابات».

ولكن هذه الأسباب لم تمنع فيما بعد من استخراج معايير خاصة بها تباينت عن تلك الموجودة في الروائز التقليدية، وتمثلت في أكثر الاستجابات شيوعاً لدى الأفراد الذين ينتمون إلى فئة مرضية أو سوية معينة، ويمكن تمييزها من الاستجابة الشائعة في الفئات المرضية أو السويات الأخرى.

ب- الصدق: تعد مشكلة الروائز الإضفائية بالغة التعقيد مقارنةً مع الروائز التقليدية، فعناصر الشخصية وجوانبها التي صممت الروائز لإظهارها تختفي وراء السلوك الظاهر بوصفها موادَّ غير محسَّة لا تُمكن ملاحظتها مباشرةً وإنما تستنتج من آثارها في السلوك. وهذا ما يجعل بيان صدقها ذا صعوبة خاصة لا توجد في أغلب الروائز النفسية.

وهناك فريق كبير من علماء النفس السريريين يؤكد أنهم يستخدمون هذه الروائز لأنها تزودهم بمعطيات مهمة عن ديناميات الشخصية، وأن الاتّفاق كبير بين نتائجها والتشخيص السريري الذي يقومون به، وهم يرون أن هذه الروائز لا تتطلب الصدق بقدر ما تتطلب تأويلاً، ومع هذا الخلاف في وجهات النظر بين علماء النفس فقد أمكن فعلاً بيان الصدق المحكي لهذه الروائز إحصائياً باستخدام محكات خارجية مستقلة عما يفترض أنها تقيسه مثل: الأحلام وتاريخ الحياة، دراسة الحالة، والمقابلة، واعتماد الجماعات الطرفية والمتباينة، والمقارنة بين الاستجابة للروائز الإضفائية والتحليل النفسي.

وتتدخل جملة من المتغيرات في تحديد صدق الروائز الإضفائية كقدرة المفسر وخبرته، ونظام التحليل المتبع، والتفسير المستخدم والهدف الذي تستخدم لأجله الروائز.

جـ- الثبات: تمثل الفكرة الأساسية للثبات الحصول على نتائج متطابقة عند إعادة روز المفحوص أكثر من مرة، وهي من ثم تدل على الموثوقية، وتتفرع هذه المسألة في الروائز الإضفائية إلى نوعين من الثبات: يرتبط الأول بمقدار الاتفاق بين محللين مختلفين في تفسير الاستجابات ذاتها، ويرتبط الثاني بمقدار التشابه في استجابة المفحوص ذاته عندما يطبق عليه الرائز مرات متعاقبة.

وقد أمكن الوصول إلى معاملات ثبات مرتفعة للمحكمين في الروائز الإضفائية كلما اقترب المحكمون في خبرتهم ودرجة تدربهم على سلم تقدير الاستجابة المعتمد في التحليل، وكلما احتوى سلم التقدير على فئات بسيطة وقليلة، وعندما تكون هناك فرصة لدى المفسرين لمناقشة تفسيراتهم.

أما الثبات بالإعادة فإن مشكلته الرئيسية تعود إلى عدم الفصل بين جانبين في الاستجابة هما: المحتوى الظاهر والمحتوى الكامن. فقد تتغير صورة الاستجابة، ولكن معناها الكامن لا يتغير. فآليات الدفاع وعلاقة الأنا بالأنا الأعلى لا تتغير وإن تغيرت طريقة الاستجابة. وانعكاس الحالة الانفعالية والمزاجية يبدو على ظاهر الاستجابة، أما المحتوى الكامن فيبقى كما هو، ويلاحظ أن معامل الثبات بالإعادة يتفاوت في ارتفاعه وانخفاضه تبعاً لمتغيرات منها: درجة صلابة المفحوص ومرونته، والمدة الزمنية التي تفصل بين التطبيقات كما هو الحال في الروائز التقليدية.

6- فاعلية الروائز الإضفائية: إن انتشار استخدام الروائز الإضفائية، على أنواعها المختلفة، في مجالات الخدمة النفسية المختلفة يؤكد فاعلية هذه الروائز في الحصول على معلومات جِدُّ مهمة عن المفحوص لا يمكن أن تحققها وسائل قياس أخرى.

وعلى افتراض أن كل حالة مرضية أو سوية يمكن الكشف عنها من تغيراتها الإضفائية في عمليات التفكير على نحو ما يعبّر عنها في أداء المفحوص وسلوكه ولغته فقد أمكن فعلاً استخراج دلالات سريرية لكل اضطراب نفسي أو لكل فئة مرضية، واستخراج علامات الصحة النفسية على نحو يمكِّن الاختصاصي النفسي من تحديد الفئة المرَضية أو السوية التي ينتمي إليها فرد ما من استجابته للرائز الإضفائي كنوعٍ من التشخيص التفريقي أو التصنيفي، ومن ثم اقتراح العلاج المناسب، وتقوم مدرسة التحليل النفسي[ر] والقياس النفسي[ر] وعلوم الإنسان بوضع تفسيرات ومفاهيم للإضفاء، مما يدل على الدمج بين المناهج الذاتية والموضوعية في قياس جَوّانية النفس البشرية وعلاجها.

7- تطبيق الروائز الإضفائية: إن تطبيق الروائز الإضفائية وتفسيرها يحتاجان إلى خبرة ومهارة أكثر مما تحتاج إليه الروائز التقليدية. وإذا كان من الممكن تدريب الفاحص على الروائز الإضفائية واستخدامها فإن تفسير نتائجها يتطلب إعداداً ومراناً للاختصاصيين في هذا المجال، مما يقلل من عددهم ومن اتساع نطاق الإفادة من هذه الأساليب، ومما يزيد كذلك من صعوبة الاعتماد عليها في الأبحاث والدراسات النفسية والتربوية كأدوات بحث أو جمع معلومات.

استخدام الحاسوب في الروائز الإضفائية

لما كان معظم الروائز الإضفائية يعتمد التحليل الكيفي لاستجابات المفحوصين بدلاً من التحليل الكميّ الذي يعطي أوزاناً رقمية لكل نوعٍ أو نمطٍ من الاستجابة فإن اعتماد الحاسوب في استخراج النتائج لم يكن ممكناً حتى زمن قريب جداً، ولكن هناك بعض المحاولات الجادة لاعتماد هذه التقنية في بعض الروائز الإضفائية التي تعتمد سلالم تقدير إجابات محددة العناصر والأوزان من دون أن تتأكد نتائجها بعد.

وقد يستخدم الحاسوب وسائل وقنوات وتقنيات متعددة، لتعديل الصور الغائمة المشاهدة، وهذا التعديل يستخدمه المبرمج الحاسوبي في الصور ذات الأبعاد الثلاثة، كما يستخدمه في تعديل صور الأشياء والحيوانات والأشخاص رقمياً لتصميم الصور. وإذا مارسه المستخدم، فقد يستفيد منه المتخصصون في القياس النفسي في تفسيرات إضفائية للصورة النهائية، ومن تطبيقاته أيضاً الألعاب الإلكترونية[ر] بالحاسوب والفيديو التي يتحكم فيها اللاعب بالصور المتحركة ويتفاعل معها في ألعابه، بل ويتبارى معها للوصول إلى النجاح أو الإخفاق.

 

فخر الدين القلا، إيمان عز

 

الموضوعات  ذات الصلة

 

الاضطرابات النفسية - الألعاب الإلكترونية - التحليل النفسي - تقنيات التعليم - فرويد.

 

مراجع للاستزادة

 

فيصل عباس، الشخصية في ضوء التحليل النفسي (دار المسيرة، بيروت1982).

فخر الدين القلا، تقنيات التعليم والوسائل التعليمية، الطبعة الخامسة (مديرية الكتب الجامعية، جامعة دمشق1994).

 -D, ANZIEU et C, CHABERT. Les methodes projectives ( P.U.F, 1992). 


التصنيف : تربية و علم نفس
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 307
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 558
الكل : 31142620
اليوم : 44010

التكييف القانوني

التكييف القانوني   التكييف القانوني la qualification juridique هو الإجراء الأولي الذي يقوم به القاضي لتحديد الوصف الصحيح للتصرف القانوني أو للواقعة القانونية موضوع النزاع، وذلك تمهيداً لتحديد القواعد القانونية الواجبة التطبيق. وفي بعض الأحيان يتوقف تحديد المحكمة المختص للنظر في النزاع على التكييف القانوني السليم للوقائع موضوع هذا النزاع. ويترتب على ذلك أنه يتوجب على القاضي أن يكون متبحراً في دراسة أحكام القانون الذي يطبق في دولته وفهمها.
المزيد »