logo

logo

logo

logo

logo

التناقض

تناقض

Contradiction - Contradiction

التناقض

 

التناقض contradiction مفهوم يشير إلى العناصر المتضادة والمؤتلفة التي تكوّن حقيقة الشيء أو الموضوع، وهذه العناصر تتداخل في علاقة ضمن أية واقعة، أي إنها تحتوي جانبين متضادين يتعلق أحدهما بالآخر، فبنية الشيء ما هي إلا مجموعة علاقات تشكل المتناقضات. ولا يقتصر مفهوم الجوانب المتضادة في الشيء على الربط أو العلاقة فيما بينها، وإنما يرتفع إلى مستوى الوحدة، أي إن الشيء هو «وحدة متناقضات» وتلك الوحدة مصدر لحركة الشيء الداخلية وتطوره.

ومفهوم التناقض، كما طُرح في فلسفة هيراقليطس، هو تعبير عن جوهر الأشياء، فالشيء وحدة متناقضات ناتجة عن الصيرورة والحركة. أما أرسطو فقد قصد بالتناقض عدم الاتساق في التفكير، وأُسس القانون المنطقي الشكلي للتناقضات بمعنى: أن الشيء لا يمكن أن يكون موجوداً أو غير موجود في الوقت ذاته، وهذا تابع لمبدأ «الهوية» أو «التماثل»، وقصره على المحاكمات الفكرية السليمة وعدم تجاوزه إلى ما وراء المنطق، أي إلى الأشياء الخارجية، إذ «ليس بالإمكان إعطاء تعريفين متناقضين في وقت واحد لشيء واحد».

ولم تخرج الفلسفة الحديثة ببعض أقسامها في منطق المعرفة عن قانون عدم التناقض و«الهوية» فالتماثل يحكم مسار التفكير والواقع حيث الأشياء ثابتة وحرة من التناقضات. والطبيعة تبدو «كتجميع متلاصق لأشياء عاطلة وميتة» (فولف وأتباعه)، ومن نتائج العلوم الطبيعية في العصر الحديث النظر إلى عيانية مفهوم التناقض «كوحدة كمية للتضاد»، فالتغيرات توجد بعلاقات تناقض يمكن قياسها كمياً كالعلاقة مثلاً بين حجم وضغط الغاز علاقة تضاد مضاعفة ترتبط بأقسام متناقضة. وبقي التناقض ضمن إطار الفهم الكمي لعلاقة المتضادات، إذ التناقض الكيفي مفقود في سلسلة التغيرات الكمية تلك، فالتناقض الذي انطوت عليه «نقائض العقل النظري» antinomies عند كَنت يشير إلى المتضادات ـ التي يناقض الواحد منها الآخر بضرب من المباشرة يعزل معها أي توسطات غير مباشرة ـ التي لم تحل وكانت من قبيل «سوء الفهم» على حد تعبير هيغل، ولم ينظر إلى التناقض على أنه يتكوّن كذلك على أرضية «الظواهر والمفاهيم المتضادة التي توسط على نحو كيفي» إلا في الجدل dialectic الذي عرّفه لينين على أنه «دراسة التناقض في جوهر الأشياء ذاتها»، فإدراك التناقض في أشياء وظواهر العالم الموضوعي هو ما يميز الجدل عن الميتافيزيقة التي وإن اعترفت بالتناقض فيبقى خارجياً ولا يمس جوهر الأشياء الثابت واللامتغير.

والتناقض، بوصفه مقولة مهمة في المنطق الجدلي، يُعبّر عن المصدر الباطني للحركة وجذر الحيوية ومبدأ التطور جميعاً، فهو يشير إلى أن الأشياء في حركتها تفصح عن تناقضات، عن حدود متعارضة تنتشر بشرطية متبادلة، يرتبط كل منهما بالآخر بحلقات توسطية مؤلفة وحدة الظاهرة أو الموضوع، وهذه العناصر تجد نفسها في وضع تجابه وصراع ينفي بعضها بعضاً، وهذا الصراع بين المتناقضات «يمهد الطريق إلى الأمام» وينكشف كمبدأ للتطور والحركة.

إن منطق التناقض، كما عبر عنه هيغل في منظومته الجدلية، والتي يرى من خلالها أن فكرة التناقض هي «الفكرة ـ الأم»، هو «جذر كل حركة وكل تظاهر حي، فقط بقدر ما يحوي شيء من الأشياء تناقضاً، يكون هذا الشيء قادراً على الحركة وعلى الفاعلية». ويطرح هذا المنطق الأشياء على أنها ليست مستقلة عما عداها وهي مرتبطة بالكل وتنتسب إليه، وتبعاً لذلك فإن الشيء ليس «ذاته» وإنما «مغاير لذاته»، مادام يحوي في داخله مبدأ سلبه أو نقضه، وهذا هو معنى  الحركة التلقائية الداخلية بنظر هيغل، فالمتناهي مثلاً هو ذاته متناقض من حيث يستبعد اللامتناهي ويفترضه في الوقت ذاته كحقيقة له (للمتناهي)، فكل علاقة واقعية برأي هيغل إنما هي «علاقة تناقض».

وهذه التناقضات، التي لا توجد في ثنائية منفصلة داخل الشيء وإنما في وحدة تركيبية، تبرز علاقة التضمن الضرورية بينهما، والتي يعبر عنها في تناقضات الشكل والمحتوى، الإمكانية والواقع، الكلي والجزئي... بوصفها «مقولات تناقضية»، تشير إلى حالة الصراع بين العناصر المتضادة تفرضه طبيعة التناقض والسلب بينهما، والتي تنتهي بحل أو «رفع» التناقضات كضرورة بذاتها. وحركة تجاوز التناقضات من أجل الصعود نحو تأليف جديد يحقق الاتحاد بين عناصر متناقضة مع توسطات جديدة إنما هي حركة مقنونة تتم على صعيد الوعي والواقع الموضوعي على حد سواء. ففي لحظة التجاوز أو «الإلغاء» لا تُنفى السلبية مطلقاً وإنما تستجد التناقضات في مرتبة أعلى، إذ تحتوي على لحظة إيجابية (نفي النفي) وعندها تمضي الصيرورة الجدلية من تناقضات إلى تناقضات جديدة عبر تخطي القديم وولادة الجديد. وبسبب هذا التخطي (النفي) يتم التطور بين النقيضين لتقبلهما الوحدة في التركيب. وحل التناقضات على مستوى الوعي أو الفكر يعطي إمكانية لحل التناقضات عملياً على مستوى الواقع الموضوعي، والتي تتم بمشاركة الإنسان ويُفضي إلى الانتقال نوعياً لمرحلة جديدة من مراحل تطور الواقع والمجتمع. فحل التناقضات الاجتماعية الاقتصادية لمجتمع ما، كما ترى الماركسية، لا تتم بنفي الطبقات القديمة وحذفها ببساطة بقدر ما هي خلق لتناقضات اجتماعية جديدة.

وإذا كان المنطق الجدلي عند كل من هيغل وماركس يقوم على وحدة المتناقضات، ومن ثم تجاوزها عبر النفي أو السلب بالمعنى الإيجابي (نفي النفي) فإن بعض التيارات الفلسفية المعاصرة، كالوجودية مثلاً تقر بتناقضات الوجود دون أن تتوحد، فالداخل (السريرة) يتعارض مع الخارج كخاصية أساسية للوجود الذاتي، والذاتي والموضوعي يتلازمان دوماً بصراع مستمر (كيركجورد مثلاً).

ويجب تمييز التناقضات الجدلية المنعكسة في الفكر والمفاهيم والنظريات من التناقضات المنطقية التي هي تجليات للتشوش وعدم الاتساق في التفكير. فالتناقض، في المنطق الصوري، هو اختلاف تصورين أو قضيتين في السلب والإيجاب، في الصدق والكذب، شرط أن تتفقا في الزمان والمكان والمعنى، فلا يمكن، تبعاً لمبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض [(أ هي أ) وليست (أ لا أ)]، أن يكون الشيء في نفس الوقت حقاً أو باطلاً، والحدود أو المفاهيم المتناقضة تدخل بعلاقة واحدة مباشرة، كما يقتصر التناقض الصوري على الأحكام العقلية المتناقضة التي تشير إلى الزيف والخطأ ولا يتعداها إلى خارج العقل.

 

سوسان إلياس

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الجدل ـ التطور.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أرودجيف كومبف، المنطق الديالكتيكي، ترجمة أحمد برقاوي (دار دمشق، دمشق 1983).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 898
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 549
الكل : 31205247
اليوم : 30404

حفظ الصحة (تاريخ-)

حفظ الصحة (تاريخ -)   حفظ الصحة أو التصحح hygiene شعبة من شعب الطب تدرس الوسائل التي تستبقي الإنسان بصحة جيدة بإبعاده عن الإصابة بمرض. وقد اتسع مفهوم حفظ الصحة في العقود الأخيرة حتى أصبح يشمل مجموع العوامل الفردية والاجتماعية والوطنية والدولية التي تتيح للمرء الوصول إلى توازن عضوي ونفسي وأخلاقي. وقد اتبعت الشعوب كلها، سواء أكانت ابتدائية أم متطورة قواعد صحية معينة، ولكن هناك فروقاً واضحة بين تعاليم حفظ الصحة التي كانت تتبع في الماضي وبين ما يتبع اليوم؛ ولقد خضعت هذه الفروق لتبدلات سايرت المكتشفات العلمية والبيولوجية، وارتبط تطورها ارتباطاً وثيقاً بتغير بنية المجتمع ذاته، كما أن العقائد الدينية والآراء الفلسفية والتطورات السياسية أسهمت في نشوء بعض قواعد حفظ الصحة الحالي.
المزيد »