logo

logo

logo

logo

logo

التربية السكانية

تربيه سكانيه

__ - __

التربية السكانية

 

ينظر إلى التربية السكانية في المنطقة العربية، كما في غيرها من المناطق، على أنها عمل تربوي يسعى إلى حل المشكلات السكانية وإيجاد التناسق بين العناصر السكانية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقد نشأت فكرة التربية السكانية من الوضع الذي يبيّن أن التقدم الاقتصادي والتقني لم يكن ليوازي معدلات نمو السكان، ومن ثمّ، لم يكن من الممكن تحقيق التحسينات المرغوب فيها في نوعية الحياة ومستواها.

أما البرامج الخاصة بصحة الأم والطفل وبتنظيم الأسرة، وكذلك برامج مكافحة الأمية والإرشاد الزراعي وغير ذلك من البرامج التربوية الأخرى، فلم تكن لتطال إلاّ قطاعات صغيرة فقط من المجتمع، في حين يُترك الشباب والنساء والعمال ومجموعات حساسة أُخرى بلا اهتمام.

وقد انصب الاهتمام في البدء على إدخال علم السكان بمفاهيمه ومساقاته في برامج التعليم النظامي. ولكن نطاق التربية السكانية أخذ يتّسع في أواخر السبعينات بحيث غدا يشمل من هم خارج المدرسة كذلك. ففي البداية، كانت التربية السكانية تعالج مشكلات الخصوبة المرتفعة. ثم ما لبث محتواها أن اتسع بحيث يتضمن حزمة من العمليات والمميزات السكانية والعناصر الأخرى المرتبطة بها كالصحة، والتغذية، والوالدية المسؤولة.

ومع أن المنطقة العربية تعد من المناطق التي بدأت متأخرة في التربية السكانية، إلا أن عام 1980 حفل بحدث مميز كان نقطة انطلاق جديدة للتربية السكانية؛ ذلك أن المغرب أطلق مشروعه حول التربية السكانية كما أن البحرين وسورية والأردن والصومال قد أعدت برامجها وأخذت تسعى للحصول على الدعم المادي من صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية (UNFPA) لتنفيذ هذه البرامج. ولكن بالرغم من البدايات المتواضعة، أخذت المنطقة تلحق بسرعة بركب باقي العالم الثالث في هذا الميدان. وقد استحال الشك الذي خيّم في السنوات السابقة حماسة جديدة للموضوع، ويتضح هذا من الطلبات التي أخذت تتلقاها منظمة اليونسكو من بعض الدول الأعضاء كي تعاونها في عملية تقدير الحاجات، ووضع المشروعات، وبرامج التدريب، وتعديل المناهج وما إلى ذلك.

وتبرز هذه الدراسة التطور والاتجاهات الرئيسة للتربية السكانية في المنطقة العربية، كما تتصدى للمشكلات المهمة التي تعترضها في مرحلتي الإعداد والتنفيذ، والتوقعات المستقبلية للتربية السكانية.

تطوير التربية السكانية

استقت التربية السكانية زخمها من خطة العمل العالمية للسكان التي تبنّاها ممثّلو 135 دولة في المؤتمر العالمي للسكان الذي انعقد في بودابست عام 1974. وقد أوصت خطة العمل بما يلي:  «يجب تشجيع المؤسسات التربوية في جميع البلدان على توسيع مناهجها كي تشمل دراسة لديناميات وسياسات السكان بما في ذلك ـ وحيث يكون ملائماً ـ حياة الأسرة، الوالدية المسؤولة، وعلاقة ديناميات السكان بالتطور الاقتصادي والاجتماعي وبالعلاقات الدولية».

وتكررت هذه التوصيات في العديد من المؤتمرات الإقليمية التي عقدت في المنطقة العربية، بما فيها المؤتمر الإقليمي الثاني للسكان المنعقد في دمشق عام 1979. وتعد خطة العمل العالمية للسكان والقرارات الإقليمية التي تلتها أن حق الاطلاع على المعلومات المتصلة بالشؤون السكانية هو حق إنساني أساسي كما تشدد على أنه ينبغي توفير المعلومات المتوازنة بشتى السبل الملائمة.

ويتأثّر الموقف الرسمي حيال التربية السكانية بعدد من العوامل أهمها: نظرة الرسميين إلى المشكلات السكانية؛ وتختلف هذه النظرة بين البلدان تبعاً لاختلاف أوضاعها الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية وتبعاً لتوجهاتها السياسية.

وثمة بلدان عدة تتسم بأنه ليس لديها سياسات سكانية واضحة، ولكنها اعتمدت مع ذلك برامج الاتحاد العالمي للوالديّة، من حيث الاهتمام بالعيادات الصحية للأم والطفل، كما شجعت قيام الاتحادات النسائية وجمعيات تنظيم الأسرة، لمباشرة نشاطاتها التربوية الخاصة بتنظيم الأسرة. وهناك العديد ممن عمدوا إلى تشجيع النشاطات التربوية المتعلقة بالسكان، كالتربية الغذائية، والتربية الصحية، والتربية البيئية وما إليها. وهذا كله  أمر مشجّع. ذلك أن تلك النشاطات الفرعية الخاصة والمرتبطة بالتربية السكانية يمكن أن يعقبها في خطوة تالية قيام برنامج متكامل للتربية السكانية.

وهناك عنصران آخران أسهما في النمو المفاجئ للتربية السكانية في الآونة الأخيرة. أولهما: أن صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية قام بإيفاد عدد من «بعثات تحديد الحاجات الأساسية» إلى عدد من الدول العربية؛ وصدرت عن هذه البعثات توصيات تحث على إعداد برامج تربوية سكانية، تلك التوصيات، مشفوعة بإمكانية المعونة المالية التي يوفّرها صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية، جاءت تضرم الاهتمام الكامن بالموضوع. أما العنصر الثاني فهو أن برنامج اليونسكو الإقليمي للتربية السكانية في الدول العربية، والذي يموله صندوق الأمـم المتـحدة للأنشطة السكانية، كذلك مشروع (RMS/74/PO2) يساعد الدول الأعضاء في إعداد مشروعات التربية السكانية إضافة إلى المساعدة في التدريب، وعقد الحلقات الدراسية.

وعلى بالرغم من التباين الكبير في الأوضاع الديمغرافية والاجتماعية، والاختلاف في السياسات، هناك إجماع على تحبيذ التربية السكانية، كما أن هناك تقديراً لإسهامها المتوقع في الجهود الإنمائية لبلدان المنطقة، وتجدر الإشارة إلى أن الحلقة الدراسية الإقليمية حول التربية السكانية وتطوير المناهج التي عقدت في الرباط (بالمغرب) في شهر كانون الثاني (يناير) عام 1980 وشارك فيها سبعة وثلاثون مربياً من سبع عشرة دولة عربية قد خلصت إلى إجماع في الرأي على ما يلي:

1ـ التربية السكانية جزء من عملية التعليم بمجملها، ويقصد منها مساعدة المتعلمين في تنظيم حياتهم ومحيطهم، ومن ثمّ تحسين نوعية حياتهم. لذلك ليس ثمة تناقض بين التربية السكانية والقيم الثقافية للمجتمعات العربية، كما أن صلتها وثيقة سواء بالبلدان التي ترغب في زيادة كثافة سكانها أو بالبلدان التي ترغب في تثبيت معدلات النمو السكاني لديها أو تغيير أنماط التوزيع السكاني فيها.

2ـ ترمي التربية السكانية إلى توفير المعرفة بالشؤون وبالسياسات السكانية والحياة العائلية والوالديّة المسؤولة والعلاقة بين ديناميات السكان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتشجيع القدرة على تحليل القضايا واتخاذ القرارات الجذرية. إن جميع البرامج تقترن بالانفتاح في طريقة المعاناة فلا تتقيد بما هو سائد ومألوف سواء من حيث الغايات أو من حيث الأهداف.

3ـ يمكن للتربية السكانية أن تسهم في التجديد التربوي في الدول العربية من خلال اعتمادها لبرامج التجديد وإعداد المعلمين والطرائق التعليمية واستخدام الوسائل السمعية البصرية وغيرها، وبما أن تعلم شؤون السكان يحدث في حياة الفرد، فبإمكانها أن تسهم في التربية المستديمة كذلك.

4ـ ينبغي للتربية السكانية أن تُدرج في جميع المناهج التربوية ـ التعليم النظامي وغير النظامي ـ كما يجب أن تتكامل مع جميع البرامج التربوية القائمة. أما التعليم النظامي فيشمل التعليم ما قبل المدرسي والابتدائي والثانوي والتعليم العالي كذلك، كما يشمل المعلمين والمهنيين المختصين بالتدريب وإعادة التدريب، ويشمل القطاع غير النظامي تعليم الشباب والكبار، والإرشاد الزراعي وتنمية المجتمع، والتعليم غير النظامي يضم وسائل الإعلام الجماهيرية والأهلية وغيرها من الوسائل.

الاتجاهات الرئيسة في التربية السكانية

ينبغي لمن يود تحليل الاتجاهات، أن تتوافر له خبرة تاريخية طويلة؛ ولما كانت التربية السكانية حديثة العهد في المنطقة العربية، فإن الوقت لم يحن بعد لملاحظة الاتجاهات التاريخية. إضافة إلى أن نجاح التربية السكانية يفترض تغييرات في الوعي والسلوك، والتغييرات هنا بطيئة الظهور، لذلك فإنها تتطلب مدة تنفيذ أطول للبرنامج قبل حصول النجاح أو قبل التمكن من الحكم عليه. إلا أنه يمكن رصد بعض الاتجاهات على أساس عدد قليل من الخبرات المحدودة للدول التي أخذت بالتربية السكانية:

1ـ التربية السكانية تدمج في الغالب في المناهج القائمة، الخاصة بالتعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي. وقد تم إدخال المفاهيم السكانية في صلب كل موضوع تقريباً (الدراسات الاجتماعية وعلم الأحياء والدراسات العربية والرياضيات)، كذلك فإن محتوى التربية السكانية يشمل نطاقاً واسعاً من العمليات والمميزات السكانية ولا يقتصر فقط على الخصوبة والكثافة السكانية والجوانب المرتبطة بهما كالصحة وعلم الصحة والحيلولة دون تفشي الأمراض والتغذية وغير ذلك.

2ـ يترك التعليم في الغالب إلى معلم الصف النظامي، لا للمتخصص في شؤون السكان، إذ إنّ اختصاصي السكان يعمل غالباً في مرحلة إعداد المنهاج وإعداد المعلمين أو في تهيئة المواد التعليمية. وغالباً ما يدعى الاختصاصيون في السكان، ليتحدثوا في النوادي السكانية في المدارس. ومع أن المحاضرات في الصفوف مازالت الطريقة السائدة في أكثر البلدان، إلاّ أن سلسلة طويلة من المنهجيات الأخرى غدت تلقى القبول.

3ـ إن التربية السكانية في المنطقة العربية تطبق، في الغالب، عبر البرامج المدرسية، وأكثرها على المستويات التعليمية المتوسطة والثانوية وفي معاهد إعداد المعلمين. إلا أن هناك إحساساً بالحاجة إلى توسيع الإطارات التربوية المختصة بدءاً بالمدارس ومروراً بسلسلة كاملة من البرامج التربوية وغالباً ما يكون هناك نقص في التنسيق بين مختلف الوزارات والوكالات المعنية بنشاطات التعليم خارج المدرسة.

4ـ مازالت البنية التحتية التنظيمية للتربية السكانية ضعيفة في أكثر البلدان ما عدا تونس ومصر حيث أنشئت دوائر مستقلة ضمن وزارة التربية تتولى إدارة برنامج التربية السكانية. وثمة بلدان عدة ألّفت لجاناً خاصة للتربية السكانية تعنى بتطوير أو بتنفيذ برامجها وفي مثل هذه الحالات تشترك دوائر مختلفة في وزارة التربية في مسؤولية تنفيذ البرنامج كدوائر المناهج وإعداد المعلمين والوسائل التعليمية وغيرها من المديريات. أما التربية السكانية خارج نطاق المدرسة وحيثما وُجدت، فإنها تقع في الغالب على عاتق وزارات مختلفة غير وزارة التربية كوزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة الثقافة وغيرها.

المشكلات والعقبات

يمكن تقسيم المشكلات التي واجهت التربية السكانية في أثناء إعداد برامج التربية السكانية وتنفيذها إلى ثلاث مجموعات: المشكلات ذات العلاقة بالمفاهيم، والمشكلات المرتبطة بالموارد، وتلك الخاصة بالتنظيم. وفيما يلي تفصيلها:

1ـ مشكلات المفاهيم: وهي على أنواع مختلفة وأحد هذه الأنواع هو سوء الفهم لفكرة التربية السكانية إذ غالباً ما يُعتقد أنها مرادف لتعليم تنظيم الأسرة والتعلم الجنسي ومن المعلوم أن لكل مجتمع شعائره وأساطيره وخرافاته ومحرّماته، وليست المجتمعات العربية بمستثناة من ذلك. فبحث موضوع الجنس وتنظيم الأسرة من الأمور المحظورة، فكيف يمكن تعليم ذلك في المدارس؟ ويمكن تبديد بعض سوء الفهم بتوسيع نطاق التربية السكانية وعدم قصرها على الاهتمام التقليدي بالخصوبة وبمعدّلات النمو السكاني. وقد بدأ أرباب السياسة والتربويون في العالم العربي، كما في كل مكان آخر، يتحققون من أن التربية السكانية يمكنها  أن تتلاءم مع القيم الأخلاقية والأهداف الإنمائية للمجتمعات العربية. ولئن حوت التربية السكانية بعضاً من مضامين التربية الجنسية والتربية العائلية، وتنظيم الأسرة، إلاّ أنها ليست مماثلةً لها.  فبؤرة الاهتمام في التربية الجنسية هي الفرد، والتربية العائلية تركز على العائلة كوحدة، ودراسة تنظيم الأسرة تركز على المجتمع. أما التربية السكانية فتشمل جميع الوحدات الاجتماعية المختلفة: الفرد والأسرة والمجتمع والأمة على السواء. ففي حين تهتم الأولى بالسلوك الخاص بالخصوبة، فإن التربية السكانية تهتم بجميع العمليات السكانية.

وهناك مشكلة أخرى تتعلّق بالمفاهيم تتلخّص في السؤال التالي: هل ينبغي دمج التربية السكانية بالمناهج القائمة أم ينبغي أن تُعالج كموضوع منفصل؟ والواقع أن الجدل حول هذه النقطة يلقى صداه في كل حلقة دراسية أو اجتماع يُعقد، دون التمكن من حسم النقاش بجواب مبسط. والحل المقترح، حين يشعر التربويون أن المناهج مزدحمة، هو تحديد المفاهيم السكانية المناسبة لكل موضوع وفصل ودمجها بالمنهاج على نحو ملائم. ويتطلب هذا الحل إعداد كتب مدرسية جديدة تنسجم والمنهاج المتكامل، كما يتطلب إعادة تدريب المعلمين في الميادين الإضافية. وقد جرى تنفيذ هذا بصورة فعّالة في تونس ومصر، وذلك بإعداد برنامج لتهيئة المعلمين في أثناء الخدمة وقبل الخدمة واعتماد طريقة التعلّم الذاتي ومدخل «وجهاً لوجه».

أما النوع الثالث من مشكلات المفاهيم التي ينبغي الإجابة عنها يتعلق بمحتوى التربية السكانية، فما مضمونها وما استراتيجيات تنفيذها وما المنهجيات الملائمة؟ أما الإجابات فلابد أن تأتي متباينة بين بلد وآخر انطلاقاً من التباين في المحتويات القائمة وأصول التنظيم الراهنة والعمليات التعليمية إلى جانب الأهداف العامة للبرنامج. وهذا يفسّر الاختلافات في الطرق التي تعتمدها البلدان المختلفة التي سبق ذكرها. إنّ محتوى برامج التربية السكانية يعتمد على المشكلات التي تكون قد تحدّدت وعلى السياسة الرسمية لمعالجة تلك المشكلات، وعلى أهداف برنامج التربية السكانية وعلى حاجات جماهير المنتفعين وخصائصهم. ومن هنا القول إنه لا يمكن أن يكون هناك برنامج واحد يلائم جميع البلدان. ويلاحظ في كل بلد في المنطقة، ما عدا مصر وتونس، أن علوم الصحة والنظافة والصحة العامة والتغذية وشؤون الأسرة تعطى أهمية كبرى في حين تهتم البرامج المصرية والتونسية بتحديد النسل. أما التركيز الأوفى في برامج السودان واليمن فينصب على نوعية الحياة. وتعود هذه الاختلافات في جزء منها إلى الفوارق في الأوضاع الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية، كما تعود في جزئها الآخر إلى الاختلافات في درجات الإحساس بأهمية التربية السكانية. ومن الواضح أنه ينبغي تكييف هذه الأخيرة مع الأوضاع المحلية وخاصة ما يتعلّق منها بالفرد والأسرة.

ويختلف محتوى التربية السكانية ضمن برنامج كل بلد عن سواه تبعاً للحاجات المقرّرة مسبقاً وتبعاً للمميزات الخاصة بالمجموعات الهادفة، كما تختلف القدرة على فهم الشؤون المختصة بالفرد والأسرة والمجتمع تبعاً للسن والقدرات الفكرية لدى المستهدفين. ففي الوقت الذي يمكن فيه تعليم الأطفال ما يتعلّق بالأسرة والقرابة ومسؤولية الأفراد، فإن علم الصحة والنظافة، والتغذية والتفاصيل حول الخصوبة وتنظيم الأسر والعقم يمكن تعليمها على نحو أفضل للأولاد الأكبر سناً في المدارس الثانوية وفي الدروس التي تُعطى خارج نطاق المدرسة للكبار والنساء والعمال ويختلف محتوى التربية السكانية كذلك باختلاف الأعمار والقدرات الفكرية ومميزات الجمهور المستهدف.

2ـ مشكلات التمويل: تُعتبر مسألة التمويل العائق الرئيس في العديد من البلدان حتى لدى السلطات التي تعي أهمية التربية السكانية. وندرة الاختصاصيين ومدربي المعلمين عائق آخر في عدة بلدان. وعدم وجود المواد التعليمية باللغة العربية ونقص  كتب المراجع الوطنية في التربية السكانية والكتب المدرسية التي تحوي المفاهيم الخاصة بالسكان عناصر رئيسية تحدّ من النشاط في أكثر البلدان. ويمكن تخطي هذه العوائق إذا ما توافرت الأموال اللازمة.

3ـ المشكلات التنظيمية: تختلف المشكلات التنظيمية تبعاً لنوع البرامج. فبعض المشكلات التي تعترض برامج التربية السكانية ترتبط بالإدارة وبعضها الآخر بالتدريب أو بالإعداد  للمواد التعليمية وبتقويم البرنامج. والبنية التحتية للتربية السكانية لا تتوافّر في أكثر البلدان (كوجود لجنة أو دائرة)، وثمة حاجة لإقامة البنية التحتية اللازمة لتخطيط البرنامج وتنفيذه. ويمكن في مرحلة التخطيط أو التنفيذ أن تطلب الدول الأعضاء مساعدة اليونسكو من أجل مهام معينة لوضع المشروع مثلاً وإعداد المنهاج، وتدريب المعلمين، وتنظيم حلقة دراسية وطنية، ولكن ذلك لا يغني عن المبادرة إلى إنشاء جهاز للتربية السكانية داخل البلد نفسه. وفي أكثر البلدان العربية كانت وزارات التربية الأكثر استجابة للتربية السكانية، وعليه فإن المشروعات قد شددت على إنشاء مديرية للتربية السكانية أو قسم أو وحدة ضمن وزارة التربية من أجل وضع المشروع والإشراف عليه وتقويمه.

ولئن كان النظام المدرسي هو القناة الرئيسة للتربية السكانية، إلا أن البرامج غير النظامية  والأنشطة خارج المدرسة ترتدي الأهمية نفسها من حيث أنها قناة للتربية السكانية تستهدف بلوغ غايات محددة عند جماعات معينة من السكان. وفي البلدان التي تقوم فيها برامج لمن هم خارج المدرسة، كبرامج تعليم الكبار مثلاً، وبرامج الإرشاد الزراعي، وبرامج المرأة أو برامج التغذية التطبيقية، يكون الهدف إدخال التربية السكانية في صلب البرامج القائمة، إذ من الأجدى من حيث المفهوم أو حيث التكلفة تعزيز تلك البرامج القائمة بدلاً من إحداث برامج جديدة موازية لها. والجدير بالذكر أن من الضروري، في البدء، تقوية جهاز التخطيط والتنظيم داخل الوزارة أو المنطقة المسؤولة عن تنفيذ المشروع، لتكييف البرنامج القائم أو لوضع برنامج جديد.

وتجدر الإشارة إلى أن استراتيجيات التربية السكانية وتنفيذها في المنطقة العربية، يتطلبان تنسيقاً يجري على مستويات ثلاثة على الأقل وهي:

1ـ المستوى الوطني.

2ـ مستوى المحافظة.

3ـ المستوى المحلي. ويتحقق هذا التنسيق عن طريق لجنة للسكان تنبثق عن عدة وزارات.

آفاق التربية السكانية

على الرغم من البطء الذي يعتري انطلاقة التربية السكانية، فإن المنطقة العربية تلحق بسرعة بالركب العالمي في هذه العملية التربوية المهمة. ويقوم اليوم تفهم أكبر للمشكلات التي تنشأ عن النمو السكاني السريع، والتوزيع غير المتساوي للسكان، والبطالة المقنعة في المناطق الريفية، والهجرة المكثفة نحو المدن، وتبذل الحكومة جهوداً أوفى لإيجاد الحلول لهذه المشكلات. وقد أدخلت بلدان عديدة برامج لتنظيم الأسرة ضمن مراكز لرعاية الأمومة وبرامج تعليم الكبار والإرشاد الزراعي وغيرها من البرامج، كما شجعت النشاطات التي تمارسها المؤسسات غير الحكومية كالاتحادات النسائية ومنظمات الشباب وجمعيات تنظيم الأسرة وغيرها، وينظر إلى التربية السكانية على أنها أحد العناصر المتممة لاستراتيجية التنمية الشاملة. وتتضمن التربية السكانية في مفهومها الواسع عناصر من التربية الصحية والتربية الغذائية والتربية البيئية، واعتمدت هذه العناصر في أكثر البلدان.

ومن المتوقع، في السنوات القادمة، أن ينتقل التركيز في التربية السكانية من برامج الدراسة النظامية إلى البرامج خارج المدرسة، لأن برامج الدراسة النظامية لا تصل إلى جميع الفئات المستهدفة في التربية السكانية، لاسيما أولئك المسؤولين عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالسكان، وقد بدأت الاهتمام «مستوى التجميع» الملائم لمختلف الجماعات المستهدفة.

ولم تعد المشكلات الكلية وحدها موضع الاهتمام، بل أصبحت المشكلات الخاصة بالمجتمعات المحلية والأسرة والفرد تُعار عناية خاصة. وستزداد أهمية التربية السكانية غير النظامية في البرامج المستقبلية، وذلك عبر الراديو والتلفزيون ووسائط الاتصال الجماهيرية.

 

سعيد محمد الحفار

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ سعيد محمد الحفّار، دراسة متعمقة، وحدة الدراسات البيئية (جامعة قطر 1999).

- Population Education Trends, Problems& Prospects, (UNESCO).


التصنيف : تربية و علم نفس
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 297
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 454
الكل : 31651837
اليوم : 6419

مين دو بيران

مين دو بيران (1766 ـ 1824)   مين دو بيران Maine de Biran فيلسوف ومفكر فرنسي كان يعمل بالحقل العام، وانتخب نائباً ثم مستشاراً للدولة، تأثر بأفكار كابانيس Cabanis، ودستوت دو تراسيDestutt de Tracy، وكوندياك Condillac، فاز بجائزة المجمع العلمي 1799 عن رسالة بعنوان «رسالة في العادة». كان متديناً وقد مارس التجربة الدينية بعمق، ويعد المؤسس الفعلي لعلم النفس الديني Psychologie de religieux، أهم مؤلفاته: «تأثير العادة في نمط التفكير» Influence de l’habitude sur la faculté de penser ت(1801)، و«رسالة في تحليل الفكر» Mémoire sur la décomposition de la pensée ت(1805).
المزيد »