logo

logo

logo

logo

logo

التوثيق في الشريعة

توثيق في شريعه

Documentation - Documentation

التوثيق في الشريعة

 

التوثيق: هو ما يضمن أداء الحق، ويسمى أيضاً علم الشروط.

أهميته والحاجة إليه وحكمته وآية التوثيق في القرآن الكريم:

1- صيانة الحقوق والأموال لأن الله تعالى أمر بحفظهما: }ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ{ [النساء:5] ونهى عن تضييعها: }ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِل{ [البقرة: 188].

2- قطع المنازعة لكون التوثيق حَكَماً ومرجعاً وملزماً ولئلا يفتضح حال المنكر، مع تبيان حيثيات التصرفات وأحجامها مما قد يعتورها من النسيان أو الجحود.

3- الالتزام بالقواعد الشرعية في إجراء التصرفات لحمل التوثيق عليها. ودلَّت على مشروعية التوثيق وطلبه آية المداينة [البقرة:282]، التي أمرت بكتابة الدين والإشهاد عليه بإشراف كاتب بالعدل[ر] فإن لم يوجد أخذ الرهن للتوثيق.

وفي السنة وثّق رسول الله r صلح الحديبية فكتبه، كما أنه r وثّق لبعض أصحابه فكتب للعدّاء بن خالد: «هذا ما اشترى محمد رسول الله r من العدّاء بن خالد، بيع المسلم المسلم، لا داء ولا خبثة ولا غائلة» أي: لا عيب ولا حرام ولا خيانة، وجرى على هذا الخلفاء الراشدون والصحابة ومن بعدهم.

وذكر حاجي خليفة أن أول من صنف فيه هلال بن يحيى البصري الحنفي (ت 245هـ)، وأول من ذكر الشروط الرسول r، واستقصى الطبري الشروط في كتاب على أصول الشافعي، ثم بعده شيخ الشروط والمواثيق أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي، وصنَّف غيرهم.

وقديماً كانت كتابة الوثائق وظيفة يتخذ لها دكاكين، لتحرير الصكوك وتوثيقها مقابل أجر، لكنها تلاشت ليحل محلها موثقون رسميون هم كتّاب العدل.

حكم التوثيق

ذهب بعضهم إلى الوجوب مستدلين بقوله تعالى: }فاكتبوه{ [البقرة:282]، وهو أمر يشمل الكتابة والإشهاد، لعدم اعتبار الكتابة دون شهود. وصرف الجمهور الأمر السابق إلى الندب، بقوله تعالى: }فإن أمِن بعضكم بعضاً{ [البقرة:283]، وفي ذلك تخفيف لا يخفى، وإلا لوجب توثيق كل شيء، ولو في حال الوثوق في السفر والإقامة، صَغُر الأمر أو كبر.

وفي الأخذ بالتوثيق احتياط وإزالة للريبة، وحجة لصاحب الحق، ولا يضر الغريم ذلك إذا كان مؤدياً للحق، وإنما هو تذكرة.

طرق التوثيق

1- الكتابة[ر]: وهي أهمها، وكتب المسلمون القرآن والسنة والكتب والمعاهدات والعقود، واتخذوا سجلات ودواوين، وكتبوا الأحكام القضائية في عهد الأمويين، ووضعوا السجلات القضائية في عصر العباسيين. لأن أمر الله تعالى: }فاكتبوه{ ليس مقصوراً على الديون، بل على كل ما يسمى حقاً، إذ العبرة بعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

ولابد لها من شروط موضوعية تتعلق بالحق والدائن والمدين، وشكلية بحسب الأعراف والقوانين لاعتبار الكتابة وثيقة يحتج بها.

2- التوثيق الرسمي من الكاتب بالعدل: وهو عمل يقوم به موظف مكلف يوجب عليه التأكد من شخصية ذوي العلاقة ونوابهم وتحديدها من اسم وشهرة وموطن وتاريخ وأرقام. وتدوينه بالوثيقة بخط واضح، وعلى وجه واحد. ثمَّ يقوم بقراءة الوثيقة على المتعاقدين والشهود، ومن ثمَّ يوقِّعون ويوقِّع عليها ويختمها، وتسلَّم صورها لأصحاب العلاقة حصراً، وللغير بإذن من المرجع المختص، مع إبقاء أصول هذه الوثائق في مكتب الكاتب بالعدل، وإذا كانت الوثيقة بلغة أجنبية ترجمها ترجمان محلّف، أو هو بنفسه، أو من يثق به بعد تحليفه اليمين القانونية.

وأي إضافة أو شطب يشار إليه في الهامش مصحوباً بتوقيع الكاتب بالعدل وأصحاب العلاقة. ومن ثم تعدّ الوثيقة حجة رسمية تجاه كافة الناس، كالأحكام القضائية، وأسناد الدين المنظمة من قبله تنفذ مباشرة في دائرة التنفيذ.

3- الشهادة[ر]: ممن شهد الوقائع، وقد أمر الله تعالى بها: }وأشهدوا ذوي عدل منكم{ [الطلاق:2]، والأمة مجمعة على مشروعيتها، والشهادة المضافة إلى الكتابة. وهي الشهادة الصكية أقوى من الشهادة المنفردة.

4- الرهن: وهو احتباس عين يستوفى منها الحق عند العجز أو التقصير في الأداء، سواء كان رهناً تأمينياً أو حيازياً في أولوية الدائن على سائر الدائنين سواه.

5- الكفالة[ر]: ضمان يشترك فيه الكفيل مع الأصيل ـ المدين ـ في أداء الدين ـ الحق ـ، وهي متنوعة بحسب تنوع الكفالة في ضمان الحق.

6- الحوالة[ر]: وهو نقل المسؤولية بالدين عن المدين الأصلي إلى غيره، يصون الحق عن الضياع بتأدية قادر عليه.

7- الحجر: هو منع الشخص عن التصرف بنفسه، يلزم به المدين المماطل القادر على الوفاء بطلب من الدائن، وهو جائز قانوناً في الأمور الجنائية، وبعض القضايا الشرعية.

8- الاحتباس: وهو حق المدين في إيقاف الوفاء بدينه حتى استيفاء الدين الذي له. كمصروفات الوديعة واللُقطة[ر]، والتي أنفقها بإذن من القاضي.

وقد يكون مصدره العقد، كحبس المبيع لاستيفاء الثمن، وحبس الوكيل، بالشراء ما وكل به لأداء ثمنه، والأجير المشترك، العين لأداء الأجرة.

ويسمى قانوناً- حبساً لا احتباساً، لكن تسميته بالاحتباس أولى تمييزاً له من الحبس كما رجَّحه مصطفى الزرقا[ر].

محل التوثيق

هو التصرفات والوقائع التي تجري بين طرفين من المتعاملين ومنها:

1- العقود: حيث يذكر فيها ما يقطع كل احتمال للنزاع أو التقصير في الالتزام بها، من معلوماتية العاقدين، والعوضين، وقبضهما، والشهادة على ذلك، وتاريخ التعاقد، من ثمَّ إقرار المتعاقدين به، وقد تضاف الكفالة لئلا يُنكر أحد محل التعاقد.

وفي القانون السوري توثَّق العقود شخصياً بالكفالة والحوالة وبمنع المكفول من السفر، وعينياً بالرهن والامتياز العيني في أسبقية الدائن اقتضاء حقه مراعاة لصفته، وتنفيذ العقد على أموال المدين أو حق الحبس.

2- الإقرار: وهو الإخبار بالحق على النفس، ويعد إقراراً قضائياً ثابتاً، إذا تم ذلك أمام المحكمة، ولا يعد كذلك خارجها، إلا إذا أمكن إثباته.

3- الزواج[ر]: وهو عقد يتم بإذن القاضي، وقد يعقده بنفسه أو بمساعديه، على أن يشمل صك الزواج أسماء الزوجين والشهود والوكلاء، ومقدار المهر وكيفية قبضه، وتاريخ العقد ومكانه، مذيلاً بتوقيعهم، ويسجل ذلك في سجل خاص، ويرسل صورة عنه إلى دائرة الأحوال المدنية.

4- الطلاق[ر]: مع أن الطلاق يعتبر واقعاً من تاريخ صدوره، فلا تلزم الفرقة إلا بعد وقوع الثلاث، وحينئذٍ يلزم تسجيله لدى القاضي الذي يستعين بالتحكيم قبل وقوع الطلاق أملاً بالتوفيق والإصلاح بين الزوجين.

5- الوقف[ر]: يتم الوقف بالصيغة المعتبرة الموثقة بالإشهاد، لكنه يتأكد بحكم حاكم شرعي به.

6- الشركات[ر]: توثق بالعقد مذكوراً فيه أسماء الشركاء، ونوع الشركة، ومقدار المال من كلٍّ مع صفته نقداً أو مؤجلاً، ومقدار الربح لكلٍّ، مع وكالة كلٍّ للآخر في القبض والخصومة بأنفسهم وبوكلاء عنهم، ويبين عند الفسخ حق كلٍّ ودينه، بحيث تبرأ ذمة الجميع.

وذهب القانون المدني السوري إلى اشتراط كتابة العقد وإلا اعتبره باطلاً، وكذلك تعديلاته.

7- الوصية: يذكر في كتاب الوصية أسماء الموصي والموصى إليه، والوصي المختار لتنفيذها، وذهب قانون الأحوال الشخصية السوري (م208) إلى انعقادها كتابة وعبارة وإشارة، بينما اشترط القانون المدني الأردني تسجيلها ليحتج بها (م1130).

8- الهبة: يذكر في كتابها اسم الواهب والموهوب له، وصفة الموهوب، وقبول الموهوب له وقبضه، وشهادة الشهود، وإن كانت على سبيل العوض ذُكر العوض، ودون أن يبرئه الموهوب.

وفي القانون المدني السوري والمصري لابد من كونها وثيقة رسمية وإلا كانت باطلة، وهذا في العقار، أما المنقول لابد من القبض، حماية للواهب حين تنازله عن ملكه، وللموهوب له لئلا يُنكر حقه.

9- الوقائع والتصرفات: يجوز إثبات الوقائع -ما لا دخل للإرادة إليه من فعل الطبيعة أو الإنسان- بكل طرق الإثبات لاقتضاء الضرورة ذلك، أما التصرفات -ما تتجه الإرادة إليه- فالأصل في إثباتها الكتابة، ويجوز استثناءً إثباتها بغير ذلك، نظراً لوجود الإرادة المتحكمة بالتصرف.

10- الشفعة: فللشفيع الأخذ بالشفعة بإشهاد الشهود على بيع العقار المشفوع به مبيناً عدم تنازله وسبب شفعته مع إحضار الثمن، ويسمى: كتاب الطلب، وأما كتاب الأخذ من البائع أو المشتري: فهو ببيان البيع والشفيع وصحة الشفعة بالثمن المسمى، فإن رفض العائدان، فصل القضاء الخصومة، وهذا ما أكده القانون المدني المصري. ولا شفعة في القانون السوري.

بطلان التوثق وانتهاؤه

يبطل التوثيق إذا لم تستوف شروطه من خلال ما مرّ بأن كان محل الموثق باطلاً، أو غير محدد أو إذا اختل شرط من شروط العاقدين أو تحديدهما. كما ينتهي بتحقق غايته في وصول كل إلى حقه.

أثر التوثيق

للتوثيق أثر ظاهر في معلوماتية وظهور الحق، وعدم تعرضه للجحود، وللإلزام به.

خضوع التوثيق لإجراءات ورسوم ومصاريف

 يستوفي كاتب العدل رسوماً نسبية محددة أو مقطوعة بحسب قانون رسوم الكتاب بالعدل (جدول 1-6) وقانون رسوم التسجيل العقاري والوصايا والهبات، بطوابع عدل تثبت على الوثيقة، أو نقداً، وعن كل عقد أو صورة، وفي حال انتقاله لأجل التوثيق يستوفي تعويضاً مناسباً محدداً -م 40ب- مع ذكر الرسوم والنفقات في ذيل الوثيقة كما يستوفي رسم التركة والوصية والهبة والوقف. ويعفى ما يتعلق بالحق العام والدولة والمؤسسات.

حفظ الوثائق والأتمتة وصلته بالأرشفة المعاصرة

إن حفظ الوثائق أمر مهم وخطير، يحتاج مع تطور الحياة إلى المباني الخرسانية المقاومة للنيران والغرف والخزائن المحصنة لحفظها من السرقة والتزوير والتلف، وتجنيب دور الوثائق الأماكن الخطيرة بطبيعتها كالمصانع، أو بأهميتها كالمطارات. لإبعاد الخطر الخارجي عنها ما أمكن، واستعمال المواد غير قابلة للاشتعال وتوفير عوامل السلامة والإنقاذ من الحرائق واللصوص، وتوفير الأجهزة الكاشفة للحريق مهما قل، واستعمال أنظمة رقابة داخلية محكمة على كامل الموظفين والرواد.

والتقنية الحديثة قد ساعدت على ذلك بتحويل الوثائق إلى المصغرات (المايكروفيلم) أو إلى الحواسيب، مما يسهل استخدامها وحمايتها ومراجعتها. ولذلك لابد من كون الوثائق مرتبة منظمة مفهرسة مرقمة لاستخراج المعلومات المختلفة منها[ر. التوثيق (علم ـ)].

حسن البغا

 

مراجع للاستزادة:

 

 

ـ كتاب الشروط وعلوم الصكوك لأبي نصر السمرقندي، تحقيق: محمد جاسم الحديثي (دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد).

ـ محمد قبيسي، علم التوثيق والحفظ في الوطن العربي، (دار الآفاق الجديدة، بيروت).

ـ  إسماعيل نظار، التوثيق بالكتابة في الشريعة الإسلامية، رسالة ماجستير في الجامعة الأردنية.


التصنيف : الشريعة
النوع : دين
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 119
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 525
الكل : 31173384
اليوم : 74774

ياكوبو ديلا كويرشيا

ياكوبو ديلا كويرشيا (1374ـ 1438)   ياكوبو ديلا كويرشيا Jacopo della Quercia من أوائل النحاتين الإيطاليين في بداية الـ«كواتروشنتو» القرن الخامس عشر، ومثل كل الفنانين في عصره زاول فن العمارة أيضاً. ولد في مدينة سيينا Sienna وتوفي في بولونيا Bologna في 20 تشرين الأول/أكتوبر. لا تتوافر معلومات كثيرة وموثقة حول حياة هذا الفنان وأعماله، غير أن معظم المؤرخين والباحثين أكدوا غموض شخصيته، وأشاروا إلى تأنيه الزائد على حده، بل كسله الشديد في إنجاز أعماله، ومن بينها أشهرها وأهمها النافورة التي أنجزها في الساحة الشعبية في مسقط رأسه، وتدعى نافورة فونته غايا Fonte Gaia التي عُهد إليه بإنجازها عام 1409 وبدأ فعلياً بالعمل فيها عام 1414 وأنهاها عام 1419.
المزيد »