logo

logo

logo

logo

logo

الإجازة

اجازه

Al-ejaza - Al-ejaza

الإجازة

 

الإجازة: لغة: الإذن، والاستجازة: طلب طالب العلم من أستاذه، وشيخه أن يجيزه بمسموعياته ومروياته، التي حصل عليها، وأن يأذن له بالنقل عنه، فالطالب مجازٌ له، والأستاذ مجيزٌ.

ولاتمنح الإجازة إلا لماهر في صنعته، أو متقن لمعارفه. وينبغي للمجيز (أو من أنابه) أن يكتب الإجازة، أو يصدق على صحتها، أو يتلفظ بها «أمام شهود» أو يقتصر على الكتابة «مراسلة» مع قصد الإجازة.

تطور الإجازة:

اعتمد العرب في جاهليتهم على «الرواية» والاستظهار لأشعارهم وأنسابهم، وأخبارهم. شأنهم شأن الأمم المجاورة لهم.

(الشكل -1)

وفي أواخر العهد الأموي، ومطلع العهد العباسي،حين بدأ العرب تدوين علومهم وآدابهم حتى منتصف القرن الثاني، كان للرواية السيادة في آداب الجاهلية وآداب صدر الإسلام.

وكان الشعر ديوان العرب يحمله الرواة ويستظهرونه، ويستصوبونه، ويتزيدون فيه أحياناً. وكان رواة الشعر يستجيزون الشعراء رواية شعرهم، وأغلب الرواة شعراء مجيدون، مثل «زهير بن أبي سلمى» و«الحطيئة» و«أبي ذؤيب» وغيرهم (الشكل 1).

وكانت الرواية وسيلة لتناقل الأخبار، والأنساب. وتتبع الحدث وفصيح للغة. وقد اهتم الناس بالرواة، وتتبعوا أنباءهم. حتى إن معاوية بن أبي سفيان دعا إليه عبيد بن شرية الجرهمي المعمر ليدون أخبار من سلف.

وكذلك فاخرت العرب بأنسابها. وتخصص أناس برواية الأنساب. كأبي بكر الصديق، وعقيل بن أبي طالب، ودغفل النسابة، أما رواة القرآن، وحفظته في صدر الإسلام فهم كثيرون كزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبيِّ  بن كعب وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس والخلفاء الراشدين وغيرهم. فلما قل عددهم في مجاهدة الأعداء جمعت المصاحف واستنسخت ووزعت في الأمصار، ومنع الناس من القراءة غيباً إلا من أجيز.

ولم يدون الحديث الشريف في زمن الرسول وصدر الإسلام، خوفاً من اختلاط ألفاظه بألفاظ القرآن. قال الرسولe: «لاتكتبوا عني شيئاً إلا القرآن. ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه». وكتب بعض الصحابة كعبد الله بن عمر الحديث النبوي كما سمعه.

وكان الناس يتناقلون الحديث، ولهذا كثرت الأحاديث الكاذبة والموضوعة أو المروية على المعنى لا بألفاظ النبي e، فانبرى لجمع الأحاديث الصحيحة علماء غيورون، ووضعوا قواعد أصول الحديث، والجرح، والتعديل، ومناهج رواية الحديث وأصوله وأسانيده.

وكذلك اللغة فكان العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، فصحاء السجية إلى أن خالطهم الأعاجم وسكان المدن، وكثر النحل فيهم. فراح علماء اللغة يدونون فصيحها، ويقعِّدون قواعدها وعلومها ويدرسونها طلابهم ومريديهم ويجيزونهم بالنقل عن الأساتذة والشيوخ والتعلم منهم.

واتخذ العلماء والأدباء نساخاً لهم يملون عليهم من معارفهم، ويجيزونهم بالنسخ، والكتابة، كالجاحظ (ت 255هـ) الذي قدم للوزير العباسي عبد الملك بن الزيات نسخة من كتاب سيبويه كتبها الفراء وقابلها الكسائي. وصححها الجاحظ بنفسه. وكان حنين بن إسحاق كاتب أجازه يعرف بالأزرق، كما كتب الربيع بن سليمان لأستاذه الإمام الشافعي (ت 204هـ) كتاب الرسالة، وكتب الجوزجاني لأستاذه الرئيس ابن سينا بعض كتبه التي أملاها عليه. وكثرت الإجازات، والسماعات في القرن السادس الهجري، والسابع الهجري، لكثرة نشوء المدارس ودور الحديث والقرآن، وخاصة في بلاد الشام ومصر، ومثل ذلك الإجازة بالإفتاء والتدريس.

أما المهن والحرف فقد دعت الضرورة إلى إعطاء الأطباء والصيادلة إجازة بممارسة هذه المهنة ومراقبتها لخطورة ممارسة هذه المهنة سياسياً واجتماعياً وصحياً.

وقد لجأ بعض الخلفاء العباسيين إلى إنشاء فرق لمرافقتهم سمّوا بالفتيان كما لاحظ الرحالة ابن بطوطة، وكانوا منقسمين أقساماً وفق حرفهم: كالحلاقين والبزازين وغيرهم، ولكل فئة منهم «شيخ كار» يشرف عليهم، ويعطونه من كسبهم. ولهم زاوية لطيفة يجتمعون فيها. ولايمارس أحد منهم مهنته إلا بإجازة من «شيخ الكار» والمعروف أن العرب سبقوا الغرب في مفهوم الإجازة وأهميتها بزمن طويل.

وظل منح الإجازات العلمية في أوربة بيد الكرسي البابوي حصراً، حتى القرن الثالث عشر الميلادي، حين منح البابا غريغوريوس التاسع جامعة باريس إعفاءات عدة، ومنها: الحق في منح الإجازة العلمية، ووضع الأنظمة من قبل الأساتذة. وكان للحروب الصليبية دور في نقل كثير من العلوم الإسلامية، وتقاليد الفروسية والفتوة، ونظام الحرف والمهن، المتبع في المشرق إلى أوربة. كما كان لحضارة الأندلس دور في منح الإجازات العلمية من جامعاتها لعدد من الباباوات والعلماء الأوربيين الذين درسوا في معاهدها ومساجدها، ومن أشهر المدارس التي كانت تمنح مثل هذه الإجازات: المدرسة العمرية في دمشق، والجامع الأزهر، وبيت الحكمة في القاهرة، والمدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية في بغداد، ومسجد القيروان في تونس، وجامع الزيتونة في تونس، وجامع القرويين في فاس ومسجد قرطبة في الأندلس، وكذلك المدرسة العصرونية والمسجد الأموي بدمشق، ومدارس بخارى وسمرقند ونيسابور ومساجدها، وغيرها كثير في العالم الإسلامي. وقد تطورت الإجازات في العصر الحديث حتى أصبحت كلمة «إجازة نامة» في اللغة الحديثة تدل على الشهادات الدراسية، وكثر التخصص في العلوم والفنون والآداب والطب والصيدلة وغيرها. وأصبحت الإجازة التربوية والتعليمية ضرورة في التربية، والتعليم لتأهيل حاملها للتعليم خاصة.

وهناك «الإجازة المطلقة الحرة» التي لايستهدف حاملها مهنة التعليم: كالحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية وغيرها. وهناك إجازة لممارسة المحاماة، والمرافعة أمام المحاكم.

والإجازة درجة ضرورية للحصول على شهادات الدراسات العليا. وهي «دبلوم الدراسات العليا» و«الماجستير» و«دكتوراه الحلقة الثالثة» ثم الدكتوراه. والنظام المتبع في سورية لمنح الإجازات الجامعية أن مدتها الدراسية أربع سنوات بعد الثانوية العامة في العلوم النظرية والإنسانية، أما الهندسة بأنواعها والصيدلة فمدتها خمس سنوات دراسية بعد الثانوية العامة، والطبابة ست سنوات، ويشترط بعد الحصول على الإجازة سنتان للدراسات العليا (الماجستير) في سائر العلوم والآداب، وسنة للدبلوم التربوي. كما يشترط سنتان على الأقل بعد الحصول على دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) للدكتوراه العلمية والأدبية. ولايحق الحصول على شهادات الدراسات العليا إلا بعد الحصول على الإجازة الدراسية. وتعادل الإجازة السورية في مواد الآداب والعلوم والتربية في النظام التعليمي الأنكلو سكسوني شهادة «معلم علوم» (Master of Art) M.A.

أنواع الإجازات وكيفية منحها:

تنوعت الإجازات في التراث العربي على اختلاف العصور، والمهن ويمكن تصنيفها على النحو التالي:

إجازات الحديث، والفقه، والقراءات، والتفسير، والعلوم الأساسية، والإجازة بالإفتاء، والإجازة بالتدريس: وتدعى صيغة الإجازات «طرائق التحميل» وهي ثماني طرائق: السماع والإقراء والإجازة المكتوبة والمناولة والكتابة بالمراسلة والإعلام والوصية والوجادة.

ثم صارت «الإجازة» مصطلحاً خاصاً عند علماء مصطلح الحديث، وهي أن يأذن ثقة من الثقات لغيره بأن يروي عنه حديثاً أو كتاباً، سواء أكان ذلك الكتاب من تصنيفه أم كان يرويه عن شيوخه بالإسناد إلى مؤلفه، وتكون هذه الرواية بالإذن معتبرة وموثوقاً بها، وقول صاحبها «أجازني فلان» أو «أخبرني إجازة» ونحو ذلك.

ولفظ الإجازة لايشترط القبول فيها، وهي خمسة أقسام:

1.    إجازة مُعيّن لمعيّن سواء كان واحداً أو أكثر: كأجزتك كتاب البخاري، أو أجزت فلاناً جميع ما اشتمل عليه فهرسي.

2.    إجازة معيّن في غير معين: كأجزتك مسموعاتي.

3.    إجازة العموم: كأجزت الحاضرين.

4.    إجازة المعدوم كأجزت لمن يولد، والصحيح بطلانها. ولو عطف على الموجود كأجزت لفلان، ولمن يولد فجائز.

5.    إجازة المجاز كأجزت جميع مجازاتي، وهي صحيحة.

ومن محسنات الإجازة أن يكون المجيز عالماً بما يجيزه، والمجاز له من أهل العلم، وهذه الإجازات أو السماعات أو الإقراء، وغير ذلك من طرائق التحميل، تكتب مفردة للمجاز أو مع جماعة هو بينهم، وتسجل في نهاية الكتاب أو حواشيه أو مقدمته أو بجانب عنوانه وبرقعة منفردة أو في كتيب خاص، وتكون صيغة الإجازة نثراً أو شعراً. وقد يكون المجاز له والمجيز ذكراً أو أنثى.

وقد يجيز العالم تلميذاً، أو عدة تلاميذ لدرس واحد حضروه، ويسمى هذا الحضور «البلاغ» ولايعد من طرق التحميل والإجازة، وعلى الشيخ المجيز أن يضع علامة البلاغ في الكتاب عند بداية الدرس وفي نهايته في شكل نجمة أو دائرة فيها نقطة أو أية علامة غيرها.

وكاتب الإجازة أو السماع غير المجيز يسمى «كاتب الطباق» أو «الطبقة» أو «مثبت السماع» وهو دليل على ثقة الشيخ وحسن خطه، وقد ينسخ الطالب نسخة عن النسخة المحفوظة في المدرسة أو المسجد، وينقل ما أثبت فيها من إجازات أو سماع (وهي صورة عن أصل) وكانت الإجازات في الحضارة العربية الإسلامية تعطى لكل عالم، فلا تفرقة بين جنس أو دين أو مذهب. مثال ذلك إجازة نصير الدين الطوسي سنة 659هـ لعلماء مرصد مراغة لكتاب «النسبية والتناسب» التي جاءت على الصيغة التالية: «سمع جميع الكتاب على مصنفه حكيم الأمة، أستاذ البشر، رئيس الفلكيين، والمهندسين نصير الملة والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي أطال الله عمره، ومتع المسلمين بحياته، كل من السادة الحكماء: حسن بن عبد الله الإستراباذي وإبراهيم بن ممدود (محمود، مودود) الجلاد وإسحاق بن جبرائيل الديلمي وعلي بن محمود اليشكري الربعي وحسام الدين المنجم الشامي وعبد الرزاق أحمد الشيباني (ابن الفوطي) وكمال الدولة أبو علي الفرج الإسرائيلي، ورضي الدين علي بن طاووس وجعفر العروضي الدمشقي (كتب العرضي خطأ) وعلي بن محمد الكاتب القزويني المعروف بديبران، وسنيك سنك قومنجة الصيني الحاسب وعلي شاه محمد الخوارزمي المنجم ومحمد بن عبد الله الشريفي ومحمود ابن مسعود الشيرازي متعه الله بشبابه، وكاتب السماع الفقير يحيى بن فضل النساجوستاني المراغي، في عدة مجالس آخرها الرابع من محرم الحرام من شهور سنة تسع وخمسين وستمئة للهجرة بدار الرصد المحروسة بمدينة مراغة عمرها الله».

وفي نهاية السماع: «السماع صحيح، وأجزت الجميع وكتب الفقير محمد بن محمد بن الحسن الطوسي غفر الله تعالى له». والإجازة صورة عن الأصل (الشكل 2).

أما معنى السماع: فهو سماع لفظ الشيخ: أي تحديث من غير إملاء. من محفوظات الشيخ، أو من كتابه. مع الإجازة للتلميذ. وهو جماعي. (الشكل 3).

(الشكل -2)

(الشكل -3)

أما الإقراء: فهو القراءة على الشيخ سواء قرأ المجاز له من كتاب الشيخ أو من حافظته، أو قرأه غيره، وهو يسمع، وإمساك الأصل عند البعض ضروري. والإقراء منفرد (الشكل 4).

(الشكل -4)

أما المناولة: فهي أن يدفع الشيخ أصل سماعه، أو مقابلاً به للتلميذ أو يعرض عليه الطلب فيقول «هو حديثي أو روايتي فاروه عني، وأجزت لك روايته» ويسمى هذا العمل «العرض».

وأما الكتابة والمراسلة: فهي أن يكتب الشيخ مسموعاته لحاضر، أو غائب بخطه، أو بأمره.

وأما الوصية: فهي أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره، بكتاب يرويه فلان عنه.

وأما الوجادة: فهي من فعل «وجد» فيما أخذ من صحيفة من غير سماع ولا إجازة، ولامناولة: أي أن يحدث أحاديث وجدها بخط راويها.

والإجازة في البيع أو غيره من العقود عند الفقهاء: إمضاؤه. والإجازة عندهم تعمل في تنفيذ الموقوف كإجازة المشتري بالخيار للبيع، لا في تصحيح الفاسد.

ويشترط في المجيز أن يكون أهلاً للتصرف، أو ينعقد به العقد، وأن يكون عالماً بالتصرف الذي أجازه، مع بقاء محل التصرف، وتكون الإجازة للعقد إما بالقول الصريح أو بالكناية أو بالفعل أو بالإشارة أو الكتابة، والإجازة تلحق الأقوال وتلحق الأفعال كالغضب واللقطة والتسلُّم، كما تتحقق الإجازة بمضي المدة في التصرفات الموقوتة وبالقرائن. ومتى أجاز الشخص التصرف نُفِّذ، وإذا ردّه بطل، ولايحق له أن يرجع عن الإجازة.

والإجازة في الشعر: اقتران حرف الروي بما يباعده في المخرج أو أن يكون الحرف الذي يلي حرف الروي مضموماً ثم يكسر أو يفتح، ويكون حرف الروي مقيداً أو أن يتمم الشاعر البيت الذي أنشده غيره مصراعاً منه، أي أن تتم مصراع غيرك.

إجازة مهنة التدريس: قد تكون الإجازة بالتدريس مرسوماً من الحاكم، فيصدر أمراً يسمى «التوقيع» ومعناه الإجازة والإذن بتعاطي مهنة التدريس في المدارس، ويرد المدرس على صاحب التوقيع بكتاب الشكر والقبول، ويطلب عليه اسم كتاب «الإنهاء».

الإجازة العلمية (الطبية، والصيدلانية): قيد الخليفة المقتدر العباسي عام 316هـ/931م مهنة الطب في بغداد بالحصول على إجازة تخول الطبيب ممارسة المهنة. وكان الخليفة المعتصم بن هارون الرشيد، قد سبقه إلى هذا الأمر بالإيعاز إلى وزيره الإفشين أن يأمر الصيدلاني زكريا الطيفوري بضبط الصيادلة ومراقبتهم وامتحانهم وإعطائهم الإجازة بممارسة مهنة الصيدلة، وعمّ هذا التقليد من بعد ذلك في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكان لرئيس الأطباء، والمحتسب دور في مراقبة الأطباء والصيادلة. والتحقق من صحة إجازتهم التي حصلوا عليها من مدارس دمشق أو القاهرة أو غيرها. كالمدرسة «اللبودية النجمية» والمدرسة «الدينسرية» والمدرسة «الدخوارية» والبيمارستان النوري في دمشق وغيرها.

الإجازة بنسخ الكتب: إن أقدم إجازة عثر عليها فيما يتصل بنسخ الكتب تلك التي عثر عليها العلامة أحمد محمد شاكر عند تحقيقه لكتاب «الرسالة» للإمام الشافعي في أصول الفقه، إذ ورد في نهاية النسخة المخطوطة المعول عليها في التحقيق: إجازة من ناسخ الكتاب تلميذه الربيع بن سليمان في سنة خمس وستين ومئتين للهجرة بالإذن في نسخ الرسالة وهي ثلاثة أجزاء وكتب الربيع بن سليمان بخطه.

(الشكل -5)

الإجازة العلمية: وهي إجازة معرفة العلوم. فإذا آنس الطالب من نفسه القوة في العلم، والتدريس والإفتاء في مجالات العلوم، وطلب من أشياخه أن يجيزوه، كالإجازات التي كان يمنحها الجامع الأزهر والمدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية والمدرسة العمرية وجامعة القرويين والمدارس العصرونية ومدارس بخارى وسمرقند ونيسابور وقرطبة وغيرها من مدن العالم الإسلامي.

الإجازتنامه: وبقصد بها «كتاب الإجازات» وهو مصطلح تركي متأخر ويقابله في بلاد الشام «الثبت» وكذلك «معجم الشيوخ» في بغداد وبلاد الشام، وفهرس الفهارس والفهرسة في بلاد فارس، والبرنامج في بلاد المغرب وهي: مجموع إجازات العالم، ومروياته عن شيوخه. كفهرسة ابن خيبر الإشبيلي وثبت ابن عابدين، ومعجم شيوخ الذهبي، وبرنامج شيوخ الرعيني، وفهرس الفهارس للكتاني، وتدل «إجازة نامة» في اللغة الحديثة على الشهادات الدراسية.

إجازة الفتوة والصوفية والجمعيات الحرفية: وهي إجازة يعطيها شيخ الطريقة لتلميذه وفق مراسيم معينة في احتفال خاص، وتمهر الإجازة بخاتم شيخ الطريقة (الشكل 5) ويؤخذ العهد من المريد بالتقيد بتقاليدها، وتعاليمها. وهذه الإجازة تكاد تكون متماثلة في منظومات الفتوة والأخية وأكثر الجمعيات والطرق الصوفية، كالقلندرية، والملامتية، والرفاعية، والنقشبندية، والشاذلية، والكيلانية، وغيرها.

وإن تشابه الشعارات والتقاليد في الطرق الصوفية والفتوة والجمعيات الحرفية دليل على أنها من منبع واحد. ولم يكن يسمح لأحد بممارسة الحرفة إلا بإجازة من «شيخ الكار» أو «جاويش المهنة» أي النائب في احتفال خاص يدعى «الشد» ويؤخذ العهد على المنتسبين والمترقين من درجة عامل إلى معلم بالمحافظة على المهنة وأسرارها. ويتم التعارف بين المستجدين والمتقدمين في المهنة الواحدة، ويدفع المنتسب رسم الانتساب «لشيخ الكار». وقد ظلت هذه التقاليد مرعية حتى مطلع القرن العشرين وكان «شيخ الكار» في دمشق من آل العجلاني، وفي الاحتفال بإعطاء الإجازة يشد الزنار ويوسط المريد، ويشرب من كأس الفتوة ويذوق الملح. ويرجع سند الفتوة في إجازاتهم إلى سيد الفتيان علي بن أبي طالب.

(الشكل -6)

إجازة الخط: وهي إجازة يمنحها الأستاذ في الخط والزخرفة لتلميذه عندما يأنس عنده البراعة في معرفة الأقلام والخطوط والزخرفة، وتكون الإجازة على شكل لوحة «بسملة» أو «حلية» أو «دعاء» أو على شكل لفافة، أو رسالة يذكر المجيز فيها للمجاز له سلسلة الخطاطين الذين أخذ منهم وطريقتهم. وسند الخطاطين يرتقي إلى الخطاط الكبير ابن البواب (ت 413هـ) أو الوزير المبدع ابن مقلة العباسي (ت 328هـ) أو قبلة الخطاطين ياقوت المستعصمي (ت 698هـ) أو غيره وتكتب الإجازة بخط «قلم الإجازة» (الشكل 6).

إجازة حفظ القرآن، والمؤذنين، والوعاظ، والخطباء وغيرهم: ماتزال تمنح إلى اليوم في معاهد حفظ القرآن «كمعاهد الأسد» بدمشق لحفظ القرآن، والزوايا الصوفية المنتشرة في أرجاء العالم الإسلامي، وقد تمنح الإجازة لحفظة القرآن مع التجويد لجزء من القرآن أو بكامله، وتجري للحفظة مسابقات ويمنح الفائزون منهم مكافآت مناسبة، كذلك يحصل المؤذنون، والموقّتون في المساجد على إجازة إتقانهم للأذان ومعرفة الأنغام ومراقبة الأوقات، ويؤخذ العهد منهم على الوضوء للأذان وعدم الاطلاع على عورات المسلمين وهم فوق المآذن، وسند إجازتهم عندهم يرتقي إلى بلال بن رباح الحبشي مؤذن الرسول. وأما الوعاظ والخطباء فما زالوا إلى اليوم تحت مراقبة وزارة الأوقاف في المشرق والحبوس في المغرب، وتمنع ممارسة الوعظ والخطابة في القرى والمدن من دون إجازة تحت طائلة عقوبة القانون.

الإجازات الإدارية والقانونية: وهي مظهر من مظاهر نشاط الإدارة تعرب فيه عن إرادتها بإعطاء الخيار لصاحب العلاقة بعمل معين، وتحرره من القيود الخاضع لها. وإن قام بالعمل من دون الحصول على الإجازة تعرض للعقاب. ففي نطاق الضابطة الإدارية في المواضيع العامة أو الخاصة تخضع النصوص ببعض الأعمال للإجازة أو الترخيص والغرض من فرضها تمكين الإدارة من ممارسة رقابتها: فصنع الأسلحة والذخائر ونقلها يخضع لترخيص وزارة الداخلية وموافقة مجلس الوزراء، كما يخضع للترخيص أيضاً نقل السلاح، واستعمال السيارة وسوقها، وبناء الأبنية وتشييدها، والتنقيب عن المناجم، وحفر الآبار، واستثمار الغابات، وتأليف الشركات، وبيع التبغ والتنباك والمشروبات الروحية، والمطبوعات الصحفية، والمؤسسات الفندقية، والصيدليات، وقابلات التوليد المجازات من معاهد التوليد، والأطباء وإجازات الاستيراد والتصدير، وكل هذه الإجازات تخضع للرقابة والتفتيش، وكل عامل في الدولة سواء كان عسكرياً أو موظفاً، لايستطيع مغادرة عمله من دون الحصول على إجازة من رؤسائه بحسب القوانين والأنظمة المعمول بها.

وكذلك يخضع افتتاح المؤسسات التعليمية والمعاهد التعليمية الخاصة لمراقبة وزارة التربية في الدولة. ولاتمنح إجازة ممارسة مهنة المحاماة والمرافعة أمام المحاكم إلا بعد تمرين مدته سنتان، والانتساب إلى نقابة المحامين. ويحق للنقابة سحب الترخيص وسحب الإجازة بممارسة المرافعة والدعاوى حين الإخلال بشروط المهنة وأخلاقها.

أهمية الإجازة في التراث العربي: تحتل الإجازة مكانة مهمة في مجال تحقيق الكتب، إذ يمكن للمحقق أن يستنبط أموراً كثيرة منها: أسماء المجيزين، والمجاز لهم وولادتهم ووفياتهم ومؤلفاتهم، وأسماء الحاضرين والمعاصرين لهم. ونسخة النص الذي قرئ وتاريخ نسخها. والإجازات وثائق صحيحة تدل على ثقافات العلماء الماضين مما قرؤوه أو سمعوه من شيوخهم، ومصدر للتراجم والألقاب والوفيات وسنيها، ومراكز العلم في البلاد الإسلامية، والحالة الاجتماعية للمجازين ومن عاصرهم، والكتب المفقودة وأسمائها وأسماء مؤلفيها، والنسخ المذكورة في الإجازة، ورجال إسنادها أو رواتها وغير ذلك.

ومازالت الإجازة سارية المفعول عند العلماء حتى اليوم. يتداولها الأئمة والعلماء ويعتزون بنيلها والحصول عليها، سواء أكانت من الدولة أم من الأفراد.

محمد عدنان الجوهرجي

مراجع للاستزادة:

ـ أحمد محمد شاكر، شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث (مصر 1353هـ).

ـ عبد الرحمن السيوطي، تدريب الراوي (مصر - الخيرية 1307هـ)


التصنيف : الشريعة
النوع : دين
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 366
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 564
الكل : 31123772
اليوم : 25162

سافيني (فريدريخ كارل فون-)

سافيني (فريدريخ كارل فون ـ) (1779 ـ 1821م)   فريدريخ كارل فون سافيني Friedrich Karl von Savigny  رجل قانون ألماني، مؤسس نظام القانون المدني الحديث في ألمانيا. ولد في فرانكفورت على الماين، وتوفي في برلين. كما يُعد مؤسس نظام القانون الخاص. دافع سافيني عن الفقه التاريخي Historical Jurisprudence في تعرُّف القوانين القائمة والعمل بها.
المزيد »