logo

logo

logo

logo

logo

الإفريقية (الفن البدائي-)

افريقيه (فن بدايي)

Africa - Afrique

الآثار والفنون

 

خلفت بعض القبائل الإفريقية المتفرقة في أنحاء القارة آثاراً فنية تتبدى في عدد كبير من المنحوتات والتماثيل والرسوم المصورة على الجدران أو الصخور المستوية، ويعود أقدم ما عثر عليه منها في إفريقية المدارية إلى القرن الثالث للميلاد، حيث عثر في بعض مكامن القصدير الحالية في نيجيرية على بعض الأدوات الفنية، وعلى أجزاء متنوعة من التيجان والتماثيل والمقاعد الحجرية التي تعود إلى حضارة نوك Nok، كما عثر في الجنوب الغربي من نيجيرية على بعض المقاعد المصنوعة من الكوارتزيت، والتماثيل الحجرية، وبعض الأدوات البرونزية التي تعود إلى ما بين القرنين الثامن والعاشر للميلاد، واكتشفت على الضفة اليسرى من نهر النيجر وفي شمالي إفريقية آثار ومخلفات حضارية كثيرة كالتماثيل المصنوعة من الطين المشوي التي تشبه التماثيل المكتشفة في مناطق غربي إفريقية، وعثر في المنطقة الممتدة بين بحيرة تشاد ونيجيرية والكمرون على مواقع أثرية فيها قطع من الطين المشوي والبرونز تعود إلى المدة الواقعة بين القرنين العاشر والسادس عشر للميلاد.

وأكثر الآثار والمخلفات القديمة المعروفة حتى اليوم في إفريقية هي التماثيل والآثار المحفورة على الخشب، أو المنحوتة في الحجر، أو الفخاريات المعروفة في غربي القارة خاصة، وكان الفنانون يختارون أشجاراً بعينها، وينتزعون لحاءها قبل الحفر عليها، ويستعملون لذلك أدوات متنوعة الأحجام والقياسات والأشكال، واستعمل الفنانون الذين قاموا بصنع التماثيل الطينية الجلود الجافة، وأنواعاً خاصة من أوراق الأشجار لزيادة نعومة جسم التمثال بإمرار هذا الجلد أو الورق على التمثال قبل أن يشوى أو يجف، واستعملوا العاج في هذه الصناعة أيضاً.

وأما صناعة الخزف والفخار فقد اختصت بها النساء، وظهرت بعض التماثيل الفخارية المطلية بطبقة رقيقة من الشمع، وكانت معدودة في الصناعات الراقية التي يتوارثها الأبناء عن الآباء.

فن العمارة

لم تُكْشف الأبنية الحجرية القديمة في إفريقية إلا في جنوبي القارة (زمبابوي). أما بقية أنحاء القارة فكانت منازلها تبنى من الأخشاب وبعض المواد الفخارية أو الطينية أو الجلدية. ويعدّ الفخار مادة أساسية في بناء بيوت المناطق المدارية، والخيزران في المناطق الاستوائية. وتمتاز هذه المنازل ببساطتها، مع شيء من التنوع في أشكالها الخارجية ومظاهرها، وقد صنفها بول ميرتيب في أربع مجموعات رئيسية: فهناك نموذج تكون فيه الجدران والسقوف مؤلفة من قطعة وحيدة، وقد تتخذ المنازل شكلاً مستطيلاً أو مربعاً، وقد تكون مشيدة فوق أربعة أعمدة مرفوعة، في المناطق الرطبة أو الزراعية، وتبنى هذه المنازل عادة على نحو دائري، وبسقوف مخروطية الشكل، أو على هيئة مكعبات، وبسقوف مستوية، كما في المناطق السودانية الجافة أو مناطق شعب دوغون بمالي، وقد تتعدد طبقات هذه المنازل في المدن التجارية التي نشأت في القرون الوسطى مثل مدن جينه وكانو وتمبكتو، كما ظهرت أنواع أخرى من المنازل أو الأبنية العسكرية المحمية من الهجمات المعادية، وذلك بإحاطتها بأسوار دفاعية وخنادق عميقة وعريضة ومتاريس حجرية وترابية، فضلاً عن وجود كثير من القرى والمدن المحاطة بأسوار للحراسة والدفاع ولمنع الغرباء من الدخول إليها، وقد انتشر هذا الطراز في مناطق الغابون خاصة.

أما القصور الملكية فقد امتازت باتساعها وزخرفتها ورسومها الجدارية الملونة، وأهمها قصور زعماء الباميكلة في الكمرون، كما اتصفت الأبنية الدينية بتواضعها وبساطتها عند الجماعات غير الإسلامية، وكثيراً ما كانت الاجتماعات الدينية تعقد في العراء. أما العواصم فكانت في أغلب الأحيان قرى كبيرة، تختفي وتتهدم مع انقراض السلالة المالكة التي أنشأتها، من دون أن تخلف آثاراً محددة، مما يجعل من العسير تحديد مواقعها بعد اندثارها، كما وجدت بعض المدن المهمة التي نشأت مبكرة، واستمرت في تطورها حتى اليوم، كما في بعض المدن النيجيرية التي أقامتها قبائل اليوروبا التي سكن زعماؤها القلاع والحصون والقصور وتحيط بها مدينة صغيرة لا يُتبع في بنائها وتأسيسها مخطط واضح ومميز.

وكانت الرسوم في إفريقية في عصور ما قبل التاريخ تصوّر على الصخور أو الواجهات الحجرية الملساء كما في جبال تيبستي وهضاب جنوبي الصحراء الكبرى، واستمر هذا الأسلوب في الرسم حتى أواخر القرن التاسع عشر، إذ استخدمته قبائل البوشمن في جنوبي القارة، في حين استخدم الدانش والفيري في ساحل العاج والبيديوغو في غينية والإيبو في نيجيرية الجدران لرسم اللوحات المتنوعة، كما استخدمت قبائل الماغبيتوس جلود الحيوانات لرسم هذه اللوحات، وقلما تستخدم سقوف المنازل لهذا الغرض.

الموسيقى

للموسيقى الإفريقية خصائص متميزة، وأدوات خاصة، وتقاليد عريقة. وقد درج الباحثون على إطلاق اسم الموسيقى الإفريقية على الموسيقى التي يؤلفها الأفارقة الأصليون جنوب الصحراء الكبرى ويؤدونها، ويستثنى من هذا التعريف الموسيقى المتأثرة بأصول أجنبية واضحة والمقتبسة عن موسيقى الأمريكتين وأوربة والموسيقى الشرقية السائدة في بعض مناطق إفريقية. ويمكن القول إن الموسيقى الإفريقية هي الموسيقى التقليدية الموروثة التي تختص بها القارة الإفريقية، تنتقل سماعاً بلا انقطاع، وتتطور باستمرار كلما أضاف العازفون إليها عناصر جديدة أو أسقطوا منها عناصر سابقة من دون أن يخرجوا بها عن الأطر المحددة لها والمقبولة محلياً. والتراث الإفريقي غني بالعناصر الموسيقية فلا يوجد مجتمع واحد في إفريقية كلها ليس له موسيقى خاصة به، وهي موسيقى معقدة إلى درجة ما متعددة الإيقاع ومتعددة الأصوات والأنغام. وهي كذلك موسيقى شعبية ويستعصي على الموسيقيين الأفارقة إدراك المبادئ المجردة لموسيقاهم هذه، إلا أن إسهام كل أعضاء المجتمع الإفريقي من غير تردد في أي نشاط موسيقي يدل على وجود مبادئ مشتركة غير مكتوبة أو منظومة تسهم في إغناء تراثهم الموسيقي. وقد تكون للرجال موسيقاهم وللنساء موسيقاهن، وثمة ألوان أخرى دينية أو طقسية أو خاصة، وهناك أنواع من الرقص والغناء تقتصر على المناسبات والاحتفالات. وللموسيقى في غربي القارة مكانة متميزة، تتعدد فيها الآلات وخاصة الآلات الإيقاعية. وأهم آلات الموسيقى الإفريقية الطبل بأنواعه وأشكاله المختلفة، وقد مهر الأفارقة في استخدامه إلى أبعد الحدود.

محمد وليد الجلاد

 

الفن البدائي الإفريقي

لما كان المقصود من هذا  البحث الحديث عن فنون إفريقية قبل أن تقع تحت تأثير الفتوحات الأجنبية المتعددة، وكان الغالب في تلك الحقبة من الزمن عدم وجود حدود ثابتة بين المجتمعات الإفريقية، وكانت أسماء المناطق، وكذلك ما نشأ معها من دول، متعددة ومتداخلة في حالات كثيرة، فإن من المناسب عند الكتابة عن هذه الفنون الانطلاق من التقسيمات السياسية القائمة اليوم ليكون القارئ على بيّنة من المكان الذي ظهر فيه الفن الذي يتناوله البحث، ومن المناسب كذلك الوقوف في نهاية هذا البحث عند نقاط التشابه بين الآثار الفنية هنا وهناك لإعطاء فكرة عما يتميز به الفن الإفريقي البدائي.

1 ـ الفن الإفريقي البدائي في أقطار إفريقية الغربية

مالي Mali: ترجع أصول الجماعات المعروفة باسم تلّيم Tellem ودوغون Dogon وبمبارة Bambara إلى المنطقة المسماة اليوم مالي، وتفاعلت مع بيئتها وطبيعتها وأفادت من توافر المواد الأولية في إبداع روائعها الفنية.

وقد حلت جماعات دوغون محل جماعات تلّيم وحافظت على تراثها الفني القبلي في الغابات المنتشرة فوق صخور باندياغارا Bandiagara قرب مدينة تمبكتو. وتعدّ قبيلة دوغون من أهم قبائل إفريقية في ميدان فن النحت الذي يعود فضل إبداع معظم روائعه إلى فئة «الحدادين»، مما يفسر أثر تقنية مهنتهم في النحت الخشبي وخطوطه القاسية بحسب رأي وليم فاغ William Fagg في كتابه «المنحوتات الإفريقية». وكانت الكهوف التي استخدمتها قبيلة دوغون مقابر لموتاهم  خير مساعد في المحافظة على المنحوتات الخشبية الجميلة.

نحت خشبي يمثل زوجين من الأجداد

(جمهورية مالي ـ القرن الثاني عشر)

يحتفظ مجتمع بمبارة بأساطير طريفة تدل على محاولات الإنسان البدائي القديم الوصول إلى المعرفة واكتشاف أسرار هذا الكون الصاخب والغامض. ومن أطرف تلك الأساطير أسطورة رب المياه فارو Faro الذي خرج من الخواء وانتصر على بمبا Pemba رب الأرض، وأخذ ينشر الحياة الحضارية في العالم.

إن الروائع الحديدية المكتشفة في مالي تدل على خبرة مجتمع بمبارة في ميادين هذه الصناعة وعلى مهارتهم اليدوية وذوقهم الفني ومتطلبات مجتمعهم من الفن. وتدل روائع صناعة الفخار المكتشفة في موقع موبتي Mopti على مدى إدراك ذلك الصانع الفنان إمكانات مادة الصلصال. وتجدر الإشارة إلى أهمية الأقنعة والتماثيل وتنوعها ووظائفها في الحياة الروحية والاجتماعية. ومن أشهر الروائع الفنية التي أبدعها فنانو مالي:

ـ تمثال زوجين جالسين وقد وضع أحدهما يده على كتف الآخر.

ـ تمثال نومّو Nommo رافعاً يديه.

ـ تماثيل ثلاث نساء إحداهن جالسة القرفصاء، والثانية متشابكة القبضتين، والثالثة متجملة بطوق.

ـ روائع فنية حديدية تنتهي في أعلاها بأشكال تماثيل مبسّطة متميزة بحركة الأيدي، تستخدم في الطقوس.

ـ مقعد له ثماني قوائم منحوتة تذكر بتماثيل الكارياتيد اليونانية.

قناع إفريقي للرقص (مالي)

ـ تمثال آرو Arou على كتف أخيه ديون Dyon إشارة إلى ذكريات الهجرة والاستقرار، وتكوّن المجتمع ومؤسساته السياسية والروحية.

ـ تمثال لملكة بملامح الوقار ويدها اليمنى منسدلة إلى الأسفل ويدها اليسرى منثنية معبرة عن الحركة والحياة.

ـ صحن على ظهر حيوان ويعلو الغطاء تمثال فارس.

ـ تمثال يهبط على رأسه كائن يرفع يديه مجسّداً فكرة أو وحياً.

ـ تمثال أول الكائنات «ديوغو سيرو» Dyougou Serou يبدو جالساً يغطي وجهه خجلاً من خطيئته.

ـ تمثال امرأة واقفة تسحق بمطرقة خشبية حبات الذرة في جرن.

ـ طرف باب معبد غني بالزخارف المتناظرة ذات المعاني والمدلولات الرمزية.

وتجدر الإشارة إلى أن جماعات ماندنغ Manding مشهورة بمهارتها وصلاتها الحضارية بالأقطار العربية الإفريقية.

 غينية Guinée: أقامت قبائل ومجتمعات مختلفة في المنطقة المسماة اليوم غينية، وتوارثت أجيالها المتعاقبة قصصاً أسطورية طريفة متعلقة بالكون وخالقه وكائناته وفلسفته، وأبدعت كل ما ينسجم مع معتقداتها ويلبّي متطلباتها المختلفة. وتعدّ قبيلة توما Toma أو لوما Loma من القبائل الناطقة بلغة ماندي Mande ومناطقها في غينية الداخلية. وقد أبدع فنانوها أجمل الأقنعة المتنوعة التي تعدّ من خصائص فنهم، ويتميز قناع المذكر بالشكل المتطاول ويسمى لاندا Landa ويتردد بكثرة على ألسنة القبائل الناطقة بلغة ماندي مثل قبيلة نالو Nalu. وهناك قناع الأنثى المسمى نيانغباي Nyangbai ويمثل هراً برياً. وثمة نوع ثالث من الأقنعة يعلوه قرنان. وكل هذه الأقنعة مستوحاة من عالم الأدغال والسهوب، ويتميز الوجه بالتبسيط والتسطيح، وله جبهة بارزة وأنف مثلث، وتميز خصائص هذه الأقنعة في بعض أقنعة قبيلة أوغوني Ogoni التي قطنت شرقي دلتا النيجر.

وهناك كذلك قبيلة باغا Baga الصغيرة في غينية التي أبدعت الأقنعة الخشبية الثقيلة المعروفة باسم نيمبا Nimba التي تمثل، كما يقال، ربة النمو ومعبودة المجتمع سيمو Simo. ومن منتجات فنانيها الخشبية تمثال نصفي كبير له رأس متميز بخطوطه المنحنية. ويغطي جسمه ثوب ضخم من الألياف، يضعه الراقص على رأسه، وينظر من خلال ثقبين صغيرين من الخشب بين ثديين رمزيين. يضاف إلى ذلك كثير من الأقنعة الخشبية المتعددة الألوان والمتميزة بالبساطة.

ومن أشهر الأعمال في الفن الغيني:

ـ قناع ذو ساقين طويلتين.

ـ زينة خوذة مستديرة الشكل كبيرة الحجم عليها زخارف هندسية كريش الطاووس.

ـ قناع من نوع نيمبا الذي كانت جماعات باغا تستخدمه، ويضم جذعاً يُدخل فيه الراقص رأسه مما يجعل هذا العمل الفني قناعاً وتمثالاً.

ـ تمثال كائن جالس تتشابك قبضتا يديه، وكان يوضع في الحقول ويعدّونه من أرباب الأرز.

 سيراليون Sierra Leone: أقامت في المنطقة المسماة اليوم سيراليون قبائل ماندي وتيمنه Temne وغيرها. تعدّ قبائل ماندي أهم قبائل سيراليون منذ أربعة قرون، وتتحدث بلغة ماندي فو  Mande-Fu وقد أبدع صناعها أعمالهم المتميزة بالعفوية والبساطة والجمال. ومن هذه الأعمال الفنية تماثيل معروفة باسم مينسره Minsereh تستخدمها سادناتٌ في فنون الطب السحري انطلاقاً من الاعتقاد بفكرة «حيوية المادة» وقدرتها على نقل إرادات الأرواح بوساطة السادنات.

كان بين قبيلة تيمنه وقبيلة باغا المقيمة في غينية قرابة وثيقة. وقد تركت قبيلة تيمنه وجماعة شيربرو Sherbro التي كانت تبدع منحوتات حجرية جميلة تعرف باسم نومولي Nomoli، آثاراً في معظم أراضي بلاد سيراليون. ولكن من المتعذر اليوم تمييز تلك الأعمال من أعمال قبيلة ماندي. ومهما يكن، فإن الأعمال المذكورة تتصف بحرية الخط الممتد، مما أوحى إلى وليم فاغ أن يُشبهها بلوحات الفنان ماتيس[ر] Matisse التي تمثل الوصيفات Odalisque. ومن الأعمال المتميزة في سيراليون الأقنعة التي لها شكل خوذة.

 ليبيرية Liberia: وفي المنطقة المعروفة باسم ليبيرية أدرك الفنان دوره ومسؤوليته في المجتمع الإفريقي، فأبدع آثاره الفنية متأثراً ببيئته الإفريقية وملتزماًَ تلبية متطلبات مجتمعه، ولكن أحوال بلاده جعلته متأثراً بأوربة أكثر من زملائه في بقية الأقطار الإفريقية.

قناع إفريقي من البرونز والخشب (قبيلة سينوفو)

 ساحل العاج Cote D’Ivoire: حرصت قبيلة بولي Baule التي تقطن منطقة ساحل العاج الشرقية على التعبير عن الجمال أكثر من رغبتها في التعبير عن القوة بحسب تعبير وليم فاغ. ولكن الرقة تؤدي أحياناً إلى التبذل. وتتجلى نفحة إنسانية تميز فن الأقنعة لدى قبيلة بولي كما تميز فن قبيلة يوروبا Yoruba الشهيرة في نيجيرية. والجدير بالذكر أن قبيلة بولي انفصلت عن قبيلة أشانتي Ashanti منذ نحو ثلاثة قرون، وكان للموارد الطبيعية في منطقتها أثر كبير في ازدهار فن النحت على يد فنانين من قبيلة بولي كانوا يفضلون الأشكال البسيطة، شأنهم في ذلك شأن بقية فناني غينية ونيجيرية.

أقامت جماعات قبيلة سينوفو Senufo في شمالي بلاد ساحل العاج، وجاورتها جماعات قبيلة نافانا Nafana أيضاً. وقد تميزت حضارة سينوفو بغناها بالأقنعة المتنوعة التي تمثل أحياناً أشكالاً نصف آدمية ونصف حيوانية. وهناك تماثيل جميلة مختلفة تعرف باسم دبلي Deble، كان أعضاء الروابط كرابطة لو Lo يدوسون الأرض بوساطتها وهم يؤدون رقصاتهم التي تتطلبها المناسبات المختلفة. وقد عثر في قرية لاتاها Lataha في منطقة كورهوغو Korhogo على أحد هذه التماثيل القديمة المتميزة بجمال التشكيل والمنحنيات في الجذع والأعضاء حول محور شاقولي غير مرئي.

وتجدر الإشارة إلى التماثيل الفخارية الجميلة التي استطاع مبدعها بمهارته أن يجعل من مادة الطين روائع فنية جميلة. أضف إلى ذلك منتجات الزخرفة المعتمدة على عناصر مؤلفة من وحدات على صورة السمك. ومن أشهر الأعمال في فن ساحل العاج:

ـ تمثال أحد الأجداد يبدو واقفاً.

ـ تمثال لملكة (ربما كانت أورا بوكو Aura Pokou) تبدو واقفة ويعلو رأسها ما يشبه التاج.

ـ تمثال رجل وتمثال امرأة يبدو كل منهما واقفاً ويداه على جانبي بطنه.

ـ تمثال قرد بحركة لها علاقة بموضوع الهذيان والمسّ والاستحواذ.

ـ قناع مزدوج، وأقنعة مختلفة كان لها أهمية كبيرة في المجتمع الإفريقي.

تمثال للأم نحت من الخشب (ساحل العاج)

ـ حاملة الروح، وتدل على الاعتقاد بأن الروح «أوكرا» توجد قبل الولادة، وتكون حامية الإنسان طوال حياته، مما جعل ذلك الصانع الفنان يبدع صفائح تمثل الوجه يحملها الإنسان على صدره.

ـ تماثيل جنائزية مثل تمثال امرأة تزين الأطواق عنقها.

ـ تمثال امرأة واقفة وتبدو أصابع يديها معبرة عن حيوية وحركة.

ـ باب معبد يتوسطه قرص يرمز إلى قلب العالم، ومركزه، يشع منه شعاعان، وحوله فارسان، وشخص له قناع بقرن، وهناك طائر له منقارٌ طويل، وقناع بشكل وجه إنسان، وتمساح وسلحفاة وثعبان.

ـ باب ملكي تزينه صورة جانبية لفيلة على خلفية من أشكال المعينات الزخرفية، وفي الأسفل فيل له نابان منحنيتان، وكان هذا الباب يعود إلى «كواكو آنوجبيلي» زعيم قبيلة بولي وحفيد الملكة أورا بوكو، وكان يعتقد بأن الفيل رمز القوة والخصب وطول العمر. وكان المثلث يعد رمز الثالوث، وشكل المعين رمز الأنوثة.

بوركينا Burkina: أقامت جماعات قبيلة بوبو Bobo  وموزي Mosi وغيرها في المنطقة المسماة اليوم بوركينا فاسو. وتضم قبيلة بوبو جماعات كثيرة من أشهرها بوبوفينغ Bobo-Fing أو بوبو السود، وبوبو أولي Bobo- Ule أو بوبو الحمر، وبوبو غبي Bobo-Gbe  أو بوبو البيض، (بحسب رأي وليم فاغ). وأنتج فنانوها الأقنعة الجميلة المستخدمة عادة في الطقوس المختلفة ولا سيما الزراعية، ومعظم النماذج المعروفة هي من إبداع فناني جماعات بوبو السود من منطقة بوبو ديولاسّو Bobo-Dioulasso. ويميز وليم فاغ في أعمالهم طرازين مختلفين، الأول ذو بعدين، بأشكال هندسية وتجريدية، ملونة بالألوان الأحمر والأبيض والأسود. أما الطراز الثاني فإنه قريب من فن النحت البارز، ويتخذ شكل قناع خوذة بيضوي الشكل ويعلوه أحياناً تمثال صغير يمثل إنساناً، ويضاف إلى ذلك استخدام مادة الخشب القاسي.

وتعد قبيلة موسي أو موشي القبيلة الرئيسة في الفولتة العليا، وتتألف من جماعات مدنية اعتنقت الإسلام منذ مدة بعيدة. وهناك جماعات ريفية لها معتقداتها القبلية ويتمثل فنها بالأقنعة التي تتصف بالبساطة والتجريد. وينسب وليم فاغ سبب ذلك إلى اعتناقها الإسلام. وهكذا اعتمد الفنان على التشكيلات الهندسية وقد يدخل عليها نادراً الشكل الإنساني.

وكان مجتمع بوبو يقدس الأرض، ويعدّها أصل كل الأشياء، ويعتقد أن مورونابو Moro-Nabo امبراطور جماعات قبيلة موزي مرتبط بالشمس، وأن أقدامه تحرق الأرض إذا لمستها. وتناقلت الأجيال المتعاقبة مختلف القصص الأسطورية معبرة عن رغبتها في معرفة أسرار هذا الكون الصاخب، واستنتاج التدرج غير المحدود في هذا العالم الواسع، والاعتقاد أن الكون يتمتع بقوة حلت فيه من عالم علوي.

وجدت في منطقة فاد نغورما Fad n’gourma شعائر ذات طابع فني تعتمد على هدايا وأضحيات تقدم عند قبر الجد. وهكذا كان رجل الدين الإفريقي يقوم بالطقوس بدقة فنية يملؤه شعور الاحترام والقداسة والصفاء، ويضع على الأرض وعاء طعام من صنع محلي يتبرك الحاضرون بالاشتراك في تناول ما يحويه.

 وكانت لدى مجتمع يارسي Yarsi جلسات ورقصات إيقاعية منسجمة مع ضربات الطبل الذي يتبارك به الأطفال. ويعبر الطين الأبيض الذي يدهنون به أجسادهم عن انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى حياة الرجولة. وهكذا فإن الطقوس ومتطلباتها الفنية من أهم واجبات الفنان.

وكان لفنون النحت والموسيقى والرقص والغناء التي تكوّن ثقافة شعب بوركينا فاسو (الفولتة العليا) وحضارته أثر كبير في الشعائر والمعتقدات، شأنها في ذلك شأن الشعوب الأخرى في الأقطار الإفريقية. ومن روائع فناني هذا الشعب أيضاً:

ـ الأقنعة المسماة وانغو Wango، ويسمى من يحملها «نابا» أي زعيماً أو سيداً.

ـ قمة قناع بشكل رأس غزال.

غانة Gana: اشتهرت المنطقة المسماة اليوم غانة باسم بلاد الذهب وساحل الذهب وذلك لكثرة الذهب في مناجم غالام Galam وبامبوك Bambouk. وقد استوطنت قبائل أشانتي معظم أراضي غانة الجنوبية، وتوسعت في مثلث السهوب والأدغال مما جعلها في مواجهة تأثيرات الشرق. وكانت أشانتي قد انفصلت عن قبيلة بولي. وإذا كانت قبيلة بولي قد اهتمت بموارد أرضها الطبيعية، فإن قبيلة أشانتي اهتمت بالموارد الموجودة تحت الأرض، وأبدع فنانوها روائعهم الجميلة من الذهب، مما جعل حضارتهم وفنونهم ذات طابع ذهبي. أما المنحوتات الخشبية والمعدنية فإنها تتميز بأبعادها الصغيرة. وهكذا فإن الدمى الصغيرة المعروفة باسم أكوآبا Akua’ba، التي كانت الفتيات الصغيرات يحملنها، كثيراً ما تتصف بالتجريد. كما أن الموازين النحاسية الصغيرة الجميلة والتقليدية كانت مستخدمة في مساومات مسحوق الذهب.

وكانت أهم منحوتاتهم مصنوعة من الطين المشوي بأنماط مختلفة تميز بها فن أشانتي. وذكر وليم فاغ أنه عثر على أحد نماذجها في كاجيبي Kajebi في شمال بلاد إيوي Ewe اليوم.

كل ذلك يؤكد أن مملكة أشانتي التي اتخذت كوماسي عاصمة لها، والتي ازدهرت في القرن العاشر والحادي عشر بعد الميلاد، أسهمت جدياً في نشوء الفن الإفريقي وتطوره، وإن تكتل جماعات ساراكولي Sara- Kolles جعل منها قوة مهمة لها معتقداتها الروحية، وفنونها المحلية المتميزة.

يقول عبد المنعم شميس وكامل عبد المجيد في كتابهما عن غانة «... يعدّ النحت في غانة الفن الرئيس بدلالته، والنحات الغاني مازال يقدم إنتاجه من الخشب والعاج والمعدن...». وإذا كان الرجل قد تفنن في إبداع المنحوتات، فإن المرأة أبدعت في ميدان الفخار. ثم إن الرسم، وفن الحفر على الأقنعة، وإبداع الآلات الموسيقية، وفن الرقص بأنواعه المتصلة بالسحر والحرب والنساء، كل هذه تمثل مفهوماً عن حركة فنية أصيلة وجميلة في غانة.

ومن روائع فنون غانة ما يلي:

ـ دمية من شخصين متماسكين بالأيدي بحركة إيقاعية، من فنون أكوآبا كانت نساء أشانتي يحملنها في انتظار مولود.

ـ صنجات لوزن الذهب لها شكل إنساني متميز بالبساطة.

ـ تمثال جنائزي له رأس كبير مستدير وعينان شاخصتان ويدان تشكل كل منهما نصف دائرة.

 بنين Benin: كانت مملكة بنين من أشهر الممالك التاريخية في منطقة أحراج غربي إفريقية، فقد تأسست قبل 1300م. ومرت على المملكة الكثير من المنازعات الداخلية والحروب مع من حولها، ثم خضعت المنطقة للاستعمار الأوربي. وفي سنة 1960 حصلت المنطقة الرئيسية على الاستقلال باسم جمهورية داهومي Dahomey. ثم تغير الاسم في سنة 1975 وأصبح جمهورية بنين. والأعمال الفنية التي تتحدث عنها الفقرة التالية تعود إلى عصر مملكة بنين.

كان الفن وثيق الصلة بالسلطة مع اهتمامه بالمتطلبات الروحية والحياة اليومية، وقد عبرت المنحوتات عن مظاهر الملك وسلطته الزمنية، وكانت، في الوقت ذاته، تحمل طابعاً روحياً لأن الاعتقاد السائد كان يعدّ الحاكم من ذات إلهية.

ومن أهم الأعمال الفنية:

قناع إفريقي من البرونز (بنين)

ـ لبوة تقف على قدميها وترفع يدها اليمنى وتبسط يدها اليسرى بحركة إنسانية ربما كانت تمثل غليغلي Gléglé ابن الملك غيزو Ghézo.

ـ الملك بيهانزين Behanzin وهو ابن الملك غليغلي، ويظهر في صورة سمك القرش واقفاً رافعاً يده اليمنى وباسطاً يده اليسرى.

ـ قناع جنائزي كان يوضع في القبور الملكية، يتميز بأهميته الفنية ووظيفته التقليدية.

ـ تمثال رب الحرب من الحديد عدّه جان لود Jean Laude، في كتابه عن فنون إفريقية السوداء، من روائع النحت العالمي.

ـ منحوتة تمثل جرّة ترفعها يدان ترمز إلى ضرورة الوحدة لحماية المملكة وإنقاذها.

ـ منحوتة تمثل الملك بيهانزين يقطع رجل العدو ناغو Nago موحياً بعبارته: إني سمك القرش.

ـ منسوجات ذات مشاهد متعلقة بالغناء الجنائزي.

وتجدر الإشارة إلى أعمال فنية أخرى تعدّ هدايا ودية متميزة بالجمال، تتألف من «القرع» أضفى فن الزخرفة عليها جمالاً، وقد اعتاد الشباب إرسال هذه النماذج، التي تتألف زخارفها من شارات عاطفية لها أهمية رمزية، إلى الفتيات تودداً.

نيجيرية Nigeria: تجمعت في المنطقة المسماة اليوم نيجيرية كل العناصر اللازمة لتأريخ الفن الإفريقي. تعود آثار حضارة نوك Nok في هذه المنطقة إلى النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، وقد عثر عليها في المناطق الشمالية من نيجيرية، ولكن وليم فاغ يرى أنه من المحتمل وجود آثار فخارية أقدم عهداً، أو أن ثمة أعمالاً وجدت وكانت من الطين أوالخشب ولكنها اندثرت.

     اشتهرت منطقة لوبا في حوض الكونغو بصنع تماثيل خشبية لنساء يحملن مقاعد أو أواني

تميز فن حضارة نوك بوحدة طرازه المتردد بين المدرسة الطبيعية والمدرسة التحويرية الواصلة إلى التجريدية. وتعدّ هذه الحضارة من أقدم حضارات إفريقية السوداء البدائية. ويعدّ مجتمع يوروبا القبلي حضارة نوك حضارة أجداده.

وتعود آثار فن إيفي Ifé إلى القرن العاشر حتى القرن الرابع عشر. وكانت الموارد المهمة قد أتاحت للفنانين فرصة إبداع أعمالهم البرونزية والحجرية والفخارية الجميلة. وكان اطلاع عالم الأجناس الألماني ليو فروبينيوس Leo Frobenius على هذه الروائع ووصول كثير منها إلى أوربة عام 1910 قد أثار الاهتمام بها، والرغبة في التنقيب للعثور على أمثالها.

ويضاف إلى روائع فن نوك وإيفي مجموعة من نحو ثمانمئة تمثال اكتشفت في إيزيي Esié التي تبعد نحو 100 كيلو متر عن إيفي أبدعها فنانوها من الحجر.

ومن أهم روائع فنون نيجيرية:

ـ تمثال فخاري يمثل امرأة يلتف حول يديها وعنقها ثعبان يكاد أن يلتف حول ثدييها.

ـ رؤوس حيوانات مختلفة مكتشفة في القبور، ورؤوس رجال ونساء لها قيمة فنية وجمالية متميزة.

ـ مشهد الملك بين حارسين من القرن السادس عشر أو السابع عشر، وهو من روائع فن مملكة بنين القديمة من البرونز.

ـ قناع من القرن السادس عشر من العاج الذي اشتهر بإبداع روائعه فنانو بنين القديمة مع صعوبة العمل بمادة العاج.

ـ قناع مزدوج مغطى بجلد غزال مدبوغ.

ـ تمثال إفريقيّة تضم ابنها وتحمل على رأسها أمتعتها.

ـ تمثال توأمين من الصلصال.

ـ لوحة معدنية من بنين تمثل صياداً يصطاد طائراً على غصن شجرة.

ـ تمثال مقاتل برتغالي يسند بندقيته على كتفه، وهو من القرن السادس عشر.

ـ رأس الملكة الأم تعبر ملامحها عن الاعتزاز الوطني، وهو من القرن السادس عشر.

ـ لوحة تمثل الطائر «أبو منجل».

ـ لوحة تمثل النمر.

ـ لوحة تمثل المبعوث.

ـ لوحة تمثل الشاب، وعلى خلفية اللوحة زهرتان.

ـ لوحة تمثل الحاكم على حصانه ويمسك اثنان بيديه.

وهناك لوحات أخرى تمثل الحاكم واقفاً أو جالساً بين اثنين من أتباعه، أو حراسه، أوعند قيامه بتضحية ثور.

ـ لوحة تمثل فناناً يمسك عصا بكل يد ويقرع بهما طبلين أحدهما أمامه والآخر إلى يساره.

ـ لوحة تمثل مدخل القصر يحرسه أربعة حراس.

ـ لوحة تمثل برتغالياً يمسك بيمناه رمحه ويلمس بيسراه سيفه وتحيط به خمس حلقات ربط.

وقد ازدهرت في نيجيرية فنون مختلفة منها صياغة الحلي، ونسج الأقمشة من الصوف، وصنع الحُصر من لحاء النخيل، وصنع المراوح من جلد البقر قبل نزع شعره، وصنع الدروع والزرابي. ووجد الإفريقي جوزة الهند مادة مناسبة لعمله الفني فزين سطحها بالرسوم والزخارف.

 الكمرون Cameroun: استقرت في المنطقة المسماة اليوم الكمرون قبائل كثيرة اهتمت بتنظيم محترفات فنية، ازدهر فيها فن النحت الذي خضع لتأثيرات مختلفة تسوده أحياناً لمحة من الإثارة والمرح. وظهر الاهتمام بالزخرفة بالاعتماد على وحدات زخرفية جميلة متكررة، إضافة إلى الأقنعة والتماثيل. وكان العرش الملكي يستند إلى قوائم تمثل رؤوس حيوانات منحوتة من الخشب.

ومن الروائع الفنية المكتشفة في الكمرون:

 ـ تمثال من الصلصال اكتشف عام 1948 في جيمون Djimon في موقع قصور السلاطين، يتجلى فيه ذوق فنان قبيلة باموم Bamoum واهتمامه بالأشكال الصاخبة والمملوءة حيوية مع تعابير الصفاء.

ـ قناع من قبيلة باموم بولغ في تضخيم الملامح البارزة من الوجه، ولاسيما الخد، بهدف التعبير الساخر.

ـ قناع خوذة يتضمن أربعة وجوه مختلفة.

ـ قناع يمثل كائناً من الغابة ويستعمل غطاء للرأس في أثناء الرقص.

2 ـ الفن الإفريقي البدائي في أقطار إفريقية الوسطى

 الغابون Le Gabon: تمتدّ فيما يعرف اليوم باسم غابون غابة كبيرة حارة ومظلمة ورطبة، كانت قد تكاثرت فيها قبائل شبه بدوية. ومن أشهرها: فانغ Fang وكوتا Kota وتسوغو Tsogho. وكانت فانغ تضم جماعات شبه مستقلة لها فنونها المتميزة ببنائها وتشكيلها وزخارفها. ومن بين ما أبدعه فنانوها:

ـ تماثيل الأجداد وكانت تعدّ حارسة رفاتهم.

ـ أقنعة يستعملها من يقوم بالمحاكمة ووظائف العدل. ومن خصائصها تلون الوجه باللون الأبيض وتعرف باسم «الأقنعة البيضاء».

ـ أعمال عاجية ذات قيمة رمزية متصلة بوجهاء المجتمع وروابطهم السرية.

وفي شرقي الغابون أبدع مجتمع «كوتا» كل ما يرمز لرفات الأجداد، وهي أعمال مسطحة ومزخرفة بخطوط وصفائح نحاسية.

ومن أهمها:

ـ صندوق ذخائر تعلوه صورة خشبية مغطاة بصفائح نحاسية مطروقة.

ـ تمثال وسلة عظام.

ـ قناع كبير أبيض بملامح صافية تبدو كأنها مكمن للأسرار.

 الكونغو Congo: تمتد فيما يعرف اليوم الكونغو غابة واسعة حارة ومظلمة، وبيئة إفريقيّة جميلة وخصبة زودت الفنان بكل ما يلزمه من مواد أولية لإبداع أعماله الفنية. وتدل روائع الفنان العاجية على مهارته وخبرته وذوقه. وقد عثر في قرية آكيبوندو بمنطقة فيل Vele شمال شرقي الكونغو على رسوم جدارية ملونة. وأنتجت جماعات تيكي Teke الأقنعة المستديرة المبسّطة، والتماثيل التي ترمز للأجداد لاستخدامها في الطقوس السحرية.

زائير Zaiir: تتميز المنطقة المسماة اليوم جمهورية الكونغو الديمقراطية بغاباتها وسهوبها وقيام ممالك قوية فيها. وقد أبدع فنانوها منحوتاتهم بأسلوب واقعي، صنع أقدمها من الحجر وتميزت بطابع جنائزي، كما أنتجوا المنحوتات الخشبية المتميزة بزخارفها الجذابة وأسلوبها العفوي. ويعدّ تمثال شامبا بولونغونغو Shamba Bolongongo من أقدم التماثيل الخشبية، ويعود إلى القرن السابع عشر.

وكان الفن في زائير مرتبطاً بعبادة الأجداد من جهة، وبالسحر وطقوسه من جهة أخرى. وهناك تماثيل لها مسامير لا يشاهد منها عادة إلا الوجه، وأخرى محززة ومزينة بالوشم.

 وقد اعتاد مجتمع بوشونغو Boshongo في تلك المناطق على تغطية سطوح جدران الأكواخ في الداخل والخارج بحُصر تزينها زخارف هندسية، اشتهرت بها هذه القبيلة، كما اشتهرت بأعمال التطريز الوبري. ومن أهم الأعمال الفنية الزائيرية:

ـ تمثال حجري من القرن السابع عشر يمثل شخصاً جالساً.

ـ تمثال إفريقيةٍ جميلة الشعر والملامح، وفي أذنها قرط مستدير وعنقها طويل.

ـ تمثال يشبه بطنه صندوق ذخائر وله مرآة.

ـ تمثال شخص تغطي جسمه مسامير.

ـ تمثال حيوان تغطي جسمه مسامير.

ـ مسند رأس بشكل تمثالين متقابلين يضم كل منهما الآخر بيديه.

ـ مدقة تنتهي برأس إفريقية ذات عنق طويل.

ـ آلة الهارب الموسيقية لقبضتها شكل رأسين بشريين.

 ـ تماثيل ملوك لكل منها رموز وشارات متميزة أهمها: تمثال الملك كاتامبولا (1810-1800م) Kata - mbula تعبر ملامحه عن عواطفه وأمامه طبل. وتمثال الملك شامبا بولو نغونغو الذي كان يقول: عندما يشاهدون تمثالي يمكنهم التفكير بأني أراهم مخففاً عنهم أحزانهم، وملهماً إياهم الجرأة. وتمثال الملك ميكوب مبولا Mikope Mbula ويبدو أمامه تمثال صغير للمرأة التي أولع بها وتزوجها، مما جعل هذه الأعمال الفنية بمنزلة وثائق تاريخية.

ـ صولجان ينتهي في أعلاه بشكل إنسان يمثل الزعيم أو أحد أجداده.

ـ تمثال زعيم قبيلة يبدو جالساً القرفصاء ويسند وجهه بأصابع يده اليمنى.

ـ تمثال إفريقية يشكل جزءاً من العرش الملكي، وهناك من لاحظ في هذا التمثال دور المرأة في الحياة السياسية كما يذكر جان لود.

الفن الإفريقي البدائي في إفريقية الجنوبية وإفريقية الشرقية

  زامبية Zambie وزمبابوي Zimbabwé: كان في المنطقتين المسماتين اليوم زامبية وزمبابوي امبراطورية واسعة عرف حاكمها باسم أو لقب مونوموتابا Monomotapa، وقد علم مرافقو فاسكودا غاما  Vasco Da Gama بوجودها عام 1498، وأقام البرتغاليون علاقات معها منذ القرن السادس عشر، ولكن هذه الامبراطورية ضعفت ثم زالت في القرن السادس عشر. فقد ذكر الرحالة البرتغالي باربوسا Barbosa عام 1517 أن الزعيم مونوموتابا سيّد بلاد واسعة تمتد كثيراً في الداخل، حتى رأس الرجاء الصالح (بحسب تعبير جان لود).

 وكان اسم مونوموتابا يفيد معنى سيد المناجم. وكانت هذه المنطقة قبل مجيء البرتغاليين غنية بالحديد والذهب والنحاس، وكانت هذه الثروة المعدنية ملك الملك. ويعدّ مابونغوبوي Mapoungouboué أحد أقدم مواقعها وأهمها، اكتشفت فيه عام 1933ـ 1935 قبور تحوي صفائح ذهبية محززة بدقة وأساور وخرزات، وذخائر غيرها نسبت إلى الفينيقيين أو العرب أو إلى أسطورة أوفير Ophir. ولكن الفرضية المعاصرة تذكر أهمية استخدام الحديد والزراعة في الألف الأول قبل الميلاد بعد انتقالهما من النوبة بوساطة أجداد «البانتو». وقد اختلطت جماعات «البانتو» القدماء وتصاهرت مع سكان المنطقة، وشيد أحفادهم زمبابوي الكبيرة وأبراجها المنيعة، ودفن زعماؤهم وأبطالهم في تلال مابونغوبوي. وبفضل الشاطئ الشرقي الإفريقي انفتحت البلاد على الشرق وتجارته، مما يفسر وجود النقود العربية والخرز الهندي والخزف الصيني الذي يعود إلى القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر. ومن أهم الآثار:

 ـ منحوتة زمبابوي الكبيرة ذات الشكل الإهليلجي المتميزة بعمارتها وجدرانها التي يبلغ ارتفاعها ثلاثين متراً وأحجارها الضخمة المتشابكة من دون إسمنت أو ملاط، وعلى الواجهة شارة كبيرة فسرها ديغوس De Goes وديباروس De Barros بأنها كتابة.

ـ تمثال النسر الصياد.

ـ تمثال شخص واقف وعلى ظهره خطوط شاقولية عريضة وعميقة.

ـ أقنعة متنوعة.

ـ أوان حجرية مزينة بوحدات زخرفية هندسية وحيوانية.

 تنزانية (تانغانيقة Tanganiqa وزنجبار Zanzibar): إن اكتشاف «إنسان تانغانيقة» دل على قدم استقرار الإنسان في هذه المنطقة المهمة من إفريقية الشرقية. وقد توارثت الأجيال المتعاقبة التقاليد الفنية والخبرات المهنية التي ساعدت الفنانين في إبداع روائع مختلفة، متأثرة بحضارة نوك وبنين. يضاف إلى ذلك المنحوتات الخشبية الصغيرة التي تمثل الأجداد. وهناك رسوم جدارية مختلفة تمثل موضوعات من الحياة اليومية بينها مروضو الأفاعي والثعابين، تبدو فيها أشكال آدمية ونماذج رمزية، وتلاحظ في الجنوب حضارة راقية تعتمد على فنون الرسم بالخرز وأعمال مختلفة من الحديد والفخار والريش والجلد والقش.

3 ـ معنى الفن الإفريقي البدائي وخصائصه المشتركة

الفن الإفريقي البدائي هو ثمرة المواهب الإنسانية الإفريقية منذ أقدم العصور، وقد كان هدفه تلبية متطلبات المجتمع الإفريقي، وتوارثته الأجيال المتعاقبة فأسهمت في إغنائه فكرياً وتشكيلياً بعفوية وصدق وذكاء الأمر الذي منحه خصائص متميزة جعلته أحد الفنون العالمية، وله تأثيره الجمالي الخاص، ويقدّره كل من يتمتع بحس حضاري.

أما أهم خصائصه المشتركة فهي:

ـ قدم هذا الفن واستمرار إبداعه عبر العصور.

ـ تمسك الفنان الإفريقي بالتقاليد الفنية والتزامه تلبية متطلبات مجتمعه المختلفة.

ـ حسن إفادة الفنان الإفريقي من المواد الأولية المتوافرة في بيئته كالغضار والخشب والمعادن والأحجار والعاج وغيرها.

ـ حسن تقدير المجتمع الإفريقي للفنان ومواهبه وإبداعه.

ـ الاهتمام بالأقنعة مع تنوعها وبالتماثيل وموضوعاتها المنسجمة مع الفكر الإفريقي وشروط البيئة.

ـ تفوق الفنان الإفريقي في ميادين فن النحت الخشبي والرقص والغناء والزخارف المتميزة بالمفردات الرمزية والإيحاءات الذكية.

ـ صدق الفن الإفريقي وعفويته وبساطته وأصالته وبراءته ولغته الجمالية وتأثيراته الروحية.

ـ عدم تفريق الفن الإفريقي البدائي بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، وعدم اهتمامه بالمنظور والنسب التشريحية والتفاصيل.

ـ زهد الفنان الإفريقي في تخليد اسمه الشخصي.

ـ نجاح الفنان الإفريقي في إبداع روائع فنية بأدوات بسيطة من صنعه.

ـ إسهام المرأة الإفريقية في الإبداع وخاصة في ميادين الفخار والنسيج وغيرها.

ـ الفن الإفريقي هو مرآة المجتمع الإفريقي في مزاياه الخلقية ونظرته الفلسفية ومعاناته اليومية.

ـ يبدو الفن الإفريقي رحلة في آفاق الفكر والبحث عن الحقيقة الإيقاعية في هذا الكون الغامض والصاخب.

ـ في الفن الإفريقي تعبير عن وحدة الكون والصلات بين الكائنات، وتقدير ذكريات الأجداد ينابيع حكمة وقوة معنوية.

ـ في الفن الإفريقي تقدير للأرض والشجرة، وتعبير عن مخاوف الإنسان وتطلعاته.

ـ يعبر الفن الإفريقي عن الرغبة في إرضاء العالم العلوي بالفن الذي يعدّ من وحي الخالق.

ـ يعبر الفن الإفريقي عن فضيلة العمل والاعتزاز الوطني والرغبة في الاستمرار الحضاري.

ويبدو من كل ما سبق أن الفن الإفريقي البدائي هو أحد الفنون العالمية، وأن له خصائصه وجماليته وارتباطه الوثيق بالمجتمع الإفريقي، وقد مثل محاولات الإنسان في سعيه وراء المعرفة والبحث عن الحقيقة الكونية. وقد تسربت روائعه إلى الكثير من قصور الأغنياء ومتاحف العالم فأثرت في ذوق الفنانين الباحثين عن الجمال، مما أسهم في ظهور مدارس فنية عالمية متأثرة بالفن الإفريقي. يضاف إلى ذلك أن الفن الإفريقي أسهم في تأكيد الهوية الحضارية لشعوب إفريقية.

بشير زهدي

 

التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 854
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 587
الكل : 31239023
اليوم : 64180

فيتكييفيتش (ستانسلاف إغناسي-)

فيتكييفيتش (ستانيسلاڤ إغناسي -) (1885-1939)     ستانيسلاڤ إغناسي ڤيتكييڤيتش Stanislaw Ignacy Witkiewicz الملقب بـ (ڤيتكاسي Witkacy) كاتب مسرحي ورسام وفيلسوف ومنظّر بولوني، ابن ستانيسلاڤ ڤيتكييڤيتش الكاتب والناقد وأحد مؤسسي حركة الطبيعية Naturalism في بولونيا، وكانت والدته موسيقية وعازفة بيانو.
المزيد »