logo

logo

logo

logo

logo

التسمم الوشيقي

تسمم وشيقي

Botulism - Botulisme

التسمم الوشيقي

 

التسمم الوشيقي Botulism انسمام غذائي خطير يحدث للإنسان عند تناوله منتجات غذائية تحوي المادة السامة التي تدعى الذيفان الوشيقي toxin botulinum الذي تفرزه جراثيم تسمى المطثية الوشيقية Clostridium Botulinum.

المطثيات الوشيقية جراثيم واسعة الانتشار في الطبيعة، تتميز بقدرتها على التحول من الشكل العادي للجرثوم إلى شكل خاص يدعى البوغ spore مقاوم جداً للعوامل المختلفة التي تؤدي عادةً إلى قتل الجراثيم (كالحرارة المرتفعة والجفاف والمواد الكيمياوية المطهرة). ويحدث هذا التحوّل عادةً عند تعرض هذه الجراثيم إلى ظروف محيطة غير مؤاتية لبقائها. وتصادف أبواغ المطثيات الوشيقية على نطاق واسع في التراب والمياه الآسنة والرواسب المائية (الطين)، وقد تلوّث الخضار والفواكه والنباتات أو الأعلاف المعدة لإطعام الحيوانات، وعندما تأكل الحيوانات هذه الأعلاف الملوثة يتكاثر الجرثوم في أمعائها وتطرحه مع روثها بكميات كبيرة تلوث التربة والوسط المحيط. وتتحول الأبواغ من جديد إلى جراثيم نشيطة استقلابياً عند توافر الظروف المناسبة.

الذيفان الوشيقي مادة بروتينية شديدة السمية للجهاز العصبي للإنسان، ويتصف بمقاومته لحموضة المعدة وعدم تخربه بإنظيمات الجهاز الهضمي المختلفة، لكن يمكن إبطال مفعوله السمي إذا سُخِّنَ للدرجة 80ْ لمدة 15 دقيقة، أو للدرجة 100ْ لمدة عشر دقائق. والمطثيات الوشيقية النشيطة استقلابياً هي التي تفرز الذيفان وليس الأبواغ.

لابد لحدوث الانسمام الوشيقي من توافر ثلاثة أمور أساسية هي:

1ـ وصول الجرثوم المفرز للذيفان أو أبواغه ـ وهو الأغلب ـ إلى مواد غذائية كالخضار والفواكه أو اللحوم أو غيرها، وحفظ هذه المواد أوتعليبها دون التخلص من الأبواغ الجرثومية بشكل تام.

2ـ توافر ظروف مناسبة لتحول أبواغ المطثيات إلى جراثيم نشيطة استقلابياً وقادرة على إفراز الذيفان السام.

3ـ تناول الإنسان لهذه الأطعمة التي أصبحت ملوثة بالذيفان دون تعريضها لدرجة حرارة مناسبة وبزمن كاف للقضاء على الذيفان.

الأعراض

ومن الجدير بالذكر أن تناول الجرثوم بحد ذاته، أو تناول أبواغه لا يؤدي إلى التسمم، بل لابد من تناول الذيفان الذي أنتجه الجرثوم مسبقاً في أثناء وجوده في الأغذية الملوثة به أو بأبواغه. والأطعمة التي تحمل خطورة التلوث بالذيفان الوشيقي وتتسبب في حدوث التسمم الوشيقي هي في الأغلب اللحوم والأسماك والفطر والفواكه المعلبة في علب محكمة الإغلاق ومفرغة من الهواء، وإن حفظ هذه المواد الغذائية دون تعقيمها بشكل مناسب للقضاء على أبواغ المطثيات الوشيقية، وتوافر ظروف مناسبة فيما بعد يؤدي إلى تحول الأبواغ إلى جراثيم نشيطة استقلابياً ومفرزة للذيفان ضمن هذه الأغذية. وأهم الظروف والعوامل التي تساعد على تحول الأبواغ إلى جراثيم نشيطة وقادرة على إفراز الذيفان هي حفظ المادة الغذائية الملوثة بالأبواغ بطريقة مفرغة من الهواء كما في الأغذية المعلبة (المعلبات) بأنواعها، أو الأغذية المرصوصة بشكل جيد كالنقانق، أو المغلفة بغلاف محكم، أو المحاطة بطبقة كثيفة من الدهن. كما يسهم في ذلك أيضاً وجود المواد السكرية بكميات كافية في الأغذية المحفوظة كمربيات الفواكه أو بعض أنواع الفطور المعلبة. ومن العوامل المهمة أيضاً بقاء المواد الغذائية الملوثة بالأبواغ في درجة حرارة مناسبة تراوح بين 20ْ-40ْ، ولابد من مرور مدّة تفصل بين حفظ المادة الغذائية الملوثة بالأبواغ وبين استهلاكها، وهي على الأقل أسبوع واحد عندما تكون درجة الحرارة نحو25ْ وهي المدة اللازمة لتحول الأبواغ إلى جراثيم مفرزة وإفرازها الذيفان السام.

عندما يتناول الإنسان مادة غذائية ملوثة بالذيفان الوشيقي فإن الذيفان يجتاز المعدة دون أن يتخرب بحموضتها، وسرعان ما يتم امتصاصه من قبل الزغابات المعوية إلى الأوعية الدموية مما يؤدي إلى انتشاره بوساطة الأوعية الدموية المختلفة إلى معظم أجهزة الجسم وخاصة الجهاز العصبي المركزي حيث يقوم الذيفان بالتأثير في آلية مادة مهمة للنقل العصبي تدعى الأستيل كولين مما يؤدي إلى حدوث اضطرابات في نقل الأدوار العصبية من الجهاز العصبي المركزي إلى العضلات تتظاهر غالباً على شكل شلول عضلية مختلفة.

من الناحية السريرية يبدأ المرض عادة بشكل فجائي بعد 24-36 ساعة من تناول الغذاء الملوث بالذيفان (معلبات أو نقانق أو غيرها) والذي لم يتم تعريضه لدرجات حرارة كافية للقضاء على التأثير السمي للذيفان، وكلما كانت المدة بين تناول الطعام وحدوث الأعراض أقصر كان ذلك دليلاً على أن كمية الذيفان الموجودة في الطعام أكبر وكان المرض أشد وأخطر. ويشكو الشخص المتسمم في البداية من آلام بطنية مختلفة الشدة، وغثيان وإقياء وأحياناً دوار وإحساس بالإنهاك والتعب، يرافق ذلك شعور بالتوتر وصداع مع جفاف الفم وإحساس بالعطش، وبعد ذلك بساعات أو أيام قليلة (يومين إلى ثلاثة أيام) تبدأ بالظهور عند معظم المرضى أعراض وعلامات عصبية مختلفة أهمها اضطرابات الرؤية التي تتظاهر على شكل رؤية ضبابية أو رؤية مزدوجة (الشفع) وقد يحدث توسع في حدقة العين أو ارتخاء في الأجفان مع عدم قدرة المريض على رفعها أو إبقائها مرفوعة. وتحدث بشكل متزامن مع الأعراض العينية أو بشكل متأخر عنها قليلاً صعوبة وألم البلع تدعى (عسرة البلع المؤلمة) يرافقها غالباً اضطرابات في النطق والتصويت قد تصل أحياناً إلى فقدان القدرة على النطق والكلام، ويصاب المريض أيضاً بالإمساك بسبب الشلل الذي يصيب الأمعاء أو احتباس البول بسبب شلل المثانة وعدم قدرتها على التفريغ. كما قد يشتكي الشخص المصاب بالتسمم الوشيقي في كثير من الأحيان من صعوبة في التنفس يعبرعنها بعدم وجود هواء كاف للتنفس ويتوقف بين الفينة والأخرى بشكل مفاجئ لالتقاط الأنفاس في أثناء تحدثه. ولا يندر الشعور بحس ضغط على الصدر. وفي أثناء فحص المريض يكون القلب متسرعاً لكن الحرارة تبقى طبيعية في أغلب الحالات.

ولوحظ شكل آخر من التسمم الوشيقي يحدث عند بعض الأطفال الصغار (بعمر شهر حتى ستة أشهر عادةً)، ويتظاهر في أغلب الأحيان في البداية على شكل إمساك وارتخاء في الجسم وعدم قدرة الطفل على البكاء، وقد تتطور هذه الأعراض بعد ذلك إلى شلول مختلفة أخطرها الشلل التنفسي الذي قد يؤدي إلى توقف التنفس وموت الرضيع في بعض الأحيان. ويعتقد أن سبب هذا التسمم ليس تناول أغذية ملوثة بالذيفان الوشيقي وإنما وصول جراثيم المطثيات الوشيقية بشكل ما إلى أمعاء الرضيع وتكاثرها بشدة فيها وإفراز الذيفان الوشيقي داخل الأمعاء، أما لماذا لا يحدث هذا الشكل من التسمم الوشيقي عند الكبار فسببه على الأغلب هو أن جراثيم المطثيات الوشيقية التي قد تصل إلى أمعائهم لا تستطيع الاستقرار والتكاثر بعكس ما يحدث عند الرضيع.

التشخيص

يتم تشخيص الإصابة بالانسمام الوشيقي من خلال الأعراض السريرية التي تظهر عند المريض وترافقها مع قصة تناول المريض لطعام معلب أو محفوظ مشتبه بتلوثه بذيفان المطثيات الوشيقية، ومن المؤشرات على إمكانية التلوث بالذيفان المظهر والرائحة غير الطبيعيين للطعام. إذ تفقد بعض أجزاء الغذاء كاللحوم والنقانق مثلاً قوامها ولونها الطبيعيين وتطلق رائحة واخزة تشبه رائحة الزبدة المتفسخة، كما أن المعلبات التي تحوي على جراثيم مفرزة للذيفان تصبح منتفخة نتيجة تراكم الغازات الناجمة عن استقلاب الجراثيم الموجودة في الطعام بداخلها.

 ويمكن التأكد إذا لزم الأمر من وجود الذيفان الوشيقي في مادة غذائية ما بإجراء اختبارات كيماوية أو مناعية مختلفة تؤكد بشكل نهائي وجود الذيفان أو عدم وجوده، كما يمكن لبعض المخابر المتخصصة أن تجري بعض الفحوص التي يمكنها الكشف عن وجود الذيفان في دم الشخص المشكوك بإصابته بالتسمم الوشيقي أو حتى في القيء أو البراز إذا اقتضى الأمر.

الوقاية

تتضمن الوقاية من الإصابة بالتسمم الوشيقي الالتزام بتعقيم اللحوم والأسماك والفواكه والخضار قبل حفظها وتعليبها بشكل محكم الإغلاق، وذلك من أجل القضاء على الجراثيم التي قد تكون ملوثة بها خاصة جراثيم المطثية الوشيقية أو أبواغها. ويتم ذلك عادة بتعريضها إلى درجات حرارة مرتفعة (نحو120ْ ومدة لا تقل عن ربع ساعة) وهي الطريقة الأنسب للقضاء على الأبواغ المقاومة جداً للحرارة وللأسف فإن هذا غالباً غير ممكن في الظروف المنزلية، لذا يفضل عدم حفظ الأغذية منزلياً بشكل معلب وخالٍ من الهواء إنما حفظها بطرق أخرى. كما يجب وضع المواد الغذائية المعلبة والمحفوظة كالنقانق والسمك المدخن وغيرها في أماكن جافة وبدرجة حرارة لا تزيد عن 15ْ إن أمكن ذلك طيلة مدة الاحتفاظ بها قبل استخدامها، كما يجب وقاية اللحوم من التلوث بمحتويات أمعاء الحيوان التي قد تكون حاوية على جراثيم المطثيات أو أبواغها في أثناء ذبحه وسلخه وتقطيعه، كما يفضل ذبح الحيوانات وهي في حالة الراحة بعد منعها لعدة ساعات من الطعام (وسبب ذلك أن بعضاً من الجراثيم التي قد توجد بشكل طبيعي في أمعاء الحيوان قد يتسرب إلى الدم بشكل مؤقت وعارض عند وجود مجهود حركي أو بعد تناول الطعام وبدء الهضم مباشرة). ولا يجوز تناول أي مادة غذائية مشتبه بتلوثها (كمعلبات منتفخة أو لحوم أو أسماك أو مربيات متغيرة القوام والرائحة) ولو كان ذلك من قبيل التذوق لأن كمية قليلة جداً من الذيفان كافية لحدوث التسمم، مع العلم أنه يمكن القضاء على الذيفان في الأغذية المشتبه بتلوثها به بتسخينها إلى درجة حرارة 100ْ لمدة عشر دقائق على الأقل. ويوجد لقاح خاص يعطى للوقاية من حدوث التسمم الوشيقي لكن استخدامه محدود جداً ولا يعطى عادة إلا للعاملين بالمخابر التي تتعامل مع الذيفان الوشيقي، وقد يعطى اللقاح في بعض البلدان للحيوانات كالأبقار.

عند ظهور أعراض عند شخص ما تشير إلى حدوث التسمم الوشيقي وخاصة عند ظهور هذه الأعراض بعد تناول أغذية معلبة أو محفوظة يشك بفسادها، فإنه يجب البدء بعلاجه بأسرع ما يمكن، ويفضل أن يتم العلاج في المستشفى؛ إذ تعد معالجة المريض المصاب بالتسمم الوشيقي معالجة إسعافية وتتضمن إعطاء المريض مادة نوعية مضادة للذيفان (الترياق) ويجب إعطاؤها بشكل مبكر قبل استفحال المرض إذ تصبح عندها عديمة الجدوى، كما قد يحتاج مرضى التسمم الوشيقي إلى بعض إجراءات الإنعاش الطبي التي تعالج اضطرابات البلع أو التنفس وتعد الأخيرة خطرة على حياة المريض.

وتتراجع أعراض المرض عند المرضى الذين يبقون على قيد الحياة بعد حدوث التسمم الوشيقي بالترتيب العكسي لظهورها مع العلم أن بعض الأعراض كاضطرابات الرؤية قد تستمر مدة طويلة بعد زوال أعراض التسمم الأخرى. وتختلف نسبة الوفيات في حالات التسمم الوشيقي حسب كمية الذيفان المتناولة وبحسب مقاومة الشخص وسرعة البدء بالعلاج؛ إذ قد تبلغ نسباً عالية عند تناول كمية كبيرة من الذيفان أو عند تأخر العلاج أو عدم إعطائه مطلقاً. وتحدث حالات التسمم الوشيقي في معظم دول العالم ومناطقه، ولكنها أكثر حدوثاً في البلدان التي يكثر فيها حفظ اللحوم والأسماك والفطر وغيرها أو تعليبها بطرق منزلية بدائية وبسيطة لا تؤمن تعقيمها من الجراثيم أو أبواغها.

 

صلاح الدين شحادة

 

مراجع للاستزادة:

 

 ـ عدنان تكريتي، الجراثيم الطبية ومداواة أمراضها (دار التقني المعاصر، دمشق 1994).

- BURROW’S, Text Book of Microbiology, (Philadelphia 1985).


التصنيف : طب بشري
النوع : صحة
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 409
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 571
الكل : 29664165
اليوم : 44175

بايه انكلان (رامون ديل-)

بايه إنكلان (رامون ديل ـ) (1866 ـ 1936)   رامون ماريا ديل بايه إنكلان Ramón María del Valle Inclán روائي وكاتب قصصي ومسرحي وشاعر إسباني يعد من كبار الشخصيات التي تمثل عصر التجديد في إسبانية، دعا لتجديد الأدب الإسباني، ولد في غاليثيا Galicia في بيانويبا دي أروسا Villanueva de Arosa وتوفي فيها، سافر في شبابه إلى المكسيك عدة مرات، وشعر بانجذاب نحو هذا البلد الذي يتخذ الجمال فيه، بحسب رأيه، أشكالاً مختلفة جداً عن الجمال في شبه جزيرة إيبيرية، ثم عاد إلى مدريد بزيه الغريب، ونظاراته الدائرية وشعره المسترسل ولحيته الطويلة، وخياله الغزير وكلامه اللاذع. كل هذا جعله أديباً شهيراً وغريب الأطوار.
المزيد »