logo

logo

logo

logo

logo

ابن خرداذبه

خرداذبه

Ibn Khurdadhiba - Ibn Khurdadhiba

ابن خرداذبة

(عاش في القرن 3هـ/9م)

 

أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبة، من أوائل الجغرافيين والمؤرخين ذوي المعارف المتنوعة في بناء الحضارة العربية الإسلامية في العصر العباسي، وقد ظلَّ مرجعاً هاماً لكبار المؤلفين والكتاب من بعده، من جغرافيين ومؤرخين ورحالة ومختصين في مختلف الفنون والآداب.

ولد في خراسان من أسرة فارسية زرادشتية، حديثة العهد بالإسلام والثقافة العربية، إذ كان جده خرداذبة قد أسلم على يد البرامكة، وكان لأسرته دور كبير في خدمة الدولة العباسية، مما فتح آفاقاً واسعة أمام ابن خرداذبة للارتقاء السريع وتولي المناصب الرفيعة.

أرسل عبد الله ابنه عبيد الله إلى بغداد لدراسة ما هو رائج فيها من علوم وفنون، وحرص الوالد على تعليم ابنه الموسيقى بوجه خاص على يد إسحاق الموصلي، الموسيقار الشهير في عصره، وقد أهله إتمام دراسته ومركز والده، لدخوله في سن مبكرة، سلك الإدارة في الدولة العباسية، فعين في وظيفة صاحب البريد والخبر في أقاليم الجبال (العراق العجمي) وهو الإقليم الذي كان داخلاً في ولاية أبيه، وبعد فترة غير محددة، أصبح مديراً عاماً للبريد والخبر ببغداد وسامراء، مقر دار الخلافة، وصار أقرب ما يكون للخليفة المعتمد (256-279هـ/870-892م) بمثابة وزير وصفي ونديم له.

كان لاتساع النشاطات التجارية ومبادلات البضائع والسلع براً وبحراً داخل حدود الخلافة وخارجها، إضافة إلى ازدياد عدد الرحالة والمسافرين والحجاج وطالبي العلم،وما ترتب على ذلك من ضرورات معرفة الطرق والمسالك واشتداد الحاجة إلى الأدلاء والخريتيين (مفردها خِرّيت، العارف بمخارم الطرق ومعابرها)،والعارفين بلغات الأقوام أن اشتدت الحاجة لوضع كتب عن المسالك والممالك التي تعبرها القوافل البرية والسفن البحرية، ومعرفة المحطات والموانئ، والجزر وما يسودها من أنواء وما فيها من سلع، والأبعاد والمسافات التي ينبغي قطعها بين محطة وأخرى، والمكوس والضرائب التي تتم جبايتها، كل هذه الظروف دفعت ابن خرداذبة كما يبدو لتأليف كتابه «المسالك والممالك».

يجمع أغلب الكتاب أن ابن خرداذبة بدأ تأليف كتابه «المسالك والممالك» حين كان في منصب صاحب البريد والخبر في إقليم الجبال، نحو عام 232هـ،واستمر في جمعه إلى آخر أيام حياته، لكن يبدو أن الكتاب لم يصل كاملاً، وأن ما وصل منه مخطوطة قام بطبعها المستشرق الهولندي دي غوية عام 1889م.

يتألف كتاب «المسالك والممالك» من سبعة أقسام متفاوتة جداً في طولها، فالقسم الأول يتعلق بالنظريات الفلكية المتعلقة بالأرض والكون، وهي مستوحاة من بطليموس، أما القسم الثاني فيتضمن التعداد الجغرافي لولاية بغداد بوصفها مركزاً للعالم، وفي الأقسام: الثالث والرابع والخامس والسادس يذكر المؤلف مسالك الطرق في بلاد المشرق (فارس والهند والصين) وفي بلاد الغرب (سورية، مصر، المغرب، أعالي بلاد ما بين النهرين، بيزنطة)، وفي الشمال (أرمينية وبحر قزوين «الخَزَر») وفي الجنوب (بلاد العرب)، وفي القسم السابع والأخير، توجد معلومات عامة عن تقسيم الأرض، والعالم وغرائبه الطبيعية والبشرية، وينتهي فجأة من دون خاتمة، لذا حامت الشكوك حول نسبة هذا القسم إلى ابن خرداذبة.

اكتسب كتاب «المسالك والممالك» أهمية خاصة من بين مجموعة مكتبة الجغرافيين العرب التي نشرها المستشرق الهولندي دي غويه، فقد وصف أنه أنفس ما في الأدب الجغرافي الإسلامي، وظل مدة طويلة أكثر الكتب شيوعاً عند طلاب العلم والمؤلفين، إذ جاء بمعلومات كثيرة لم تكن معروفة جيداً أو مجهولة، ومن أبلغ ما أورده ابن خرداذبة عن ازدهار التجارة في العهد العباسي ما سماه مسالك التجار اليهود بين أقصى الغرب وأقصى الشرق متبعين الطريقين البحريين البريين، طريق البحر المتوسط القلزم (البحر الأحمر) إلى السند والهند والصين، وطريق المتوسط أنطاكية والفرات ودجلة حتى الأبلة فعمان حيث يلتقي بالطريق الأول في بحر العرب.

مما يؤخذ على ابن خرداذبة جفاف أسلوبه وعدم تشويقه عندما يتعلق الموضوع بتعداد المسالك والأبعاد في العالم الإسلامي، أما في الفصول الخاصة بالبلاد، فيحشر معلومات بينها السمين والغث والمغلوط وما يصعب تصديقه من دون تمحيص. كما يؤخذ عليه عدم اهتمامه بتحسين صناعة أسلوبه ظناً منه أنه يكتب للخاصة وليس لغيرهم.

تأثر معظم المؤلفين الجغرافيين وقسم من المؤرخين بكتاب «المسالك والممالك» بدرجة كبيرة، منهم اليعقوبي، وابن  الفقيه وابن رستة وابن حوقل والمقدسي، والجيهاني والاصطخري والمسعودي إضافة إلى الجغرافيين الإيرانيين، كما عرفه المتأخرون من الجغرافيين والمؤرخين كالإدريسي وابن خلدون وكذلك المعجميون والموسوعيون مثل ياقوت الحموي الذي وضعه على رأس مصادره في إعداده لمعجم البلدان.

لابن خرداذبة مؤلفات أخرى ذكرها النديم في «الفهرست» وهي: «الأدب والسماع» و«الطبيخ»، و«اللهو والملاهي»، و«الشراب»، و«الأنواء»، و«الندام والجلساء»، هذه الكتب تنم عن حياة ابن خرداذبة في بلاط الخليفة المعتمد، وعن مجالس اللهو والأدب والفن والطعام والشراب وإمتاع الكبراء والأغنياء، وله مؤلف باسم «الكتاب الكبير في التاريخ» ذكره المسعودي في كتابه «مروج الذهب»، ولكن لم يعثر من جميع تلك الآثار إلا على ما يسمى «المسالك والممالك»، ومختارات من كتاب «اللهو والملاهي».

كان لابن خرداذبة قصب السبق في إرساء مفهوم المسالك والممالك لفظاً ومحتوى،لذا شاع من بعده، وتلقفه المؤلفون لأنه يعطي دفعة قوية للفكرة القائلة بأن الطريق يصنع التاريخ، وإن التاريخ لا يمكن أن يفهم إلا على أساس الجغرافية وما الطريق إلا تجسيد للتفاعل بين الطبيعة والإنسان.

مصطفى الحاج إبراهيم

مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن خرداذبة، المسالك والممالك، تحقيق دي غويه (ليدن، هولندة 1889م).

ـ ر.بلاشير، منتخبات من آثار الجغرافيين العرب في القرون الوسطى (المطبعة الكاثوليكية، بيروت ـ بول كتنر، باريس 1932).

ـ ا. يو كراتشكوفسكي، تاريخ الأدب الجغرافي العربي (موسكو، لينينغراد 1957م) نقله إلى العربية صلاح الدين عثمان هاشم (نشر وطبع لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1963م).

ـ محمد المقدسي، أحسن التقاسيم، تحقيق دي غويه (ليدن، هولندة 1906م).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 779
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 557
الكل : 31199332
اليوم : 24489

العدالة والإنصاف

العدالة والإنصاف   كلمة العدالة لغوياً مشتقة من الفعل عـدل الذي يعني قوّم أي جعل الشيء مستقيماً، وهي في اللغة العربية مرادفة لكلمة العدل التي ترد بمعانٍ متعددة، فالعدل هو ما قام في النفوس أي إنه يستقيم وهو ضد الجور، والعدل جاء في أسماء الله الحسنى، والعدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، والعدل الحكم بالحق. كانت مسألة التعريف بالعدالة، من القديم، الشغل الشاغل للباحثين والمفكرين، ترد مرادفة لكلمة الحق، لكنها تعرض تارة أخرى كأنها متميزة، بل كأنها أسمى من الحق  وأعلى، وهي تبدو في أحد مظاهرها كأنها تعني التوافق مع القانون بيد أنه من جهة أخرى ينبغي أن يكون القانون متفقاً مع العدالة.
المزيد »