logo

logo

logo

logo

logo

الدواوين

دواوين

Al-Diwan - Al-Diwan

الدواوين

 

الدواوين دوائر رسمية أشبه بالوزارات بحسب المفهوم الحديث، ولم تنشأ هذه الدواوين في وقت واحد، وإنما كانت تنشأ نتيجة الاستجابة للحاجات الملحة الحاصلة عن تطور المجتمع وتعقّد الإدارة، كما أنها كانت تظهر بشكل بسيط محدود ثم تتسع وتتعقّد بمرور الزمن كلما ازدادت إدارة الدولة تعقيداً، وواجباتها اتساعاً. وكان بعض هذه الدواوين يتصف بصفة الاستمرار في حين أن بعضها الآخر كان مؤقتاً، وكانت هذه الدواوين المؤقتة تزول وتتلاشى بزوال الأسباب التي دعت إلى وجودها، ويذكر المقريزي في كتابه «الخطط» أن أهم هذه الدواوين على مر العصور الإسلامية هي ديوان الجند وديوان الخراج وديوان المكاتبات والإنشاء لأنه كان لا بد لكل دولة من استعمال هذه الأقسام الثلاثة؛ وكان للدولة الأموية الفضل في تأسيس معظم الدواوين الهامة التي تطورت واتسعت في العصر العباسي.

اختُلِف في أصل كلمة ديوان، فذهب قوم إلى أنه عربي، والمعروف في لغة العرب أنَّ الديوان هو الأصل الذي يرجع إليه ويعمل بما فيه، ومنه قول ابن عباس «إذا سألتموني عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب» ويقال دونته أي أثبته، وإليه يميل كلام سيبويه. وذهب آخرون إلى أنه أعجمي، وهو قول الأصمعي وعليه اقتصر الجواهري في صحاحه، فقال: «الديوان فارسي معرَّب»، ويذكر الماوردي في كتابه «الأحكام السلطانية»: «ولتسمية الديوان وجهان، أحدهما أن كسرى اطلع ذات يوم على كتاب ديوانه فرآهم يحسبون مع أنفسهم فقال «ديوانه» أي مجانين فسمي موضعهم بهذا الاسم، ثم حذفت الهاء عند كثرة الاستعمال للتخفيف فقيل ديوان، والثاني أن الديوان بالفارسية اسم للشياطين، فسمي الكتاب باسمهم لحذقهم بالأمور وقوتهم على الجليّ والخفيّ وجمعهم لما شذ وتفرق، ثم سمي مكان جلوسهم باسمهم فقيل ديوان».

ظهرت أولى المؤسسات الإدارية حين قرر الخليفة عمر بن الخطاب تدوين الديوان سنة 20هـ لتحديد العطاء للعرب والجند الإسلامي، وكان يعرف باسم الديوان لأنه لم يكن يوجد غيره في المدينة، فلم يحتاجوا إلى تمييزه بلفظ آخر يضاف إليه، وتتفق الروايات في أن فكرة توزيع العطاء على المسلمين ظهرت إلى حيز الوجود بعد أن فتح المسلمون الشام والعراق والجزيرة وجبي الخراج[ر] وكثرت الأموال التي وردت المدينة، فكان ذلك دافعاً إلى توزيع هذه الأموال في أعطيات سنوية، وقد تطلب ذلك تسجيل أسماء المسلمين ومقدار أعطياتهم وقد راعى عمر في ترتيبه القبائل في الديوان درجة القرابة من الرسول r فبدأ ببني هاشم ثم الأقرب فالأقرب برسول الله r فإذا استوفوا في القرابة، قدم أهل السابقة حتى انتهى إلى الأنصار، فبدأ برهط سعد بن معاذ الأشهلي ثم الأقرب فالأقرب بسعد، أما الأسس والقواعد التي اعتمدها في تقدير العطاء فكانت أسساً إسلامية، لم ينظر إلى القرابة من الرسول r أو صلة بالخليفة، وإنما إلى السابقة في الإسلام وحضور المشاهد الأولى، وصرح بذلك في قوله «فلا ينظر رجل إلى القرابة ويعمل لما عند الله، فإنه من قَصّر به عمله لا يسرع به نسبه» وعندما دونت الدواوين في المراكز التي كانت قواعد ينطلق منها المقاتلة للفتوح، أعلن عمر بن الخطاب أن العطاء يفرض للقبائل التي استقرت في الأمصار (البصرة، الكوفة، أجناد الشام، الفسطاط) ولمن لحق بهم وأعانهم وأقام معهم.

إن هذا الديوان الذي تأسس في خلافة عمر بن الخطاب في المدينة وصار له فروع في الأمصار، أصبح يطلق عليه اسم ديوان الجند أو ديوان المقاتلة، لأن العطاء لم يكن يفرض فيه إلا للمقاتلة من أفراد القبيلة الذين يسجلون في الديوان، وقد ظهر في العصر الأموي دواوين للجند في مراكز أخرى غير التي عرفت في العصر الراشدي، فأنشئ ديوان للجند في قنّسرين، وثان في خراسان وثالث في الجزيرة، وعندما استقامت بلاد إفريقية لحسان بن النعمان الغساني سنة 83هـ، دوّن الدواوين وصارت ولاية إفريقية قاعدة لانطلاق جيوش الفتح نحو المغرب الأقصى أولاً ثم الأندلس.

عرف هذا الديوان في العصر العباسي باسم ديوان الجيش أو ديوان العساكر، وكانت تحفظ في هذا الديوان الذي تعددت مجالسه السجلات الخاصة بأسماء الجند وأوصافهم وأنسابهم وأجناسهم ومقدار عطاء كل منهم وموعد استحقاقه.

ومن الدواوين التي ظهرت في العصر الأموي كديوان مستقل له اختصاصاته:

ديوان الخراج: وقد استطاع الخليفة معاوية بن أبي سفيان بمعاونة واليه على العراق والمشرق زياد بن أبيه وسرجون بن منصور صاحب ديوان خراج الشام وأثناس Athanasius صاحب خراج مصر، أن ينظم الأمور المالية بما يتفق ومصلحة الدولة، وقد فرضت الظروف الجديدة على العرب الاستعانة بالموظفين المؤهلين من أهالي البلاد المفتوحة، فكان لا بد من استخدام اللغات التي كانت مستعملة فكانت الفارسية الفهلوية مستخدمة في العراق والمشرق، والرومية (اليونانية) في الشام ومصر.

كان يسجل في ديوان الخراج كل ما يرد من أموال الفيء (الجزية + الخراج وعشور التجارة التي تجبى من أهل الذمة وأهل الحرب) كما كان يسجل فيه مساحات الأراضي الخراجية وحدود كل بلد ونواحيه إذا اختلفت أحكام النواحي، وكان يسجل في الديوان حال كل بلد هل فتح عنوة أو صلحاً وما استقر عليه حكم أرضه، وإذا كان الخراج مختلفاً باختلاف الزرع وجب تسجيل الخراج على كل أرض.

وكان يسجل في ديوان الخراج أيضاً أهل الذمة من كل بلد وما استقر عليهم الأمر في عقد الجزية، فإن كانت مختلفة باليسار والإعسار سمّي هؤلاء في الديوان مع ذكر عددهم ليختبر حال يسارهم وإعسارهم، وإن لم تختلف في اليسار والإعسار جاز الاقتصار على ذكر عددهم ووجب مراعاتهم في كل عام، لتثبيت من بلغ وإسقاط من مات أو من دخل في الإسلام، وكل أرض خراجية إذا تحولت إلى أرض عشرية يثبت ذلك في الديوان حتى يسقط الخراج عن تلك الأراضي وعن أهل قراها.

استمر اعتماد الأمويين على أبناء المنطقة الذين يتقنون لغتها إضافة إلى إلمامهم بالعربية، فلما كانت خلافة عبد الملك بن مروان (65-86هـ) بدأت عملية التعريب، فعربت دواوين خراج الشام سنة 81هـ وعربت دواوين خراج العراق ما بين 82 و83هـ. وتأخر تعريب ديوان خراج مصر إلى خلافة الوليد بن عبد الملك وولاية أخيه عبد الله بن عبد الملك سنة 87هـ. أما خراسان فقد بقي ديوانها بالفارسية وكتابها من المجوس حتى سنة 124هـ حين كتب يوسف بن عمر والي العراقين إلى نصر بن يسار والي خراسان يأمره أن لا يستعين بأحد من أهل الشرك في أعماله وكتابته وأن ينقل الديوان إلى العربية.

كان من أهم النتائج التي نجمت عن تعريب دواوين الخراج، ضبط أعمالها والإشراف عليها بدقة لمنع الغش والتزوير والتلاعب بالأموال، وترتب على تعريب دواوين الخراج نتائج أخرى لها أهميتها، إذ كان سبباً في جعل اللغة العربية اللغة الرسمية السائدة في كل الدواوين، وفي إيجاد طبقة من الكتاب تتقن العربية والحساب كذلك.

بقي ديوان الخراج من أهم دواوين الدولة في العصر العباسي وازدادت مسؤولياته حتى قال أبو العباس بن الفرات «من صلح أن يتقلد ديوان الخراج صلح للوزارة»، وكان المنصور والخلفاء العباسيون من بعده قد نهجوا المركزية في إدارة الولايات وتجلت هذه المركزية بوجود ديوان لكل ولاية يدير شؤونها المالية والعسكرية في عاصمة الدولة، وفي عهد الخليفة المعتضد (279-289هـ) ضم أحمد بن الفرات دواوين الولايات كلها، وألف منها ديواناً جديداً أسماه ديوان الدار، وضم هذا الديوان فروعاً ثلاثة، ديوان المشرق وديوان المغرب وديوان السواد الذي اختص بالإشراف على خراج سواد العراق، وكان يتولى كلاً من ديواني المشرق والمغرب كاتب مختص به، وقد يجمعان أحياناً لكاتب واحد.

ارتبط بديوان الخراج في العصر العباسي ديوانان، هما ديوان النفقات وديوان بيت المال، وكان أكبر مهمات ديوان النفقات، القيام بنفقات دار الخلافة وحاجاتها ونفقات الدواوين المركزية، ولعل اقتصار ديوان النفقات على ذلك يعود إلى أن دواوين الخراج المسؤولة عن الولايات كانت تقوم مقام ديوان النفقات.

أما ديوان بيت المال فكانت مهمته الإشراف على ما كان يرد إلى بيت المال في العاصمة من الأموال وما كان يخرج منه في وجوه النفقات والإطلاقات، وأُفرد لكل صنف من أصناف الواردات خزائن أو دواوين فرعية خاصة لحفظها وضبطها وهي ديوان الخزانة، وهو يشرف على ما يتعلق بأصناف الأموال النقدية والأقمشة، وديوان خزانة السلاح ومهمته الإشراف على ما كان يرد بيت المال من السلاح والذخائر، وما يستنفد منها، وديوان الأهراء الذي كان يشرف على ما كان يرد بيت المال من الغلال.

ومن الدواوين التي برزت في العصر الأموي ديوان الرسائل الذي كان يتولى المكاتبات في الدولة، ولاسيما إصدار النشرات والرسائل التي تشمل التعليمات الموجهة للولاة وعمالهم وللرعايا عامة، وكان المسؤول عن ديوان الرسائل في خلافة بني أمية يدعى أحياناً صاحب ديوان الرسائل أو متولي ديوان الرسائل أو الكاتب، واستمر الأمر في الأندلس على ما كان عليه في الشام، فقد كان لكاتب الرسائل المقام الأول، وأشرف أسمائه الكاتب، وبهذه السمة يخصه من يعظمه في رسائله.

كان لكاتب الرسائل مكانة رفيعة عند الخليفة لأنه كان مؤتمناً على أمور الدولة وأسرارها، وينظر في أمر البريد ومتعلقاته ويقرأ الكتب الواردة على الخليفة، وكان هذا الواجب هو واجب الخليفة نفسه، ولما كان هذا متعذراً لكثرتها واتساع الدولة وكثرة المكاتبين فقد فوض الخليفة هذا الأمر إلى صاحب ديوان الرسائل.

تفرّع عن ديوان الرسائل في العصر العباسي ديوان عرف بديوان الفض، وكان هذا الديوان يحتاج إلى كاتب يتولى تصنيف الكتب الواردة إلى الديوان، وإلى كاتب يتولى إعداد خلاصة عن كل كتاب يرد الديوان يرفقها به لتسهيل عرضها على الخليفة أو الوزير، كما كان يحتاج إلى ناسخ ينسخ كل ما كان يراد نسخه من الكتب التي كان يراد الاحتفاظ بنسخة منها أو تعميمها على دواوين الدولة المختلفة.

وتفرع ديوان آخر عن ديوان الرسائل هو ديوان التوقيع، وكان صاحب هذا الديوان يقوم بالتعليق على الطلبات أو الرقاع التي كانت ترفع إلى الخليفة وذلك بعد أن يكون الوزير قد تحرّى الأمر، وعلّق على ذلك الطلب بشرح اعتمد فيه على ما أتاه عنه من الدواوين، وبعد إطلاع الخليفة على المسألة كان صاحب ديوان التوقيع يقوم بصياغة رأي الخليفة عليها في أبلغ ما يستطيع من الكلام وأجزله ويدون ذلك على الطلب، وكان هذا العمل في البداية يقع ضمن اختصاصات صاحب ديوان الرسائل ثم أفرد له هذا الديوان.

ظهر في العصر الأموي أيضاً ديوان البريد وبأمر من الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي كان يهمه أن تسرع إليه أخبار بلاده من جميع أطرافها، وقد أحضر معاوية رجالاً من دهاقين الفرس وأهل أعمال الروم، وعرّفهم ما يريد فوضعوا له ما يريد.

لم يكن البريد في عهد بني أمية نظاماً يستعمله الشعب، كما هو في الوقت الحاضر، وإنما كان نظاماً رسمياً حكومياً لنقل الأخبار بسرعة من مقر الخلافة إلى الولايات التي كانت مراكز لغيرها، ولتلقي الأخبار بسرعة من هذه الولايات.

ولما كانت مهمة البريد الأولى وصول الأخبار بسرعة، كانت أهم معالمه إنشاء محطات للبريد، وكانت توجد في هذه المحطات الدواب التي تستخدم في البريد من البغال والخيل والإبل حسب طبيعة الطرق التي تمر بها فضلاً عن وجود أماكن للراحة وتوفير أسباب الحصول على الماء والطعام والعلف لدواب البريد، كما كان من الضروري عمارة الطرق ووضع حدود على كل مسافة قدرها ميل حتى يعرف الرسول المسافة التي قد اجتازها، وقد بلغت نفقات ديوان البريد في العراق في ولاية يوسف بن عمر (120-126هـ) أربعة ملايين من الدراهم.

كان المسؤول عن ديوان البريد يعرف باسم صاحب البريد، وكان واجبه الرئيسي تنفيذ ما يصدر وتلقي ما يرد، وكان عبد الملك يأمر حاجبه أن يدخل عليه صاحب البريد متى جاء في ليل أو نهار «فربما أفسد على القوم سنة حبسهم البريد ساعة».

حقق البريد أهميته الكبرى في ظل الحكم العباسي، إذ أصبح دائرة استخبارات، يذكر إبراهيم بن موسى بن عيسى أن ولاة البريد في الآفاق كلها كانوا يكتبون إلى الخليفة المنصور في كل يوم بسعر القمح والحبوب والأدم وبكل ما يقضي به القاضي في نواحيهم وبما يعمل به الوالي وبما يرد بيت المال من المال وكل حدث، وهذا ينافي ما ذكره القلقشندي بأن البريد انقطع ما بين خراسان والعراق في نهاية الخلافة الأموية، وأن الأمر استمر حتى خلافة المهدي (158-169هـ) «والبريد لا يشد له سرج ولا تلجم له دابة».

بدأ اختلال البريد في عهد سيطرة البويهيين (334-447هـ) الذين رأوا في منع وصول الأخبار إلى الخلفاء وسيلة لإحكام سيطرتهم عليهم، وألغى السلطان السلجوقي ألب أرسلان (455-465هـ) نظام البريد في الولايات الشرقية على الرغم من معارضة وزيره المشهور نظام الملك[ر] الذي كان يرى في هذه المؤسسة وسيلة فعالة لحفظ النظام والأمن في الدولة.

استخدم العرب وسائل أخرى في مراسلاتهم، منها الحمام الزاجل الذي استخدم أولاً بالموصل، ثم استخدمه الفاطميون بمصر وبالغوا في العناية به حتى جعلوا له ديواناً وألفوا الكتب في أنسابه، واستخدمه الأيوبيون والمماليك من بعدهم في مدة صراعهم مع الصليبيين، وقد ذكر العمري (ت749هـ) ما يزيد على خمسة وعشرين مركزاً للحمام في الديار الشامية في زمنه.

كان معاوية بن أبي سفيان أول من اتخذ ديوان الخاتم عندما اكتشف تزويراً في أمر مالي بعث به إلى والي العراق، وكانت مهمة هذا الديوان ضبط المعاملات المالية وصيانة الوثائق الهامة، فإذا صدر توقيع من الخليفة بأمر من الأمور أحضر التوقيع إلى ذلك الديوان وأثبتت نسخته فيه ثم يحزم بخيط ويختم بشمع يطبع عليه وهو طري خاتم الخلافة، فإذا فتحت الرسالة قبل أن تصل إلى مرجعها عرف ذلك، إذ لا سبيل إلى فتحها إلا بتمزيق الخاتم، وكان لكل خليفة من خلفاء بني أمية نقش خاص بخاتمه، ولم يقتصر حفظ النسخ الإدارية وختم الأوامر قبل إصدارها على الحكومة المركزية، وإنما اتبع الولاة في الولايات الهامة الأسلوب نفسه.

لم تختلف مهمات ديوان الخاتم في العصر العباسي عنها في العصر الأموي إلا أنه كان يسند ديوان الخاتم وديوان الفض إلى كاتب واحد.

ظهر في العصر الأموي إضافة إلى هذه الدواوين دواوين أخرى مؤقتة في الشام كديوان المستغلات في خلافة الوليد بن عبد الملك، وهو الديوان الذي تسجل فيه أجور أراضي الدولة وأملاك الحكومة، كما ظهر في عهده في دمشق ديوان الزمني وقد قال الخليفة لإسحاق بن قبيصة لما ولاه هذا الديوان «لأدعن الزَمِنَ أحب إلى أهله من الصحيح» (والزمن هو المصاب بعاهة) وأفرد الخليفة هشام بن عبد الملك ديواناً خاصاً للصدقات في الشام وهذا ما يدفع الباحث إلى الاستنتاج أن ديوان الخراج في الشام، كان قبل ذلك مسؤولاً عن أموال الفيء وأموال الصدقات، وليس في ذلك مخالفة للشرع، لأن تأكيد أبي يوسف والماوردي إنما هو على عدم إدخال مال الصدقة في مال الخراج وعلى ضرورة استخدام عمال للصدقة غير عمال الخراج وعلى ضرورة صرف صدقة كل ناحية في أهلها. وإن تأكيد أبي يوسف في كتاب الخراج الذي صنفه للخليفة هارون الرشيد (170-193هـ) بأن لا يولي عمال الخراج جباية الصدقات وأن لا يدخل مال الصدقة في مال الخراج دليل على أنَّ هذه الإجراءات لم تكن مطبقة في العصر العباسي وأن ديوان الخراج كان مسؤولاً عن جباية الصدقات وعن السجلات المتعلقة بها.

وفي خلافة هشام بن عبد الملك، ظهر في مصر ديوان عرف بديوان الأحباس (الأوقاف) وفي العراق ظهر ما يسمى دار الاستخراج، وهي الدار التي كانت تصادر فيها أموال الموظفين الذين يختلسون من أموال الجبايات ولا يؤدونها للدولة، وكذلك الدهاقين، الذين يُقَصِّرون في الجبايات المقررة عليهم، كما صودرت فيها أموال الخارجين على الدولة أو الذين يشتبه بمساعدتهم للثوار، وقد استمر هذا الجهاز حتى زمن الدولة العباسية إذ تحول إلى ديوان كبير عرف بديوان المصادرين.

وظهر في العصر العباسي عدد من الدواوين المؤقتة في المراكز، والتي كانت تظهر في عهد خليفة من الخلفاء لتزول في عهد خلفه أو بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن، ومن هذه الدواوين، ديوان المواريث وديوان البر وديوان المرافق وديوان المقبوضات وديوان المخالفين، وفي مصر أفرد السلطان صلاح الدين ديواناً عرف بديوان الأسطول لاهتمامه بأمر السفن الحربية لمواجهة الصليبين،وسلم هذا الديوان لأخيه الملك العادل، فلما مات صلاح الدين استمر الحال في الأسطول قليلاً ثم قل الاهتمام به وصار لا يفكر في أمره إلا عند الحاجة.

نجدة خماش 

الموضوعات ذات الصلة:

الجزية ـ الخراج ـ العطاء ـ الفيء.  

مراجع للاستزادة:

ـ الماوردي، الأحكام السلطانية (مطبعة مصطفى الباب الحلبي وأولاده، مصر 1973).

ـ المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (طبعة بولاق 1270هـ).

ـ حسام السامرائي، المؤسسات الإدارية في العصر العباسي (1971م).

ـ نجدة خماش، إدارة الولايات في العصر الأموي (دمشق 1978).

 


التصنيف : التاريخ
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 399
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 579
الكل : 31209397
اليوم : 34554

فوترييه (جان-)

فوترييه (جان -) (1898-1964)   جان فوترييه Jean Fautrier مصوّر ونحات وحفّار فرنسي، ولد في باريس، ولكن أسرته غادرت فرنسا لتقيم في إنكلترا منذ عام 1909. ظهرت موهبته في الرسم منذ الصغر، فانتسب وعمره ثلاثة عشر عاماً إلى الأكاديمية الملكية في لندن لدراسة التصوير، كما كان يتردد على مدرسة سلِد Slade للفنون. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وإصابته إبانها بجراح، عاد إلى باريس نحو عام 1920، وهناك صوَّر المناظر الطبيعية، والطبيعة الصامتة nature morte، عرض منها اثنتي عشرة لوحة عام 1923 في معرض نظَّمته جين كاستل Jeanne Castel.
المزيد »