logo

logo

logo

logo

logo

الحركة التصحيحيةتشرين الثاني970

حركه تصحيحيهتشرين الثاني970

Correction Movement 16 October 1970 - Mouvement de correction 16 octobre 1970

الحركة التصحيحية 16 تشرين الثاني 1970

 

أولاً : الدوافع والتوجهات

في ضوء الظروف الناجمة عن العدوان الصهيوني الأمريكي على الأمة العربية في حزيران عام 1967، وما خلفه من آثار، وطرحه من مهام، وفي مقدمتها، مهمة تحرير الأراضي العربية المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؛ كان على الحزب أن يعيد النظر بسياساته كافة، الداخلية والعربية والدولية، وجاء قيام الحركة التصحيحية المجيدة بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني عام 1970، والنهج السياسي الذي طرحته؛ القائم على إستراتيجية حشد الطاقات وطنياً وقومياً ودولياً استجابة لإرادة قواعد حزب البعث العربي الاشتراكي، وجماهير الشعب والقوى الوطنية والتقدمية، وللضرورات الوطنية والقومية في مجابهة التحديات الناشئة، وفي مقدمتها تحدي الاحتلال، ولينهي حالة العزلة التي كان يعيشها الحزب والحكم في ظل عقلية التطرف التي كانت تتحكم بقيادته، وليشكل نقطة  تحول تاريخية في مسيرة الحزب، سواء في علاقاته بالجماهير والقوى الوطنية والتقدمية، أو في مسيرة الجمهورية العربية السورية على طريق التطور والتقدم، أو على صعيد دورها الوطني والقومي من خلال انفتاحها على الدول العربية، وتطوير علاقات من التعاون معها، وبناء التضامن العربي وتعزيزه.

وفي البيان الذي أصدرته القيادة القطرية المؤقتة في 16 تشرين الثاني 1970 تم توضيح أهم بنود النهج السياسي الذي قامت على أساسه الحركة التصحيحية، والذي كان بمثابة برنامج عمل للمرحلة اللاحقة، وقد تضمن التأكيد على ما يأتي:

آ - حشد الطاقات الشعبية كلها، وإقامة جبهة وطنية تقدمية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي.

ب - تشكيل مجلس الشعب، بهدف ممارسة التشريع ووضع الدستور الدائم للبلاد.

جـ - متابعة وضع وتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية في ضوء ضرورات معركة التحرير وحاجات الشعب الأساسية.

د - استكمال بناء الديمقراطية الشعبية، وتعزيز دور المنظمات الشعبية في الحياة العامة، ومن خلال رقابتها على أجهزة الدولة، وإصدار قانون الإدارة المحلية، وصيانة حرية المواطنين وكرامتهم.

هـ - متابعة تطوير القوات المسلحة للقيام بواجبها في معركة التحرير.

وعلى الصعيد القومي: أكد البيان ضرورةَ حشد الطاقات العربية عبر التضامن العربي، والعمل الوحدوي وتعزيز استراتيجية الكفاح المسلح، ودعم الثورة الفلسطينية.

وعلى الصعيد الدولي: أكد ضرورة تطوير العلاقات مع الدول الاشتراكية الصديقة، وخصوصاً الاتحاد السوڤييتي (سابقاً)، وحركات التحرر في العالم، ومع الدول والقوى الداعمة للقضايا والحقوق العربية الوطنية والقومية، وتعزيز دور الأمم المتحدة، وكذلك السعي لتطوير علاقات سورية مع الدول الأجنبية على أساس موقفها من القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها قضية التحرير.

ثانياً: الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية

وبالاستناد إلى هذا البرنامج أولت قيادة الحزب، وعلى رأسها القائد الخالد حافظ الأسد أهمية كبيرة للوضع الداخلي، لتمتين بناء الجبهة الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية، وإقامة النظام السياسي المستقر، والمستند إلى الشرعية الدستورية والمستكمل لمؤسساته الرسمية والشعبية، وشرعت في اتخاذ سلسلة من الإجراءات لتحقيق ذلك كان من أهمها:

ـ تشكيل مجلس الشعب في شباط 1971، وقد ضم ممثلين عن  الحزب والقوى والعناصر الوطنية والتقدمية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية، ومختلف فئات الشعب وشرائحه.

ـ إصدار قانون الإدارة المحلية في أيار 1971، القائم على مبدأ اللامركزية.

ـ استكمال إنشاء المنظمات التربوية الشعبية والمهنية مع التأكيد على تطوير القائم منها وتعزيز دورها.

ـ إقامة الجبهة الوطنية التقدمية في سورية في 7 آذار عام 1972 وهو اليوم الذي وقّع فيه ممثلو الأحزاب الوطنية والتقدمية ميثاق الجبهة، وتم الإعلان عن قيامها رسمياً، وذلك بعد فترة من الحوار بين أطرافها من خلال لجنة ضمت ممثلين عن كل من هذه الأحزاب.

وأتاح قيام هذه الجبهة تحقيق مشاركة هذه الأحزاب في الحياة العامة للبلاد، وتعد التجربة الوحيدة الأنموذج في المنطقة.

ـ إقرار الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية، وإصداره، والعمل بموجبه وذلك بعد أن أقره مجلس الشعب في 13/3/1973، وقد تم فيه تحديد طبيعة النظام السياسي. ومن الأمور التي كرسها الدستور، الأخذ بمفهوم وصيغة الحزب القائد على أساس التعددية الحزبية والسياسية، وقد نصت المادة الثامنة منه على أن: «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية، تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب …» وكذلك الأخذ بمفهوم وصيغة التعددية الاقتصادية، على أساس وجود قطاع عام، ومشترك، وخاص، وتعاوني، بما يؤكد إسهامها جميعاً في الحياة الاقتصادية في القطر وفي عملية تطوره وتقدمه، التي امتدت لتشمل جميع جوانب الحياة.

وهكذا تمت على الصعيد الداخلي إقامة البنى والمؤسسات المطلوبة لنظام الحكم، نظام الديمقراطية الشعبية، القائم على أساس الشرعية الدستورية، بما يخدم عملية تعزيز بناء الجبهــة الداخلية وقضية التحرير، وترافق ذلك مع تحقيق خطوات هامة على طريق بناء التضامن العربي، وحشد الطاقات العربية، وبالتالي الانطلاق على طريق تحقيق الإنجازات الضخمة على الصعيدين الوطني والقومي.

ثالثاً ـ أهم الإنجازات على الصعد كافة

1- حرب تشرين التحريرية 6 تشرين الأول 1973:

احتل موضوع الإعداد لمعركة التحرير مكان الأولوية من اهتمام القائد الخالد حافظ الأسد، وما بذل من جهود لتحقيق الظروف الملائمة لها، وتوفير متطلباتها داخلياً، وعربياً، ودولياً، ولاسيما في مجال إعداد القوات المسلحة وبناء الجبهة الداخلية المتينة وتعزيز الوحدة الوطنية، وكذلك على صعيد بناء التضامن العربي والتنسيق مع مصر ومع الأصدقاء على الصعيد الدولي ولاسيما مع الاتحاد السوفييتي.

ففي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6تشرين الأول 1973، بادرت القوات السورية والمصرية وفي وقت واحد إلى شن حربها التحريرية، بقرار عربي سوري مصري مشترك تحت شعار قومية المعركة، وكانت المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني التي ينتقل فيها العرب من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، ويمسكون بزمام المبادرة والمفاجأة، ويلحقون بالعدو الصهيوني أفدح الخسائر البشرية والمادية، ويحققون نتائج إيجابية كبيرة وبالغة الأهمية لصالح الأمة العربية وقضيتها التحررية، من أبرزها انتزاع زمام المبادرة من العدو، وتأكيد كفاءة الجندي العربي وبسالته وشجاعته وقدرته على استعمال السلاح الحديث والمتطور، وإسقاط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وتعزيز الثقة بالنفس وبالمقدرات الذاتية، وتوجيه ضربة قوية لنظرية إسرائيل الأمنية، وقد وصفت هذه الحرب بأنها كانت أشبه ما يكون بالزلزال الذي أحدث هزة كبرى في البنية النفسية والاجتماعية والسياسية للمجتمع الإسرائيلي، وكان الإنجاز الأكبر الذي حققته هو تحرير مدينة القنيطرة، وأجزاء هامة من أراضي الجولان. ومن ناحية أخرى فقد أكدت هذه الحرب أهمية التضامن العربي وحيويته وجدواه وفعالية استخدام ما يمتلكه العرب من طاقات وإمكانيات سياسية وعسكرية واقتصادية، وخاصة النفطية منها، وهي بذلك شكلت التجسيد الحي لوحدة المصير القومي العربي، وإثبات أن قوة العرب في تضامنهم ووحدتهم، كما كان من أهم نتائجها، إسهامها في توسيع دائرة التفهم والتأييد الدولي لقضية تحرير الأراضي العربية المحتلة، وفي قلبها القضية الفلسطينية، ولهذا فقد شكلت كما أكد القائد الخالد حافظ الأسد «الإنجاز الكبير لشعبنا الذي، ترك بصماته على مسرح الحياة العربية والدولية، وأحدث عميق الأثر المباشر وغير المباشر في مختلف جوانب الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، مما جعله واحداً من أبرز أحداث التاريخ ومنعطفاته».

2- على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي:

شهد الاقتصاد الوطني منذ قيام الحركة التصحيحية المجيدة عام 1970 تطوراً كبيراً شمل جميع جوانب الحياة، فتم بناء قاعدة اقتصادية مادية قوية وواسعة يستند إليها تقدم المجتمع، وعدّت التنمية الشاملة مسؤولية وطنية للدولة والمجتمع، وتأسيساً على ذلك أطلقت التعددية الاقتصادية، وشجعت المبادرات الخاصة، وأتيحت الفرص أمام الجميع للإسهام في تنمية المجتمع، ويمكن فيما يأتي توضيح أبرز جوانب هذا التطور وأهم ما تحقق من إنجازات.

آـ في مجال الزراعة والري:

استمر الاهتمام بالتنمية الزراعية طوال الفترة الماضية من عمر الحركة التصحيحية وجرى عمل واسع وكبير في مجال تطوير الزراعة في مجاليها النباتي والحيواني، من خلال التوسع بها، وتوفير متطلباتها، ولاسيما في مجال إقامة السدود السطحية والنهرية والاهتمام بالموارد المائية، والتوسع بالزراعة واستصلاح الأراضي، وتقديم الدعم للفلاحين وأسرهم، ونشر الأساليب العلمية الحديثة في الري واستخدام الآلات وأساليب التقنية الحديثة في الزراعة والمكافحة، وكذلك العناية المطردة بالثروة الحيوانية، وتطوير البادية، مما وفر حالة من الاستقرار والنمو المتواصل في قطاع الزراعة. وهذا ما مكن سورية من تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي بتوفير المحاصيل الإستراتيجية الأساسية إضافة إلى الخضار والفواكه، وإنتاج فائض عن الاستهلاك المحلي القابل للتصدير ولاسيما من مواد القمح، والقطن، والحمضيات، والزيتون وغيرها، ويمكن القول: إن التطور في المجال الزراعي وصل إلى مراحل متقدمة، علماً بأن ربع القوى العاملة في سورية يعمل في القطاع الزراعي الذي يؤمن نسبة نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي.

ب ـ في المجال الصناعي:

نشأ وتطور قطاع عام كبير ومهم في مجالات الطاقة الكهربائية توليداً ونقلاً وتوزيعاً، واستخراج الثروة النفطية وتأمين الاستهلاك المحلي والمساهمة في الصادرات وتمويل الموازنة، وفي مجال السكك الحديدية وشق الطرق والمواصلات والمرافئ والمطارات والحديد والصلب والأسمدة والغزول والمنسوجات والصناعات الجلدية والتحويلية وصناعة الدواء، والغذاء، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وقطاع السياحة وغيرها. وأدى ذلك إلى تكوين قطاع عام كبير وظفت من أجله أموال حكومية ضخمة، وهو يقوم بدور قيادي مهم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ومن مؤشرات هذا الدور زيادة الإنتاج الصناعي كَّماً ونوعاً وشموله عدداً من السلع التي تلبي حاجات الشعب وتسهم في زيادة الصادرات، إضافة إلى توفيره سوق عمل واسعة لليد العاملة، حيث يتم فيه تشغيل مئات آلاف العمال، في إطار خطة التنمية الشاملة للقطر التي قام فيها القطاع العام بدور رئيسي ورائد. كما تم تحقيق تطور كبير في قطاع التشييد والخدمات من خلال إنشاء شركات عامة للبناء والتشييد أسهمت في تنفيذ مشروعات مهمة، وتوفير بنية تحتية جيدة، وذلك في إطار خطة التنمية الشاملة، ويسهم قطاع الصناعة والتعدين والطاقة بنسبة تقدر بنحو (22%) وسطياً من الناتج المحلي الإجمالي.

جـ ـ في المجال التجاري والمالي:

استمرت الدولة مسيطرة على معظم قضايا التجارتين الداخلية والخارجية ولاسيما فيما يتعلق بالسلع ذات الطابع الاستراتيجي، مثل الحبوب والقطن. إلا أن الحاجة إلى تشجيع الاستثمار، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للقيام بدوره، والتخفيف من تدخل الدولة، أوجب منذ أواسط التسعينات البدء باتخاذ إجراءات متدرجة وسن عدد من التشريعات فيما يتعلق بالكثير من السلع، وذلك في سياق تقديم التسهيلات الممكنة للقطاع الخاص، وكذلك فيما يتعلق بالمصارف، فقد شرعت الدولة مؤخراً باتخاذ سلسلة من الإجراءات تسمح بموجبها بإنشاء مصارف خاصة ومشتركة إلى جانب المصارف التابعة للدولة، وذلك في إطار تحسين الخدمات المصرفية وتشجيع الاستثمار. وتعد هذه التدابير وغيرها مثل قانون حماية سرية المصارف جزءاً من عملية الإصلاح الاقتصادي في البلاد، كما أن الدولة بصدد إصدار قوانين أخرى عدة تصب في المسار نفسه.

د ـ في مجال التعليم والثقافة:

تم على هذا الصعيد تحقيق نجاحات وإنجازات كبيرة ومهمة، من خلال إلزامية  التعليم، ونشر المدارس في كل أنحاء القطر، والاهتمام بالتعليم المهني والفني، والثانوي والجامعي، على أساس ديمقراطية التعليم، إلى جانب التوسع في الإيفاد الخارجي العالي التخصصي، ونشر الثقافة، وفتح المراكز الثقافية على نطاق واسع وتطوير المؤسسات الإعلامية، وبالتالي فقد ازداد عدد الأطر المؤهلة في المجالات المختلفة، الاقتصادية والإدارية والفنيــة والمهنية والعلمية. ومما له دلالاته، تركيز الاهتمام على نشر المعلومات وتوسيع الاعتماد على تقنيات المعلوماتية، والبحث العلمي وإصلاح وضع التربية والتعليم على أسس علمية ومتطورة وخاصة في الجامعات، وكذلك السماح بالجامعات الخاصة، والجامعات الافتراضية والمفتوحة، وكذلك الاهتمام بالتوسع في الدراسات التخصصية العليا.

هـ ـ تبدلات عميقة في بنية المجتمع العربي السوري

وبنتيجة ما تحقق من إنجازات وتحولات، حدثت تبدلات عميقة وواسعة في بنية المجتمع العربي السوري، إذ لم يعد يوجد إقطاع بالشكل المعروف، وازدادت أعداد الطبقة العاملة، وكذلك أعداد ذوي المؤهلات العلمية والمهنية والفنية والمثقفين.

و ـ في القضية الاجتماعية :

تحقق تطور كبير في مستوى حياة المواطنين ومعيشتهم في المدينة والريف، كما تحقق تطور كبير في مجال تعزيز دور المرأة وإصدار التشريعات التي تساويها بالرجل وزيادة مشاركتها في الحياة العامة، وتحقق تطور كبير في مجال القضاء على الأمية. واستمرت قضية تأمين سوق عمل لليد العاملة، ولاسيما لحملة المؤهلات العلمية محل اهتمام كبير من قبل الدولة، وذلك في إطار اهتمامها بتوفير متطلبات المعدلات المرتفعة للنمو السكاني وتدفق أعداد كبيرة جديدة إلى سوق العمل، إلى جانب الاهتمام بموضوع الأجور، والوضع المعاشي والصحي والسكن والخدمات العامة من مياه الشرب والكهرباء وغيره.

رابعاً ـ الحركة التصحيحية، مكانتها وأهميتها القومية والدولية:

إن الطابع الوطني القومي التحرري الوحدوي هو أبرز ما ميز النهج السياسي للحركة التصحيحية المجيدة، التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد. وبالاستناد إلى هذا النهج، كانت قضية التحرير، مع كونها قضية وطنية وقومية، هي الأساس في عملية تصحيح وتطوير علاقات الجمهورية العربية السورية على النطاقين القومي والدولي، ووضع الاستراتيجية القائمة على مفهوم حشد الطاقات العربية والدولية. وفي هذا الإطار بادرت الجمهورية العربية السورية إلى الانفتاح على الدول العربية جميعها، وإنهاء حالة العزلة التي كانت تعاني منها و إعادة علاقاتها معها جميعاً إلى وضعها الطبيعي، وذلك في نطاق سعيها الجاد والمسؤول إلى بناء التضامن العربي وتعزيزه، وإلى تقوية جبهة الأصدقاء وتطويرها، وكان اهتمامها منصباً على تصحيح مسار علاقاتها مع الدول العربية وجعله يقوم على التعاون والتقارب وتوحيد الجهود، على طريق حشد الطاقات لخدمة قضايا العرب الأساسية، وفي مقدمتها قضية تحرير الأراضي العربية المحتلة واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وبما يمكّن العرب من ضمان حقوقهم ومصالحهم، والتصدي للمخططات المعادية. وعلى هذا الأساس ظلت سياسة سورية العربية في عهد التصحيح المجيد تدعو إلى تحقيق أي خطوة وحدوية ممكنة بين الأقطار المؤهلة لذلك، وتؤكد أنه ليس لها شروط من أجل تحقيق أي خطوة وحدوية ممكنة، تكون خطوة على طريق الوحدة العربية الشاملة. كما ظلت سورية تتمسك بسياسة التضامن العربي، وتدعو إلى تعزيزه وتفعيله، وتؤكد على ضرورة عدم تغليب الخلافات الهامشية والقضايا الثانوية، على القضايا الأساسية. وقد أدت سورية دوراً بارزاً، بل طليعياً فيما تحقق من تضامن وعمل مشترك وتنسيق وحشد للطاقات العربية، وخصوصاً في حرب تشرين التحريرية، وكذلك في العمل من أجل حماية النتائج الإيجابية لهذه الحرب، ومواجهة الآثار السلبية الناجمة عن الحلول المنفردة بدءاً من كامب ديفيد، مروراً بأوسلو، وانتهاء بوادي عربة، هذه الحلول التي ألحقت أفدح الأضرار بالتضامن العربي، والعمل العربي المشترك، وقضاياه الأساسية وخصوصاً القضية الفلسطينية وتحرير الأراضي العربية المحتلة، كما شكلت عقبة كبرى أمام النهوض العربي المنشود، مما حمّل سورية مسؤوليات أكبر في مواجهة التحديات الناشئة والتي كان منها تفجير الحرب الأهلية في لبنان، وما قامت به إسرائيل من اعتداءات ولاســيما عدوانها الإجرامي عام 1982، واحتلالها لأجزاء واسعة من أراضيه وصولاً إلى فرض اتفاق الإذعان عليه في 17 أيار 1983، إضافة إلى ما تعرضت له من ضغوط وتهديدات وغيرها.

وإزاء هذه التحديات، كان خيار سورية الثابت والمبدئي، هو خيار الصمود والمقاومة ومواصلة الالتزام بالقضية الفلسطينية، وقضية تحرير الأراضي العربية المحتلة، والوقوف بمبدئية وثبات إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني، ومقاومته الباسلة، وهي تواصل كفاحها المجيد في سبيل إحقاق حقوقه الوطنية في تقريره مصيره بنفسه، وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، وحقه في العودة، وكذلك الوقوف بقوة وتصميم إلى جانب لبنان لإنهاء الحرب الأهلية التي تفجرت في ربوعه، ومنع تقسيمه، وفي سبيل حماية وحدته أرضاً وشعباً وتقديم كل ما يمكن للشعب اللبناني المناضل، ومقاومته الباســلة من دعم ومساندة، مما كان أحد أهم عوامل انتصاراته بإحباط مخططات تقسيمه وإسقاط اتفاق الإذعان الذي أراد الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية فرضه عليه، وتحقيق السلم الأهلي في ربوعه، وصولاً إلى دحر قوات الاحتلال من جنوبه وإرغامه على الانسحاب منه باستثناء مزارع شبعا. وعبر تعزيز علاقات الثقة والتلاحم بين الجانبين على قاعدة المصالح المشتركة، أمكن الوصول بهذه العلاقة إلى مستوى عال من التقدم، عكسته وأكدته معاهدة الأخوة والتعاون السورية اللبنانية.

وفي سياق مواصلة سورية نضالها من أجل تحرير الأراضي المحتلة، واستعادة الحقوق المغتصبة ظلت تتمسك بالحل العادل والشامل، وتعتبره قضية قومية كما هو قضية وطنية، واستمرت تؤكد على أهمية وحدة الموقف العربي والتضامن الكفاحي العربي لتحقيق السلام العادل والشامل. وعلى هذا الأساس كانت موافقتها، ومشاركتها في عملية السلام في مدريد، وكانت شديدة الحرص على تحقيق التنسيق المطلوب بين الأطراف المعنية، إلا أن انجرار كل من الجانب الأردني والجانب الفلسطيني إلى حلول منفردة منقوصة حال دون ذلك، وكانت النتائج مخيبة للآمال، بما أدت إليه من تفريط وتقديم تنازلات وفشل ترافق بتصعيد إسرائيل لسياسة الحرب والعدوان ضد الشعب الفلسطيني المقاوم وانتفاضته الباسلة، بهدف كسر إرادته وفرض الشروط الإسرائيلية عليه.

واستمرت سورية ومعها لبنان تؤكدان تمسكهما بالحل الشامل والعادل القائم على منطق الشرعية الدولية وقراراتها التي قامت عليها عملية السلام، وخاصة القرارين /338،242/ ومبدأ الأرض مقابل السلام، بما يضمن تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها كامل الجنوب اللبناني والعودة إلى خط الرابع من حزيران /1967/ وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في تقرير مصيره بنفسه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحقه في العودة، بوصفه السبيل لتحقيق السلام العادل والشامل.

وإزاء القضية العراقية، والحرب العدوانية الأمريكية البريطانية الصهيونية ضد العراق، وقفت سورية في طليعة القوى العربية ضد هذه الحرب الظالمة وعملت على منعها والعمل من خلال الشرعية الدولية لحل المشكلة العراقية سلمياً، وبعد وقوع الحرب أدانتها وطالبت بوقفها، وانسحاب القوات الأجنبية والمحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وترك شعب العراق يقرر مستقبله بنفسه من دون أي تدخل وضغط من الخارج، وأكدت وقوفها إلى جانب العراق الشقيق، معتبرة أن الهدف الحقيقي من هذه الحرب، هو احتلال العراق والتحكم بمقدراته ولاسيما النفطية وتدمير ما يمتلك من طاقات وقدرات مادية وبشرية وعلمية، ليكون ذلك المدخل لإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة لخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية، وكذلك تصفية القضية الفلسطينية، وفرض الحل الأمريكي الإسرائيلي لها، مما شكل اعتداءً سافراً على المصالح والحقوق العربية، وتهديداً سافراً للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة والعالم، وظلت سورية في عهد التصحيح المجيد تدعم كل نضال عربي تحرري، وتقف بثبات إلى جانب الأقطار العربية التي تدافع عن استقلالها وسيادتها وصد كل تهديد تتعرض له أي منها.

خامساً: التطوير والتحديث في ظل الحركة التصحيحية

على مدى ثلاثة عقود ظلت الحركة التصحيحية المجيدة بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد تؤكد التزامها قضية الوطن والشعب، والقضايا القومية، وفي مقدمتها قضية التحرير والقضية الفلسطينية، كما ظلت تؤكد استجابتها لمتطلبات التجديد والتطوير، في ضوء ما يستجد من متغيرات، إضافة إلى تأكيد الحاجة الدائمة إلى مراجعة لسياسة الحزب، وما تحقق من منجزات ومواصلتها والبناء عليها، وما ظهر من سلبيات ومعالجتها والعمل على تجاوزها. وهذا ما كانت تؤكده وتدعو إليه دوماً كلمات وتوجيهات القائد الخالد حافظ الأسد وخصوصاً كلمته التي وجهها إلى مجلس الشعب وإلى الشعب بعد أدائه القسم الدستوري لولاية دستورية خامسة في 11/3/1999. وجاء رحيله وغيابه في 10حزيران عام 2000 ليشكل خسارة فادحة كبرى للحزب ولسورية وللأمة العربية. إلا أن ما عوض هذه الخسارة ما خلفه من بناء شامخ لمواصلة البناء عليه، ومن نهج راسخ للسير على هديه. وجاء المؤتمر القطري السوري التاسع الذي انعقد مابين /17-21/ حزيران 2000 ، بما حدده من توجهات، واتخذه من قرارات وعلى الأخص قراره باعتبار السيد الدكتور بشار الأسد قائداً لمسيرة الحزب والشعب ليؤكد على مهمة التجديد والتطوير على قاعدة الاستمرار والاستقرار، وليؤكد أيضاً على ضرورة المعالجة العلمية لقضايا التطور من منطلق الثبات على المبادئ، وتفعيل طاقات المجتمع، في تعدديتها السياسية والحزبية، وتعدديتها الاقتصادية على قاعدة الوحدة الوطنية الراسخة والتمسك بالثوابت الوطنية والقومية.

وفي خطابه التاريخي الذي وجهه إلى مجلس الشعب وإلى الشعب لدى أدائه القسم الدستوري في 17/تموز/2000 حدد السيد الدكتور بشار الأسد الأمين القطري للحزب رئيس الجمهورية أهم التوجهات المستقبلية حول قضايا السياسة الداخلية والعربية والدولية، وشكلت مسألة التطوير والتحديث، السمة البارزة التي ميزت هذه التوجهات. وفي ضوئها تم تحقيق خطوات هامة على صعيد تفعيل حياة الحزب الداخلية ودوره وعلى صعيد تفعيل عمل الجبهة الوطنية التقدمية وتمكين أحزابها من فتح مقرات لها، وإصدار صحف خاصة لكل منها، وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة وكذلك تفعيل عمل المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وتعزيز ممارستها للديمقراطية، وتوطيد دورها، وتعزيز ممارسة النقد البناء، واحترام الرأي الآخر، والممارسة الملتزمة والمسؤولة للحرية والديمقراطية.

كما تم تطوير الكثير من القوانين وتحديثها في المجالات المختلفة ، وأعير اهتمام خاص لموضوع الإصلاح الاقتصادي ولاسيما ما يتعلق بتطوير القطاع الخاص من خلال سن القوانين التي تشجّع على الاستثمار وتحّسن مناخه.

ويتواصل الاهتمام وبذل الجهود لبناء القاعدة العلمية المتطورة في القطر ونشر المعلوماتية وتطوير البحث العلمي، إلى جانب الإصلاح الإداري وتطوير الإدارة وتحديث الدولة، وتمكينها من أداء مهامها في خدمة الشعب، وتوفير متطلباته ومواصلة السير على طريق التقدم المطّرد.

وبالاستناد إلى النهج الوطني والقومي التحرري الذي واصلت سورية التمسك به في ظل الحركة التصحيحية المجيدة، وما حققته من منجزات، شكلت الركيزة الأساسية التي تحتضن المشروع القومي التحرري الوحدوي، وتسعى مع القوى الوطنية والقومية العربية، إلى النهوض به.

قسم الدراسات في مكتب الثقافة والإعداد الحزبي

 

التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 194
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 510
الكل : 31812993
اليوم : 12536

غنام النجدي (حسين ابن )

ابن غنّام النجدي (حسين -) (… -1225هـ/… -1810م)   حسين بن أبي بكر بن غنَّام، مؤرخ ينتمي إلى قبيلة تميم. ولدفي بلدة «المُبَرَّز» بمنطقة الأحساء شرق المملكة العربية السعودية في القرن الثاني عشر للهجرة، من دون معرفة للعام الذي ولد فيه؛ وكانت الأحساء حينئذٍ مركزاً من مراكز العلم في الجزيرة العربية، ونشأ في ذلك المناخ العلمي الذي صاحب قدراته الذاتية، فأصبح عالم شريعة، ومعلم لغة عربية، وناظم شعر.
المزيد »