logo

logo

logo

logo

logo

داروين والدارونية

داروين ودارونيه

Darwin and Darwinism - Darwin et darwinisme

دارون والدارونية

 

 

تشارلز دارون

 

تشارلز روبرت دارون Charles Robert Darwin  ت(1809-1882) عالم طبيعي إنكليزي، يعد مؤسس نظرية التطور التاريخي للعالم العضوي، كان والده طبيباً ذا شهرة واسعة، وكذلك جده أرسموس دارون. بدأ رحلته الدراسية في مدرسة شروز باري ثم انتقل إلى أدنبره، كي يدرس الطب، ومن ثم إلى جامعة كمبردج بكلية اللاهوت عام 1827. وفي الواقع، كان دارون حتى هذه المرحلة من التعليم يعد نفسه ليصبح رجل لاهوت في خدمة الكنيسة، لكنه تعرّض لانقلاب جذري في اتجاهاته على أثر الرحلة التي قام بها عام 1831 على سفينة بيجل، إذ تعد هذه الرحلة نقطة تحول في حياته واهتماماته. فقد انشغل على ظهر السفينة وفي الجزر التي ترسو بها بالمجموعة النباتية، وسجل ما رأى في مدونة طويلة مستلهماً بعض الحقائق المتعلقة بالقشريات وبعض المستحاثات، ثم تحول إلى علم الجيولوجية وتبنى آراء  تشارلز لايل Charles Lyell  ت(1797-1875)، رافضاً مذهب النكبات الإلهية catastrophism الذي كان سائداً آنذاك.

وبفضل التقدم الحاصل في علم الجيولوجية تحول إلى علم الأحياء منذ عام 1837، فتطور مذهبه في نشوء الأنواع،  واكتشف أن الانتخاب هو حجر الزاوية في توليد السلالات النافعة التي تولدها الأسباب الطبيعية، فوضع كتابه في أصل الأنواع. وتعد نظرية وحدة التأصل هي المحاولة التي يعلل بها أصل الوراثة في الكائن الحي، مفترضاً أن الوحدات الفيزيولوجية التي يتكون منها الفرد تولد صفات تعيد استحداث الوحدة التي منها استمدت هذه الصفات. ومنذ عام 1859 تراءت له فكرة تطبيق مذهبه على النوع الإنساني، حيث يضع سياق تطور الإنسان ضمن تطور الحيوانات الدنيا باتجاه العليا منها، وضمن هذا السياق تطور البشر المتوحشين إلى البشر المتحضرين، وفي هذا الشأن وضع كتابه «تعبير الانفعالات» عام 1872 الذي يبين فيه أن الإنسان يتحدر من شكل حيواني مسبق الوجود، يقدر من خلال الكتاب قيمة الاختلافات الموجودة بين الأعراق الإنسانية وأنه هناك استمرارية وراثية بين الحيوانات والبشر. ولعل هذه الفكرة هي التي أثارت المعارك الفكرية وجعلت النظرية تستمر إلى ما بعد دارون. ومن أهم مؤلفاته:

1 ـ صحيفة البحوث العلمية في رحلة البيجل (1845)، 2 ـ المشاهدات الجيولوجية في جنوبي أمريكا (1846)، 3 ـ الحيوانات السلكية (1854)، 4 ـ أصل الأنواع (1859)، 5 ـ تعبير الانفعالات (1872)، 6 ـ النباتات المتسلقة (1875)، 7 ـ تأثير التهجين والإخصاب في مملكة النبات (1877)، 8 ـ قدرة الحركة في النباتات (1880).

الدارونية

تطورت الأفكار التي جاء بها دارون  وتأسست الدارونية Darwinism من بعده، وهي مذهب لا يتجزأ مما سعى إليه دارون. ولم يكتفِ المتحمسون لنظرية دارون بآرائه بل تخطوها إلى أسس جديدة أكثر قدرة على الاستمرار، لأن تطور الأنواع مسألة، وشرح آلية هذا التطور مسألة أخرى، فالدارونية تفترض أن الإنسان ليس نموذجاً مستقلاً عن باقي الأنواع الحية، فهو لا يجد نفسه إلا ضمنها، إنه كائن حي سمحت له مميزات بنيته وحياته الاجتماعية بتملكه العقل الذي أدى إلى تملكه العمل والفكر والأحاسيس الفنية والأخلاقية، والفكرة الآتية التي تعد إحدى الأسس الراسخة في الدارونية هي فكرة الصراع من أجل البقاء، فالحيوان اللاحم سينقرض، إذا انقرضت الحيوانات النباتية، وهذه ستنقرض إذا انقرضت النباتات، ومصير الأنواع لا يتوقف على كثرة تناسلها، بل على زيادة الأحياء على الأموات. ومسألة الصراع من أجل البقاء في الدارونية تثير إشكالية فكرية، صراع أفراد النوع الواحد وصراع الأنواع بعضها مع بعض، وصراع الكائن الحي مع محيطه، وهذا الصراع شامل بين الأحياء ولا ينجو منه أحد، ولا بد من تكاثر الأحياء ليحفظ كل نوع عدد أفراده النسبي في الطبيعة بعد أن ينتهي الصراع، وعندما يزداد عدد أفراد النوع، ويسعى كل فرد للحفاظ على نفسه وعلى عائلته، يموت الضعيف ويبقى الأصلح والأقوى، وهذه الفكرة ومجمل الأفكار التي تدور حولها أدت إلى نشوء الدارونية الاجتماعية Social Darwinism التي تسعى لتعميم هذا النوع من الأفكار ووضعها في منهج ونظام، لتبرير قهر الضعفاء واضطهادهم. ففي نهاية القرن التاسع عشر نشأت اتجاهات سياسية أخلاقية تنضوي تحت راية الدارونية وتنادي بعدم مساعدة الضعفاء غير المؤهلين اجتماعياً، لأنه أكثر نفعاً للإنسانية أن ندع المجتمع يلعب لعبته الطبيعية وعدم إعاقة قانون الاصطفاء الطبيعي، وانسجاماً مع الطبيعة يجب أن نتقبل غلبة الأقوياء. إن هذه المبادئ المستندة إلى الدارونية كانت تلقى الدعم والتأييد من دعاة العنصرية التي تدعو إلى أقسى أشكال إعادة تنظيم المجتمعات الإنسانية، وفقاً لقوانين الصراع من أجل البقاء، في حين أن دارون نفسه لم يكن عرقياً أو عنصرياً، بل عالماً يبحث في قوانين الارتقاء من أجل الوصول إلى أعلى مرتبة في الوجود. ولم تقف الدارونية الاجتماعية عند هذه الحدود التي رسمها دارون، بل تعدتها إلى استنتاجات أخلاقية وسياسية، وأصبحت الدارونية لقمة سائغة لهذه التيارات من أجل تعزيز منطلقات إيديولوجية بحتة تبرر الاضطهاد العنصري وتصفية جماعات بشرية بأكملها بدعوى أنها غير قادرة على الاستمرار وفقاً لمبادئ الصراع من أجل البقاء. ومن الدارونية الاجتماعية انبثقت المدرسة البيولوجية في علم الاجتماع Biological School in Sociology التي ترى أن سائر الأنواع تخضع لقانون الاصطفاء، ولكل سلوك أساس وراثي، ويمكن الحديث هنا عن الشواذ والمدمنين واللصوص، وأيضاً النزعة إلى الطاعة والانصياع والغيرية وغير ذلك.

هذه النظرية حققت بعض النجاحات التجريبية في تفسير بعض أنواع السلوك الاجتماعي لبعض الكائنات الحية، وعممت دراساتها على النحل وحمار الوحش الذي يقدم نفسه فريسة سهلة للسبع لينقذ عائلته، في محاولة لتفسير الغيرية على أساس وراثي، وتأمل البيولوجية الاجتماعية أن تفسر تقسيم العمل انطلاقاً من اعتبارات وراثية. ويُؤخذ على البيولوجيين الاجتماعيين إصرارهم على الحتمية الوراثية، ولهذا السبب يُنظر إلى نظريتهم نظرية عرقية عنصرية، وأنها استخدمت لتبرير الحرب والسعي إلى التنافس، لأنها ترى أن كراهية الآخرين آتية من موروث خاص، وبهذا تبدو النزعة العرقية كأنها أمر طبيعي. وقدم البيولوجيون الاجتماعيون أنفسهم على أنهم خبراء في مجال الأخلاق والسياسة، ولعلهم من طلائع الذين ربطوا الدارونية بالهندسة الوراثية.

وعلى صعيد العلوم الطبيعية ظهرت الدارونية الجديدة Neo Darwinism على يد أوغست وايزمان Auguste Wiseman ت(1834-1914م)، وتقوم نظرتها على الإقرار أن الصفات تحددها الموروثات، وأن هذه الموروثات يمكن أن تطرأ عليها تقلبات، وهكذا تظهر الفروق الفردية بين أفراد النوع الواحد ثم يقوم الاصطفاء بإبعاد مجموعة من الأفراد الذين يحملون موروثاً معيناً، أو على النقيض قد يعمل على تفضيل مجموعة من الأفراد تحمل موروثاً معيناً آخر وتثبّته، وبهذا تكون الطفرة تسبق الاصطفاء، لكن ذلك لا يقتضي وجود أي رابطة بين العامل المولد للطفرة وبين ظروف الاصطفاء. ويرى هيجو دفري Hugo Devries  أن الأهمية القصوى في عملية الاصطفاء تعود إلى التنوعات المفاجئة التي كان دارون ينكر فائدتها التطورية. وفيما بعد أصبحت الدارونية الجديدة تعرف بالدارونية التركيبية Synthetic Darwinisin من قبل بيولوجيين أمثال جوليان هسكي J.Huskey وجورج سمبسون G.Sompson وقد أطلق عليها التركيبية لأنها ولفت بين الماندلية وعلم الوراثة وفرضية الانتقاء الطبيعي الدارونية الأصل. وبالإجمال إن الباحثين الحاليين يضعون تصورات أكثر صرامة، وقد طوروا تصورات أكثر فعالية من تلك التي نجدها في أصل الأنواع، خاصة بعد التطورات المذهلة للهندسة الوراثية التي تُوِّجت بكسر الشفرة الوراثية للإنسان، حيث تبدو الدارونية حاضرة في أبحاث كبار علماء الهندسة الوراثية، أمثال العالم جيمس واتسون، المدير المؤسس لبرنامج المادة الوراثية للبشر، والذي يتساءل «هل لدينا الشجاعة لنثق بقدرتنا على تطوير أنفسنا بعد ملايين السنين من الانتقاء الطبيعي وفق نظرية دارون» وكأن الإنسان اليوم يريد أن يحل محل الطبيعة في تطوير نفسه، وقد استطاع ذلك فعلاً على صعيد تطوير بعض المنتجات النباتية. ولا نستطيع في هذا السياق أن نهمل حلم كريغ فنتر أحد جهابذة العلماء المعاصرين في الهندسة الوراثية، والذي يحلم أن يعيد رحلة دارون إلى جزر غالاباغوس، لكن هذه المرة من أجل أن يكسر الشفرة الوراثية للأحياء التي يصادفها في طريقه، كل هذا يعني أن الدارونية التي ابتدأت على يد دارون لن تُغلق أبداً، إنما دائماً هناك أسئلة يطرحها تطور العلوم الطبيعية وتستند أساساً إلى دارون والدارونية.

عصام عبود

مراجع للاستزادة:

 ـ دارون، تشارلز روبرت، أصل الأنواع، تحقيق إسماعيل مظهر (مكتبة النهضة، بيروت، بغداد).

ـ ب.م. ميد نيكوف، دارونية القرن العشرين، ترجمة أحمد شومان (دار الفارابي، بيروت 1982).

ـ حنا نمر، الدارونية (المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت 1982).

 


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 141
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1076
الكل : 40503347
اليوم : 33162

لي (شانغ ين)

لي شانغ ين ( 813 ـ 858 م)   لي شانغ ين Li Shang-Yin من أهم شعراء المرحلة المتأخرة من حكم سلالة تانغ. ولد في هوي تشوHui Zhou (مقاطعة تشين يانغ حالياً) لأسرة من موظفي الدولة. تقدم إلى الفحوص الامبراطورية في الخامسة والعشرين من عمره، وتجاوز في السنة التالية امتحان وزارة الشؤون الذاتية المدنية وعمل أميناً لسر المقاطعة بإمرة وانغ ماو يوان الذي أُعجب به وزوجه ابنته. تعرَّض بسبب زواجه لمظالم كثيرة من خصوم والد زوجته لدرجة أنه عُزل من منصبه فعمل موظفاً بسيطاً إلى أن مات في تشنغ تشو Zheng Zhou. عاصر ستة من أباطرة تانغ، وكان ضحية نزاعات لا ناقة له فيها ولا جمل. كانت لديه رغبة في أن يبحر حول العالم ولم تواته الفرصة لذلك.
المزيد »