logo

logo

logo

logo

logo

السياب (بدر شاكر-)

سياب (بدر شاكر)

Al-Sayab (Badr Shaker-) - Al-Sayab (Badr Shaker-)

السياب (بدر شاكر ـ)

(1345ـ1384هـ/1926ـ1964م)

 

بدر شاكر السياب، شاعر عراقي معاصر ولد في قرية جيكور في محافظة البصرة جنوبي العراق، وعلى مقربة من شط العرب، لأسرة كبيرة تكاد تشكل معظم سكان القرية، ويعمل معظم أفرادها في الزراعة وتربية الدواجن، وأكثرهم يعاني ضآلة المورد وقلة الرزق. أنجب والداه شاكر وكريمة ثلاثة أبناء هم عبد الله وبدر ومصطفى. لم ينعم الطفل بدر طويلاً بحنان أمه، فلاذ بجدته التي رعته وعوضته بعطفها عن بعض مرارة اليتم، وآثر البقاء في كنفها.

كان وجه بدر بعيداً عن الملاحة، وهيئته خالية من الوسامة. وقد كان لذلك أثر مؤلم في نفسه لازمه بعد ذلك وسبب لـه تعثراً في مسيرة حياته العاطفية ومعاناة في تطلعه إلى المرأة. كما لم ينعم بدر بصحة وافرة في يفاعته وشبابه، إذ ما لبث طويلاً حتى اعتراه المرض ولزمه، وأخذ يتفاقم في جسده يوماً بعد يوم. ومن المعهود لدى من كان في مثل حاله من يتم وفقر وقبح ومرض أن يغدو فريسة للألم والهم، وأن تتملكه هواجس الحياة والموت وتتنازعه مشاعر التفاؤل والتشاؤم.

تعلم بدر في ثانوية البصرة، وأخذ ينظم بواكير أشعاره إبان الحرب العالمية الثانية، وهو طالب عهدئذ في الرابعة عشرة من عمره، ويعمد بين الحين والحين إلى إسماع أترابه جديد منظوماته. وكان العراق كسائر بلاد العرب ينوء تحت وطأة الاحتلال وطغيان الاستبداد. وفي تلك الأيام المبكرة من دراسته عام 1941 شهد انتفاضة رشيد عالي الكيلاني الوطنية ضد المحتلين الإنكليز، كما شهد انتكاستها السريعة، وهذا ما زاد تجربته غنى وقريحته اشتعالاً، ويبدو أن تلك الأحداث الجائحة من حروب وثورات في داخـل بلاده وخارجها قـد ساقته وساقت الكثيرين من أمثالـه الشبان العرب المتحفزين إلى المشاركة في الحياة السياسية الحامية. وتراءى للسياب أن الانتماء إلى الحزب الشـيوعي هو الطريق الصحيح لبناء الوطـن واسـترداد كرامته. وهكذا انغمـس في الحياة الحزبية بكل مواقفها وخصوماتها وصخبها ومتطلباتها ونتائجها، حتى وجد نفسه مطارداً من السلطة حيناً وسجيناً أحياناً، ومبعداً عن وظائف الدولة حيناً آخر، فذاق مرارة الفقر من جديد، ومن غرائب الأمور أن يتحمس السياب وأمثالـه للنازية وللعسكرية الألمانية ويشيدوا بقادتها وانتصاراتها.

ثم دخل السياب طوراً جديداً في حياته منذ خريف العام الدراسي 1943-1944 حين انتقل من دراسته في إحدى مدارس البصرة، إلى كلية التربية في بغداد، وانتمى إلى دار المعلمين العالية ملتحقاًً بقسم اللغة الإنكليزية. وكانت تلك المرحلة بداية شهرته، كما أنها نقلة واسعة وتجربة غنية، حيث الحركة الثقافية الموارة في العاصمة، والحياة الفكرية الخصبة في الجامعة. وكان أن ابتعد السيّاب بطبيعة الحال عن الاهتمام باللغة العربية وآدابها، وعن كتب السالفين وأشعارهم لينعطف إلى الأدب الغربي وأعلامه فأعجب بملتون وشكسبير وكيتس وإليوت وأطل على جانب من الأدب الفرنسي الرومانسي وأعجب أيضاً بهوغو وبقصيدة البحيرة للامارتين وبتجربته العاطفية المريرة. كما ألم في أثناء دراسته الجامعية بجذور الآداب الأوربية من إغريقية ولاتينية، وراقه هوميروس وفرجيل، وغوته وإليوت، وكان أبرز ما استهواه من هؤلاء الشعراء وسواهم جنوحهم للرمز وحفاوتهم بالأساطير. وسرعان ما تجلى معظم هذه الظواهر الفنية في العديد من مطولاته وسائر أشعاره.

وعلى الرغم مما تعرض لـه السياب من مضايقة إدارة كليته بسبب مواقفه السياسية، فقد أنهى دراسته بسلام وأصبح مدرساً للإنكليزية في وزارة المعارف.

وكان لوقوع النكبة في فلسطين وما رافقها من غموض مواقف الشيوعيين ومن ورائهم حكومة موسكو تجاه قضية العرب الكبرى، ثم مأساة اللاجئين وتشردهم، أبعد الأثـر في تخلي السياب عن منحاه الماركسي في المعترك السياسي وتحوله إلى النضال القومي في ساحة الصراع العربي الإسرائيلي.

وهكذا قر في نفس السياب، من منطلقه القومي في خضم تلك الأحداث، أن من الخير أن يلتحق بركب العروبيين سياسياً وأدبياً. ولا ريب في أن أحداثاً جساماً أخرى في العراق وسائر الوطن العربي أخـذت تزيده مضاء على هذا الصعيد، مثل قيام الوحدة بين سورية ومصر، وسقوط النظام الملكي في بغداد، ثم قيام الثورة ضد الاحتلال في الجزائر. بدأ السياب بالتواصل مع مجلـة (حوار) البيروتية وأخذ ينشر بعض قصائده على صفحاتها. كذلك كان تواصله بعدئذٍ مع مجلة الآداب أمضى وأوسع، وخلال ذلك انعقدت بين السياب وبين عدد من أعلام الشعر والأدب والصحافة مودات كثيرة، وكان بينه وبين معظمهم مراسلات حميمة ذات أهمية بالغة في إغناء مسيرة السياب الأدبية والكشف عن كثير من منازعه ودخائل نفسه، ومباذلـه في بعض الأحيان. وكان أبـرز هؤلاء وأقدمهم أيضاً الشاعر العراقي خالد الشواف، الذي كان موضع ثقته ومستودع همومه وأفكاره، وناجي العبيدي صاحب جريدة الاتحاد في العراق، وبلند الحيدري، وخضر الطائي ثم علي السبتي من الكويت وسواهم، ثم كانت صلاته بأولئك الأعلام الآخرين خارج العراق واسعة وقوية، مثل توفيق صايغ صاحب مجلة «حوار» وسهيل إدريس صاحب مجلة «الآداب» ثم أدونيس (علي أحمد سعيد) وجبرا إبراهيم جبرا، وفي الوقت نفسه كانت علاقة السياب مع الشاعر عبد الوهاب البياتي محدودة فاترة لم يقدر لها أن تتواشج وتتنامى برغم تداني ما بينهما على صعيد الخلفية اليسارية، فكلاهما رائد في حركة الحداثة الشعرية.

وقد أتاحت لـه شهرته ومشاركته في الحياة السياسية والثقافية تعرّف عدداً لا بأس به من الشخصيات في المجتمع البغدادي وعدداً كبيراً من المعجبين بشعره، وقد التقى بعض اللواتي كن يعبرن لـه عن استحسانهن لشعره، وراح ينظم قصائد في فتاة سماها «الأقحوانة»، ثم في أخرى كان يطلق عليها في شعره «ذات المنديل الأحمر». ويبدو أنه هام بها وباتت تعيش في خياله. غير أن هذه العاطفة اقتصرت على طرف واحد، وهذه الحقيقة المرّة ولّـدت في نفسه أسى دفيناً وهمّاً مقيماً. ولم يكن مستغرباً أن تنعكس هذه الحالة في حياته الزوجية وأن يشوبها قدر من القلق والنكد في ذلك الحين.

وبعيداً عن تلك النزوات بقي السياب على حبه ووفائه لزوجته إقبال، وكان يوافيها برسائله الحميمة من غربته وهو مريض، ويردد اسمها أيضاً في شعره.

بواكير أشعار السياب فقيرة بثروتها اللغوية، ويغلب عليها اقتسار القوافي، وكان يحتذي آنئذٍ أنور العطار الشامي وعلى محمود طه المصري، كما كان يبدي إعجابه بأبي تمام والبحتري، ثم ما لبث أن سئم اجتماعيات الرصافي وعلميات الزهاوي وأمثالهما. ووجد في الرومانسية ما يحقق ذاته، كما وجد في الواقعية ما يواكب تطلعاته.

وهكذا راح ينأى عن المنحى السلفي المعهود في الشعر ويضيق ذرعاً بالبحور التقليدية ورتابة أشطرها. ورأى أن خيراً من ذلك اعتماد التفعيلة في الأوزان العروضية دون الالتزام بتناظر الشطرين ولا بوحدة القافية، من ذلك قوله:

سنمضي ويبقى السراب

وظل الشفاه الظماء

يهوّم خلف النقاب

وتمشي الظلال البطاء

على وقع أقدامك العارية

إلى ظلمة الهاوية

وننسى على قمة السلم

هوانا. فلا تحلمي

بأنا نعود

وهكذا غدا السياب في طليعة الرواد المجدّدين في الشعر العربي الحديث إلى جانب البياتي ونازك وعبد الصبور، كذلك أصبح في مقدمة الشعراء الذين أدخلوا الأسطورة في القصيدة المعاصرة، وأسبغوا على قصائدهم المطوّلة الطابع الملحمي.

أليم جداً أن الشاعر الذي كان هاجسه على الدوام تجدد الحياة وجد نفسه وهو في أوج الشباب طريح الفراش يتأمل وجه الموت الكالح وهو يحوم فوق رأسه. وبعد تطواف مرير حزين بين البصرة وبغداد وبيروت ولندن وباريس والكويت عاد الشاعر التاعس كسير النفس إلى وطنه، ليوصله المرض العضال إلى نهايته المنتظرة، ولم يمنحه القدر سوى ثمانية وثلاثين عاماً. وقد ذكر نهايته في قوله:

لي رقدة مع التراب في غد

صباحها أول ليل الأبد

لقد ترك السياب خلال حياته القصيرة أعمالاً أدبية جمة من رسائل ومقالات ومحاضرات، كما ترك للأجيال عدداً وافراً من المجموعات الشعرية منها: أزهار ذابلة، أزهار وأساطير، أساطير، حفار القبور، المومس العمياء، الأسلحة والأطفال، أنشودة المطر، المعبد الغريق، منزل الأقنان، شناشيل ابنة الجلبي، إقبال. وديوانه أنشودة المطر أكبر دواوينه وأشهرها.

عمر الدقاق

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ إحسان عباس، بدر شاكر السياب: دراسة في حياته وشعره (دار الثقافة، بيروت 1969).

ـ محمود العبطة، بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة في العراق (مطبعة دار المعارف، بغداد 1956).

ـ عبد الجبار داوود البصري، بدر شاكر السياب رائد الشعر الحر (بغداد 1966).                 

 


التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 378
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1081
الكل : 40489477
اليوم : 19292

القادر ب-الله

المزيد »