logo

logo

logo

logo

logo

عدم رجعية القوانين

عدم رجعيه قوانين

Non-retroactivity of laws - Non-rétroactivité des lois

عدم رجعية القوانين

 

مبدأ عدم رجعية القوانين non- retroactivity of laws، مبدأ أساسي يعدّ من قديم الأصل في حل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان، وهذا المبدأ مقرر اليوم في أغلب الشرائع الحديثة، وهو يعني عدم انسحاب القوانين الجديدة على الماضي واقتصارها على حكم المستقبل، أي على حكم ما يقع ابتداء من يوم نفاذها، وهذا المبدأ من المبادئ المقدسة التي كسبتها الإنسانية بعد جهاد طويل، حتى غدا اليوم من تراثها الثابت سواء كان مسطوراً في الدساتير والقوانين أم غير مسطور.

ويقوم هذا المبدأ على أساس من المنطق، إذ إن القاعدة القانونية هي خطاب موجه إلى الأشخاص يتضمن أمراً أو تكليفاً بسلوك معين، والتكليف أو الأمر لا يتصور توجيهه إلى ما فات، وإنما إلى ما هو آت، فليس من العدل أن يقوم الأفراد بأفعال مباحة ثم يصدر قانون يفرض عقوبة تسري على ما وقع من هذه الأفعال قبل نفاذه، أو يبرم الأفراد تصرفات تخولهم حقوقاً معينة وفقاً لأحكام القانون القائم، ثم يصدر تشريع جديد يعدل هذه الأحكام ويسري على ما تم قبله من تصرفات ففي الرجوع بالقاعدة القانونية إلى الماضي خروج إذن عن المدى الزمني لسريانها ـ والذي يبدأ من وقت نفاذها ـ واعتداء على اختصاص القاعدة القانونية القديمة بالانتقاص من المدى الزمني لسريانها الذي يمتد إلى يوم انقضائها، وكذلك في انسحاب القاعدة القانونية على الماضي إخلال بالاستقرار الواجب للمعاملات وإهدار للثقة الواجبة في القانون. فضلاً عن أنه كثيراً ما يترتب للأفراد حقوق ومراكز وآثار قانونية في ظل القواعد القانونية المعمول بها، ولايجوز عدلاً أن يكون تعديل هذه القواعد أو إلغاؤها بقواعد قانونية جديدة فرصةً للمساس بهذه الحقوق والمراكز، أو الانتقاص من تلك الآثار التي ترتبت صحيحة في ظل القواعد القانونية القديمة، وعلى هذا يكون مبدأ عدم رجعية القانون أساساً في كفالة حريات الأفراد وحقوقهم، وضماناً للثقة في القانون، وتوفيراً للاستقرار والنظام في المجتمع.

ولبيان حدود مبدأ عدم رجعية القوانين يفرق الفقهاء بين ما يسمى الحقوق المكتسبة droits acquis ومجرد الأمل simple expectative حيث ذهبوا إلى أن القانون الجديد يكون ذا أثر رجعي، فيمتنع تطبيقه إذا كان من شأن هذا التطبيق المساس بحق مكتسب في ظل القانون القديم، ولا يكون للقانون الجديد، هذا الأثر فيجب تطبيقه إذا لم يكن من شأن هذا التطبيق سوى المساس بمجرد أمل. ولا يتفق أنصار نظرية الحق المكتسب، على تعريف واحد للحق المكتسب ممّضا أضعف سند نظريتهم في الفقه وجعلها هدفاً سهلاً قريباً للنقد، فالحق المكتسب عند بعضهم، هو الحق الذي دخل ذمة الشخص نهائياً، بحيث لا يمكن نقضه أو نزعه عنه إلا برضاه، وهو عند آخرين  الحق الذي يقوم على سند قانوني، وهو عند فريق ثالث الحق الذي يملك صاحبه المطالبة به والدفاع عنه أمام القضاء، أما مجرد الأمل فهو محض ترقّب ورجاء في اكتساب حق من الحقوق مما يفرض عدم اكتساب الحق بعد، ويضرب أنصار النظرية أمثلة يرون أنها توضح المقصود منه، فالإرث عندهم مثلاً يكون مجرد أمل طالما المورث بقيد الحياة، ولكنه يصبح حقاً مكتسباً بوفاة المورث.

هذا وإن لمبدأ الرجعية بعض استثناءات يجوز فيها المس بالحقوق المكتسبة، أي تجوز فيها رجعية القوانين الجديدة، وهذه الاستثناءات هي :

1ـ النص الصريح على الرجعية لأن مبدأ عدم الرجعية يقيد القاضي ولا يقيد المشرع وهذا أمر مسلم به في الفقه بوجه عام، فإذا خلا التشريع من نص صريح على رجعية فلا يملك القاضي تطبيقه على الماضي والمساس بما تم اكتسابه من حقوق، لكن مبدأ الاستثناء هذا ليس مطلقاً إذ إن المشرع مقيد بمبدأ عدم الرجعية فيما يتعلق بالقوانين الجزائية.

2ـ القوانين الجزائية الأصلح للمتهم، فاستثناء من مبدأ عدم الرجعية تنسحب القوانين الجزائية الجديدة على الماضي، فتحكم ما ارتكب قبل نفاذها من جرائم إن كانت أصلح للمتهم إذا كانت تمحو الجريمة أو تخفف العقاب.

3ـ القوانين المتعلقة بالنظام العام أو الآداب، حيث يسري القانون الجديد على الماضي فيمس الحقوق المكتسبة إذا كان متعلقاً بالنظام العام أو الآداب، لأن هذه القواعد آمرة لاتجوز مخالفتها أو الوقوف في سبيل سريانها احتجاجاً بحق مكتسب، ومن تطبيقات هذا الاستثناء: القوانين الخاصة بتعديل سن الرشد، فهي قوانين ذات أثر رجعي لتعلقها بالنظام العام، وكذلك الحال في قوانين إلغاء الرق.

4ـ القوانين التفسيرية، أي إن التشريع التفسيري ينسحب على الوقائع التي حدثت قبل صدوره في ظل التشريع الأول ذلك أن التشريع الثاني بما يتضمن من تفسير التشريع الأول يعد جزءاً منه.

هذا وإن الدستور السوري لعام 1970 كغيره من الدساتير التي عرفتها البلاد منذ استقلالها نَصَّ في المادة (30) منه على أنه «لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يكون لها أثر رجعي، ويجوز في غير الأمور الجزائية النصُّ على خلاف ذلك» وهذا المبدأ المرسَّخ بنص الدستور يتضمن  مجمل الأحكام المقررة فقهاً، والمشار إليها أعلاه.

عبد الهادي عباس

 الموضوعات ذات الصلة:

 

تنازع القوانين ـ الحق ـ القانون.

 مراجع للاستزادة:

 

ـ حسن كيرة، المدخل إلى القانون (منشأة المعارف، الاسكندرية 1974).

ـ عبد المنعم فرج الصدة، أصول القانون (طبعة دار النهضة العربية، بيروت 1978).

- PAUL ROUBIER, Droits subjectifs et situations juridiques (Dalloz - Paris 1963).


التصنيف : القانون
المجلد: المجلد الثالث عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 33
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 560
الكل : 31587251
اليوم : 22106

كيفي (ألكسيس-)

كيڤي (ألكسيس ـ) (1834ـ 1872)   ألكسيس كيڤي Aleksis Kivi، هو الاسم المستعار للأديب الفنلندي سْتِنْڤال A.Stenvall الذي كان شاعراً ومسرحياً وروائياً رائداً في تطوير الأدب الفنلندي الحديث، ولاسيما على صعيد المسرحية والرواية. يتحدر الكاتب من أسرة ريفية فقيرة تنتمي إلى الجالية السويدية المقيمة منذ أجيال عدة في فنلندا، البلد ذي الهوية الإثنية واللغوية المزدوجة (الفنلندية والسويدية)، إلا أن كيڤي ابن الخياط كتب أعماله كافة باللغة الفنلندية، وترجم معنى اسمه من «حجر الجدار» بالسويدية إلى «الحجر» بالفنلندية التي كان أحد رواد تطويرها أدبياً. ولد كيڤي في قرية بالويوكي Palojoki التابعة لأبرشية نورمييرَڤي Nurmijärvi في محافظة أوسيما Uusimaa التي كانت خاضعة للحكم الروسي في جنوب شرقي فنلندا، وتوفي في قرية أمه توسولا Tuusula مريضاً وفي فقر مدقع، وهو لم يتجاوز بعد الثامنة والثلاثين من عمره.
المزيد »