صبغيات الجنس وتعيينه
صبغيات جنس وتعيينه
Sex chromosome - Chromosome sexuel
صبغيات الجنس وتعيينه
تمتلك إناث الثدييات وذكورها نوعين من الصبغيات: النوع الأول هو أشفاع من الصبغيات الجسمية autosomes، صِبغيَّا كل شفع منها متماثلان، ولاتختلف هذه الصبغيات باختلاف الجنس، والثاني صبغيا الجنس sex chromosomes، وهما متماثلان في الإناث، يطلق على كل منهما اسم X، ومختلفان في الذكور، أحدهما صبغي X، والثاني، الأصغر منه حجماً والمختلف عنه شكلاً، يُسمى الصبغي Y. أما الطيور والفراشات والأسماك فهي على عكس ذلك: XX عند الذكور، و XY عند الإناث. ويحتوي الصبغي X على عدد أكبر من المورثات عما يحتويه الصبغي Y.
الشكل (1) تعيين الجنس في الثدييات |
الذكر في الثدييات هو المحدد لجنس الجنين. وبينما يوصف الذكر بأنه متغاير الأعراس heterogametic لأن نحو نصف النطاف التي ينتجها يمتلك الصبغي Y، والنصف الآخر يمتلك الصبغي X. فإن الأنثى تكون متماثلة الأعراس homogametic لكون جميع البيوض التي تنتجها ممتلكة للصبغي X فقط. ويكون تعيين جنس الجنين في هذه الكائنات على النحو المبين في الشكل(1).
في الثدييات، تتحكم مورثة المنطقة المحددة للجنس (Sex Determinant RegionY) الموجودة على الذراع القصير من الصبغي Y، وتسمىSRY، في تمايز الغدد الجنسية (القند) sex gonads إلى خصى، وتتعاون في ذلك مع مورثات أخرى (الشكل2). ولاتتوافر أدلة بشأن العوامل المسببة لتمايز المبيضين، إلا أن هنالك مايشير إلى مورثة على الصبغي X، تدعى Dax1، تسبب تحديد المبايض. ويتطور الصبغيّانXY الممتلكين لتضاعفات duplications في المنطقة المحتوية على المورثة المذكورة إلى إناث، لكون النسخة الإضافية منها تغطي تأثير SRY على الصبغي Y. وفي الفئران، تُسهم مورثة جسمية تدعى Wnt 4 في تمايز المبايض، والتي تكون شاذة في حال عدم وجود هذه المورثة.
وفي أثناء المرحلة الجنينية، تفرز خلايا ليديغ Leydig cells (النسيج البيني في الخصيتين) هرمون التستوسترون testosterone فيُنشط قناتي وُلف Wolffian ducts لتكوين الأعضاء الذكرية الداخلية الأخرى (البربخان، القناتان الناقلتان، الحويصلات المنوية). كما ينشط أيضاً تطور الأعضاء التناسلية والصفات الجنسية الذكرية الثانوية (شعر الجسم، كتلة العضلات، الصوت، وغيرها).
ومن جهة أخرى، فإن الأنابيب المنوية في الخصية تفرز الهرمون المضاد لقناة موللر anti-Müllerian hormone (AMH) فيوقف تطورها. وفي غيابه، فإنها تتطور إلى قناة فالوب والرحم والجزء الأعلى من المهبل.
يفرز المبيض الإستروجينات estrogens التي تنشط تكون الجهاز التناسلي الأنثوي والصفات الجنسية الأنثوية الثانوية.
في الثدييات، تُعد المورثة SRY الأكثر أهمية في تحديد الذكورة، وثمة مورثة أخرى في الصبغي Y تدعى UBE 1، هي المسؤولة عن ذلك في معظم الثدييات من غير الرئيسات non-primates.
وفي الزواحف reptiles فإن بعض العوامل البيئية، مثل درجات الحرارة، يمكن أن تتحكم في تعيين الجنس، فمثلاً، أثبت بعض العلماء أن حضن بيوض التمساح الأمريكي (أو تمساح الميسيسيبي) في المختبر في درجة حرارة 30 ْم أو أقل أدت إلى فقس إناث، أما حضنها في درجة حرارة34 ْم أو أعلى فقد أدى إلى فقس ذكور، وكانت الفترة الحساسة لحضن البيض هي بين اليومين 7و21 من مدة التفريخ.
ومن جهة أخرى فإن هرمونات ذكرية وأنثوية تتدخل في تطور وتمايز differentiation الجهاز التناسلي والصفات الجنسية الثانوية في الجنسين.
تثبيط الصبغي X
|
|||||||||||||||||||||
الجدول 1: نماذج لعدد أجسام بار في تراكيب صبغية مختلفة |
في عام 1949 اكتشِفت كتلة كروماتينية في نوى الخلايا العصبية لإناث القطط، وكانت نوى خلايا الذكور خالية منها، وسميت جسم بار Barr body نسبة إلى مكتشفها. ثم أظهرت أبحاث كثيرة أن جسم بار كان دليلاً على الجنس في كثير من الأنواع، بما فيها الإنسان، وأن عدده كان دوماً مساوياً لعدد صبغيات X إلا واحداً (الجدول ـ1).
اقترحت ماري ليون Mary Lyon أن أحد الصبغيين X في إناث الثدييات يصبح خاملاً في مرحلة مبكرة، ويتحول إلى جسم ملتف يلتصق بالغلاف النووي، وهو ما يُسمى جسم بار. والصبغي الخامل هذا قد يكون أبوي المصدر في بعض الخلايا، أو مصدره الأم في خلايا أخرى في الأنثى ذاتها، فتكون مورثات أحد الصبغيين X «فعالة»، بينما تتوقف فعالية غالبية المورثات في الصبغي الخامل (والمورثات التي تبقى فعالة فيه هي التي تمتلك مايقابلها في الصبغيY )، ومهما كان عدد الصبغيات X في النواة، فإن تثبيط المورثات سيحدث فيها كلها ماعدا صبغيَّاً واحداً. وتكون الخلايا الناتجة بالانقسام الخلوي مماثلة للخلايا التي نشأت منها من حيث الصبغي المثبط (جسم بار). وبهذا فإن الأنثى تكون «فسيفسائية» فيما يخص توزع الخلايا الممتلكة لجسم بار في أجزاء الجسم (الشكل 2 آ وب). وقد أمكن تحديد المورثة المسؤولة عن تثبيط الصبغي X، وتدعى XIST.
تفيد الإشارة إلى أن التوائم الصنوية identical twins ليست متطابقة من حيث المورثات في خلاياها، و يعود ذلك إلى تثبيط أحد صبغيي X في خلاياها، أي إن كلاً من خلايا هذه التوائم تمتلك شفعاً من صبغيات X، ولكنها تختلف من حيث أي منهما هو المثبط وأي منهما هو الصبغي الفعال.
ليس لتثبيط أحد الصبغيين X في الإناث نتيجة ضارة، أما إذا كان الفرد متغاير الأعراس heterozygous لطفرة في إحدى المورثات المرتبطة بالجنس، فقد يحدث ذلك آثاراً مهمة. فمثلاً المرض المسمى داء دوشين Duchenne’s disease. هو مرض مرتبط بالجنس يحدث عادة في الذكور ويسبب تدهور العضلات واضمحلالها. وقد شوهدت إناث مصابة به نتيجة كونها خليطة الصيغة الوراثية لمورثة هذا المرض، ولكون المورثة التي تسبب سلامة العضلات قد ثُبِّطَتْ بسبب تثبيط الصبغي X الذي يمتلكها.
الشكل (2 ـ أ وب) فسيفسائية جسم بار في الأنثى |
تشذّ حشرة الدروسوفيلا Drosophila عن الثدييات من حيث أهمية الصبغيY في تعيين الذكورة، ويبدو أن تعيين الجنس فيها عائد إلى توازن بين أعداد صبغيات الجنس والصبغيات الجسمية، ومنذ عام 1916، وجدت حشرات منها ينقصها الصبغي X (أي إنها من الطراز XO)، وكانت ذكوراً عادية المظهر والسلوك ولكنها عقيم. كما وجدت إناث منها من الطراز XXY وكانت سليمة وطبيعية وخصبة. وعلى هذا يبدو أن الصبغيY هو صبغي «معتدل» جنسياً في الحشرة المذكورة. وقد اكتشفت بعد ذلك أشكال مختلفة من هذه الحشرة، تختلف نسبة صبغيات الجنس X عن الصبغيات الجسمية A فيها، ويسمي بعضهم هذه النسبة معامل الجنس sex index (الجدول ـ2)، وهي نسبة لاتعني بحد ذاتها مدلولاً جوهرياً في تعيين الجنس، ولكنها تشير إلى الذكورة والأنوثة والحدود الواقعة بينهما.
وقد اكتشف العلماء فيما بعد عدداً من المورثات التي تتدخل في تعيين الجنس في هذه الحشرة، ووضعت نظريات عدة لتفسير دور التوازن بين المورثات والصبغيات في تعيين الجنس فيها. ومن المفيد الإشارة إلى حالة جانبية الجنس gynandromorphism فيها، حيث تجمع الحشرة الجانبية الجنس كلاً من الجنسين في جسمه، وقد يكون نصفيّاً أو غير ذلك من حيث ظهور علامات الذكورة والأنوثة فيه. وتمتلك غالبية هذه الحشرات خصيتين ومبيضين معاً. وتنشأ الحشرة جانبية الجنس من بيضة مخصبة XX، إلا أن اختلالاً في الانقسامات الفتيلية mitotic divisions يؤدي إلى فقد صبغي X من بعض الخلايا فيتحول قسم الجسم الذي يمتلك XO إلى ذكر، بينما يمتلك القسم الآخر من الجسم صبغيين X ويتحول إلى أنثى. ولاتلاحظ هذه الظاهرة في الفقاريات العليا. وقد وصفت حالات أخرى من جانبية الجنس في فراشة دودة القز التي تختلف عن القاعدة الأكثر شيوعاً، فتحتوي إناث هذه الحشرة النمط الصبغي الجنسي XY، أما الذكور فهي من النمط XX. وتحتوي بعض البيوض على نواتين بدلاً من نواة واحدة، فإذا أخصبت كل منهما بنطفة، وكانت إحدى نواتي البيضة تحتوي الصبغي (Y) والثانية تحتوي الصبغي (X)، فسيؤدي ذلك إلى تطور قسم من الجسم إلى ذكر والقسم الآخر إلى أنثى.
شذوذ صبغيات الجنس
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
الجدول 2: معامل الجنس في نماذج من الدروسوفيلا |
تُلاحَظ أشكال مختلفة من الشذوذ الصبغي سواء في صبغيات الجنس أو الصبغيات الجسمية على السواء، وثمّة نماذج من أشكال شذوذ الصبغيات الجنسية عند الإنسان، كما يلي:
1ـ متلازمة تيرنر :Turner’s syndrome شذوذ يتمثل بنقص صبغي X، أو جزء منه. ويكون الفرد أنثوي المظهر. يحدث بمعدل 1/1500 إلى 1/2500 من المواليد الإناث الأحياء. ويُجهض نحو 99% من الأجنة المصابة بهذا الشذوذ. ويكون نحو 50% من الإناث المصابات بهذه المتلازمة من الطراز (s45,XO)، حيث O = نقص الصبغي X، وقد تمتلك كثيرات منهن صيغة فسيفسائية(s45,XO/46,XX) أو: (s45,XO/47,XXXO).
تتصف الأنثى المصابة بهذا الشذوذ بالقامة القصيرة، وبثنيات جلدية على ظهر الأيدي والأقدام وخلف الرقبة، وبالصدر العريض والحلمتين المتباعدتين، وكذلك بوحمات عدة مصطبغة ونقص تنسج hypoplasia في الأظافر، وقد تصاب بتضيق أبهري وشذوذ بولي. وقد تحل أنسجة ليفية محل المبايض، فيؤدي ذلك إلى عدم حدوث البلوغ في نحو 90% منهن.
2ـ متلازمة كلاينفلتر Klinefelter syndrome: شذوذ صبغي يمتلك المصاب به صبغيي X، أو أكثر، مع الصبغي Y، ويكون النموذج المظهري للمصاب ذكراً.
تحدث هذه المتلازمة بمعدل 1/800 من المواليد الذكور الأحياء، ويكون المصابون طوال القامة عادة، أيديهم وأرجلهم غير متناسبة مع أجسامهم، شعر لحيتهم قليل، وخصاهم صغيرة الحجم، ويظهرون تثدياً، وهم يصلون عادة إلى البلوغ عند العمر المعتاد. وقد يعانون من صعوبة في التعلم، وغالباً مايكون معظمهم عقيماً. تحدث الفسيفسائية في 15% منهم، وقد يمتلك بعض المصابين 3ـ 5 صبغيات X مع صبغي Y، فتزداد حدة التخلف العقلي والشذوذ الشكلي المظهري بازدياد عدد الصبغيات X.
3ـ متلازمة تثلث الصبغي (X) triple X syndrome: شكل آخر من الشذوذ يتمثل بوجود ثلاثة صبغيات X في الخلايا (s47,XXX) ويكون النموذج المظهري أنثوياً. يحدث بمعدل 1/1000، وتبدو المصابة به طبيعية المظهر، ولكنها قد تكون عقيماً أو مصابة بحيض غير منتظم. تزداد احتمالات حدوث هذه المتلازمة في مواليد النساء المتقدمة في العمر، ويبدو أن الأم هي مصدر الصبغي X الإضافي.
4ـ متلازمة 47,XYY: تحدث بمعدل 1/1000 ذكر، ويكون المصاب أطول من المتوسط، ومعدل ذكائه منخفض عن أقرانه، وقد يمتلك بعض المشكلات الجسمانية، ولربما سلوكاً شاذاً.
5ـ هنالك حالات نادرة من شذوذ عدد الصبغي X (48,XXXX; 49,XXXXX)، يزداد فيها احتمال ظهور التخلف العقلي في الإناث المصابة مع ازدياد عدد الصبغي X إلى أكثر من ثلاثة.
6ـ تُشاهد حالات نادرة من ذكور تمتلك النمط XX، وتعود إلى انتقال المورثة SRY إلى الصبغي X. وقد تُشاهد أيضاً إناث تمتلك النمط XY، وسببها كون المورثة SRY غير ناشطة أو مفقودة من الصبغي Y.
أسامة عارف العوا
الموضوعات ذات الصلة: |
الجينات (المورثات) ـ الشذوذ الصبغي ـ الصبغي (الكروموزوم) ـ الوراثة (علم ـ).
مراجع للاستزادة: |
- S.S.WACHTEL (Ed.), Molecular Genetics of Sex Determination (Academic Press 1994).
- A.J.SOLARI,Sex Chromosomes and Sex Determination in Vertebrates (CRC Press 1994).
التصنيف : الزراعة و البيطرة
النوع : صحة
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 50
مشاركة :اترك تعليقك
آخر أخبار الهيئة :
- صدور المجلد الثامن من موسوعة الآثار في سورية
- توصيات مجلس الإدارة
- صدور المجلد الثامن عشر من الموسوعة الطبية
- إعلان..وافق مجلس إدارة هيئة الموسوعة العربية على وقف النشر الورقي لموسوعة العلوم والتقانات، ليصبح إلكترونياً فقط. وقد باشرت الموسوعة بنشر بحوث المجلد التاسع على الموقع مع بداية شهر تشرين الثاني / أكتوبر 2023.
- الدكتورة سندس محمد سعيد الحلبي مدير عام لهيئة الموسوعة العربية تكليفاً
- دار الفكر الموزع الحصري لمنشورات هيئة الموسوعة العربية
البحوث الأكثر قراءة
هل تعلم ؟؟
الكل : 57174589
اليوم : 130990
المجلدات الصادرة عن الموسوعة العربية :
-
المجلد الأول
-
المجلد الثاني
-
المجلد الثالث
-
المجلد الرابع
-
المجلد الخامس
-
المجلد السادس
-
المجلد السابع
-
المجلدالثامن
-
المجلد التاسع
-
المجلد العاشر
-
المجلد الحادي عشر
-
المجلد الثاني عشر
-
المجلد الثالث عشر
-
المجلد الرابع عشر
-
المجلد الخامس عشر
-
المجلد السادس عشر
-
المجلد السابع عشر
-
المجلد الثامن عشر
-
المجلد التاسع عشر
-
المجلد العشرون
-
المجلد الواحد والعشرون
-
المجلد الثاني والعشرون