logo

logo

logo

logo

logo

الضرورة

ضروره

Necessity - Nécessité

الضرورة

 

الضرورة necessity لغة هي الحاجة، واصطلاحاًً هي مقولة لما يتميز به الشيء من وجوب، أو امتناع، أما منطقياً فهي استحالة انفكاك المحمول عن الموضوع، سواء كانت ناشئة عن ذات الموضوع أو عن أمر منفصل عنها. والضرورة الفلسفية إما إيجابية وهي الوجود، أو سلبية وهي العدم. ويقابل الضرورة الإمكان possibility، أو الجواز contingency. وأحياناً تقال الضرورة على الحتمية determinism والقدرية.

يعود تبلور مفهوم الضرورة في الفكر الفلسفي إلى أرسطو [ر] الذي فرق بين نوعين منها: الأولى واقعية تميز أسس الأحداث التجريبية أو الأساس المطلق للعالم؛ والثانية ضرورة مثالية، هي إما نسبية تميز الأحكام المستنبطة، أو مطلقة تميز المسلمات البدهية. وقد أدت تقسيماته إلى التمييز بين عدة أنواع من الضرورة هي الآتية:

ـ الضرورة المنطقية أو العقلية: وهي ضرورة استنباطية لزومية، ترتكز على مبدأ عدم التناقض، فإما أن تكون القضية منطقية، فيكون صدقها ضرورياً ونقيضها كاذباً بالضرورة (مناقضاً لذاته)، أو لاتكون ضرورية على نحو منطقي، فيكون نقيضها ممكناً صدقه ولو كذب. وتقال على الأحكام و القضايا حصراً، ويطلق عليها المناطقة المحدثون اسم القضايا أو الأحكام التحليلية، أي التي تتحدد قيمة صدقها من خلال اتساق الألفاظ الداخلة في تركيبها، أي اتساق الموضوع والمحمول أو عدم اتساقهما، وتدخل ضمنها الضرورة الرياضية.

ـ الضرورة التجريبية ـ الطبيعية: وتقوم على الملاحظة والتجربة والاستقراء، وهي ضرورة مشروطة بسبب خارجي، وتنشأ عن طريق العلية، ويشار إليها أحياناً بالضرورة الطبيعية، ومثال عليها «التنفس ضروري للحياة، والغذاء ضروري للنمو».

ويطلق هذا النوع من الضرورة على القوانين، فإذا كانت الضرورة طبيعية- فيزيائية، كان القانون كذلك أي طبيعي، كقانون سقوط الأجسام و قانون الجاذبية. وهذه الضرورة الطبيعية تجريبية وموضوعية بوصفها القوانين التي تحكم الطبيعة، كما أنها واقعية، تخص الأحداث التجريبية أو أساس العالم، وتشير إلى انتظام الظواهر وترتيبها وبنائها.

ـ الضرورة المعنوية أو الأدبية: وهي ما يجب أن يكون من الناحية الخلقية والوجدانية، فهي ضرورة النظام المثالي. والضرورة المعنوية لا توجب أن يكون نقيض الشيء ممتنعاً في التصور أو في الواقع، أي لاتعبر عن مبدأ عدم التناقض ولا عن علاقة التضاد، بل توجب فقط أن يكون النقيض قليل الاحتمال. وقد تحدّث ليبنتز Leibniz [ر] عن الضرورة المعنوية بوصفها وسطاً بين الضرورة المطلقة والحرية المطلقة، وأساسها أن الموجود العاقل لايستطيع أن يختار أحد الممكنات إلا إذا وجده أحسن وأسمى من غيره، فإذا كان ارتباط أفعال الإنسان ورغباته بالمبادئ والعلل الطبيعية على سبيل المثال مطلقاً، كانت الأفعال جميعها طباعاً لازمة عن العلل الخارجية بالضرورة، كما في مذهب الجبرية، وإذا كان جائزاً ونسبياً، كانت بعض الأفعال الإنسانية ناشئة عن حرية الاختيار، كما في مذهب القدرية وغيرهم.

ـ الضرورة الميتافيزيقية واللاهوتية: تنطبق الضرورة الميتافيزيقية على الأحكام التركيبية الوصفية القبلية، فهي ليست تجريبية استقرائية، أي لاتخضع لقانون العلية ولا تحليلية، أي ليست لزوماً منطقياً، وقد أنكر الكثير من المناطقة المحدثين، أمثال فتغنشتين [ر] ورسل [ر]، أن تكون القضايا الميتافيزيقية ضرورية، ولم يعترفوا إلا بالضرورة المنطقية.

وتؤدي الضرورة دوراً بارزاً في ميدان اللاهوت، وتقال على واجب الوجود، ذلك أن الموجود إما واقعي أو ممكن، أو ضروري. والضروري هو الذي لا يمكن أن يكون بخلاف ما هو كائن، أي لا يمكن تصور نقيضه، كما أنه لا يحتاج في وجوده إلى علة أو شرط. كالواجب الوجود عند ابن سينا والجوهر عند اسبينوزا. والله وحده الموجود الذي يتصف بهذه الصفة. يقول ابن سينا: «كل وجود للشيء فإما واجب، وإما غير واجب. فالواجب هو الذي يكون له دائماً، وكل ذلك إما بذاته، وإما له بغيره». فالله واجب الوجود، أي ضروري الوجود؛ والموجودات كلها ممكنة. وعلى أساس التفرقة بين الواجب والممكن بنى الفارابي برهانه على وجود الله، وصاغه فيما بعد ابن سينا، كما عدّ الأكويني وجود الله ضروري بوصفه عين ماهيته، وكذلك تصور الفلاسفة المحدثين أمثال ديكارت واسبينوزا أن الله واجب (ضروري) الوجود على أساس أن ماهيته تقتضي وجوده بالضرورة.

والضرورة عند كَنْت إما ضرورة الأحكام أو ضرورة الأشياء، فهي إما ضرورة مطلقة absolute وإما ضرورة شرطية conditional، فهي مطلقة عندما تكون غير مقيدة بشرط كالضرورة الميتافيزيقية، أو الضرورة الرياضية المحضة، وهي تتضمن بذاتها امتناع تصور النقيض أو امتناع وجوده. ويمكن تحديدها قبلياً بمجرد التحليل أو الاستنتاج العقلي. وهذه الضرورة المنطقية عقلية، ويقتضيها مبدأ عدم التناقض (مثال: آ=ب و ج=ب ينتج من ذلك أن آ=ج). والضرورة شرطية، إذا لم تدل على امتناع تصور النقيض، أو امتناع وجوده، بل دلت على اتصاف الشيء بها في ظروف وشروط معينة، لأنها ضرورة واقعية، كالضرورة الطبيعية (التجريبية)، كالقول إن «تبخر الماء ضرورة تستلزم درجة الغليان».

وتقال الضرورة أحياناً على الحتمية بوصفها مجموعة الشروط الضرورية لحدوث ظاهرة ما، أو هي العلاقات الضرورية الثابتة بين الظواهر، فكل ظاهرة طبيعية مقيدة بشروط توجب حدوثها اضطراراً، بمعنى أنه هناك ارتباط صارم بين الأحداث والظواهر، بحيث أن إحداها ( العلة) تستلزم حتماً الأخرى (المعلول) في ظروف محددة.

وقد يطلق مصطلح الحتمية للدلالة على أن أفعال الإنسان مشروطة بقوى داخلية أو خارجية، وليس ثمة حرية إرادة، وهنا تأخذ الحتمية معنى الجبرية أكثر مما تأخذ معنى الضرورة، وتكون بذلك نفياً للحرية.

فاطمة درويش

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الإمكان ـ الحتمية ـ الحرية ـ كَنْت

 

 مراجع للاستزادة:

 

- R.Carnap, Meaning and Necessity (1956).

 - C.R.Lewis, The Analysis of Knowledge and Valuation,(Open Court Publishing Co., S. U. S. Ak 1950).

 


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 388
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 494
الكل : 30955768
اليوم : 11569

رينتشن (بيامبين-)

رينتشِن (بيامبين ـ) (1905 ـ 1977)   بيامبين رينتشِن Biambyn Rintshen كاتب ومترجم وباحث لغوي وأدبي بارز من منغوليا، ولد في بلدة بول سراي Bul Sarai وتوفي في العاصمة أولان باتور Ulan-Bator. درس وتخرج في المعهد العالي للدراسات الشرقية في مدينة ليننغراد في الاتحاد السوفييتي. انتخب عضواً في أكاديمية العلوم المنغولية وبدأ بنشر أبحاثه الرائدة في ميدان قواعد اللغة المنغولية، وفي جمع الأدب الشعبي المنغولي وتحقيقه ونشره بين 1959و1965 في مدينة ڤيزبادن Wiesbaden الألمانية، إحدى أهم مراكز نشر الدراسات الشرقية في العالم.
المزيد »