logo

logo

logo

logo

logo

طيبريوس

طيبريوس

Tiberius - Tibère

طيبريوس

(42 ق. م ـ37 م)

 

هو الامبراطور تيبريوس يوليوس قيصر أغسطس Tiberius Iulius Caesar Augustus (يرد اسمه في المصادر العربية بصيغة طيبريوس) من أقدر الأباطرة الرومان وأكثرهم كفاءة.

تسلم عرش الامبراطورية بعد أغسطس[ر] وحكمها مدة ثلاث وعشرين سنة (14ـ37م). كان ينتمي بالولادة إلى آل كلاوديوس، وبالتبني إلى الأسرة اليولية. وُلِدَ في أسرة أرستقراطية عريقة أنجبت كثيراً من رجالات روما العظام، وكان الابن الأكبر لتيبريوس كلاوديوس نيرو وزوجته ليفيا Livia، التي تزوجها أوكتافيان (أغسطس فيما بعد) عام 38ق.م، فنشأ في كنف زوج أمه، وتلقى تربية ممتازة باللغتين اللاتينية والإغريقية وآدابهما والحقوق الرومانية. كان طويل القامة، شديد البأس، تدل ملامح وجهه على الحزن وعمق التفكير، يتصف بالجدِّ والوقار، لذلك عزف عن حضور ألعاب السيرك الروماني والحفلات الصاخبة. وصفه ول ديورانت في قصة الحضارة بأنه «رِوَاقِيٌّ ولد خطأً في عصر أبيقوري». تسلَّم أول أمره مهاماً عسكرية وإدارية مهمة. رافق الامبراطور أغسطس في رحلته المشهورة إلى الشرق عام 20ق.م، فتسلَّم الرايات الرومانية التي استولى عليها الفرثيون في معركة حرّان [ر] عام 53ق.م، وقام بتنصيب تيغرانيس ملكاً على أرمينيا.

كان طيبريوس من أعظم القادة العسكريين في عصره. قاد الجيوش الرومانية سنين طويلة في كثير من جبهات القتال على نهر الراين والدانوب، وأخضع مناطق واسعة في وسط أوربا للحكم الروماني. تزوج فبسانيا ابنة أغريبا [ر]، وأنجب منها ولده الوحيد دروسوس Drusus، وكان سعيداً بها، ولكن أغسطس أجبره عام 12ق.م على الانفصال عنها والزواج من ابنته يوليا Iulia التي عُرِفَتْ بخلاعتها وتبذُّلها، فكان زواجاً تعساً خلَّف في نفسه شعوراً بالمرارة والأسى، إضافة إلى تجاهل خدماته وإنجازاته من قبل أغسطس، الذي فضل عليه حفيديه غايوس ولوكيوس، وهما ابنا يوليا من زوجها السابق أغريبا، لولاية العهد. وهكذا قرر طيبريوس الانسحاب من الحياة العامة، والذهاب إلى جزيرة رودس في منفى اختياري (6ق.م ـ2م) متفرغاً لمتابعة دراساته الفلسفية والبلاغية. ولكن بعد موت جميع المرشحين للخلافة استدعاه أغسطس وتبناه عام 4م، وأشركه معه في السلطة، مع أنه لم يكن يميل إليه،غير أن الظروف أرغمته على ذلك. وعاد طيبريوس إلى نشاطه السابق وقاد حملات ظافرة ضد القبائل الجرمانية،وأخمد الثورة الكبرى التي اندلعت في بانونيا (النمسا)، كما رتَّب الأوضاع في جرمانيا وعلى جبهة الراين بعد كارثة فاروس Varus عام 9م، التي ذهب ضحيتها ثلاث فرق رومانية. وفي عام 13م أشركه أغسطس في كل السلطات التي كان يتقلدها، ومن ثمّ صار ولي العهد المنتظر من غير منازع.

وعندما توفى أغسطس في عام 14م، نادى به مجلس الشيوخ الروماني امبراطوراً، ولكنه تردَّد في قبول المنصب، ثم نزل عند رغبة المجلس وتولى عرش الامبراطورية وهو في الخامسة والخمسين،وبدأ يمارس مهامه بصدق وإخلاص، وسار على نهج سلفه العظيم، ذلك أنه كان رجلاً واسع الثقافة، خبيراً بأمور الامبراطورية، مدركاً لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه ومتفانياً في أداء واجبه. وهكذا كان عهدُه عهد خير للولايات، التي اختار لها ولاة أكْفَاء، ولم يفرض عليها أعباء جديدة، وكانت الضرائب تُجْبَى من غير تعسف أو قسوة. كان مقتصداً في إنفاقه وحريصاً على الأموال العامة، التي أوكل أمورها إلى رجال تميزوا بالاستقامة والنزاهة، وترك خزينة عامرة بالأموال، على الرغم من هباته الكثيرة للمدن والأسر التي حلت بها الكوارث، وعنايته بإصلاح المنشآت العامة وشؤون الامبراطوية جميعها.

وفي عهده اختفى آخر مظهر من مظاهر الحكم الجمهوري المتمثل بانتخاب كبار الحكام من قبل الجمعيات الشعبية الرومانية والذي انتقل إلى مجلس الشيوخ، وكانت علاقته بهذا المجلس فاترة وسيئة منذ البداية مع أنه كان يكنُّ له الاحترام، وحرص على زيادة صلاحياته.

كان موضوع الخلافة لرجل في مثل سنه من الأمور المُلِحَّة، وكان أغسطس قد أرغمَ طيبريوس على تبني جرمانيكوس ابن أخيه دروسوس، فكان يحابيه مثلما كان يحابي أباه، فزوَّجه من حفيدته أغربينا ابنة يوليا من أغريبا، وقد احترم طيبريوس رغبة أغسطس وبدأ يُعِدُّ ابن أخيه لخلافته. كان جرمانيكوس شاباً محبوباً يتمتع بشعبية كبيرة، وبات الناس ينظرون إليه على أنه الزعيم المنتظر.

وقد كلفه طيبريوس مهمة سياسية في الشرق، ومنحه السلطة العليا على حكام الولايات، فرحل مع نخبة من الضباط والمعاونين واسْتُقْبِلَ بحفاوة كبيرة. قام بزيارة مصر وآثارها، ثم غادرها عائداً إلى سورية، وهناك نشبت مشادَّة عنيفة بينه وبين حاكمها بيزو G.Piso، انتهت بطرد الأخير من ولايته. ولكن سرعان ما سقط جرمانيكوس فريسة لمرض غامض أودى بحياته في خريف عام 19م وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، فأُحْرِقَ جثمانه في أنطاكية وشيع رماده إلى روما. وظهرت شائعة تقول إنه مات مسموماً من قبل بيزو، بل إن زوجته أغربينا أشاعت أن الامبراطور نفسه ضالع في تلك المؤامرة.

واسْتُدْعِىَ بيزو وقُدِّمَ للمحاكمة، وسط أجواء مشحونة بالاتهامات فانتحر قبل صدور الحكم عليه مع أنه كان بريئاً، وبموت جرمانيكوس صار دروسوس ابن طيبريوس مرشحاً لخلافة أبيه، ولكنه مات فجأة عام 23م ميتةً غامضة.

كان طيبريوس قد وضع ثقته بقائد الحرس الامبراطوري لوكيوس سيانوس Lucius Seianus، الذي ينتمي إلى طبقة الفرسان، ولكن هذا استغل منصبه الرفيع لتحقيق طموحاته الشخصية، فبدأ يوسوس للامبراطور بأوهام وشكوك حول مؤامرات مزعومة تحاك ضده، وأقنعه بأن حياته في خطر، فانسحب إلى جزيرة كابري عام 26م، وبقي فيها حتى موته. وخلا الجو في روما لسيانوس، خاصة بعد موت الامبراطورة ليفيا، والدة طيبريوس،عام 29م، التي كان أغسطس قد أوصى بأن تكون شريكة ابنها في الحكم. واستغل موقف أغربينا أرملة جرمانيكوس واتهاماتها للامبراطور ليوغر صدره عليها، فأمر بنفيها وابنها إلى جزيرة بعيدة، حيث لقيا حتفهما بعد وقت قصير. وبدأت تصرفات سيانوس تثير الشك والريبة في نفس طيبريوس، ثم اكتشف خطته للاستيلاء على العرش، فأرسل خطاباً إلى مجلس الشيوخ بدأه بمديح سيانوس وختمه باتهامه بالخيانة العظمى، فحوكم وأُعْدِمَ فوراً عام 31م، وتبين للامبراطور أن سيانوس كان على علاقة بزوجة ابنه دروسوس، وأنهما دبَّرا موته بدسِّ السُّمِّ له.

وزادت هذه المشكلات والمؤامرات من شكوك الامبراطور العجوز وانطوائه، فراح يطبق عقوبة الخيانة العظمى بقسوة وللشبهة، وزاد الخلاف مع مجلس الشيوخ، وسادت أجواء الرعب خوفاً من الوشاة والمخبرين، ولذلك استقبل الناس خبر موته بالارتياح، وتنفسوا الصعداء، وكان قد أوصى بولاية العهد لغايوس بن جرمانيكوس، الملقب كاليغولا Caligula.

ساد السلام في عهده ماعدا بعض الثورات المحلية، كتلك التي قامت في المغرب العربي وقادها الزعيم النوميدي تاكفريناس Tacferinas، واستمرت سنوات عدة (17ـ24م).وعندما توترت العلاقات مع الفرثيين نتيجة مشكلة أرمينيا، سويت بالطرق الدبلوماسية، كما ضُمَّتْ مملكة كبادوكية في الأناضول، وصارت ولاية رومانية منذ عام 17م.

أما سورية فيستدل من التعرفة الجمركية التدمرية أن تدمر صارت تابعة للرومان في عهده. وقد سميت مدينة طبرية Tiberias في فلسطين باسمه وكذلك بحيرتها، وهذا مايؤكده ابن خلدون في تاريخه قائلاً: «ومات طباريش لثلاث وعشرين من ملكه، بعد أن جدَّد مدينة طبرية»، فيما قال ابن العميد «واشْتُقَّ اسمها من اسمه».

تختلف المصادر التاريخية في الحكم على طيبريوس، فبينما يصوره المؤرخ تاكيتوس [ر] في حولياته طاغية سفاكاً للدماء ومنافقاً، توجد صورة مغايرة له عند المؤرخ سويتونيوس في سير القياصرة. إذ قدَّم تاكيتوس صورة مشوهة له نابعة من موقف الأرستقراطية الرومانية المعادي له، تلك الأرستقراطية التي تقبلت حكم أغسطس الفردي لإنقاذه لها من ويلات الحرب الأهلية ولحنكته السياسية، ولكن خليفته طيبريوس لم يحظ بهذا القبول وعُدَّ طاغية مستبداً.

وقد علل أحد علماء التحليل النفسي للتاريخ مصدر هذه الكراهية بأنَّه يعود إلى التأثير الثقافي المسيحي، وذلك لمالاقاه السيد المسيح في عهده على يد حاكمه على فلسطين بونتيوس بيلاطوس، الذي استجاب لدعاوى الكهنة اليهود وأحكامهم، كما أن حرصه على الأموال العامة، وعدم تبذيرها في الهبات الشخصية ووسائل التسلية، جعلاه غير محبوب لدى جماهير روما وغوغائها في عصر كانت فيه شعبية الحاكم تقاس بإنفاقه على حلبات السيرك والألعاب.

لقد أظهرت الأبحاث التاريخية الحديثة زيف الصورة التي رسمها له تاكيتوس، وعده المؤرخ الكبير مومسن أقدرَ الحكام الذين شهدتهم الامبراطورية.

محمد الزين

 الموضوعات ذات الصلة:

 

أغريبا ـ أغسطس ـ تاكيتوس ـ الرومان.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران (القاهرة 1973).

ـ محمد الزين، دراسات في تاريخ الرومان، العصر الامبراطوري (جامعة دمشق 1985).

-F.B.Marsh,The Reign of Tiberius 1931.


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 668
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1091
الكل : 40431601
اليوم : 106269

أزيفيدو (ألويزيو)

أزيفيدو (ألويزيو ـ) (1857ـ1913) ألويزيو أزيفيدو Aluizio Azevedo كاتب برازيلي، تأثر بالمذهب الطبيعي[ر] وكان أول من نشره في البرازيل. وقد ولد من أب برتغالي وأم برازيلية في 17 نيسان في مدينة ساو ـ لويز عاصمة مقاطعة مارانياو، حيث كان أبوه يشغل وظيفة نائب قنصل البرتغال.
المزيد »