logo

logo

logo

logo

logo

غوغان (بول-)

غوغان (بول)

Gauguin (Paul-) - Gauguin (Paul-)

غوغان (بول -)

(1848-1903)

 

بول غوغان Paul Gauguin مصور ونحّات وخزّاف فرنسي، من مدرسة ما بعد الانطباعية post-impressionnisme. ويعد هو وسيزان Cézanne وڤان غوغ Van Gogh ممن كان لهم أعظم الأثر في الفن الحديث. ولد غوغان في باريس لأب فرنسي يعمل في الصحافة - نفي بعد انقلاب عام 1851 وتوفي في بنما Panama - ولأم إسبانية تتحدر من أسرة متحمسة لآراء «سان سيمون»، وتوفي في جزر الماركيز Iles Marquises.

في عام 1855 رجعت الأم إلى أوربا بطفلها الوحيد غوغان، وفي التاسعة من عمره غادر غوغان مدينة أورليان Orléans وهرب إلى غابة بوندي Bondy المجاورة حاجّاً يحمل عصاه وزاده. وفي السادسة عشرة من عمره، عمل في مركب تجاري فرنسي يبحر بين الهافر Havre وريو دي جانيرو Rio de Janeiro. وعند عودته إلى موطنه عام 1871 وجد أن والدته قد توفيت وأن منزلها القريب من باريس قد دمرته قنابل الألمان، فالتحق بناء على تشجيع وصيّه غوستاف أروسا Gustave Arosa للعمل في مكتب لبيع السندات حيث التقى إميل شوفنكر Émile Schuffenecker، الذي أوحى لغوغان بمزاولة التصوير في ساعات فراغه. عرف غوغان في تلك المرحلة، وعلى امتداد سنوات عشر، أجمل سني حياته، تزوج في أثنائها فتاة دنماركية اسمها مِتَّه غاد Mette Gad، وتابع تدريباته على التصوير والنحت، مقتنياً ما يثير إعجابه من أعمال الانطباعيين من أمثال بيسارو Pissaro وسيزان ورنوار Renoir وديغا Degas وماري كاسات Mary Cassat، عاملاً على نسخها واستخلاص الدروس منها، وفيهم كان يقول: «إن الفنان الانطباعي هو ذاك الذي لم تدنس طهره ونقاءه قبلة خداعة من قبلات القيود التقليدية في الفن الجميل»، وما إن حل عام 1876 حتى حق له أن يعرض في «الصالون ـ Salon» مع كبار الفنانين الانطباعيين. وفي عام 1883، إبان الأزمة الاقتصادية وتردي الأوضاع المعيشية، ترك وظيفته لينصرف بكليته إلى التصوير، فانتقل وأسرته إلى روان Rouen ليكون قريباً من بيسارو الذي أثر فيه كثيراً، إذ كان الاثنان يصوران الموضوع ذاته، مما أتاح لغوغان أن يقارن بين عمله وعمل صديقه من حيث الأخذ بالأسلوب التأثري (الانطباعي - impressionniste) الذي أحبه وعمل به أكثر من عشر سنوات أنتج فيها الكثير من الأعمال، ومع ذلك ما لبثت حماسته للانطباعية أن فترت إذ قال: «إن الانطباعية تدلل زائد بالفن، أو مداعبة غير لازمة للفن، وهي تخلو من الفكر…»، فكان إعلانه هذا أول خروج على الانطباعية، سرعان ما أخذ به فنانون آخرون لينحوا بالفن كل وفق وجهة نظره وتطلعاته.

قبل إقامة غوغان الأولى في بريتاني Bretagne عام 1886، سافر مع صديقه المصور شارل لافال Charles Laval إلى بنما، ومكث زمناً قصيراً في المارتينيك Martinique حيث استيقظت فيه رغبة عارمة للعمل في الخزف، فأنجز في بضعة أشهر خمسة وخمسين إناء، استقى موضوعاتها وأشكالها من أواني البيرو ومن ثقافة شعوب الشيمو الهندية «Chimu»، ومن الطريقة التي اتبعها في لوحته المسماة «طبيعة صامتة ورأس حصان» التي أنجزها في كوبنهاغن عام 1885.

بول غوغان: «الرؤيا بعد الموعظة» (1888)

 

بول غوغان: «متى ستتزوج» (1892)

في عام 1888، إبان إقامته الثانية في بريتاني، ظهر فجأة تبدل واضح في أسلوب غوغان، قيل إن الفضل فيه يعود إلى صديقه إميل برنار Émile Bernard الذي استطاع أن يكوّن نظرية في الفن استقاها من تأثره بالرسوم الزجاجية الملونة وفنون الريفيين والحقيقة، أن مناقشات غوغان وأحاديثه وتجاربه مع إميل برنار قادتهما إلى ولادة مزيج مركب أُطلق عليه اسم التركيبية synthétisme، وتقوم هذه النظرية وفق ما يشرحها هربرت ريد H.Reed على أساس الفكرة القائلة «إن الخيال يحتفظ بالتراكيب والتكوينات المهمة من المرئيات دون غيرها»، ويضيف أحد أتباع المدرسة قائلاً: «إن التركيب لا يعني حتماً التبسيط الذي يقتضب أجزاء معينة من الشكل، بل هو التبسيط الذي يجعل الشيء مفهوماً ويزيده وضوحاً ويُخضع اللوحة لإيقاع كلي واحد يملك زمامها… فأنْ تبسِّط يعني أنك تضحي وتغلِّب وتعمم». والمهم في الأمر أن غوغان وبرنار قد أحدثا مدرسة «بون - أفن» Pont-Aven، ووضعا معالم جمالية جديدة عرفت بـ «القواطعية - cloisonnisme»، وتقوم على أسلوب يعتمد المساحات اللونية المسطحة والمحددة بخطوط عريضة وواضحة، فاللون وحده لا يجسد ملامح فضاء اللوحة التشكيلي ولا قيمها، وإنما باشتراك الخط واللون يسهم الاثنان معاً في التعبير عن رؤية جديدة لتلك الأجزاء المقتطعة من الطبيعة، إنها جمالية تتعارض مع الانطباعية الجديدة néo-impressionnisme، وتستقي معالمها من الفن البدائي L’art primitif والفن الفرعوني والرشم الياباني estampe (فنون الحفر المطبوع باستخدام الحجر)، وقد امتاز هذا الأسلوب برفض المنظور واعتماد لون موحدٍ مُشبع يغطي مساحات كبيرة، وتجسَّد ذلك في أعماله: «الرؤيا بعد الموعظة» و«بريتونيات على المرج» و«يعقوب يصارع ملاكاً» وغيرها.

وفي عام 1888، غادر غوغان باريس إلى آرل Arles ليقيم مع ڤان غوغ في «البيت الأصفر» عاماً كاملاً. كان الاثنان في بداية لقائهما على وفاق تام مع رمزية أورييه Aurier، يؤمنان بمزاعمه عن الفداء والتضحية، ويشتركان في طوباوية أحلامه الخيالية، ومع ذلك لم تتجاوز مدة لقائهما ستين يوماً لتعارضهما في الطبع والطموح وجوهر التصوير، لكن اللقاء، مع قصره، كان مهماً لهما ومهماً للفن أيضاً، وقد أنجز غوغان في أثنائه لوحات عدة ذات طابع صوفي.

وفي تشرين الثاني/نوڤمبر عام 1889 غادر غوغان بون - أفن إلى بولدو Pouldu، ومنها إلى باريس في نهاية عام 1890، وقبل أن يغادر فرنسا أقام معرضاً لإنتاجه في رحلاته بين المارتينيك وبريتاني وآرل، فأتاح له النجاح النسبي في بيع أعماله بالمزاد الإبحار في الرابع من نيسان/أبريل عام 1891 إلى تاهيتي محط أحلامه. افتتن غوغان بجمال المكان والإنسان، ففيه كانت الألوان نقية حارة وملتهبة تبهر البصر، والأجساد بلون البرونز والذهب، وفي هذا المشهد الفردوسي عثر على الإيقاعات الكلاسية للنحت الفرعوني البارز bas-reliefs، والروحانية المرهفة للبدائيين الطليان، والسطوح المحددة بخطوط للرشم الياباني، فتمازجت في لوحاته: «القمر والأرض» و«روح الأموات الساهرة» و«ريفيات من تاهيتي» وكثير غيرها، الألوان الاستوائية ورمزية الأساطير الوثنية السحرية.

 كان غوغان، إضافة إلى التصوير، يسجل انطباعاته وذكرياته في رسائله ومذكراته، وفيما ترك من سيرته الذاتية الشاعرية، «نوا - نوا» Noa- Noa و«شعيرة ماهوريس القديمة».

 وفي عام 1893عاد غوغان إلى فرنسا مريضاً بعد أن نضبت موارده، وأقام معرضاً يضم أربعين لوحة وتمثالين، وفي دليل المعرض كتب أحد النقاد: «يريد غوغان أن يكون المنقب عن الذهب وصائغه في وقت واحد، ومن أجل هذا رحل بعيداً ليبحث عنه: لينسانا وليتعذب».

 لم يستطع غوغان، وهو القائل: «إن المدنية داء… أما البدائية فعود إلى الصحة»، أن يمكث طويلاً في باريس، ففي عام 1895 شد رحاله مرة أخرى إلى تاهيتي، لينجز هذه المرة أيضاً كثيراً من اللوحات، من بينها لوحة كبيرة تعد من أجمل أعماله: «من أين نأتي؟ ومن نكون؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟»، وفيها يعبر عن تساؤلاته حول الموت. كان غوغان يعمل من الساعة السادسة صباحاً حتى ظهور القمر، ولكن صحته كانت تسوء وتزداد تدهوراً يوماً بعد يوم، ففي رسائله إلى أصدقائه كان يتحدث عن داء عضال ينهش ساقه الدامي والنمل الذي يفترس جسده الميت، وعن محاولة انتحار مخفقة، وعن عذابه المبرح لفقدانه ابنته الشابة ألين Aline، وعن انتقاله إلى جزيرة هيفا - أووا Hiva - Hoa.

مات غوغان بعيداً عن وطنه وأهله وأصدقائه بعد أن ترك خلفه بناء شامخاً من العمل الفني تفخر متاحف العالم بما لديها منه. وفي عام 1903، وبعد وفاته، أقيم له في باريس معرض ضم عدداً كبيراً من أعماله، جذب انتباه كبار الفنانين كان من بينهم: بيكاسو Picasso الذي تأثر بقوة رسومه، وماتيس Matisse الذي أخذ عنه ألوان لوحاته الأخيرة. وكان تأثير غوغان حاسماً أيضاً في جماعة الأنبياء les nabis والرمزيين symbolistes، وفي ولادة الوحشية fauvisme، وقد سبق التعبيريين expressionnistes الألمان والتكعيبيين cubistes، بجيل على الأقل، في العودة إلى البدائية primitivisme والدعوة إلى الغرائبية exotisme التي انتشرت في الأوساط الثقافية عشية الحرب العالمية الأولى.

فائق دحدوح

الموضوعات ذات الصلة:

الانطباعية ـ التعبيرية ــ الرمزية ـ الغرائبية ـ ڤان غوغ (ڤنسنت ـ) ـ الوحشية.

مراجع للاستزادة:

ـ لطفي محمد زكي، غوغان الفنان الثائر (دار المعارف بمصر 1958).

ـ محمود أمهز، التيارات الفنية المعاصرة (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 1996).

ـ ميشيل لاكلوت، وجان بيير كوزان، قاموس التصوير (لاروس، 1979).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 93
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 509
الكل : 31688949
اليوم : 43531

المسرحية (الدراما)

المسرحية (الدراما)   الدراما drama أحد مصطلحات الأدب المسرحي، دخل على العربية بلفظه الأصلي في القرن العشرين. يعود أصل الكلمة إلى اللغة اليونانية[ر] بمعنى الفعل، وقد استخدمها أرسطو[ر] في كتابه «فن الشعر» للدلالة على إحدى الوحدات الثلاث الرئيسية في العمل المسرحي، وهي الزمان والمكان والفعل (أو الموضوع أو الحكاية). وصارت تعني منذئذٍ أيضاً أي نص مسرحي كُتب ليُعرض في المسرح وليشاهده الجمهور نابضاً بالحياة في أداء الممثلين. وبهذا المعنى تكون الدراما ـ إضافة إلى مكان العرض المسرحي والجمهور ـ أحد أهم ركائز الفن المسرحي theatre art.
المزيد »