logo

logo

logo

logo

logo

المناسبات (علم-)

مناسبات (علم)

-

المناسبات (علم ـ)

 

نزل القرآن الكريم على النبي محمدr منجماً في بضع وعشرين سنة تبعاً للحوادث التي رافقت نزوله، ولهذا كان له ترتيبان واحد في النزول، وآخر في المصحف. الترتيب الأول هو بحسب تواريخ نزوله، أما الآخر فتوقيفي؛ يدلّ على ذلك الحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل في مسنده عن عثمان بن أبي العاص، قال : كنت عند رسول اللهr جالساً، إذ شخص ببصره، ثم صوبه حتى كاد أن يلزقه بالأرض، قال: ثم شخص ببصره، فقال «أتاني جبريلu فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة: }إن الله يأمر بالعدل والإحسان{ (البقرة، 281)» وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: «قد صحّ وثبت أنه لا رأي لهم في ترتيب الآي».

من هنا كان البحث في علل التجاور والوقوف على أسرار الترابط بين الآيات في السورة الواحدة وبين السور علماً من العلوم التي اعتنى بها العرب قديماً وحديثاً، وقد سموا هذا العلم علم المناسبات، ويسمى أيضاً علم التناسب، وقد بدأ على نحو إشارات وأقوال على ألسنة العلماء إلى أن خصّوه بالتأليف والتصنيف.

ومن الأمثلة على اهتمام العلماء الأوائل به ما نقل عن مجاهد - وهو أحد أعلام التابعين - أنه قال: «من أول سورة البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين، ومن أربعين آية إلى عشرين ومئة في بني إسرائيل» وهو هنا ينظر إلى سور القرآن نظرة مجملة نلمح من خلالها إشارة إلى تناسب الآيات التي تتحدث عن موضوع واحد.

ويعتقد كثير من الباحثين أن كتاب الجاحظ (ت 255هـ) «نظم القرآن» يدل على اهتمامه بالتناسب والترابط بين الآيات، وكذلك الحال عند محمد بن زيد الواسطي (ت 307هـ) في كتابه «إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه» وأحمد بن سهيل البلخي (ت 322هـ) في كتابه «نظم القرآن» والكتب الثلاثة مفقودة.

وفي القرن الرابع الهجري ظهر عالم اشتهر بعنايته بعلم المناسبات هو عبد الله بن محمد النيسابوري الشافعي (ت324هـ)، فقد روي عنه أنه كان «يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة»، وفي ترجمته أنه كان يقول: «لِمَ جُعِلَتْ هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه؟».

 ثم كثر الاهتمام بعلم المناسبات في كتب إعجاز القرآن والبلاغة العربية والتفسير وغيرها، ومن أشهر الذين تحدثوا عن أهمية علم المناسبات أبو بكر بن العربي (ت 543هـ) في كتاب مفقود له يسمى «سراج المريدين» يقول فيه: «ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني، منتظمة المباني، علم عظيم، لم يتعرّض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله عز وجلّ لنا فيه».

ويقول الإمام فخر الدين الرازي (ت 606هـ) في تفسيره المشهور: «ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة (يعني سورة البقرة) وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن - كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه - فهو أيضاً معجز في ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قالوا إنه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلك» غير أن أول كتاب مختص بالتناسب هو كتاب «البرهان في ترتيب سور القرآن» لمؤلفه أبي جعفر أحمد بن الزبير الأندلسي (ت 708 هـ).

ويعد الشيخ برهان الدين أحمد بن عمر البقاعي (ت 885 هـ) من أشهر العلماء العرب الذين اعتنوا بعلم المناسبات في القرآن الكريم، فقد ألف تفسيراً كبيراً طبع في اثنين وعشرين مجلداً اختص ببيان المناسبات بين الآيات، وكذلك بين السور، وكتابه بعنوان: «نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» وفيه يحدد القاعدة التي استند إليها في تفسيره لبيان المناسبات، وقد نقلها عن شيخ له يدعى أبا الفضل المغربي، وهي أن «الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس  السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها، فهذا هو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، وإذا فعلته تبين لك إن شاء الله وجه النظم مفصلاً بين كل آية وآية في كل سورة».

ومن العلماء الذين اهتموا ببيان المناسبات الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) في كتابه «تناسق الدرر في تناسب السور».

ولعلم المناسبات فوائد كثيرة تتلخص في جلائه طريقة ارتباط الكلام  بعضه ببعض، وإعطائه فكرة عن غرض السورة  ومقصودها مما يمنح القارئ نظرة شاملة للسورة القرآنية؛ كما أن علم المناسبات يفيد في ترجيح بعض الآراء في التفسير على بعض.

وللمناسبات في القرآن الكريم أنواع منها:

ـ مناسبة الفاصلة للآية.

ـ مناسبة الآية للآية.

ـ مناسبة الآية لغرض السورة.

ـ مناسبة مجموعة آيات في موضوع ما لمجموعة آيات في موضوع آخر ضمن السورة الواحدة.

ـ مناسبة فاتحة السورة لخاتمتها.

ـ مناسبة الفاصلة للفاصلة التي تليها في الوزن .

ـ مناسبة السورة للسورة.

ـ مناسبة خاتمة السورة لفاتحة التي قبلها.

ويشار هنا إلى أن علم المناسبات علم اجتهادي في أحد وجوهه، بمعنى أن كل ناظر في القرآن الكريم يستطيع أن يستنبط وجوهاً جديدة يعلل فيها التناسب بين آيات القرآن الكريم وبين سوره أيضاً.

 

 

أحمد نتوف

مراجع للاستزادة:

ـ جلال الدين السيوطي، تناسق الدرر في تناسب السور، تحقيق عبد القادر أحمد عطا (دار الكتب العلمية، بيروت 1986).

ـ أحمد نتوف، البلاغة في مناسبات سور القرآن الكريم وآياته، رسالة ماجستير (كلية الآداب، جامعة دمشق، 1996).

ـ إبراهيم البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، تحقيق محمد عبد المجيد خان (دائرة المعارف العثمانية، من 1969 ـ 1984).


التصنيف : التاريخ
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 514
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 506
الكل : 31732928
اليوم : 8389

فالتري (ميكا-)

ڤالتري (ميكا -) (1908-1979)   ميكا ڤالتري Mika Waltari، واحد من أهم الأدباء الفنلنديين في القرن العشرين، ومع أنه اشتهر عالمياً بصفته روائياً تاريخياً، لكن أهميته تكمن في غنى إبداعه وغزارته على صعيد القصة والمسرحية والقصيدة والسيناريو وكتب الرحلات وكتب الأطفال المصورة.
المزيد »