logo

logo

logo

logo

logo

الفينيقيون

فينيقيون

Phoenicians - Phéniciens

الفينيقيون

 

الفينيقيون Phoenicians اسم أطلقه الإغريق على سكان الساحل السوري الكنعانيين الذين قدموا إلى السواحل السورية من شبه الجزيرة العربية نحو منتصف الألف الثالث ق.م. ويذهب فريق من الباحثين إلى أبعد من ذلك، فيقولون إن الفينيقيين قدموا من منطقة البحرين الحالية تحديداً، مستندين في ذلك إلى نتائج أعمال التنقيب الأثري التي أثبتت وجود تشابه بين المقابر البحرينية وتلك التي عثر عليها على الشاطئ الفينيقي. أما هيرودوت فيروي أن الفينيقيين قد جاؤوا من البحر الأرتيري (البحر الأحمر ) عبر البحر الميت إلى شاطئ البحر المتوسط. أما حدود فينيقيا فلا يوجد اتفاق عليها، ففي حين يرى بعضهم أن الساحل السوري الفلسطيني كلّه هو ساحل فينيقي، يرى آخرون أن هذا أمر مبالغ فيه ولا تؤيده الاختلافات في بعض المظاهر الحضارية بين الأجزاء المختلفة لهذا الساحل، وعلى ذلك يرون أن بعض أجزاء الساحل السوري (أغاريت) وأجزاء من الساحل الفلسطيني (جنوب عكا) من فينيقيا.

وأما أصل التسمية وهو كلمة Phoinix الإغريقية ففي أغلب الآراء تعني اللون الأحمر أو الأرجواني، وهو اللون الذي اشتهرت به الأنسجة الفينيقية، وكان أول من استعملها الشاعر الإغريقي هوميروس. وهناك من يرى أصل هذه الكلمة في التسمية المصرية «فنخو» التي ترد في وثائق الدولة القديمة وكتاباتها للدلالة على شعب كان يسكن أحد الأقاليم السورية. وتتميز فينيقيا بأنها شريط ساحلي ضيق محصور بين البحر المتوسط في الغرب وبين جبال لبنان والكرمل في الشرق، وهذا الساحل كان مقسماً طبيعياً بوساطة نتوءات جبلية تصل إلى ساحل البحر، إلى أقسام عدة كان الاتصال فيما بينها صعباً إلا عن طريق البحر، وقد قامت على طول هذا الساحل مدن مهمة عدة، كان لها دورها في التاريخ السياسي والحضاري لسورية لعل أهمها، أغاريت وأرواد وجبيل وصيدا وصور وعكا.

كانت كل واحدة من هذه المدن تتمتع بالاستقلال، مع محاولة كل منها فرض سيطرتها على جيرانها، مع خضوعها كلها بين الحين والآخر لجيرانها الأقوياء (آشوريين ومصريين) فبسبب الغنى الكبير الذي كانت تتمتع به المدن الفينيقية، والانقسام الذي كانت تعانيه، فإنها كانت محط أطماع الدول المحيطة بها، وبما أن أقرب الدول إلى الساحل الفينيقي وأقواها كانت مصر، فإن الفينيقيين خضعوا منذ الألف الثالثة ق.م للنفوذ المصري، سواء أكان هذا النفوذ مباشراً أم غير مباشر.

وقد ضعف النفوذ المصري في أثناء حكم الهكسوس لمصر، وسرعان ما عاد بقوة أكبر بعد أن تحررت مصر من هذا الحكم وسعت نحو إقامة إمبراطوريتها الأولى.

أثر هجوم شعوب البحر (قرب نهاية الألف الثاني ق.م) على الفينيقيين بصورة متفاوتة، فبعض مدنهم مثل صيدا تعرضت لدمار شديد وبعضها الآخر كان نصيبه أقل، ولذلك تمكنت هذه المدن من النهوض والعودة إلى ممارسة نشاطاتها السابقة بسرعة مثل جبيل وصور.

يمكن عدّ العصر الذي تلا هذا الهجوم حتى بداية الهجوم الآشوري الكبير الذي بدأ مع تغلات بلاصر الثالث (745ـ727ق.م) عصرَ استقلال تمتع به الفينيقيون، ولكن أمور الفينيقيين بدأت تسوء مع وصول الجيوش الآشورية إلى مدنهم بدءاً من عهد الملك آشور ناصر بال الثاني (884ـ859 ق.م) والملوك اللاحقين له، حتى إن الآشوريين أصبحوا يعينون حاكماً آشورياً إلى جانب الحاكم الفينيقي، تنحصر مهمته في مراقبة تصرفات الحاكم الفينيقي ومدى تقيده بتنفيذ ما هو مفروض عليه.

ويبدو أن فينيقيا نعمت بنوع من الاستقلالية بعد انهيار الامبراطورية الآشورية، واستمر الأمر كذلك حتى بدأت جيوش نبو خذ نصر الثاني الكلداني بمهاجمة المدن الفينيقية.

وعندما سقطت بابل، بيد الفرس الأخمينيين عام 539 ق.م عدوا أنفسهم وارثين لكل ممتلكات البابلين بما فيها سورية، وبالفعل فقد اعترف الفينيقيون بالسيادة الفارسية وكان أسطولهم عماد الأسطول الفارسي الذي هاجم بلاد اليونان.

وعندما دخلت جيوش الإسكندر المقدوني إلى سورية رحبت به كل المدن الفينيقية الراغبة في التخلص من السيادة الفارسية، ولم تقاومه إلا صور التي سقطت بيده بعد حصار دام سبعة أشهر.

الحياة الاقتصادية والاجتماعية

حاول الفينيقيون استغلال الأراضي الزراعية القليلة المتوفرة في بلادهم أفضل استغلال معتمدين على الأمطار التي تهطل بكميات كبيرة على الجبال الساحلية وعلى بعض الأنهار التي تجري في بلادهم، فزرعوا الحبوب في السهول الصغيرة والأشجار المثمرة في المناطق الجبلية الصخرية.

مارس الفينيقيون حرفاً متعددة، لعل أهمها حياكة المنسوجات وصبغها باللون الأرجواني، كما أن صناعة الزجاج كانت من الحرف المزدهرة في فينيقية، وأكثر ما اشتهرت به بلاد الفينيقيين الزجاج الشفاف في حين كانت باقي البلدان تصنع زجاجاً عاتماً لاشفافية فيه.

ولعل أهم النشاطات الاقتصادية الفينيقية كانت التجارة، فقد ساعد وقوع المدن الفينيقية على شاطئ البحر على إسهامها في مجال تجارة العالم القديم ولاسيما البحرية، فإضافة إلى منتجاتهم المحلية من الأخشاب والزيوت والمنسوجات فقد تاجروا بمنتجات البلاد الأخرى التي كانت سفنهم تصل إليها، وعمدوا في سعيهم لتوسيع تجارتهم وفرض هيمنتهم على تجارة البحر المتوسط، إلى تأسيس مجموعة من المستوطنات على جزر هذا البحر وشطآنه لعل أهمها قرطاجة.

أما عن المجتمع الفينيقي، فهو لم يكن ليختلف عن باقي مجتمعات الشرق القديم، من حيث تقسيمه إلى طبقتين أساسيتين هما الأحرار والعبيد. وبالتأكيد فإن الأسرة المالكة في كل المدن الفينيقية كانت تمثل قمة الهرم الاجتماعي تليها الطبقة الأرستقراطية التجارية فالحرفيون فالمزارعون.

اللغة والكتابة والدين

نحت آشوري بارز يظهر سفن فينيقية تنقل الأخشاب (مهر الفينيقيون بالملاحة البحرية والتجارة)

تكلم الفينيقيون وكتبوا نقوشهم بلغتهم الفينيقية التي هي لهجة كنعانية، ولعل أهم الإنجازات الحضارية التي حقّقوها كان اختراع الأبجدية، فالأبجدية التي عثر عليها في أغاريت المؤلفة من ثلاثين رمزاً مسمارياً، اختزلت في جبيل إلى اثنين وعشرين حرفاً ساكناً تكتب من اليمين إلى اليسار. وقد انتقلت هذه الأبجدية إلى بلاد اليونان حيث استخدمها الإغريق في كتاباتهم بعد أن أدخلوا عليها بعض التعديلات ونقلوها إلى غيرهم، كما انتقلت شرقاً بوساطة الآراميين، وكانت الأساس لكثير من الأبجديات التي وضعت في مناطق الشرق الأقصى.

وأما الديانة الفينيقية، فالمؤكد أنه كان لكل مدينة فينيقية إلهها الرئيسي، إلى جانب مجموعة من الآلهة الثانوية، وبعض هذه الآلهة كان على صلة بمظاهر الطبيعة وبعضها الآخر بالكواكب وكانت كلمة «بعل» صفة تطلق على جميع الآلهة الرئيسية في المدن الفينيقية وهي تعني «السيد، الملك» فهناك بعل صيدون وبعل لبنان وغيرهما، وكان المؤنث منها «بعلة، بعلات» وكانت هذه الإلهة الرئيسية في مدينة جبيل، وتمثل الخصب والتوالد. وكان «أشمون» هو بعل صيدا وقد قرنه اليونانيون بـ«اسكيليبيوس» وهو إله الطب عندهم. أما إله صور الرئيسي فكان الإله «ملقارت» ومعنى الاسم ملك المدينة أو سيدها وهناك الإله «أدون» والكلمة تعني «السيد» أيضاً، وهو يشبه الإله تموز الرافدي، وقد حكيت حول هذا الإله أسطورة ترتبط بوفاته وعودته إلى الحياة رمزاً لتوالي فصول السنة، وقد سماه الإغريق أدونيس.

ومن الآلهة الأخرى المهمة الإلهة عشتار، وهي من الآلهة الرئيسية في مدينة صيدا، حيث حمل بعض ملوكها لقب كاهن عشتارت، وقد انتقلت عبادة هذه الآلهة إلى المستعمرات الفينيقية وخاصة إلى قرطاجة التي كان أهم ألهتها بعل «حمون» وقرينته «تانيت».

مارس الفينيقيون عبادتهم في الأماكن المرتفعة على مقربة من الأشجار والينابيع. وتجدر الإشارة أن أسماء الآلهة الفينيقية كانت ترد في أسماء الأعلام، وخاصة أسماء الملوك فهناك أشمون عزر ملك صيدا وشفط بعل ملك جبيل وغيرها.

إن الدور الحضاري للفينيقيين لايمكن إغفاله، فقد كانت لهم الريادة في مجال اختراع الأبجدية، والريادة في التجارة البحرية والريادة في الطواف حول إفريقيا. ولهم إسهاماتهم من الفكر الفلسفي الديني (فيلون الجبيلي) والقانوني (مدرسة بيروت القانونية)، إلى جانب الأدب، وذلك من خلال مجموعة من الأساطير التي وصلت إلينا، ولعل أهمها أسطورة أدونيس وملحمة كرت.

جباغ سيف الدين قابلو

مراجع للاستزادة :

 

ـ محمد بيومي مهران، المدن الفينيقية (دار النهضة، بيروت 1994).

ـ سبتينو موسكاتي، الحضارة الفينيقية، ترجمة نهاد خياطة (1988).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الخامس عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 83
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1092
الكل : 40503966
اليوم : 33781

المسلوب (محمد عبد الرحيم-)

المسلوب (محمد عبد الرحيم ـ) (نحو 1786ـ 1895)   الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب مطرب مصري ينسب إليه إبداع فن الدور الغنائي الذي ظل اللون السائد في الغناء، إلى أن طوره من أسلوبه البدائي محمد عثمان، وذلك الرتل الطويل من الملحنين الذين عملوا فيه تهذيباً مثل: داوود حسني، وسيد درويش، وعبده قطر، ومحمد عبد الوهاب، وزكريا أحمد. والشيخ المسلوب الذي ولد في القاهرة، تعلم قراءة القرآن الكريم وتجويده في الكتاتيب مذ كان يافعاً، وقبس فنون الإنشاد الديني وقراءة القصة الشريفة من حلقات الأذكار في الزوايا الصوفية التي كان يتردد إليها، ثم انطلق إلى عالم الغناء الدنيوي من دون أن يتخلى عن الإنشاد الديني،
المزيد »