logo

logo

logo

logo

logo

المركبات الراجعة

مركبات راجعه

Reentry vehicles - Véhicules récurrents

المركبات الراجعة

 

يُطلق اسم المركبة الراجعة reentry vehicle (ورمزها RV) على كل مركبة مصممة من أجل دخول الغلاف الجوي الأرضي مجدداً بسلام.

تتطلب المركبات الراجعة عادة قدراً كبيراً من الحجب الحراري نظراً لدرجات الحرارة العالية الناجمة عن الاحتكاك مع الهواء لدى دخول المركبة الغلاف الجوي. وإذا ما تعرض الحجاب الحراري لمركبة راجعة لأضرار أو لم يتمكن من توفير الحماية الكافية للمركبة، تكون النتيجة عادة كارثية كما حصل لمكوك الفضاء كولومبيا Columbia في عام 2003 عندما انفجر ونجم عن ذلك وفاة جميع أفراد طاقمه.

الهدف من المركبات الراجعة

تستخدم المركبات الفضائية المأهولة مركبات راجعة لتأمين عودة طاقمها إلى الأرض بسلام بعد انتهاء مهماتهم. أما المركبات الفضائية غير المأهولة فلا تملك إمكانية الرجوع؛ لذا فهي تُترك على المدار أو يُسمح لها بالاحتراق في أثناء سقوطها على الأرض. ويستثنى من ذلك أولى سواتل الاستطلاع التي استخدمت مركبات راجعة لإعادة الصور التي التقطتها.

ويُطلق على المركبات الفضائية التي تهبط على الكواكب الأخرى اسم مركبات داخلة حيث إنها لا تعود إلى الغلاف الجوي الأرضي الذي انطلقت منه. كما تستخدم الصواريخ البالستية العابرة للقارات intercontinental ballistic missiles (ورمزها ICBM’s) مركبات راجعة لتوفير إيصال الرؤوس الحربية النووية من المدار إلى أهدافها بصورة سليمة.

لمحة تاريخية

عُدّت مسألة رجوع المركبات الفضائية ودخولها مجدداً الغلاف الجوي تحدياً كبيراً لأوائل الباحثين في مجال غزو الفضاء. وتمثلت المشكلة الرئيسية في إيجاد أفضل طريقة للتخلص من الحرارة الناجمة عن الاحتكاك في أثناء دخول المركبة الفضائية الغلاف الجوي وخفض سرعتها.

كان ڤِرْنَر ڤون براون Wernher von Braun أول من وضع تصوراً لعودة رواد الفضاء في مركبات مجنحة ضخمة يُدار سائل تحت غلافها الخارجي من أجل امتصاص الحرارة الناجمة عن رجوعها. وتفادت معظم مشروعات السواتل المقترحة بين عامي 1946 -1957 مسألة الرجوع المعقدة، لكن حل هذه المعضلة كان أمراً حتمياً لمشروعات الرحلات الفضائية المأهولة. تركز الاهتمام بدايةً على المركبات الراجعة الصاروخية كالصواريخ البالستية الحاملة للرؤوس النووية، والتي تحلق فوق معظم الغلاف الجوي وتعود لتدخله بسرعة تبلغ أضعاف سرعة الصوت مما يتسبب لها بارتفاع هائل في درجات الحرارة، وكذلك على مركبات التجسس الفضائية التي كان معها لزاماً استعادة الأفلام والصور التي التُقطت للمواقع المعادية بصورة سليمة. وأجريت منذ الخمسينات من القرن العشرين تجارب عديدة على تصاميم مختلفة ومواد مختلفة للمركبات الراجعة. واستمر مهندسو الفضاء والصناعات العسكرية طوال عقود في سعيهم تحسين الأداء بغية الوصول إلى مركبات أقل وزناً وقادرة على تحقيق سرعات أعلى ودقة أكبر. فطرحت تقنيات ومشروعات متعددة لاقت النجاح وعلى الأخص في المهمات الفضائية.

أسس الإرجاع

جرى إرجاع المركبات المأهولة والحمولات المفيدة غير المأهولة بنجاح في مئات من المهمات الفضائية، وذلك من مداراتها إلى سطح الأرض مروراً بالغلاف الجوي. وبالرغم من ذلك يُعد الإرجاع عبر الغلاف الجوي المرحلة الأكثر خطورة في أي رحلة إلى الفضاء. ويمثل التسخين - في أثناء الإرجاع - الناجم عن الاحتكاك الهوائي الشديد أهم العقبات التي تواجه أي سفينة فضاء. إذ تتحرك المركبة في الغلاف الجوي الخارجي بسرعة تفوق عشرين مرة سرعة الرصاصة، وقد تتجاوز درجة الحرارة على السطح الخارجي للمركبة عتبة 2500 درجة مئوية والكافية لتحويل معظم المعادن إلى سوائل.

كما يمثل الإجهاد البنيوي الذي تخضع له المركبة مصدر الخطورة الثاني؛ إذ تراوح قوة الشد التي تخضع لها المهمات المأهولة في أثناء عملية إبطاء السرعة بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف تسارع الجاذبية. أما في حالة الحمولات غير المأهولة فتصل القوة إلى عشرة أضعاف تسارع الجاذبية. وتؤخذ زاوية الهبوط أيضاً في الحسبان من أجل اختيار نافذة الإرجاع.

ويؤدي العامل البالستي (والذي يطلق عليه بيتا beta، والذي يُحسب بدلالة وزن المركبة وسحبها drag ومقطعها العرضي) دوراً مهماً في الإرجاع. وتكون المركبات الراجعة ذات العامل بيتا المنخفض عادة عريضة ومدوّرة وكليلة blunt. وتستغرق عملية إبطاء هذه المركبات زمناً أطول، كما تولد حرارة أقل على مدى فترة زمنية أطول؛ مما يجعلها ملائمة للمركبات الفضائية المأهولة. أما المركبات ذات العامل بيتا المرتفع فتكون عادة ضيقة وعلى شكل رصاصة. وتملك الصواريخ والرؤوس النووية للصواريخ البالستية العابرة للقارات عاملاً مرتفعاً مما يسمح لها بعبور الغلاف الجوي والوصول إلى الأرض بسرعة أكبر يصعب معها على العدو المحتمل اكتشافها أو اعتراضها.

تقنيات المركبات الراجعة

1ـ الجسم الكليل: كان الجسم الكليل blunt body الذي اقترحه في عام 1952 هـ. جوليان آلان H. Julian Allen وألفرد ج إغرّز Alfred J. Eggers من مركز الأبحاث الجوية والفضائية آمز Ames أفضل تصميم؛ بفضل انحراف الحرارة وتباطؤ المركبة الذي يوفره، ومن ثَم حماية أفضل للمركبة. ثم طور الباحثون في عام 1956 تقنية السحل ablation والتي تعتمد على كساء المركبة الراجعة بمادة تمتص الحرارة وتتحول إلى طبقة من الفحم تتآكل بفعل الاحتكاك. وتصلح هذه التقنية لكل من المركبات الفضائية الراجعة والصواريخ البالستية على حد سواء. وكان التوصل إلى المادة الأنسب محور تجارب عديدة قادت إلى استخدام نسيج من النايلون المخصب بلدائن الراتينج الفينولي phenolic resin مقولباً وفق الشكل المطلوب لكساء الرؤوس النووية الصاروخية.

وقد استخدمت المشعات والمواد المستأصلة مترافقة مع أشكال الجسم الكليل من أجل رجوع أولى الصواريخ مثل المركبة الراجعة مارك 2 (Mark 2) الملحقة بالصواريخ ثور Thor وجوبيتر Jupiter وأطلس Atlas، وأولى المركبات الفضائية مثل أول مركبة مركوري Mercury وذلك من أواخر الخمسينات حتى أوائل الستينات من القرن العشرين.

2ـ الكبسولة البالستية: توالت المشروعات والتجارب على الصواريخ البالستية العابرة للقارات في عدد من الدول وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية، من مارك 3 وصولاً إلى مارك 12، وعلى طائرات الأبحاث إكس 15 (X-15)، وعلى المركبات الفضائية مخروطية الشكل المزودة بواقٍ من الحرارة خلفي كبير مصنوع من الفولاذ عديم الصدأ ومزود بثقوب أشبه بأقراص العسل وبطبقة خارجية من الراتينج الفنيلي مادة استئصال. وقد أطلق على هذا النمط من المركبات الراجعة اسم الكبسولة البالستية وهي مركبات بسيطة نسبياً مخروطية الشكل ذات قدرة محدودة على المناورة. لكنه بالمستطاع تحقيق قدر من الرفع الدينامي الهوائي بإمالة الكبسولة البالستية. ومن الأمثلة على هذه الكبسولات أبولو Apollo.

وعمل الاتحاد السوڤييتي أيضاً على تطوير مركبات راجعة صاروخية للصواريخ البالستية ذات المدى المتوسط والبعيد ومنها أر 14/إس إس 5 (R-14/SS-5) وأر 16/إس إس 7 (R16/SS-7). كما عمل على تطوير واقيات حرارية لرواد الفضاء وبقيت المعلومات حولها سرية، وتُعد سويوز Soyuz وفوستوك Vostok من الأمثلة على الكبسولات التي استخدمها الاتحاد السوڤييتي مركبات راجعة.

3ـ الجسم الرافع: اُقترح فيما بعد نوع آخر من المركبات الراجعة أُطلق عليه اسم الجسم الرافع lifting body والذي يجمع بين مبدأ الجسم الكليل وديناميكية الطائرة الشراعية. ووضعت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا NASA بين عامي 1963- 1975 ثمانية تصاميم مختلفة للجسم الرافع وقامت باختبارها وكان من بينها الطائرة المعدنية صاروخية الدفع إكس 24 (X-24) ومركبة إرجاع رواد الفضاء إكس 38 (X-38).

4ـ المركبة المجنحة: مَثّل الإطلاق الناجح للمكوك الفضائي في عام 1981 برهاناً على فاعلية تقانات عديدة، منها نظام الحماية الحراري. ولأن تصميم المكوك يعتمد على رجوع متكرر لم يكن من الوارد استخدام التقنيات السابقة التي تصلح بطبيعتها لعودة وحيدة؛ فأخضعت الأغطية الحرارية ورقاقات ثاني أكسيد السليكون silica والكربون - التي تشكل الواقي الحراري للمكوك- لاختبارات مكثفة على الأرض قبل أول إطلاق للمكوك. ويطلق على مثل هذا النوع الرابع من المركبات الراجعة اسم المجنحة حيث إنها مزودة بأجنحة قصيرة وثخينة للمناورة في أثناء الهبوط.

تصنيف المركبات الراجعة

تُصنف المركبات الراجعة من حيث طريقة الاستخدام في فئات أربع هي:

ـ العادية: وهي مركبات ذات رجوع وحيد. وتشمل هذه الفئة المركبات الراجعة المرتبطة بالمهمات الفضائية، أو الصواريخ وحيدة الرأس النووي.

ـ المتعددة: المركبة الراجعة المتعددة multiple reentry vehicle (ورمزها MRV) هي نوع من الحمولة المفيدة للصواريخ البالستية تقوم بنشر رؤوس نووية متعددة في نسق يستهدف هدفاً وحيداً. ويمتاز هذا النوع من المركبات الراجعة من الرأس الوحيد بالحجم الكبير من الأضرار التي يتسبب بها في مركز النسق.

ـ القادرة على المناورة: المركبة الراجعة القادرة على المناورة maneuverable reentry vehicle (ورمزها MARV) هي نوع من الرؤوس النووية القادرة على تغيير الأهداف في أثناء الطيران.

ـ المتعددة والمستقلة الأهداف: المركبة الراجعة المتعددة والمستقلة الأهداف multiple independently targetable (ورمزها MIRV) هي مركبة راجعة محمولة من قبل نظام توصيل قادرة على تخصيص مركبة راجعة أو أكثر لكل هدف من الأهداف المنفصلة العديدة.

الشكل (1) عدد من المركبات الراجعة W87 محمولة على صاروخ LG-118A

وتسمح المركبات الراجعة المتعددة والمستقلة الأهداف لصاروخ إطلاق وحيد - سواء أكان بالستياً عابراً للقارات أم بالستياً يطلق من غواصة submarine launched ballistic missile (ورمزه SLBM) - ضرب العديد من الأهداف أو ضرب ثلة من الأهداف بصورة مكثفة.

وتتمثل الغاية العسكرية من هذا النوع من المركبات في تخفيض فاعلية الأنظمة المضادة للصواريخ البالستية التي تعتمد على اعتراض رؤوس نووية منفردة من جهة، وفي  تخفيض عدد الصواريخ اللازمة لشن الهجوم من جهة أخرى. وتُعد المركبات W87 المحمولة على متن الصاروخ LG-118A (الشكل 1) مثالاً على هذا النوع من المركبات الراجعة.

الآفاق الراهنة والمستقبلية

يُعد الرجوع من الفضاء ـ والذي يعتمد في إبطاء سرعة المركبة على الغلاف الجوي المضطرب وشديد التسخين ـ المرحلة الأكثر حرجاً وخطورةً في أي رحلة خارج الغلاف الجوي. ومع الازدياد المنظور للمشروعات الفضائية ـ الحكومية والخاصة على حد سواء ـ في العقود القادمة يتبوأ تطوير تقانات الرجوع واستمثالها مكانة فائقة الأهمية من أجل ضمان سلامة عودة رواد الفضاء من ملاحين وعلماء وسياح.

وتعكف مختبرات البحث في العديد من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي والصين وروسيا وغيرها على وضع واختبار تقنيات وبنى ومواد أكثر تطوراً للمركبات الراجعة، كالصاروخ الدوار روتون Roton والهبوط السلس soft landing والدرع الحراري القابل للنفخ inflatable heat shield وغيرها.    

محمد خالد شاهين

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

مكوك الفضاء.

 

مراجع للاستزادة: 

 

- MILTON O.THOMPSON  and CURTIS  PEEBLES, Flying without Wings: NASA Lifting Bodies and the Birth of the Space Shuttle (Washington, D.C., Smithsonian Institution Press, 1999)

- JOSEPH A. ANGELO and JOSEPH, Dr, ANGELO, The Dictionary of Space Technology (New York: Facts on File, 1999)


التصنيف : التقنيات (التكنولوجية)
النوع : تقانة
المجلد: المجلد الثامن عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 400
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 519
الكل : 31806568
اليوم : 6111

منباقة (إيكالته)

منباقه/إيكالته   موقع أثري في شمالي سورية على الضفة الشرقية من بحيرة الأسد في منطقة الفرات الأوسط، قبالة جبل عارودة، تقدر أبعاده بنحو 400×500م. عرف قديماً باسم مدينة إيكالته، وفقاً لما جاء في الرقم المسمارية المكتشفة في الموقع، ولما ذكر في محفوظات إيمار، وهو تل مسكنة. في العام 1968 شرعت جمعية الاستشراق الألمانية بأعمال التنقيب في الموقع بناء على نداء المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية لإنقاذ الآثار المهددة بالغمر بمياه بحيرة الأسد، بدعم من قبل جمعية الأبحاث الألمانية ومؤسسات خاصة أخرى. تعود منشآت الموقع إلى عصر البرونز القديم والأوسط والحديث، وتتألف من نواة مركزية مرتفعة عن محيطها، تجاوزها عدة معابد ضخمة ذات إطلالة على النهر.
المزيد »