logo

logo

logo

logo

logo

إيطالية (التاريخ)

ايطاليه (تاريخ)

Italy - Italie

إيطالية إيطالية في التاريخ كانت إيطالية منذ فجر تاريخها معبراً للتأثيرات الحضارية القادمة من الشرق منذ أقدم الأزمنة، وتكاد تنعزل عن وسط أوربة بسلسلة جبال الألب الضخمة، لولا وجود معابر ومفازات جبلية تربطها بما يحيط بها من القارة. السكان وأصل التسمية تشير المخلفات الأثرية إلى أن السهول الإيطالية كانت مأهولة بالسكان منذ مايزيد على ثلاثين ألف عام، وتدل المكتشفات على أن مظاهر ثقافة العصر الحجري الحديث كانت من إنتاج أقوام خليطة، أطلق عليهم اسم الليغوريين Ligurians، كانوا على شيء من الحضارة إذ كانوا يبنون أكواخهم من القش والطين، ويدجنون الحيوانات ويستخدمون أسلحة مصقولة من الحجارة. وقد توالت على إيطالية عدة موجات بشرية، وصلت إليها قبل العام 2000 ق.م، واحتلت القسم الشمالي والأوسط من إيطالية. ولقد حملت هذه القبائل معها لغاتها التي تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندية ـ الأوربية، وفرضتها بعد اندماجها مع السكان الأصليين. وقد عملت هذه القبائل على استصلاح الأراضي وفلاحتها، وعرفت صناعة النسيج، وصنعت أسلحتها من الحديد، وبذلك دخلت إيطالية في الألف الأول قبل الميلاد عصر ما قبيل التاريخ وأنتجت حضارة دعيت باسم «الحضارة الفيلانوفية». وكانت أولى هذه القبائل الغازية قبائل الفينتي Veneti وتلتها قبائل كثيرة أخرى أهمها اللاتينيون والسابينيون والأمُبريون والبيشنتي Picentes والسامنتيون Samnites وغيرهم. كما احتل الأتروسكيون[ر] مركز الزعامة في شبه الجزيرة الإيطالية، ومن المرجح أنهم من أصل آسيوي. قدموا إيطالية بحراً وأخضعوا معظمها لسيطرتهم في القرن السادس قبل الميلاد. وكانوا على درجة عالية من الحضارة، وقد انتزعوا من الإغريق السيطرة على البحر التيراني، ولكنهم اضطروا فيما بعد إلى التخلي عن مدينة رومة[ر]، كما تعرضوا لاجتياح قبائل الغال الكلتية من الشمال ومقاومة ضارية من القبائل اللاتينية في وسط إيطالية مما أجبرهم على إخلاء ممتلكاتهم خارج موطنهم الأساسي إترورية في القرن الرابع ق.م. ومنذ ذلك الوقت أخذت السلطة الأتروسكية بالانحلال والتلاشي، في حين أخذ شأن رومة يرتفع حتى أصبحت سيدة شبه الجزيرة الإيطالية. ومن الأقوام الغازية لإيطالية الكلتيون الذين انقضّوا عليها في مطلع القرن الرابع ق.م واستخلصوا من الأتروسكيين سهل البو، ومالبثوا أن اندمجوا معهم وتأثروا بحضارتهم. أما تسمية هذه البلاد بإيطالية فهي من أصل إغريقي، وعلى كلٍّ فإن الوحدة السياسية لهذه البلاد لم تتحقق سريعاً بسبب هذا الخليط من السكان الذين يتكلمون لغات شتى وينتمون إلى أصول مختلفة، وقد فرضتها رومة بقوة السلاح، وعندما سقطت الامبراطورية الرومانية الغربية كان على إيطالية أن تنتظر أربعة عشر قرناً لتحقق وحدتها القومية من جديد.  نشوء رومة والعهد الملكي ثمة أسطورة متداولة حول تأسيس رومة، ترمي إلى وضع تفسير درامي وبطولي لنشوئها، ومن المرجح أن اسم «رومة» أُطلق على هذه المدينة بعد أن وحَّد الأتروسكيون تلالها السبعة. وقد استمر حكم ملوكهم للمدينة وحسب الروايات حتى عام 509ق.م، في حين تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن زوال النفوذ الأتروسكي كان نحو عام 475ق.م. العهد الجمهوري تم الانتقال إلى الحكم الجمهوري إثر هزيمة الأتروسكيين وإجلائهم عن رومة، وتلا ذلك قيام نزاعات بين المدن اللاتينية من جهة ورومة التي تريد فرض سلطتها على تلك المدن من جهة أخرى، وكان على الرومان أن يقاتلوا شعوباً أخرى يختلفون عنهم عرقاً ولغةً ليفرضوا سيطرتهم ويجعلوا من رومة دولة مرهوبة الجانب في إيطالية، ثم في حوض البحر المتوسط. ثم وجدت رومة نفسها أمام مشكلات جديدة تعود إلى أطماعها الاستعمارية والاقتصادية، مما زجّها بحروب طويلة مع قرطاجة[ر] ومقدونية[ر]، لكنها تمكنت من الانتصار عليهما كما فرضت سيطرتها على غالية وإسبانية والبرتغال وأوربة الوسطى ونصف إنكلترة. أما على الصعيد الداخلي فإن التطاحن الحزبي بين الرومان أنفسهم قاد إلى الصراع الطبقي بين الأشراف والعامة وإلى سلسلة من الحروب الأهلية قوضت دعائم النظام الجمهوري. إيطالية في ظل الامبراطورية الرومانية[ر] كان اغتيال قيصر السبب المباشر للحرب الأهلية التي اندلعت بين أنصاره وخصومه، ثم انتقل النزاع إلى أنصار قيصر أنفسهم للفوز بالسلطة، وانتهت هذه الحرب بانتصار أوكتافيوس على خصمه ماركوس أنطونيوس إثر معركة أكتيوم البحرية في 2 أيلول 31ق.م وإقامة النظام الامبراطوري، وكُرّم أوكتافيوس فلُقِّب «أغسطس»، وأصبح البحر المتوسط في زمنه بحيرة رومانية. وقد خلفه عدد من الأباطرة وطّدوا النظام الامبراطوري، من أشهرهم تيبريوس وفسباسيان وتراجان وفي عهد هذا الأخير وصلت الامبراطورية إلى أقصى اتساعها، وكانت اللاتينية اللغة الرسمية للدولة، ولكنه سمح باستعمال اللغات المحلية كاليونانية والبونية (الفينيقية الغربية) والكلتية إلى جانبها. وبقيت الامبراطورية مرهوبة الجانب حتى زمن الامبراطور ماركوس أوريليوس (161-180)، إذ تجرأت جماعات جرمانية بربرية مؤلفة من قبائل الماركوماني Marcomani سكان بوهيمية وقبائل الكوادي Quadi سكان مورافية على اختراق حدود إيطالية الشمالية ـ الشرقية. وفي القرن الثالث عاث القوط فساداً في البلقان وشواطئ البحر الأسود، وتوغلت فئة بربرية من الفرنجة حتى وسط إسبانية في حين كانت قبائل الألمان Alemanni تشيع الذعر في وادي البو ووادي الرون. اتصف عصر الامبراطورية بالتسامح الديني فوجدت الآلهة لها مكاناً في الامبراطورية وشيدت لها المعابد ونحتت لها التماثيل التي التف حولها المتعبدون، وظلت الوثنية سائدة حتى انتصار المسيحية في القرن الرابع الميلادي. أما التعليم فكان هدفه تعلم الفصاحة والبلاغة أكثر من تحرر العقل. ولقد تضافرت عدة عوامل أدت إلى سقوط الامبراطورية. إيطالية والقبائل الجرمانية[ر] أطلق الرومان على الجرمان[ر] اسم البرابرة، وكان يوليوس قيصر أول من استخدمهم في جيشه ثم أخذوا يتسربون إلى الجيش الروماني، وبدأ هجومهم في أواخر القرن الرابع بسبب ضغط قبائل الهون المغولية القادمة من الشرق، فقد طلبوا من الامبراطور فالانس Valenz أن يسمح لهم بالإقامة في شمالي البلقان وأن يضعوا تحت إمرته فرقة عسكرية منهم، ولكن موظفي الامبراطور أساؤوا معاملتهم مما دفعهم إلى الثورة فسارع الامبراطور لإخضاعهم ولكنه قتل في المعركة، وخلفه الامبراطور ثيودوسيوس الذي انتصر عليهم عام 383 وسمح لهم بالإقامة في تراقية مقابل تزويد جيشه بأربعين ألفاً من الجنود تحت إمرة ضباط منهم. وعند وفاته تمكن زعيم القوط ألاريك من محاصرة رومة عدة مرات ونهبها، وما إن توفي في جنوبي إيطالية حتى اتجهت جحافله نحو غالية وإسبانية وأقاموا دولة لهم هناك. تعرضت إيطالية إلى تعديات كثيرة بسبب ضعف أباطرتها، ونهبها عام 455 جنسريك ملك الفاندال، كما غزاها أتيلاّ[ر]، وأخيراً في عام 476 أرسل القائد الجرماني أدوآكر Odoaker، وكان في خدمة الامبراطورية، التاج وشارات الملك إلى القسطنطينية معلناً أن إيطالية ليست بحاجة إلى امبراطور وطلب الاعتراف به حاكماً عليها. أخذت إيطالية تزدهر في ظله، إلا أن تيودوريك Theoderich زعيم القوط الشرقيين وبتحريض من القسطنطينية هزم أدوآكر ثم اتفقا على أن يحكما سوية، ولكن أدوآكر قُتِل أثناء الاحتفال بالصلح، وأصبح أمر إيطالية كلها بيد تيودوريك. وكان تيودوريك الذي عاش سنين طويلة في القسطنطينية مسيحياً أريوسي المذهب ومع ذلك فقد أبدى كل احترام للبابا، وقد نعمت إيطالية بالاستقرار والهدوء في عهده، وما إن توفي حتى عادت الحروب من جديد، إذ غزاها القائد البيزنطي بلساريوس واحتل معظم أجزائها إلا أن سوء معاملة جيشه للإيطاليين وتفشي المجاعة والطاعون، سمح للقوط الشرقيين بقيادة توتيلا Totila بإعادة سيطرتهم على البلاد عدا العاصمة رافنة التي بقيت بيد الامبراطور جستنيان الذي أرسل جيشاً انتصر عليهم وسمح لهم بمغادرة إيطالية كما غادرها جيشه مما جعلها معرضة لهجوم قبائل جرمانية أخرى هم اللومبارديون. 1ـ اللومبارديون[ر]: استقر اللومبارديون في وادي نهر البو، وكانوا وثنيين، استولوا على معظم إيطالية عدا الأجزاء التي كانت تحت حماية البيزنطيين، ومالبثوا أن اعتنقوا المسيحية وفق المذهب الأريوسي، ثم تحولوا إلى الكاثوليكية، مما سهَّل عليهم الاختلاط مع الإيطاليين. بسط اللومبارديون سلطتهم على الأراضي التي كان يحكمها البابا، مما دفعه إلى الاستنجاد بحاجب قصر الفرنجة بيبن Pippin الذي اتجه في عام 754 مع جيشه إلى إيطالية وهزم اللومبارديين وأجبرهم على أن يعيدوا إلى البابا الأقاليم التي كانوا قد استولوا عليها. 2ـ الفرنجة في إيطالية: قسَّم بيبن مملكته قبل وفاته بين ولديه شارل وكرلمان، ولكن الأخير توفي بعد سنتين فانفرد شارل بحكم البلاد، وعمل على نشر المسيحية بين قبائل السكسون الوثنية بعد إخضاعها، فاستغل اللومبارديون فرصة انشغاله وهاجموا رومة، فسارع البابا للاستنجاد بشارل «شارلمان» الذي لبى الطلب بنفسه وقهر خصومه وضم أراضيهم إلى مملكته، وبذلك انتهت مملكة اللومبارديين بعد أن عاشت نحو قرن من الزمن. ومنح شارلمان بعض الأراضي للبابا الذي كان يرغب في ربط الكنيسة بالفرنجة بدلاً من ربطها بالامبراطورية البيزنطية، وما لبث أن قام نزاع بين البابا من جهة وأشراف رومة من جهة ثانية، فرَّ على أثره البابا والتجأ إلى شارلمان طالباً معونته فدخل هذا رومة وأعاد البابا إلى سدته وقام البابا بتتويجه امبراطوراً عام 800، وقد نشأت فيما بعد منازعات استمرت طوال العصور الوسطى وعصر النهضة بين السلطتين الزمنية والروحية، إذ ادعى كل منهما أن سلطته هي العليا. كما نتج عن هذا التتويج أن ارتبطت إيطالية بألمانية وأصبح خلفاء شارلمان ملزمين بإخضاع إيطالية مما أدى إلى ضعف قوة الأباطرة فيها وازدياد قوة أمراء الإقطاع ونتج من ذلك تأخر اتحاد إيطالية وكذلك ألمانية إلى القرن التاسع عشر. النزاع بين البابوات والأباطرة كان لوجود الكرسي البابوي في إيطالية تأثير كبير في تاريخها الحضاري والسياسي وما حفل به من أحداث، وذلك بسبب رغبة الباباوات في جعل السلطة الزمنية تابعة لهم، وقاد هذا إلى منازعات مع الأباطرة والملوك. ومن أبرزها أحداث زمن البابا غريغوريوس السابع (هلدبراند Hildebrand) عندما أصدر مرسوماً واتخذ تدابير ترمي إلى تأكيد سلطته الروحية وإضعاف السلطة الزمنية. تجاهل هنري الرابع امبراطور ألمانية هذه التدابير فأرسل البابا يطلبه للمثول بين يديه، وهدده بالحرمان إن رفض المجيء، فعقد هنري مجلساً عام 1076 وأعلن فيه عزل البابا، فما كان من هذا الأخير إلا أن أعلن حرمانه، وتألب الأشراف الألمان على ملكهم وأنذروه بضرورة مصالحة البابا، فسارع هنري إلى قلعة كانوسا Canossa لمقابلة البابا وبقي أمام بابها ثلاثة أيام مكشوف الرأس عاري القدمين حتى أذن له البابا بالدخول وصفح عنه. عاد هنري إلى بلاده ليحارب الأشراف الذين تخلوا عنه ثم هاجم إيطالية واحتل رومة عام 1084 وكاد البابا أن يقع في يده لولا أن أنجده النورمنديون، لكنهم نهبوا رومة وأثاروا الذعر فيها، فاستاء السكان منهم ومن البابا الذي استنجد بهم وفر إلى سالرنو حيث مات منفياً عام 1085. وفي عام 1143 قامت ثورة في رومة وتشكلت جمهورية برئاسة «أرنو دي برسيا» فبادر الملك الألماني فريدريك بربروسة إلى الاتفاق مع البابا على أن يتولى قمع الثورة مقابل تتويجه امبراطوراً وتم ذلك عام 1155. ولكن النزاع دبَّ بينهما بسبب ادعاء البابا بأن الامبراطور مدين له بالتاج، وأن الامبراطورية منحة وهبه إياها، وإثر معركة لنيانو Legnano عام 1176، اضطر الامبراطور إلى الركوع أمام البابا في البندقية طالباً العفو، ثم عاد إلى ألمانية وزوج ابنه هنري بوارثة مملكة صقلية فأصبحت حليفته بعد أن كانت حليفة البابا، فأخذ البابا يعمل على إثارة الدسائس لهنري الذي ترك عند وفاته ولده فريدريك الثاني وهو طفل صغير، كما تسلم الكرسي البابوي إنوسنت الثالث Innocent III فعاد النزاع مع السلطة الزمنية من جديد. كان فريدريك الثاني محباً للعلم يتقن سبع لغات منها العربية، ولقد أخذت البابوية تُسيء إليه متهمة إياه بالإلحاد، وتطالبه القيام بحرب صليبية، فأقلع إلى المشرق وعقد اتفاقية مع الملك الكامل في مصر، وعاد إلى بلاده ليجد البابا قد نهبها، فطرد جيوش البابا ثم عقد صلحاً معه فرفع البابا عنه الحرمان (1230). وفي عام 1250 توفي فريدريك تاركاً التاج لابنه كونراد الرابع. وعندما تولى البابا أربان الرابع قدم تاج مملكة نابولي «الصقليتين» إلى شارل أخي لويس التاسع الفرنسي، وبذلك انتهت أسرة هوهنشتاوفن في إيطالية، وانتصرت البابوية إلى حين. إيطالية الجنوبية وصقلية بين العرب والنورمان بدأت محاولات العرب المسلمين للسيطرة على جزيرة صقلية منذ أواسط القرن السابع الميلادي إلى أن نجح الأغالبة في فتح الجزيرة في القرن التاسع الميلادي. ولم يقتصر الحكم العربي الإسلامي على صقلية[ر] بل تعداه إلى جنوبي إيطالية فاحتل العرب باري ووصلوا إلى قرب رومة، واضطر البابا يوحنا الثامن إلى أن يدفع لهم الجزية. شرع النورمنديون منذ عام 1036، وهم من أصل جرماني، بزعامة روبرت جيسكار بانتزاع إيطالية الجنوبية من البيزنطيين، وأنشؤوا فيها مملكة، في حين انتزع أخوه الأصغر روجر عام 1091 صقلية من أيدي العرب المسلمين. وقد ساند جيسكار البابا في نزاعه مع الامبراطور هنري الرابع، كما دخل رومة وأباحها لجنوده، وفي عام 1130 تُوِّج روجر الثاني ملكاً في بالرمو بعد أن جمع تحت حكمه كلاً من صقلية وجنوبي إيطالية، فقامت فيهما دولة متأثرة بالتراث العربي الإسلامي وبالصفة البيزنطية، وكان روجر معجباً بالحضارة العربية، فاقتبس عنها بعض التنظيمات الإدارية كديوان المظالم، كما أنشأ ديواناً للطراز وآخر للتحقيق، وأغدق الأموال على الترجمة والتأليف وحرص على إغراء العلماء بالقدوم إلى صقلية، فازدهر بلاطه بكثير منهم وفي مقدمتهم الإدريسي[ر] أكبر جغرافيي عصره، وقد صنع لروجر كرة ومصوراً للعالم على شكل قرص من الفضة. شابه روجر الثاني في تأثره بالحضارة العربية وحبه للعلم حفيده الامبراطور الألماني فريدريك الثاني الذي اهتم بالفلسفة العربية وأمر بترجمة مصنفات أرسطو وابن رشد إلى اللاتينية، كما ترجمت له مؤلفات أرسطو في علم الحيوان وشرح ابن سينا عليها، وأمر بإنشاء جامعة نابولي وزودها بالكثير من المخطوطات العربية، وأنشأ مدرسة للطب في سالرنو فأوجد بعمله هذا نهضة حقيقية في جنوبي إيطالية مما دفع بالكثير من المتعلمين الأوربيين إلى معرفة المزيد عن الحضارة العربية الإسلامية. دويلات إيطالية ونشاط مدنها الاقتصادي زمن الحروب الصليبية أصبحت إيطالية بعد سقوط أسرة هوهنشتاوفن مجموعة مدن مستقلة متناحرة، وحتى دولة البابا لم تخرج عن ذلك، فقد أسهمت إلى حد بعيد في صنع أحداث أوربة الوسطى والغربية فضلاً عن تأثيرها الأول في أحداث إيطالية، وكانت جميع هذه المدن المتناحرة تسعى لتزيد من ثروتها وفرض سيطرتها على المدن الأخرى، ويأتي في مقدمتها: 1ـ البندقية[ر]: كانت الحروب الصليبية فرصة ثمينة للمدن البحرية الإيطالية وللبندقية خاصة للتوسع التجاري والسيطرة، ولقد تمكن البنادقة من الاستيلاء على القسطنطينية ونهبها عام 1204 فانتقلت بذلك الزعامة التجارية إليهم. هذا إضافة إلى حسن العلاقة بينهم وبين سلاطين المماليك في مصر مما جعلهم يحتكرون تجارة السلع القادمة عن طريق البحر الأحمر إلى أوربة. وقد حاول الجنويون مزاحمتهم ولكنهم أخفقوا. وعندما بدأ التوسع العثماني في حوض المتوسط شكل خطراً على تجارة البنادقة إضافة إلى ماخسروه جراء اكتشاف طريق الهند عبر رأس الرجاء الصالح، فشاركوا في تجهيز حملة بحرية مع البابا وإسبانية حطمت أسطولاً عثمانياً في معركة ليبانتو Lepanto في خليج كورنتة سنة 1571. 2ـ جنوة[ر]: تعاون الجنويون مع أهالي بيزة في إخراج المسلمين من غربي المتوسط، كما تنازعوا مع البنادقة إبان الحروب الصليبية في سبيل الهيمنة على التجارة والنقل البحري وخاصة على عكا عام 1255، وبقي النزاع بين الطرفين حتى هزيمة الجنويين في حرب تشيوغية Chioggia  (1378-1381). أما على الصعيد الداخلي فقد تعرضت لهزات كثيرة جعلتها تنتقل من سيطرة ميلانو إلى السيطرة الفرنسية وبالعكس حتى غزاها نابليون عام 1797. 3ـ مملكة نابولي: كانت هذه المملكة مؤلفة من جزيرة صقلية ونابولي وكانت تملك قوة بحرية في المتوسط لتحمي مصالحها التجارية، إلا أن الأحداث السياسية التي عصفت بها جراء الخلاف بين مملكتي أراغون وفرنسة باسم حق الوراثة أدت إلى انفصال صقلية عن نابولي واعترافها بسيادة أراغون عليها، ثم تجددت المنازعات واندلعت الحرب بين الدولتين إلى أن سُوِّيت الأمور عام 1505 وأصبحت نابولي تابعة لإسبانية حتى عام 1707 بعد أن تزوجت وارثتها من الملك فرديناند. 4ـ فلورنسة[ر]: برزت أهمية فلورنسة مدينة للمال بسبب كثرة المصارف التي كانت تعمل فيها وتنشط تجارتها، ولقد كانت ميولها السياسية إلى جانب البابوية، كما كانت مركزاً للصراع بين الحزبين الرئيسيين (أنصار الامبراطورية) و(أنصار البابوية). واشتهر عدد من أبنائها في المجال الفكري أمثال دانتي وبترارك وبوكاشيو وخضعت منذ منتصف القرن الخامس عشر إلى حكم أسرة آل مدتشي، ثم أصبحت منذ عام 1530 جزءاً من دوقية توسكانية حتى عام 1860، وسميت عاصمة لإيطالية بين العامين 1865-1870. 5ـ ميلانو[ر]: ارتبط تاريخ ميلانو منذ مطلع القرن الرابع عشر وحتى منتصف القرن الخامس عشر بأسرة فسكونتي التي حكمتها حكماً استبدادياً مقابل إغراقها بالثروة، حتى إن الكثير من المدن المجاورة لها اعترفت بسيادتها. ولقد عملت كل من فلورنسة والبندقية على مقاومة حكامها الطامعين بزعامة شبه الجزيرة الإيطالية. وقد اغتنت ميلانو بفضل الزراعة وصناعة المنسوجات الصوفية والحريرية، إضافة إلى موقعها المهم عند بداية الطريق التجاري نحو وسط أوربة. وتجلت مظاهر الغنى بقصورها الفخمة. النهضة لم تكن النهضة في إيطالية حدثاً مفاجئاً معزولاً عمّا سبقه من تطورات نواحي الحياة في أواخر العصور الوسطى، بل كانت تتويجاً لتلك التطورات وبلغت ذروتها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وتجلت النهضة[ر] في مختلف نواحي الحياة الإيطالية أهمها: 1ـ النواحي الفكرية: يعد كثير من المؤرخين الشاعر الإيطالي بترارك (1304-1374) أبا النهضة، فقد عبر بكل وضوح عن حق الإنسان في الاستمتاع بالحياة، وعمل على إحياء الآداب اللاتينية واليونانية وطالب بإنشاء المكتبات العامة وجمع المخطوطات فيها. ومن المظاهر الفكرية للنهضة الحركة الإنسانية التي نادت بأهمية الإنسان وجعلت منه مثالاً للخير والجمال، وسعت لتوظيف كل ما في الطبيعة وتسخيره من أجل رفاهيته، فلم يعد مسحوقاً هدفه الأول في الحياة إرضاء الكنيسة ورجالها ليضمن حسن مآله بل من حقه التمتع بها، فهي بذلك أعطت مفهوماً جديداً للحياة يتفق مع المفاهيم الدنيوية الإنسانية ومن هنا جاء اهتمام هذه الحركة بالتراث الإغريقي والروماني القديم. ظهر في هذا العصر عدد من المفكرين والأدباء من أبرزهم دانتي وبوكاشيو.  2ـ الاكتشافات الجغرافية: سبق الكشوف الجغرافية قيام بعثات التبشير بالمسيحية في المشرق وآسيا طوال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. أما ما قام به الأوربيون من كشوف في القرنين الخامس عشر والسادس عشر فله دوافع أخرى من أبرزها البحث عن أقصر طريق إلى بلاد التوابل، والحصول على الذهب، والتخلص من السيطرة العربية على المحيط الهندي والبحر المتوسط. 3ـ المظهر الديني: لقد تجلى هذا المظهر بالثورة على سوء أوضاع الكنيسة بسبب فساد رجالاتها، فلم يكن البابوات يتورعون عن استخدام كل الوسائل من أجل جمع الثروة وتشكيل الجيوش لتحقيق غاياتهم الدنيوية، إضافة إلى استغلالهم سلطتهم الدينية وخاصة الحرمان، وتهديد خصومهم به إن لم ينصاعوا لرغباتهم. وقد تجلى المظهر الديني في حركة مارتن لوثر الإصلاحية وتأسيس الكنائس الإنجيلية، ثم حركة الإصلاح الكاثوليكي، وظهور الجمعية اليسوعية، وأخيراً في عقد مجامع ترنت (1545-1563) الذي وضع ضوابط لرجال الدين وعمل على رفع مستواهم الفكري والأخلاقي. 4ـ المظهر الفني: ظهر في إيطالية عدد من مشاهير الفنانين الذين استلهموا في عملهم الفنين الإغريقي والروماني الوثنيين، وواصلوا تصوير الموضوعات الدينية، ولكن المنحى الفني لم يعد مسيحياً بل أصبح منسجماً مع روح العصر. ولم تعد الفنون في خدمة اللاهوت بل أصبحت في خدمة الأمراء والأغنياء، الذين شيدوا القصور وجمَّلوها وأغدقوا الأموال على الفنانين فنبغ عدد منهم، ومن أبرزهم ليوناردو دافنشي (1453-1519) وميكلانجلو (1475-1564) ورافايلو (1483-1520). تطور إيطالية السياسي حتى غزو نابليون ظلّت إيطالية مسرحاً للنزاع بين فرنسة وإسبانية وألمانية وخاصة في عهد شارل الخامس (شارلكان) الذي امتدت سلطته على كل من إسبانية والنمسة مما شكل خطراً على فرنسة وأشعل الحرب بينهما، التي انتهت إلى اندحار فرانسوا الأول وأسره. وفي عام 1527 نهب أنصار شارلكان رومة واستبيحت ثمانية أيام، وقتل الكثير من رجال الدين واغتصبت الراهبات الشابات، كل ذلك لم يمنع البابا من تتويج شارلكان امبراطوراً عام 1530. وفي عام 1556 تخلى شارلكان عن العرش واقتسم ابنه وأخوه الامبراطورية، وفي عام 1559 تخلت فرنسة عن ادعائها في إيطالية فخلصت هذه للسيطرة الإسبانية ثم انتقلت منها إلى سيطرة الامبراطورية النمسوية التي عملت جاهدة على محاربة قيام دولة موحدة في إيطالية، وعندما احتلها نابليون سنة 1800 جعلها ثلاث ممالك فقط، إذ أقام في الشمال والوسط مملكة إيطالية، وأقام في الجنوب مملكة نابولي أو الصقليتين، وقامت دولة البابا (رومة) تحت النفوذ الفرنسي. وأجرى نابليون الكثير من الإصلاحات في إيطالية مما أضعف الإقطاعيين وساعد على نشر التعليم والتخلص من امتيازات رجال الدين، إلا أن إيطالية عادت إلى التمزق بعد سقوط نابليون وعودة السيطرة النمسوية. إيطالية في أعقاب مؤتمر فيينة 1815 حاول المؤتمرون في فيينة تخطي كل ما طرحته الثورة الفرنسية من آراء وما نتج عن قيامها من أحداث وذلك بالعودة إلى ما قبل قيامها، فجاءت قرارات المؤتمر انتصاراً للرجعية الأوربية، إذ تقرر أن يسترد البابا مافقده من أملاك، وأن يسترد آل بوربون أملاكهم في إيطالية، وأن تعود الإمارات الإيطالية إلى أمرائها، عدا ما خصص للنمسة وبيمونتي. ومن الطبيعي أن الفئات الوحدوية لم تكن راضية عن ذلك، فنشطت الجمعيات السرية كجمعية الفحامين (الكاربوناري) في نابولي، التي كانت تسعى إلى تحرير إيطالية وتوحيدها. وقد وجدت أحداث 1830 في فرنسة صدى لها في إيطالية عند الكاربوناري ولكن النمسة قضت عليها، فتألفت جمعية أخرى هي جمعية إيطالية الفتاة التي أسسها غوسيبي مازيني وجعلت شعارها «الله والشعب»، وعملت على إعادة الثقة إلى نفوس الإيطاليين، وجعلتهم يؤمنون بأن تحقيق الوحدة يستلزم التضحية بالدم والمال. وكان مازيني جمهورياً، عمل على إشعال الثورة ولكنه أخفق. كما كان هنالك حزب المعتدلين، الذي نادى بتأليف اتحاد من الإمارات الإيطالية بزعامة البابا. والخلاصة أن الاتجاه العام للحركة السياسية آنذاك دفع البابا «بيوس التاسع» إلى القيام ببعض الإصلاحات. وعندما قامت ثورة 1848 في فرنسة انتقلت عدواها إلى النمسة وفرّ زعيم الرجعية مترنيخ [ر]، وعمت الثورة لومباردية وميلانو، ثم امتدت إلى بقية أقاليم شبه الجزيرة فطردت البندقية النمسويين وأعلنت الجمهورية، في حين أعلن شارل ألبير ملك بيمونتي الحرب على النمسة، لكن الخلاف دبَّ بين الإيطاليين من جمهوريين وملكيين ومعتدلين مما سمح للنمسة بالإجهاز على الحركة. فهزمت شارل ألبير في معركة نوفارا 1849، فاضطر إلى التنازل عن العرش لابنه فيكتور عمانوئيل، وأرسل لويس نابليون حملة قضت على جمهورية رومة وأعادت النمسة النظام القديم إلى توسكانية وسقطت البندقية وعاد الحكم الرجعي يسيطر على إيطالية. الوحدة الإيطالية إن التضحيات التي قدمتها مملكة بيمونتي ـ سردينية، جعلت الجماهير الوحدوية تلتف حولها، ولقد وجدت في مليكها الشاب فكتور عمانوئيل ضالتها المنشودة لتحقيق الوحدة، إذ كان معروفاً بأفكاره التحررية وعطفه على الجمعيات والأحزاب الوحدوية، ولقد قيض له شخصية ممتازة وهي كاميلو كافور[ر] (1810-1861) Camillo Cavour، فقد حاول كافور أن يجد حليفاً له للتخلص من سيطرة النمسة، فانضم إلى التحالف الفرنسي ـ الإنكليزي عند نشوب حرب القرم وأرسل نحو خمسة عشر ألف جندي للقتال. وفي مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس سنة 1856 تمكن كافور من تدويل القضية الإيطالية وكسب عطف نابليون الثالث. وعلى هذا النحو مر تحقيق الوحدة الإيطالية بعدة مراحل وهي: أـ مرحلة الحرب مع النمسة وضم لومباردية: في 5 آذار1859 أصدرت حكومة كافور مرسوماً بالتعبئة العامة، مما أثار النمسة فأرسلت إنذاراً تطلب فيه من حكومة بيمونتي نزع السلاح فوراً، وفي مدة أقصاها ثلاثة أيام. تجاهل كافور الإنذار إذ وجد فيه الفرصة السانحة لجر فرنسة لدخول الحرب معه، وسارع الامبراطور الفرنسي على رأس جيشه إلى إيطالية، وهزم مع قوات بيمونتي الجيش النمسوي في عدة معارك وبدأ المفاوضات مع النمسة، واتفق الطرفان على أن يتنازل امبراطور النمسة عن لومباردية إلى فرنسة التي تتنازل عنها بدورها إلى مملكة سردينية، وأن تبقى البندقية والمناطق الجبلية في شمال شرقي إيطالية تحت السيادة النمسوية على أن تكون جزءاً من الاتحاد الإيطالي الذي يجب أن يرأسه البابا. واتفق كافور مع نابليون على إجراء استفتاء في ولايات الوسط، التي انضمت إلى سردينية في حين انضمت نيس وسافوا إلى فرنسة. وبادر الوطنيون في صقلية إلى إشعال الثورة في بالرمو (1860). ب ـ غاريبالدي وتحرير صقلية: جمع غاريبالدي[ر] 1080 متطوعاً من جنوة وألبسهم قمصاناً حمراء وعبر بهم إلى صقلية حيث هزم جيش نابولي، ثم غزا نابولي ودخلها وحرر مع جيش الملك فكتور عمانوئيل الحصون الشمالية، في حين توجه كافور بجيش لقتال جيش البابا وانتصر عليه واحتل الأملاك البابوية عدا رومة، وفي 18شباط1861 اجتمع المجلس النيابي الجديد ونودي بفكتور عمانوئيل ملكاً على إيطالية. ج ـ ضم البندقية ورومة: تم ضم البندقية إلى إيطالية الموحدة إثر مساعدة إيطالية لروسية في حربها مع النمسة (1866). في حين ضمت رومة إثر الحرب بين فرنسة وبروسية عام 1870، إذ اضطرت فرنسة إلى سحب حاميتها من رومة، فسارع الإيطاليون إلى دخولها في 20 أيلول1870 مما أغضب البابا الذي لم يقبل بالتنازل عن سلطته المدنية واعتبر نفسه سجين الفاتيكان، وطلب من الكاثوليك مقاطعة الحكومة الإيطالية. إيطالية حتى الحرب العالمية الأولى واجهت إيطالية بعد توحدها بعض المشكلات التي نجمت عن الوضع الجديد للبلاد، كتعديل قانون الانتخابات وتوحيد الأنظمة الإدارية للبلاد في محاولة للتقريب بين ولايات الشمال الصناعية الأكثر تقدماً ورقياً، وولايات الجنوب الزراعية الأكثر تخلفاً ثقافياً واجتماعياً. وحاولت حلَّ المشكلة البابوية، كما واجهت مشكلة النمو السكاني وخاصة في الجنوب مما أدى إلى هجرة كبيرة من البلاد وخاصة إلى الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى مواجهة ازدياد نشاط العصابات المنشقة وخاصة في نابولي وصقلية. كما عملت الحكومة على تشجيع الصناعة والزراعة وبناء أسطول تجاري ضخم، وأممت بعض القطاعات كالسكك الحديدية وشركات التأمين على الحياة، وعملت على تخفيف الأزمات الاقتصادية ورفع سوية المواطنين مادياً ومعنوياً، كما انطلقت تفتش عن مستعمرات لها أسوة بباقي الدول الأوربية، فبسطت نفوذها على ميناء عصب على البحر الأحمر، وأخذت تتوسع في إريترية Eritria، ثم استولت عام 1889 على مستعمرة أخرى في الساحل الشرقي لإفريقية سميت بالصومال الإيطالي، وبذلك أحاطت إيطالية بالحبشة (إثيوبية) من الشمال والشرق، وراحت تدعي أن الحبشة محمية لها، مما أدى إلى قيام الحرب بين الطرفين وهزيمة الطليان في معركة عدوة (1896) واعترافها باستقلال الحبشة، وقد توجهت إيطالية بأنظارها نحو الشمال الإفريقي منتهزة فرصة انشغال الدولة العثمانية بحروب البلقان فاحتلت طرابلس الغرب (1911-1912)، بعد أن مهدت دولياً لذلك. إيطالية والحرب العالمية الأولى عندما بدأت سحب الحرب تتلبد في سماء أوربة، كان الرأي العام الإيطالي يحبذ الوقوف على الحياد، في حين كانت الحكومة الإيطالية تخضع لضغوط سياسية وإغراءات من المعسكرين لجرها إلى الحرب، ولكنها في 3آب1914 أعلنت حيادها، وانقسم ساستها بين مؤيد ومعارض فأخذت الحكومة تساوم المعسكرين. وأخيراً وقّعت في 26نيسان1915 مع فرنسة وإنكلترة وروسية معاهدة لندن السرية التي تحصل بموجبها على إقليم ترنتينو والتيرول الجنوبي بالإضافة إلى تريستة ومعظم جزر دلماسية، وفي حالة تقسيم تركة تركية فسيكون من نصيبها أضالية، كما يسمح لها بالتوسع في مستعمراتها في ليبية وإريترية والصومال عند اقتسام فرنسة وإنكلترة المستعمرات الألمانية. وفي 23أيار1915 أعلنت إيطالية الحرب على النمسة وبدأت القتال في منطقة جبال الألب من دون تنسيق مع حلفائها، فكبدها ذلك خسائر كبيرة في الأرواح، ومنيت إيطالية بنتيجة الحرب بخسائر بلغت 615.000 قتيل، وانهار اقتصادها ورزحت تحت ديون طائلة. وفي 10أيلول1919 وقَّعت إيطالية معاهدة سان جرمان مع النمسة وأخذت بمقتضاها تريستة وايستري وترنتينو. وأسفرت انتخابات 1919 عن أكثرية للاشتراكيين والكاثوليك، ولم يستطع الحزبان التفاهم على برنامج مشترك، فانفصل المتطرفون ومن بينهم موسوليني[ر] مع جماعته من المحاربين القدامى ليشكلوا حزباً جديداً في ميلانو في 23مارس1919 باسم الحزب الفاشي مستغلين أوضاع مابعد الحرب من ضائقة اقتصادية وبطالة. الفاشية[ر] طرحت الفاشية مبادئ وشعارات جعلت منها عقيدة استقطبت حماسة الشباب فكانت تدعو إلى تمجيد القوة والعمل، ومركزية الدولة، ومعاداة النظام البرلماني ومحاربة الشيوعية، ولاقى موسوليني تأييداً من رجال الصناعة والمال، وجعل من فرق «القمصان السوداء» أداة للبطش والتخلص من خصومه السياسيين، وأصدر أوامره إلى تلك الفرق في 28تشرين الأول1921 بالزحف على رومة، فاضطر الملك إلى استدعائه من ميلانو وتكليفه تشكيل الوزارة بالاشتراك مع الوطنيين. ظهر موسوليني مدة حكمه (1922-1945) بمظهر المعتدل والراغب في الإصلاح مما طمأن الحياديين وجعلهم يتعاطفون معه. وكان مؤمناً بأن الدولة هي التي تصنع الأمة، وليس العكس، وذلك بأن يكون على رأسها زعيم قوي يجمع بيده السلطات ليصنع الأمة التي يريد، وقد أعطى لنفسه هذا الحق فأوجد في عام 1923 المليشيا الفاشية، كما عمل على صهر الحزب الوطني في حزبه. وفي انتخابات 1924 حصل موسوليني مع الوطنيين على 64,9% من أصوات الناخبين وأصبح رئيساً للحكومة، وبدأ يجمع السلطات في يده، فحل النقابات الكاثوليكية والشيوعية وجميع الأحزاب غير الفاشية، وأخذ بإبعاد المناوئين له من أجهزة الدولة، ونفى الكثير من خصومه أو أرسلهم إلى مراكز الاعتقال، وسخر الصحافة لمآربه، كما عمل فيلسوف الفاشية غيوفاني غانتيله Giovanni Gentile على إصلاح النظام المدرسي والجامعي، ونظم الشباب في تشكيلات ذات صفة عسكرية لتأهيلهم رياضياً وتثقيفهم بعقيدة الحزب السياسية. وفي 11شباط 1929 تم توقيع اتفاقية لاتران Lattran التي أنهت الخلاف مع الكرسي البابوي. كما عملت إيطالية على استصلاح الأراضي الزراعية وزيادة الإنتاج (معركة القمح) واستغلت مساقط المياه وعملت على زيادة الإنتاج الصناعي وتخفيض التكاليف وشجعت النمو السكاني ووضعت حداً للهجرة الخارجية. أما على الصعيد الخارجي فقد غزت القوات الإيطالية إثيوبية (الحبشة) في 3تشرين الأول1935 ودخلت العاصمة أديس أبابا، وحصل الملك الإيطالي على لقب امبراطور إثيوبية إضافة إلى لقبه، كما قام موسوليني في 16آذار1937 بزيارة ليبية متقرباً من سكانها ومعلناً ميله وصداقته للمسلمين. وفي تشرين الثاني1937 انضمت إيطالية إلى التحالف المعادي للشيوعية والمكون من ألمانية واليابان، ثم انسحبت من عصبة الأمم، وعندما قامت الحرب الأهلية في إسبانية، ساعدت إيطالية فرانكو، وبعد أن احتلت ألمانية تشيكوسلوفاكية سارعت إيطالية إلى توقيع تحالف عسكري مع ألمانية. وفي 10حزيران1940 أعلنت إيطالية الحرب على فرنسة وبريطانية ثم على روسية وأخيراً على الولايات المتحدة الأميركية في 11كانون الأول1940. وفي السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية نجح الحلفاء في إنهاء الوجود الإيطالي في شرقي إفريقية وإريترية، وأخذت القوات الإيطالية تتراجع ثم استسلمت في 12آذار1943. وفي شهر حزيران نزلت قوات الحلفاء في جزيرة صقلية وسقطت بالرمو (بالرم). وفي 3أيلول1943 أعلنت إيطالية أنها استسلمت دون قيد أو شرط، وتم عزل موسوليني، وعين الملك المارشال بيترو بادوليو Pietro Badoglio بدلاً عنه فدخل في مفاوضات مع الحلفاء ووقع الهدنة معهم في 29أيلول1943، ولقد تمكن الألمان من إنقاذ موسوليني وطلبوا منه تأليف حكومة جديدة، في حين أعلنت حكومة بادوليو الحرب على النازيين، وتابعت جيوش الحلفاء تقدمها فاحتلت رومة في 4حزيران1944، وتجمعت الأحزاب المعارضة للفاشية في منظمة التحرير الوطني وبدأت تنظم حرب العصابات. حاول موسوليني الهرب إلى سويسرة، لكن «الأنصار» اعتقلوه ونُفذ فيه حكم الإعدام مع خليلته وخمسة عشر من قادة حزبه في 28نيسان1945. وفي 9أيار 1946 تخلى الملك فكتور عمانوئيل الثالث عن العرش وجاءت نتائج الاستفتاء في 2حزيران1946 مؤيدةً للجمهورية. إيطالية بعد الحرب العالمية الثانية خرجت إيطالية من الحرب محطمة القوى، منهارة الاقتصاد، تسودها البطالة وتعج ساحاتها بالمشردين ممن هدمت الحرب بيوتهم، وكان على حكومة مابعد الحرب التي تألفت من ممثلي الأحزاب التي قاومت الفاشية (الحزب الشيوعي، الديمقراطي المسيحي، الحزب الاشتراكي) أن تعالج هذا الوضع السيء وأن تجري انتخابات لمجلس تأسيسي. في 2حزيران1946 أسفرت الانتخابات عن فوز الحزب الديمقراطي المسيحي ونص الدستور الجديد على وجود مجلسين أحدهما للنواب والآخر للشيوخ، وأن يجتمع المجلسان لانتخاب رئيس الجمهورية ولمدة سبع سنوات. وفي انتخابات المجلس التشريعي عام 1948 فازت الكتلة المحافظة تحت شعار معاداة الشيوعية، وبمساندة الولايات المتحدة الأمريكية. وما لبثت إيطالية أن انضمت إلى حلف شمالي الأطلسي في ربيع 1949 ثم أخذت تلتفت إلى حل بعض المشكلات المعلقة، فوقعت اتفاقاً مع يوغسلافية عام 1953 بشأن الحدود بينهما وأصبحت تريستة ميناءً حراً. وتتالت إبان العقدين الأخيرين من القرن العشرين الأزمات الوزارية وبرز إلى الوجود حزب جديد هو الحزب الاشتراكي الإيطالي، كما برز تنظيم سري يساري يحمل اسم الألوية الحمراء عُدّ مسؤولاً عن التعديات على الأمن والانتهاكات للنظام والتي ذهب ضحيتها مايزيد على خمسمئة قتيل. وقد عانت إيطالية مابعد الحرب مشكلات عدم الاستقرار لشدة تنازع التيارات السياسية فيها تلك التي راوحت مابين الشيوعية والاشتراكية بأجنحتها المتعددة، والديمقراطية المسيحية والليبرالية، بالإضافة إلى الحركات المتطرفة اليمينية الملكية من جهة، والحركات الثورية اليسارية من جهة أخرى. ونظام الحكم الحاضر في إيطالية جمهوري منذ عام 1946، يعتمد على دستور عام 1948، وبرلمانها مؤلف من مجلس للنواب عدد أعضائه 630عضواً، ومجلس شيوخ عدد أعضائه 325عضواً، منهم عشرة أعضاء دائمي العضوية مدى الحياة. والانتخابات للبرلمان تجري كل خمس سنوات، وسبع سنوات لانتخاب رئيس البلاد وهو كارلو أزيغليو كيامبي Ciampi منذ عام 1999. وتقسم إيطالية إدارياً إلى 20 محافظة منها خمس محافظات تتمتع بإدارة خاصة. ومن مظاهر السياسة الإيطالية كثرة الأحزاب والمنافسات الحادة بينها في العصر الحديث ومايتبعها من قصر مدة بقاء الوزارات لتكرار حجب الثقة عنها ومن ثم استقالتها. وكذلك وجود حركة «جامعة الشمال» التي تنادي بانفصال الشمال عن إيطالية على غرار ماحصل في تشيكوسلوفاكية عام 1993، الأمر الذي لم يتحقق. عبد الرحمن بدر الدين    

اقرأ المزيد »




التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد : المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 427

آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 993
الكل : 56639187
اليوم : 4808

التأمينات العينية

التأمينات العينية   التأمينات Les Suretés بصورة عامة، هي في مختلف النظم القانونية التي تهدف إلى حماية الدائن من مخاطر عدم الوفاء بالدين وتكفل له في جميع الأحوال استيفاء حقوقه الشخصية. ومن شأن هذه النظم تعزيز الثقة في التعامل وتشجيع الأشخاص على الإقراض، مما ينعكس إيجابياً على تطور مؤسسة الائتمان التي تعد الشريان الأساسي لكل المشاريع الاقتصادية كبيرة كانت أم صغيرة.
المزيد »