logo

logo

logo

logo

logo

حماية البيئة

حمايه بييه

environmental protection - protection de l'environnement

 حماية البيئة

حماية البيئة

ماهر ملندي

 

يتضَّمن قانون حماية البيئة La protection de l’environnement مجموعة القواعد القانونية والإجراءات الهادفة إلى حماية البيئة الإنسانية مما تتعرض له من أخطار، سواء ما تعلق منها بمسألة تلوث البيئة الناجم عن النشاطات البشرية أو العوامل الطبيعية التي لا يدّ للإنسان في حدوثها، كالفيضانات والبراكين والزلازل. وهذا ما يضمن توازن البيئة وتكافلها الصحي والسليم، تحقيقاً لمبدأ التنمية المستدامة.

أولاً- مفهوم البيئة وتلوثها:

تشكل البيئة وحدة متكاملة يُطلق عليها أحياناً النظام البيئي الذي يتكون من مجموعة من العناصر الحية، كالإنسان والحيوان والنبات، ومجموعة العناصر غير الحية، كالماء والهواء وأشعة الشمس والتربة والمعادن والغازات والسوائل وغيرها. وهي تتفاعل فيما بينها وفق نظام دقيق ومتوازن، تشكّل بمجملها مقومات الحياة الأساسية وشروط استمرارها. وقد يؤدي أي خلل في طبيعة العلاقات التي تربط الكائنات الحية بعضها مع بعض ومع المحيط أو الوسط الذي تعيش فيه إلى إحداث نتائج خطرة على التوازن البيئي؛ مما يهدّد صحة هذه الكائنات وحياتها، بل استمرار الحياة الكونية.

ويُعنى علم البيئة بدراسة وتحليل العلاقات بين مكوناتها المختلفة والكائنات الحية التي تعتمد عليها لاستمرار بقائها، وذلك بهدف الحفاظ على الموارد الطبيعية للبيئة وتوازنها وحمايتها من الإضرار بها، سواء باستنفادها تعسفياً أو بتلويثها. كما يرتبط مفهوم البيئة بفروع العلوم الأخرى التي تتداخل فيما بينها، وتشكّل البيئة القاسم المشترك فيما بينها، فهنالك البيئة الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والفكرية… إلخ. ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار، ما التعريف القانوني لمفهوم البيئة ونطاقها؟

1- تعريف البيئة ونطاقها:

تتباين التعاريف القانونية للبيئة بين هؤلاء الذين يعتمدون المفهوم الضيق ويجعلونه قاصراً على مكونات البيئة الطبيعية فقط، وأولئك الذين يناصرون مفهوماً موسعاً للبيئة كونها تشمل أيضاً الأفعال الإنسانية المؤثرة فيها. ولذلك لم تستقر معظم التشريعات الوطنية والقانون الدولي حتى الآن على تعريف موحّد لمفهوم البيئة على الرغم من الاتفاق على بيان إطارها العام والأضرار التي قد تلحق بها.

بالمقابل، تضمنت بعض التشريعات الوطنية ذات الصلة بموضوع البيئة، نصوصاً متقاربة نوعاً ما حول ما يتعلق بتعريف مصطلح البيئة، إذ اتفقت بأغلبيتها على الأخذ بالمفهوم الموسع، وذلك كما فعل القانون الكويتي رقم /62/ لعام 1980م والذي نصّ على أن البيئة هي «المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات وكل ما يحيط بها من هواء وماء وتربة، وما يحتويه هذا المحيط من مواد صلبة أو سائلة أو غازات أو إشعاعات، وكذلك المنشآت الثابتة والمتحركة التي يقيمها الإنسان».

كما أشار قانون البيئة التونسي رقم /91/ لعام 1983م بأن البيئة تشمل «العالم المادي، بما فيه الأرض والهواء والبحر والمياه الجوفية والسطحية، وكذلك المساحات والمناظر الطبيعية والمواقع المتميّزة ومختلف أصناف الحيوانات والنباتات، وبصفة عامة كل ما يشمل التراث الوطني».

وقد عرّفت المادة الأولى من قانون البيئة المصري رقم /4/ لعام 1994م مفهوم البيئة على أنه «المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية وما يحتويه من مواد وما يحيط به من هواء وماء وتربة وما يقيمه الإنسان من منشآت».

أما قانون البيئة السوري رقم /50/ الصادر بتاريخ 13/7/2002م فقد عرّف البيئة في مادته الأولى بأنها «المحيط الذي تعيش فيه الأحياء من إنسان وحيوان ونبات ويشمل الماء والهواء والأرض وما يؤثر على ذلك المحيط». كما حدّد مفهوم حماية البيئة بأنه »مجموعة النظم والإجراءات التي تكفل استمرار توازن البيئة وتكاملها الإنساني وتحافظ على بيئة سليمة صالحة للاستمتاع بالحياة والاستفادة من الموارد والممتلكات على خير وجه«.

مما سبق، يتضح أن مفهوم البيئة يشمل المحيط أو المجال الذي يعيش فيه الإنسان وغيره من الكائنات الحية وما يحتويه من أسس الحياة والبقاء، كالهواء والماء والتربة، وكذلك الموارد الطبيعية التي أتاحها الله سبحانه وتعالى في أرجاء الكون من أرض وفضاء وبحار وأنهار وما تحت الأرض، يُضاف إليها أيضاً ما استحدثه الإنسان من بنية تحتية ومؤسسات أقامها لإشباع حاجاته، كالمناطق السكنية والصناعية والمنشآت التعليمية ووسائل المواصلات والاتصالات وما شابه ذلك.

2- تعريف التلوث ومصادره:

يمثّل التلوث البيئي إحدى أهم المشكلات المعاصرة لما له من آثار ضارة في صحة الكائنات الحية وحياتها وما يحتويه من نتائج سلبية على عملية التنمية والاستثمارات، سواء لدى الدول النامية أم المتقدمة. مع العلم أنه ليس كل إضرار بالبيئة هو بالضرورة تلويث لها. فالعوامل الطبيعية، كالفيضانات والبراكين والزلازل لا تشكّل تلويثاً للبيئة بالمعنى الدقيق للكلمة على الرغم من إضرارها بدرجات متفاوتة بالتوازن البيئي.

وقد عرّف قانون البيئة المصري رقم /4/ لعام 1994م التلوث بأنه يشمل «أي تغيير في خواص البيئة مما يؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالكائنات الحية أو بالمنشآت أو قد يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية».

وهذا ما أخذ به أيضاً قانون البيئة السوري رقم /50/ لعام 2002م ولكن بصيغة مختلفة، عندما نصّ في مادته الأولى أن تلوث البيئة هو «تغير كمي أو كيفي بفعل الملوثات في الصفات الفيزيائية أو الكيميائية أو الحيوية لعنصر أو أكثر من عناصر البيئة وينتج عنها أضرار تهدّد صحة الإنسان أو حياته والأحياء أو صحة وسلامة الموارد الطبيعية».

وبوجه عام، يمكن تعريف التلوث بأنه ناتج من تدخلات الإنسان العفوية أو المتعمدة، وبصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك بإضافة ملوثات غريبة إلى الغلاف الجوي أو البحار والأنهار أو إلى اليابسة أو ما تحت الأرض، مما قد يؤدي إلى التأثير في الوسط البيئي ونوعية موارده ويضر باستخدام هذه الموارد وبحيويتها وخواصها، ويعرّض الكائنات الحية للخطر في صحتها وبقائها.

وتتنوع مصادر التلوث أو ما يسمى بالملوثات البيئية بحسب منشئها وطبيعة تأثيرها وأهمية الأخطار الناجمة عنها، وأهمها:

1- الملوثات الطبيعية، كالرواسب المعدنية والفضلات العضوية الناجمة عن تعفن النباتات والمواد الذائبة التي تحملها مياه الأمطار في أثناء سقوطها فوق التربة والصخور والأمطار الحمضية وارتفاع نسبة ملوحة المياه وانتشار الغازات السامة بفعل العوامل الطبيعية.

2- الملوثات غير الطبيعية، الناجمة عن فعل الإنسان جرّاء استخدامه للأجهزة والتقنيات ووسائل النقل والاتصالات الحديثة، كالمخلفات الصناعية والنفايات الناتجة من استهلاك الطاقة والوقود والإشعاعات النووية والمبيدات الحشرية والعضوية.

3- الملوثات البيولوجية، كالڤيروسات والبكتيريا والجراثيم وحبوب اللقاح.

4- الملوثات الكيميائية، كالغازات والدخان المنبعث من السيارات والمصانع والأفران وعوادمها واستخدام المبيدات بجميع أنواعها المختلفة، وخاصة في المناطق الزراعية.

5- الملوثات الفيزيائية، كالتلوث الإشعاعي الناجم عن التجارب النووية والتلوث الضوضائي الذي ينجم عن عوامل الضجيج والتذبذبات الإلكترونية والميكانيكية، مما يؤثر في صحة القلب والسمع والحالة النفسية، ويحدّ من قدرة الإنسان على التركيز والإنتاج بفعالية. كما تؤثر الإشعاعات المختلفة في الخلايا الحية في جسم الإنسان وفي صفاته الوراثية.

أما أسباب التلوث البيئي فهي عديدة، فهنالك الأسباب التقنية الناجمة عن استخدام المبيدات والأشعة ووسائل التقنية الحديثة في الزراعة والصناعة والمواصلات، إضافة إلى الأسباب الاقتصادية، إذ تعجز بعض الدول عن توفير التكاليف الباهظة للتخلص من بعض الرواسب والمخلفات الصناعية والزراعية. وهنالك أخيراً الأسباب الاجتماعية المتعلقة خصوصاً بأساليب التربية وبذل المزيد من الجهد ونشر الوعي للتخلص من النفايات الناجمة عن الاستخدامات البشرية وعدم رمي القمامة والفضلات على الأرض أو في المياه.

ويتعرَّض الإنسان وغيره من الكائنات الحية لأخطار التلوث، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كاستنشاق هواء أو دخان أو غازات أو أبخرة ملوثة أو سامة أو التعرض لإشعاعات ذرية أو تناول مياه ملوثة أو استخدام هذه المياه لري النباتات ومعالجة التربة أو نتيجة لتسرب مياه المجاري والصرف الصحي إلى مصادر مياه الشرب وتلويثها، وهذا ما ينتج منه أحياناً أمراضٌ خطيرة بل مميتة، كالكوليرا والجدري والتيفوئيد. وتضاف إلى ذلك الآثار الضارة لاستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية وتناول أغذية ملوثة… إلخ.

ثانياً- الحمايـة الدولية للبيئــة:

لا يزال القانون الدولي البيئي في مرحلة التكوين والتطور وهو يبحث باستمرار عن حلول مناسبة للمشكلات الخطرة التي تعانيها البيئة. ولكن تبقى آلياته المقترحة قاصرة لغاية الآن عن إيجاد السبل الملائمة من أجل وضعها في التنفيذ. وتتجلى أهم عقبة أمام تطوره الفعال في إصرار الدول المستمر على التمسك بالمفهوم التقليدي للسيادة وغياب التنظيم والتنسيق الدوليين بهذا الصدد. كما يحاول هذا الفرع المتخصص والمتجدد، ضمن إطار القانون الدولي العام، التوفيق بين ضرورتين متقابلتين وهما: حق الدول في ممارسة سيادتها عبر متابعة نشاطاتها وفعاليتها على أرضها الوطنية، وحق المجتمع الدولي في العيش في بيئة سليمة وصحية، خالية قدر الإمكان من التلوث والعوامل الأخرى الضارة بالبيئة.

هذا جلّ ما تسعى إليه الهيئات والمؤتمرات الدولية التي انعقدت مراراً وتكراراً لبحث موضوع حماية البيئة والتخفيف من آثارها الضارة في برامج التنمية. كما لا يزال الجدل قائماً حول التزام هذه الدولة أو تلك بالاتفاقيات التي تمّّ التوصل إليها بهذا الشأن، والتي تعيِّن قواعد عامة أو تفصيلية لحماية البيئة الإنسانية، أو ما يتعلق منها بحماية البيئة الجوية أو البحرية أو النهرية.

1- حماية البيئة الإنسانية:

اهتم المجتمع الدولي بموضوع حماية البيئة في وقت متأخر نسبياً، بعدما تفاقمت المشكلات الناجمة عن الملوثات والتقلبات المناخية، وأدرك مخاطر ما تمّ اقترافه بحق البيئة الإنسانية. ولذلك يلاحظ بأنه لا يوجد لغاية الآن اتفاقية دولية عامة حول حماية البيئة، بل ثمة هنا وهنالك بعض النصوص المتفرقة التي تعالج هذه المسألة ضمن نطاق مكاني محدد، كما هو وارد في اتفاقية جامايكا لعام 1982م حول قانون البحار، واتفاقية ڤيينا لعام 1985م حول حماية طبقة الأوزون في الجو، واتفاقية نيويورك لعام 1997م حول القانون المتعلق باستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. وهناك أيضاً بعض الاتفاقيات التي تتناول موضوع حماية البيئة ضمن إطار نزع التسلح وقانون النزاعات المسلحة، منها على سبيل المثال:

1- اتفاقيات باريس لعام 1960م وڤيينا لعام 1963م وبروكسل لعام 1971م والتي تتعلق بالمسؤولية عن الأضرار الناجمة عن النشاطات النووية وإشعاعاتها الضارة بالبيئة. إذ عدَّت هذه الاتفاقيات أن مسؤولية الدول مطلقة عن هذه الأضرار كافة، ولا يمكن التحلل منها إلا في حال إثبات أن الحادث النووي قد وقع نتيجة نزاع مسلح أو حرب أو كوارث طبيعية طارئة أو نتيجة إهمال جسيم أو تقصير أو بفعل صادر عن المتضرر.

2- اتفاقية عام 1976م حول استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية، إذ تعهدت الدول الأطراف بعدم استخدام تقنيات التغيير في البيئة ذات الآثار الواسعة الانتشار أو الطويلة البقاء أو الشديدة وسيلةً لإلحاق الدمار أو الخسائر أو الإضرار بأي دولة طرف أخرى لأغراض عسكرية.

كما رعت هيئة الأمم المتحدة ثلاثة مؤتمرات دولية حول البيئة والتنمية، انعقدت على التوالي في استوكهولم عام 1972م وريودي جانيرو عام 1992م ونيويورك عام 1997م، وتمخّضت عن عددٍ من المبادىء والتوصيات التي شكّلت فيما بعد الأساس القانوني الذي انطلقت منه جميع القوانين والتدابير والدراسات والبحوث الأخرى حول موضوع حماية البيئة الإنسانية. ويمكن إجمال أهم هذه المبادىء والتوصيات بالآتي:

1- حق الأفراد والشعوب في العيش في بيئة ملائمة صحياً وغير ملوثة.

2- موارد البيئة الطبيعية التي تتجاوز حدود الولاية الوطنية للدول هي تراث مشترك للإنسانية جمعاء، تمارس فيها الحقوق على قدم المساواة ولا يجوز لأي دولة أو جماعة ادعاء السيادة أو الملكية عليها، ويشمل ذلك الفضاء الخارجي والكواكب والأجرام السماوية وقاع البحار والمناطق القطبية.

3- حق سيادي للدول في استغلال مصادرها الطبيعية حسب سياستها الخاصة بصدد حماية البيئة، بشرط الالتزام بأن لا تؤدي هذه النشاطات التي تتجاوز آثارها حدود ولايتها الوطنية إلى إضرار في البيئة لدى دول أخرى أو في مناطق لا تخضع لولاية أي دولة.

4- الانتفاع المتعقّل والمنصف بالموارد الطبيعية للبيئة وعدم استنفادها بصورة تعسفية لكي تستفيد منها الأجيال الحاضرة والمستقبلية  كافة.

5- تتحمل الدول ورعاياها المسؤولية الجنائية والمدنية عن جميع النشاطات الضارة بالبيئة وتلويثها.

6- إرساء التعاون الدولي لحماية البيئة الإنسانية من التلوث وما يهددها من أخطار أخرى.

7- إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بهدف القيام بدراسات وبحوث وتنسيق الجهود لحماية البيئة على المستوى العالمي. وكذلك توفير شبكة رصد لتوفير المعلومات وتقديم الاستشارات العلمية حول المواد السامة والخطرة على صحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى.

8- إقرار خطة عمل شاملة للقرن الحادي والعشرين يتوجب وضعها في التنفيذ من قبل جميع الدول والهيئات الدولية فيما يتعلق بجميع المجالات التي يؤثر فيها الإنسان في البيئة على نحو ضار، وعدم استنفاد الموارد الطبيعية على نحو غير رشيد وعقلاني، تحقيقاً لمبدأ التنمية المستدامة.

2- حماية البيئة الجويــة:

تشمل البيئة الجوية ذاك الغلاف الذي يحيط بالأرض وما يحتويه من هواء وغازات وغيرها من العوامل الأخرى التي تسهم بدور حيوي في حفظ درجة حرارة الأرض والجاذبية وتزويد الكائنات الحية بالهواء اللازم لتنفسها وبمياه الأمطار الضرورية لاستمرار حياتها. ويتألف الغلاف الجوي من عدة طبقات متدرجة، تبدأ من طبقة الجو السفلى التي تحدث فيها التقلبات المناخية من رياح وسحب وعواصف وأمطار، وتليها الطبقة الجوية العلوية التي تحتوي على غاز الأوزون الممتص للأشعة فوق البنفسجية مما يسهم في تنقية أشعة الشمس والحفاظ على درجة حرارة الأرض، ثم تأتي طبقات الجو الوسطى والخارجية، حيث تنخفض فيها مستويات الضغط الجوي وكثافة الهواء والأكسجين، وترتفع بالمقابل درجات الحرارة بشدة، وذلك حتى بلوغ طبقة الفضاء الخارجي التي ينعدم فيها الهواء والغازات والجاذبية اللازمة لاستمرار الحياة، كما تتأرجح فيها الأجرام السماوية، كالنجوم والشهب والنيازك والمذنبات ومجموعة الكواكب الشمسية.

وهنا يجدر التذكير بما ورد في اتفاقية شيكاغو لعام 1944م حول الطيران المدني وما استقرت عليه الأعراف الدولية، حول خضوع الغلاف الجوي الذي يعلو إقليم الدولة وتحلِّق فيه المركبات برد فعل الهواء، للسيادة الوطنية. في حين يُعد الفضاء الخارجي وما يحتويه من أجرام وكواكب سماوية تراثاً مشتركاً للإنسانية لا يجوز تملكه بوضع اليد أو ادعاء السيادة عليه، كما أشارت إلى ذلك اتفاقية عام 1967م حول الفضاء الخارجي والقرارات الدولية ذات الشأن.

من ناحيته، لم يتوانَ القانون الدولي البيئي عن التطرق إلى موضوع حماية الوسط الجوي والفضاء الخارجي من التقلبات الطبيعية والمناخية التي غالباً ما تُحدث آثارها الضارة بفعل نشاطات الإنسان المختلفة، وخاصة مع تطور وسائل التقنية والاتصالات والمواصلات الحديثة. وقد تجلّت أولى المحاولات الجادة بهذا الصدد في ما أجمع عليه العلماء من وجود ثقب في طبقة الأوزون التي تشكّل إحدى الطبقات الهشة للغلاف الجوي، وهي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية. وهذا ما من شأنه إحداث أضرار بالغة الخطورة على الحياة الإنسانية، مما حفّز المجتمع الدولي للتحرك من أجل إيجاد السبل القانونية الكفيلة بحماية هذه الطبقة من الملوثات المضرة بها. لذلك فقد تمّ التوصل إلى عقد اتفاقية ڤيينا لعام 1985م حول حماية طبقة الأوزون وارتفاع درجة حرارة الأرض، وذلك برعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومساعدة مجموعة من الخبراء الفنيين والمختصين في هذا المجال. وقد التزمت الدول بموجب هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير الملائمة لحماية البيئة والصحة الإنسانية من الآثار الضارة التي تنشأ من الأنشطة البشرية المؤثرة في التوازن الطبيعي لطبقة الأوزون وخواصها الفيزيائية. كما تتعاون الدول المعنية فيما بينها في جميع المجالات القانونية والعلمية والتقنية لرصد هذه الظاهرة وإجراء البحوث اللازمة لتقييم مدى خطورة ارتفاع درجة حرارة الأرض الناجمة عن الإضرار بطبقة الأوزون. وكذلك وضع القوانين والتشريعات والأنظمة الوطنية اللازمة لتفادي خطر استخدام المواد المضرّة بهذه الطبقة.

وهنا تجدر الإشارة إلى ما أوصى به مؤتمر الأمم المتحدة لعام 1992م حول البيئة والتنمية، وذلك بضرورة إنشاء هيئة دولية ضمن إطار منظمة الأمم المتحدة لحماية طبقة الأوزون ومنع تآكلها لما لهذه الطبقة من أهمية حيوية في الحفاظ على الحياة في كوكب الأرض. وقد تمّ التوصل في أثناء انعقاد هذا المؤتمر إلى إبرام اتفاقية دولية حول التغيرات المناخية وآثارها في البيئة الإنسانية. إذ التزمت الدول الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير اللازمة لحماية نظام المناخ الكوني لمصلحة الأجيال الحاضرة والمستقبلية وفق مبادىء العدالة والقدرات الذاتية للدول، مع مراعاة الحاجات الخاصة للدول النامية والتأثيرات المناخية فيها. كما يتوجب على الدول اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية والملائمة للسيطرة على عواقب التغيرات المناخية واحتواء آثارها والإقلال قدر الإمكان من أضرارها، مما يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة لمصلحة الشعوب والأمم كافة. وفي عام 1995م تمّ عقد بروتوكول برلين والذي يؤكد ضرورة الالتزام بإجراء مفاوضات دولية لتخفيض مستوى انبعاث الغازات الضارّة ووقف ارتفاع درجات الحرارة في مرحلة ما بعد عام 2000م.

للإشارة أيضاً، فقد توصلت القوى النووية الكبرى في العالم إلى عقد اتفاقية موسكو لعام 1963 حول حظر إجراء التجارب النووية في الجو والفضاء الخارجي وتحت المياه. وذلك بعدما تبين خطورة تلوث البيئة الجوية بالإشعاعات النووية الناجمة عن هذه التجارب، والتي تُعد من أخطر أنواع التلوث البيئي، وخاصة بعد تكرار حوادث احتراق المفاعلات النووية ومحطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود النووي وتسرب المواد الإشعاعية منها، كما حدث فيما بعد في مفاعل تشرنوبل في أوكرانيا عام 1986م، الذي حصد الآلاف من الضحايا، وأدى إلى حصول كوارث بيئية خطرة في جميع أرجاء المعمورة.

3- حماية البيئة البحريــة:

تشمل البيئة البحرية المسطحات المائية المالحة من بحار ومحيطات والتي تغطي ما يقارب ثلثي مساحة الكرة الأرضية. وتسهم الدورة المائية عبر تبخر المياه وتساقطها ثلوجاً وأمطاراً في تجديد المخزون المائي  وتنقية المياه لجعلها صالحة للاستهلاك. وتقوم أمواج البحر بقذف المخلفات والرواسب الملوثة إلى الشواطىء لتخليص المياه مما يكون عالقاً فيها. كما تحوي البيئة البحرية على كميات هائلة ومتباينة الأنواع من الكائنات الحية، الحيوانية والنباتية، والثروات المعدنية والبترولية والغازية. ولهذه البيئة أهميتها في تحقيق التوازن المناخي عبر امتصاصها لكميات كبيرة من حرارة الأرض وغاز ثاني أكسيد الكربون من الجو. ولها كذلك أهميتها الاقتصادية البالغة لكونها تشكّل مصدراً أساسياً للغذاء وللموارد الحية وغير الحية وطرقاً رئيسية للملاحة والمواصلات والتبادل التجاري الدولي.

وقد ميّزت اتفاقيات جنيڤ لعام 1958م واتفاقية جامايكا لعام 1982م حول قانون البحار، بين منطقة أعالي البحار التي لا تخضع لملكية أحد، وقاع البحار الذي يعدُّ تراثاً مشتركاً للإنسانية، وبين المناطق البحرية الأخرى الخاضعة للولاية الوطنية، كالمياه الداخلية والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمتاخمة والجرف القاري، والتي تتمتع فيها الدولة الساحلية باختصاصات والتزامات محددة، تتمثّل خصوصاً بالحفاظ على البيئة البحرية والامتناع عن ممارسة الأنشطة الملوثة والمخلة بالتوازن البيئي، والتعاون الدولي في مجال حماية البيئة البحرية.

وقد بلغت ظاهرة التلوث البحري حداً من الخطورة بحيث أصبحت محط أنظار واهتمامات الهيئات الدولية والحكومية كافة. وقد عرّفت المادة الأولى من اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار، مفهوم التلوث البيئي بأنه يعني «إدخال الإنسان في البيئة البحرية، بما في ذلك مصاب الأنهار، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مواد أو طاقة تنجم عنها أو يُحتمل أن ينجم عنها آثار مؤذية، مثل الإضرار بالموارد الحية والحياة البحرية وتعريض الصحة البشرية للأخطار وإعاقة الأنشطة البحرية، بما في ذلك صيد الأسماك وغيره من أوجه الاستخدام المشروعة للبحار، والحط من نوعية وقابلية مياه البحر للاستعمال والإقلال من الترويح». كما حدّدت المادة الخامسة من الاتفاقية، معنى تلويث البحار بالإغراق على أنه «أي إغراق متعمد في البحر للسفن أو الطائرات أو الأرصفة أو غير ذلك من التركيبات الاصطناعية أو أي تصريف متعمد للفضلات أو المواد الأخرى الناجمة عن هذه المركبات والأرصفة والتركيبات الاصطناعية. ولا يشمل ذلك الفضلات والمواد الأخرى الذي يصاحب التشغيل الاعتيادي لها».

يلاحظ إذاً أن التلوث البحري ينجم فقط عن النشاط البشري، ولا يشمل ما تسببه الكوارث الطبيعية من أضرار أخرى بالبيئة البحرية. ويحدث التلوث عادة في المناطق البحرية الخاضعة للولاية الوطنية أو في أعالي البحار وقيعانها، ثم تنتقل آثاره إلى المناطق الخاضعة لسلطان دولة أخرى. وتتعدد مصادر وأسباب التلوث البحري، كإلقاء الفضلات والنفايات الصناعية والمنزلية والزراعية في مياه البحار وقيعانها أو حتى في الأنهار التي تستجرها في نهاية المطاف إلى البحار، وكذلك مما يتسرب من مصافي تكرير النفط المقامة على السواحل أو تصريف النفايات المشعة والكيميائية والبيولوجية في الوسط البحري. وهنالك أيضاً ما يتسرب من السفن والبواخر الناقلة للنفط ومن الآبار النفطية المتواجدة في قاع البحار والتي تؤثر تأثيراً خطراً في التركيبة النوعية والكمية لمياه البحار ومواردها وكائناتها وتخلُّ بخصائص التوازن البيئي البحري وتفسد المعالم السياحية. يضاف إلى ذلك أيضاً ما ينتج من إنشاء الجزر الاصطناعية والمنصَّات البحرية ومستوعبات التخزين في الموانئ ومن خطوط الأنابيب والكابلات الناقلة للنفط والغاز، وغيرها من النشاطات الأخرى الملوثة للبحار والمحيطات.

وفي عام 1972م أصدر مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية عدداً من التوصيات التي تتضمن الإعلان عن بعض المبادئ المتعلقة بمسألة حماية البيئة البحرية. إذ نص المبدأ السابع من الإعلان الصادر عن المؤتمر على أنه «يجب على الدول أن تتخذ كافة الإجراءات الممكنة لمنع تلوث البحار بمواد يمكنها أن تهدد الصحة الإنسانية بالخطر أو تضر بالثروات البيولوجية أو بحياة الأنظمة البحرية أو بالاعتداء على الأنظمة الطبيعية للمياه أو تضر بالاستعمالات الأخرى المشروعة للبحار». كما دعا المؤتمر في توصياته (86 إلى 93) جميع الحكومات إلى التعاون مع الأجهزة التابعة لهيئة الأمم المتحدة والمتخصصة في مكافحة مصادر التلوث البحري واحترام تعليمات هذه الأجهزة من قبل جميع السفن، وذلك فيما يتعلق بالتخلص من المخلفات الضارة في البحار، وخاصة تلك الناتجة من النشاط الإشعاعي، وتشجيع الجهود الوطنية في مجال البحث العلمي المتعلق بتلويث البحار.

وباستثناء ما ورد في اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار، التي وضعت قواعد عامة بهذا الصدد، فقد تمّ التوصل إلى عقد عددٍ من الاتفاقيات الدولية لمواجهة بعض المشكلات الأساسية الناجمة عن تلوث البحار، وأهمهــا:

أ - اتفاقية جنيڤ الرابعة لعام 1958م حول أعالي البحار، والتي تنص على أن تضع كل دولة أنظمة ملائمة لمنع تلوث البحار نتيجة تصريف النفط من السفن أو خطوط الأنابيب أو نتيجة لاستغلال واستكشاف قاع البحار وباطن أرضها.

ب - اتفاقيات لندن لعام 1954م وبروكسل لعام 1969 و1971م حول مكافحة تلوث البحار بالنفط المتسرب من السفن والمسؤولية عن الأضرار الناجمة عنها.

ج - اتفاقية أوسلو لعام 1972م حول خطر التلوث البحري الناجم عن عمليات الإغراق التي تقوم بها السفن والطائرات.

د - اتفاقية لندن لعام 1972م حول حظر تلوث البحار الناتج من إغراق المخلّفات.

هـ - معاهدة لندن لعام 1973م حول منع جميع أشكال تلوث البيئة البحرية الناتج من السفن.

كما قامت بعض الدول بإبرام اتفاقيات ذات طابع إقليمي لمواجهة الأخطار الناجمة عن بعض المشكلات البيئية، ومنها على سبيل المثال:

1- اتفاق بون لعام 1969م بصدد التعاون لمكافحة تلوث بحر الشمال بالنفط.

2- اتفاق هلسنكي لعام 1974م حول حماية البيئة البحرية لحوض البلطيق.

3- اتفاقية برشلونة لعام 1976م حول حماية حوض البحر الأبيض المتوسط من التلوث.

4- اتفاقية الكويت لعام 1978م حول حماية البيئة البحرية في منطقة الخليج العربي.

5- اتفاقية جدة لعام 1982م حول الحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن.

6- بروتوكول كيوتو لعام 1983م حول حماية جنوبي المحيط الهادئ من التلوث البحري.

7- اتفاقية كولومبيا لعام 1983م حول حماية البيئة البحرية لمنطقة الكاريبي.

وتجسّد اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار، الإطار القانوني الدولي العام لحماية البيئة البحرية. إذ خصصت العديد من موادها المتفرقة وكذلك جزئها الثاني عشر (المواد 192 إلى 237) لهذا الموضوع. وقد حدّدت المادة /192/ من الاتفاقية التزاماً عاماً على الدول بضرورة حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها. علماً أن التعامل الدولي قد استقرّ على عدّ هذا الالتزام ذا طبيعة عرفية ملزمة بمواجهة جميع الدول سواء كانت أطرافاً في الاتفاقية المذكورة أم لا. وهو يتضمن واجب الامتناع عن كل ما من شأنه تلويث البحار وباتخاذ كافة التدابير والإجراءات المناسبة لتجنيب البيئة البحرية مخاطر التلوث وتخفيضه والسيطرة عليه.

وبموجب اتفاقية عام 1982م الآنفة الذكر، تلتزم الدول منفردة أو مشتركة حسب الاقتضاء، باتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي:

1- حفظ وإدارة الموارد الحية للبيئة البحرية، بما في ذلك تحديد كميات الصيد المسموح بها، وتبادل المعلومات الضرورية بهذا الشأن.

2- منع تلويث البيئة البحرية وخفضه والسيطرة عليه أيّاً كان مصدره، وذلك باستخدام أفضل الوسائل العلمية المتاحة والمتفقة مع مقدَّرات الدول المعنية.

3- عدم إلحاق الضرر بالبيئة البحرية جرّاء أنشطة الدولة في المناطق الخاضعة لولايتها أو رقابتها، والسعي لمنع انتشاره خارج المناطق التي لا تمارس الدولة فيها حقوقاً سيادية.

4- المنع أو الإقلال إلى أقصى قدر ممكن من إطلاق المواد السامة أو الضارة أو المؤذية القادمة من البر أو الجو أو عن طريق الإغراق في البحر.

5- الامتثال للأنظمة والإجراءات والممارسات الدولية المقبولة عموماً لمنع أو الإقلال من التلوث الذي تسببه السفن وتجنب الحوادث أو التصريف المتعمد وغير المتعمد للملوثات ومواجهة حالات الطوارىء البيئية.

6- مراقبة تنظيم وتصميم السفن وتجهيزها وتشغيلها وتكوين طاقمها، بما يضمن حماية البيئة البحرية.

7- الإقلال أو منع التلوث من خطوط الأنابيب والأجهزة والمنشآت الأخرى المستخدمة في استكشاف أو استغلال الموارد الطبيعية للمناطق البحرية المختلفة.

8- حماية النظم البيئية والكائنات والموارد المهددة بالاستنفاد أو بخطر الزوال وغيرها من أشكال الحياة البحرية والحفاظ عليها.

9- منع وخفض تلوث البيئة البحرية باستخدام التكنولوجيا أو أنواع غريبة أو جديدة قصداً أو من دون قصد، مما قد يسبّب تغييرات كبيرة وضارة بالبيئة.

10- تعاون الدول فيما بينها عالمياً وإقليمياً، مباشرة أو عن طريق المنظمات الدولية المختصة لصياغة ووضع قواعد ومعايير دولية لحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها، مع مراعاة الخصائص الإقليمية للقضاء على آثار التلوث وأضراره.

11- الإخطار الفوري للدول الأخرى والمنظمات الدولية المختصة من قبل الدولة التي تعلم بحدوث حالات خطر تلوث داهم على البيئة البحرية وانتشاره.

12- تعاون الدول للقيام بدراسات وبرامج البحث العلمي وتبادل المعلومات والبيانات المكتسبة عن تلوث البيئة البحرية، والسعي إلى المشاركة النشطة في البرامج الإقليمية والعالمية لاكتساب المعرفة اللازمة لتقييم طبيعة التلوث ومداه وأخطاره ووسائل علاجه.

13- تشجيع برامج المساعدة العلمية والتعليمية والتقنية من أجل حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها ومنع التلوث والسيطرة عليه، وتقديم المشورة والمساعدة المناسبة للدول النامية في هذا الشأن، وفق مبدأ المعاملة التفضيلية.

14- ملاحظة مخاطر تلوث البيئة البحرية وتقييمها وقياسها وتحليلها أو ملاحظة آثارها بواسطة الطرق العلمية المعترف به وعلى نحو يتماشى مع حقوق الدول. وكذلك إعداد تقارير بما يتم الحصول عليه من نتائج وتقديمها للمنظمات الدولية المختصة على فترات مناسبة.

15- اعتماد قوانين وأنظمة لمنع تلوث البيئة البحرية من مصادر برية أو جوية أو بواسطة أنشطة تخص قاع  البحار أو عن طريق الإغراق ومصاب الأنهار وخطوط الأنابيب ومخارج التصريف، بما يؤدي إلى خفض التلوث والسيطرة عليه، والمواءمة بين السياسات الوطنية بهذا الصدد، مع مراعاة ما اتفق عليه دولياً من قواعد ومعايير وممارسات وإجراءات موصى بها.

16- تضمن الدول امتثال السفن الرافعة لعلمها أو المسجلة لديها للقواعد والمعايير الدولية والأنظمة الوطنية المتوافقة مع القانون الدولي لمنع تلوث البيئة البحرية وخفضه والسيطرة عليه، وتكون العقوبات مشددة بهذا الشأن.

17- يجوز للدولة التي تتوافر لديها أسباب واضحة للاعتقاد بأن سفينة مبحرة في مياهها الإقليمية أو الداخلية، قد انتهكت قوانينها وأنظمتها المعتمدة بصدد منع التلوث من السفن، أن تقوم بتفتيش السفينة وحجزها وملاحقتها قضائياً. أما إذا حصل الانتهاك في المنطقة الاقتصادية الخالصة فيحق حينئذٍ للدولة الساحلية طلب معلومات عن هوية السفينة وميناء تسجيلها وزيارتها الأخيرة والتالية، وذلك تمهيداً لإقرار ما إذا كان الانتهاك قد وقع. وإذا ما رفضت السفينة تقديم المعلومات أو قدمتها بصورة مختلفة عن الحالة الواقعة والظاهرة، يجوز حينها للدولة الساحلية إجراء التفتيش أصولاً من قبل الموظفين الرسميين أو الطائرات والسفن العامة والحربية المخولة بذلك.

18- تتحمل الدولة مسؤولية الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها وفقاً للقانون الدولي. وتلتزم بإتاحة الرجوع إلى القضاء من أجل الحصول على تعويضٍ كافٍ أو أي ترضية أخرى فيما يتعلق بالضرر الناتج من تلوث البيئة البحرية الذي يسبّبه الأشخاص الطبيعيون والاعتباريون الخاضعون لولايتها. كما تتعاون الدول من أجل تقييم الأضرار والتعويض عنها وتسوية المنازعات المتعلقة بها.

4- حماية البيئة النهريـة:

تشكل المجاري المائية الدولية من أنهار وبحيرات وأحواض جوفية وحدة بيئية متميّزة تتعايش فيها بتأثير متبادل مجموعة متنوعة من الكائنات الحيوانية والنباتية والثروات المعدنية والغازية والسائلة التي تتغذى من مياه النهر وتستقر في قاعه وفق مواصفات ودرجة حرارة محددة وبانتظام معين لجريان المياه. وتعود مسألة تلويث مصادر المياه العذبة بجذورها التاريخية إلى بدايات الحياة الإنسانية عندما كانت الأنهار تستخدم مكباً للنفايات وفضلات الإنسان، يضاف إليها في الأيام الحالية الملوثات الكيميائية والمخلفات الصناعية وتسرب مياه البحر والصرف الصحي إلى قيعان الأنهار والأحواض الجوفية وظواهر الجفاف والتصحر وشحّ المياه أو الإسراف في استخدامها وحدوث الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى. كما ينتج التلوث من المؤثرات المشعّة الناتجة من المفاعلات النووية التي تقام غالباً على ضفاف الأنهار لتغذيتها بكميات كبيرة من المياه من أجل تبريد أجهزتها، وكذلك الإشعاعات الناتجة من التجارب النووية والتلوث الحراري الناجم عن محطات توليد الطاقة والمصانع ومصافي تكرير النفط، والتي ترمي رواسبها ومياهها الساخنة في مجاري المياه، وتؤدي إلى تغيير درجة حرارتها، وهذا ما يؤثر حتماً في الكائنات الحية والموارد الطبيعية للبيئة النهرية، ومن ثم في صحة الإنسان الذي ينهل مما أنعمه الله سبحانه وتعالى عليه من مياه عذبة.

ولهذا يهتم القانون الدولي البيئي بحماية وصون المجاري المائية الدولية. إذ إن أي تلوث للمياه يقع في جزء ما من المجرى المائي أو أي إضرار بكمية ونوعية المياه، يؤثر حتماً في خواصها الطبيعية، وتتعدى آثاره بحكم العوامل الطبيعية، الحدود الجغرافية للدولة الواحدة، إلى الأجزاء المتبقية للمجرى المائي الذي يعبر أو يجاور الدول المتشاطئة الأخرى. الأمر الذي بإمكانه أن يسبّب ضرراً لحقوق ومصالح هذه الدول أو بعضها.

وقد لا تظهر التأثيرات والأضرار إلاّ بعد مرور فترة زمنية معينة، قد تطول أو تقصر. فأعمال الري قد ترفع من ملوحة المياه، ويؤدي استخدام المياه الملوثة لري المحاصيل الزراعية إلى تلوث هذه المحاصيل التي يتناولها الإنسان فيما بعد؛ فتسبّب له أمراضاً خطرة، بل مميتة. كما أن استخدام كميات كبيرة من المياه لتوليد الطاقة الكهربائية، قد يحرم المجرى المائي من مصادره المائية الضرورية لاستمرار جريانه الطبيعي واستمرار الحياة فيه. يضاف إلى ذلك تحويل مجرى المياه وتغيير بيئته الطبيعية أو حجز المياه بصورة مفاجئة لدى دولة المصب، مما قد يُحدث فيضانات في أراضي دولة المنبع أو المرور، وذلك نظراً لعدم قدرة هذه المياه على إيجاد تصريف مناسب لها للتخفيف من طاقة جريانها. وقد دأبت بعض الدول على استخدام المجاري المائية الدولية مصباً لتخزين نفاياتها وملوثاتها الصناعية والكيميائية والإشعاعية، يضاف إليها أيضاً رواسب السفن العابرة للمجاري المائية الصالحة للملاحة. بتعبير آخر، يتميَّز عادة المجرى المائي الدولي بتوازنه البيئي بين جريان مياهه وحوضه وخواصه وما يحتويه من كائنات حيّة وثروات طبيعية. وقد يؤدي أي تبديل في إحدى هذه العناصر إلى اختلال النظام البيئي للمجرى وإحداث أضرار جسيمة في الطبيعة والحياة والصحة وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المجرى وشعوبها.

ويتضمن القانون الدولي البيئي عدداً لا بأس به من نصوص الاتفاقيات الدولية التي تتطرق بعض بنودها أو كلها لمسألة حماية البيئة النهرية لهذا المجرى المائي الدولي أو ذاك، منها على سبيل المثال:

- اتفاقية بوخارست لعام 1958م حول حماية نهر الدانوب من التلوث.

- بروتوكول باريس لعام 1961م المتعلق باللجنة الدولية لحماية نهر الموزل من التلوث.

- اتفاقية بون لعام 1963م حول اللجنة الدولية لحماية نهر الراين من التلوث.

- اتفاقية عام 1964م حول حماية وتنمية حوض نهر تشاد.

- اتفاقية نواكشوط لعام 1972م حول منظمة تنمية نهر السنغال.

- اتفاقية بون لعام 1976م حول حماية نهر الراين من التلوث الكيميائي.

وقد وضعت هذه الاتفاقيات الدولية قواعد عامة تواترت الدول على الالتزام بها ضمن إطار حماية البيئة النهرية، التي تمّ التطرق إليها بالتفصيل في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997م حول القانون المتعلق باستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. إذ عرّفت المادة الثانية من هذه الاتفاقية المجرى المائي الدولي على أنه شبكة المياه السطحية والجوفية والتي تشكّل بحكم علاقاتها الطبيعية كلاً واحداً وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة. أي عدّت الاتفاقية أن المجرى المائي الدولي يمثّل وحدة بيئية طبيعية متميّزة بحد ذاتها. وعرّفت المادة /21/ من اتفاقية عام 1997م مفهوم تلوث المجرى المائي الدولي بأنه يشمل أي تغيير ضار في تركيب مياه المجرى أو في نوعيتها وينتج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من سلوك بشري. وفيما يلي أهم ما تضمنته اتفاقية عام 1997م من مبادىء تتعلَّق بحماية البيئة في المجرى المائي الدولي:

1- يتوجب الانتفاع من المجرى المائي الدولي بصورة معقولة ومنصفة، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الظروف ذات الصلة، كالعوامل الجغرافية والهيدروغرافية والهيدرولوجية والمناخية والبيئية، وبما يضمن حفظ الموارد المائية للمجرى وحمايتها وتنميتها وعدم الإسراف في استخدامها (المادتان 5 و 6).

2- تلتزم الدول بعدم التسبب في أضرار ذات شأن عند الانتفاع بالمجرى المائي الدولي، مع ضرورة اتخاذ التدابير المناسبة من أجل إزالة هذا الضرر أو التخفيف منه إذا وقع، ومناقشة مسألة التعويض عنها عند الاقتضاء (المادة 7).

3- تتعاون دول المجرى المائي الدولي على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية من أجل الانتفاع الأمثل من المجرى وتوفير الحماية الكافية له (المادة 8).

4- تتبادل دول المجرى المائي الدولي بصورة منتظمة البيانات والمعلومات المتوافرة عن حالة المجرى، وخاصة تلك ذات الطابع الهيدرولوجي والجيولوجي والبيئي المتصلة بحالة الجو ونوعية المياه والتنبؤات المتعلقة بهذه العوامل (المادة 9).

5- الإخطار في الوقت المناسب عن جميع التدابير المزمع اتخاذها والتي يمكن أن يكون لها أثر ضار ذو شأن في الدول الأخرى للمجرى المائي، مصحوباً بالبيانات والمعلومات الفنية المتاحة، بما في ذلك نتائج أي عملية لتقييم الأثر البيئي (المادة 12).

6- تقوم دول المجرى المائي الدولي، منفردة أو مشتركة مع غيرها عند الاقتضاء، بحماية النظم البيئية للمجرى وصونها (المادة 20).

7- تقوم دول المجرى المائي الدولي منفردة أو مشتركة عند الاقتضاء، بمنع وتخفيض ومكافحة تلوث المجرى الذي يمكنه أن يسبب ضرراً ذا شأن لدول أخرى للمجرى أو لبيئتها، بما في ذلك الإضرار بصحة البشر أو بسلامتهم أو لاستخدام المياه لأي غرض مفيد أو للموارد الحية، والتوفيق بين السياسات المتخذة بهذا الشأن (المادة 21/الفقرة 2).

8- تتشاور دول المجرى المائي بناءً على طلب أي دولة منها، بغية التوصل إلى تدابير وطرق تتفق عليها فيما بينها لمنع تلوث المجرى والحد من التلوث ومكافحته، وكذلك لوضع أهداف ومعايير مشتركة لنوعية المياه واستحداث تقنيات وممارسات لمعالجةaالتلوث من المصادر الثابتة والمنتشرة، إضافة إلى وضع قوائم بالمواد التي يجب حظر إدخالها في مياه المجرى أو الحد من إدخالها أو التي يجب استقصاؤها أو رصدها (المادة 21/الفقرة 3).

9- تتخذ دول المجرى المائي جميع التدابير اللازمة لمنع إدخال أنواع غريبة أو جديدة في المجرى المائي الدولي، يمكن أن تُحدث آثاراً ضارة في النظام البيئي للمجرى، أو تلحق ضرراً ذا شأن بدول أخرى للمجرى (المادة 22).

10- تتخذ دول المجرى المائي منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى عند الاقتضاء، جميع التدابير المتعلقة بالمجرى واللازمة لحماية البيئة البحرية وصونها، بما فيها مصاب الأنهار، آخذة في الاعتبار القواعد والمعايير الدولية المقبولة عموماً (المادة 22).

11- تعتمد دول المجرى المائي منفردة أو مجتمعة عند الاقتضاء، جميع التدابير المناسبة لمنع حدوث الأحوال الضارة المتصلة بالمجرى سواء كانت ناتجة من أسباب طبيعية أو من سلوك بشري، مثل الفيضانات أو الجليد أو ترسب الطمى أو تسرب المياه المالحة أو الجفاف أو التصحّر أو الأمراض المنقولة بالمياه (المادة 27).

12- تقوم دولة المجرى المائي، بلا إبطاء وبأسرع الوسائل المتاحة، بإخطار الدول الأخرى للمجرى المائي والمنظمات الدولية المتخصصة بكل حالة طوارىء تنشأ داخل إقليمها وقد تسبب ضرراً أو تنطوي على تهديد وشيك بسبب هذا الضرر، وينتج فجأة من أسباب طبيعية مثل الفيضانات أو انهيار الجليد أو التربة أو حدوث الزلازل، أو يكون مصدرها سلوكاً بشرياً، كالحوادث الصناعية وكذلك اتخاذ جميع التدابير العملية التي تقتضيها هذه الظروف بالتعاون مع الدول المتأثرة بها والمنظمات الدولية، لمنع آثارها الضارة والتخفيف منها والقضاء عليها، بما في ذلك وضع خطوط طوارىء مشتركة (المادة 28).

يتضح مما سبق أنه لا يمكن الإسهام في الحفاظ على بيئة سليمة ونظيفة للمجرى المائي الدولي سوى بالاتفاق على تقسيم عادل ومنصف للفوائد الناجمة عن الاستخدام الأمثل للمياه وإرساء التعاون على أساس تبادل المعلومات والمعطيات حول المجرى المائي والمشاريع المقترحة أو المنفذة والسهر على استمرارية الحصول المنتظم على المياه بشروط صحية مقبولة والحماية من الاستخدام التعسفي للملوثات الكيميائية والمواد السامة ودعم الإجراءات الهادفة إلى حماية البيئة والثروات الطبيعية وتلافي الأضرار المحتملة للكوارث والتدهور التدريجي للغطاء النباتي والغابات، وإبعاد أي أضرار ممكنة عن التوازن البيئي الكوني، وخاصة مع تفاقم ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغيرات الفجائية للطبيعة. ولكن تبقى المشكلة على ما يبدو في التنفيذ.

مراجع للاستزادة:

- أحمد عبد الكريم سلامة، قانون حماية البيئة (جامعة الملك سعود، الرياض 1997م).

- جابر الراوي، المسؤولية الدولية عن الأضرار الناتجة عن تلوث البيئة (بغداد 1983م).

- جابر الراوي، تلوث البحار والمسؤولية المترتبة عليه في ظل قانون البحار، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (تونس 1989م).

- حسن أحمد شحاته، التلوث البيئي (دار النهضة العربية، القاهرة 1998م).

- رضوان أحمد الحاف، حق الإنسان في بيئة سليمة، أطروحة دكتوراه (جامعة القاهرة، 1998م).

- سحر حافظ، الحماية القانونية لبيئة المياه العذبة (الدار العربية للنشر والتوزيع، القاهرة 1995م).

- صلاح الدين عامر، القانون الدولي الجديد للبحار (دار النهضة العربية، القاهرة 1983م).

- عبد الواحد محمد الفار، الالتزام الدولي بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها من أخطار التلوث (دار النهضة العربية، القاهرة 1990م).

- محمد سامر عاشور، تلوث البحار من السفن ومسؤولية مالك السفينة، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، 2001م.

- منصور العادلي، قانون المياه (دار النهضة العربية، القاهرة 1999م).

- A. CH. KISS, Environnement et développement ou environnement et suivie, (A.J.I، Paris, 1991).

- M. PRIEUR et S. DOUMBÉ BILLÉ, Droit de l’environnement et développement durable, (P.U, Limoges، France, 1994).

 


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 336
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 583
الكل : 31162751
اليوم : 64141