logo

logo

logo

logo

logo

الحق في الحبس

حق في حبس

right to retention - droit de rétention

 الحق في الحبس

الحق في الحبس

فواز صالح

مفهوم الحق في الحبس 

شرائط الحق في الحبس وآثاره

انقضاء الحق في الحبس

   

منح المشرع السوري ضماناً عاماً للدائن على جميع أموال مدينه في المادة (235/1) من القانون المدني، إذ جاء فيها أن  «أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه». ثم منح الدائن وسائل تكفل له تنفيذ الدين، ولكن ربما لا تكفل هذه الوسائل لكل دائن الحصول على حقه كاملاً، ولاسيما إذا كانت أموال المدين لا تكفي لسداد كل الديون المترتبة في ذمته، إذ إن الفقرة الثانية من المادة (235) من القانون المدني السوري ساوت بين جميع الدائنين في الضمان العام، باستثناء من كان له منهم حق التقدم طبقاً لأحكام القانون. ونتيجة ذلك كرس المشرع الحقوق العينية التبعية - كالرهن والامتياز- التي تترتب للدائن على مال معين من أموال مدينه، فيكون هذا المال ضماناً خاصاً لحق الدائن لا يزاحمه فيه أي من الدائنين الآخرين، وهذا هو مفهوم حق التقدم المشار إليه أعلاه. وإذا كان هذا المال محل الضمان الخاص قد خرج من ملك المدين فقد أعطى القانون الحق للدائن في التنفيذ عليه في يد مالكه الجديد بموجب مزية حق التتبع الذي يمنحه الحق العيني التبعي المترتب له على ذلك المال، إضافة إلى حق التقدم. ولكن يستلزم استعمال هذين الحقين (التقدم والتتبع) القيام بإجراءات معينة نص عليها القانون من أجل بيع المال محل الحق العيني التبعي في المزاد العلني، واستيفاء الدائن حقه من ثمنه. وقد يكون هذا الضمان الخاص غير مجدٍ في بعض الحالات ولاسيما عندما يكون الدائن صاحب الحق العيني مديناً في الآن ذاته لمدينه، ونتيجة ذلك قرر المشرع وسائل أخرى من وسائل الضمان الخاص، ومن ضمنها الحق في الحبس Le droit de rétention، ونص المشرع السوري عليه في المواد 247 حتى 249 من القانون المدني. وقد نشأ هذا الحق بداية في القانون الروماني، إذ منح والي القضاء بين الوطنيين البريتور دفعاً بالغش لحائز الشيء الذي يعتقد بأنه ملكه، وبالتالي أنفق عليه أموالاً من أجل صيانته وتحسينه، ثمَ ظهر مالكه الحقيقي وأراد استرداده، يستطيع بموجبه أن يدفع دعوى الاسترداد التي أقامها المالك حتى يدفع له ما أنفقه في حفظ الشيء وتحسينه. وهذا الدفع مفاده أن المالك الذي يطالب الحائز حسن النية باسترداد ملكه من دون أن يدفع له ما أنفقه في سبيل حفظ الشيء أو تحسينه يرتكب غشاً، وبالتالي يحق للحائز أن يدفع دعوى المالك بهذا الغش. وكذلك أعطى البريتور هذا الدفع في الوديعة للمودع لديه إذا كان قد أنفق مالاً من أجل حفظ الوديعة وصيانتها. ولم يكرس التقنين المدني الفرنسي لعام 1804 نظرية عامة للحق في الحبس، وإنما نص على بعض التطبيقات له بموجب نصوص متفرقة؛ ونتيجة ذلك اختلف الفقه في فرنسا حول ما إذا كانت تلك النصوص قد وردت في التقنين الفرنسي على سبيل الحصر، أو أنها تطبيقات لنظرية عامة، وبالتالي يمكن القياس عليها. وأثّر هذا الخلاف في القضاء الفرنسي الذي انتهى في نهاية المطاف إلى أن تلك النصوص هي تطبيق لنظرية عامة للحق في الحبس. ومن ثم بعد ذلك كرس المشرع المصري هذا الاجتهاد في المواد (246 حتى 248) من القانون المدني الجديد، وأخذ عنه المشرع السوري هذه النظرية وكرسها في المواد (247 حتى 249) من القانون المدني.

أولاً- مفهوم الحق في الحبس:

1- تعريف الحق في الحبس:

الحق في الحبس هو وسيلة من وسائل الضمان الخاص التي يتمتع بها الدائن الحابس لشيء هو مدين بتسليمه، يستطيع بموجبها أن يمتنع عن تسليم ذلك الشيء لمالكه إذا لم يستوفِ دينه المترتب في ذمة مدينه والمرتبط بالشيء المحبوس لديه. ويستلزم هذا التعريف توافر ارتباط مادي بين الشيء محل الحق في الحبس ودين الدائن الحابس، ويتوافر هذا الارتباط المادي بين الشيء والدين في حال ما إذا كان دين الدائن الحابس ناجماً عن نفقات صرفها في سبيل حفظ الشيء أو تحسينه، أو كان ناجماً عن ضرر سببه الشيء للدائن الحابس. والحق في الحبس هو -إضافة إلى كونه وسيلة ضمان خاص - وسيلة إكراه تمارس على إرادة المدين من أجل إجباره على تنفيذ التزامه المتمثل بمبلغ من النقود حتى يحق له إجبار الدائن الحابس على تنفيذ التزامه بتسليم الشيء المحبوس. ولكن القانون المدني السوري أعطى تعريفاً أوسع من ذلك للحق في الحبس، وذلك في المادة (247) منه، إذ إنها عرفت الحق في الحبس بأنه حق يتمتع به كل من التزم بأداء شيء، يستطيع بموجبه «أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به، أو ما دام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كافٍ للوفاء بالتزامه هذا». ووفق هذا التعريف فإن الحق في الحبس يقوم ليس فقط عندما يكون هناك ارتباط مادي بين الشيء والدين، وإنما أيضاً عندما يتوافر ارتباط قانوني ومعنوي بينهما، كما لو كان مصدر التزام الدائن والتزام المدين عقداً ملزماً لجانبين. ولكن هذا التعريف يؤدي إلى الخلط بين الدفع بعدم التنفيذ - الذي نص المشرع عليه في المادة (162) من القانون المدني- وبين الحق في الحبس؛ مما يفرغ المادة (162) من مضمونها.

2- الطبيعة القانونية للحق في الحبس:

انقسم الفقه الفرنسي حول الطبيعة القانونية للحق في الحبس انقساماً كبيراً، إذ يرى فريق من الفقهاء أن الحق في الحبس هو حق عيني ناقص أو غير مكتمل. ويذهب بعض أنصار هذا الرأي إلى أن الحق في الحبس هو حق عيني كامل على الرغم من أنه لا يمنح صاحبه مزيتي التقدم والتتبع، والسبب في ذلك هو أنه يمكن للدائن الحابس أن يحتج بحقه في الحبس تجاه الناس كافة، فهو يتمتع بحجية مطلقة تجاه الغير. وهذا ما قررته محكمة النقض الفرنسية أيضاً في قرار صادر عنها في 7/1/1992، وجاء فيه أن الحق في حبس شيء هو حق عيني يتمتع بحجية تجاه الناس كافة، وتجاه الغير وإن لم يكن ملتزماً شخصياً بالدين المحبوس لأجله. ونتيجة ذلك أجازت محكمة النقض الفرنسية لصاحب مرآب أن يحبس السيارة التي قام بإصلاحها ويمتنع عن ردها إلى صاحبها حتى لو لم يكن ملتزماً شخصياً بدفع أجرة الإصلاح.

وهذا ما ذهب إليه أيضاً القانون المدني المصري القديم، إذ إنه كان ينص صراحة على أن الحق في الحبس هو حق عيني.

ويذهب فريق آخر إلى أن الحق في الحبس هو حق شخصي وليس حقاً عينياً يمكن الاحتجاج به تجاه الغير.

ويمارس الحق في الحبس عن طريق الدفع، وبالتالي ليس له أي علاقة مع الحقوق العينية، وإنما هو وسيلة ضمان. ويترتب على ذلك أن الحق في الحبس لا يمنح الحابس أي مزية إيجابية، وإنما الفائدة الوحيدة التي يمنحها هذا الحق للحابس هي القدرة على أن يقول «لا»، وبالتالي يرفض رد الشيء المحبوس حتى يحصل على كامل دينه.

أما في القانون السوري، وكذلك في القانون المصري فيجمع الفقه على أن الحق في الحبس ليس حقاً عينياً. ويرى عميد الفقهاء العرب السنهوري أن الحق في الحبس ليس هو «بالحق العيني، ولا بالحق الشخصي. بل هو حق المدين في أن يقف الوفاء بدينه حتى يستوفي الدين الذي له في ذمة دائنه، فهو دفع بعدم التنفيذ، يدخل تحته الدفع بعدم تنفيذ العقد الذي يعتبر فرعاً عنه. وهو بمثابة ضمان خاص أعطاه التقنين المدني الجديد لكل دائن يكون مديناً في الوقت ذاته لدائنه، فيحبس الدين الذي عليه حتى يستوفي الدين الذي له».

وبالمقابل يرى بعض الفقهاء أن الحق في الحبس هو حق شخصي.

في الحقيقة تبين المقارنة البسيطة بين الحق في الحبس والحقوق العينية في القانون الفرنسي - وكذلك في القانون المصري والقانون السوري - أنه لا يمكن تصنيف الحق في الحبس ضمن الحقوق العينية، وذلك للأسباب الآتية:

أ- يمارس الحق في الحبس من حيث المبدأ عن طريق دفع، إذ إنه رفض يعبر عنه بكلمة «لا». وهذه الكلمة تفسر بمفردها آلية الحق في الحبس.

ب- لا يمنح الحق في الحبس الحابس مزيتي التقدم والتتبع اللتين يمنحهما الحق العيني لصاحبه. زد على ذلك أن الحق في الحبس ينقضي بفقدان الحيازة ما لم يكن ذلك بطريقة غير مشروعة.

ج- لا يخضع الحق في الحبس - عندما يكون محله عقاراً مسجلاً في السجل العقاري - لقواعد الشهر في السجل العقاري، في حين أن الحقوق العينية تخضع لمثل هذه القواعد.

كما لا يعد الحق في الحبس حقاً شخصياً، إذ إن الحق في الحبس يختلف عن الحق الشخصي في نقاط عدة، وأهمها:

q يمنح الحق الشخصي الدائن سلطة في إجبار المدين على تنفيذ التزامه عن طريق القضاء، أما الحق في الحبس فهو وسيلة ضمان خاص، إذ إن الدائن الحابس يجد فيما يتوجب عليه تجاه دائنه - الذي يعد في الوقت ذاته مديناً له- ضماناً لما يتوجب له. وتكمن كل قوة الحق في الحبس في أن يقول الدائن الحابس لمن يطالبه باسترداد الشيء المحبوس كلمة «لا». ويترتب على ذلك أن الحق في الحبس هو وسيلة دفاع يمتنع بموجبها الدائن الحابس امتناعاً مشروعاً عن رد الشيء المحبوس.

q لا يمكن التنازل عن الحق الشخصي بموجب الإرادة المنفردة، في حين أنه يمكن للدائن الحابس أن يتنازل عن الحق في الحبس بإرادته المنفردة.

q يسقط الحق الشخصي بالتقادم، أما الحق في الحبس فلا يسقط بالتقادم.

q لا يمنح الحق الشخصي صاحبه أي امتياز على غيره من الدائنين العاديين، إذ إنه يعد واحداً منهم، أما الحق في الحبس فإنه يمنح الدائن الحابس عملياً امتيازاً أفضل حتى من مزيتي التقدم والتتبع اللتين يمنحهما الحق العيني لصاحبه، يستطيع الحابس بموجبه أن يستوفي كامل دينه وذلك بمجرد امتناعه عن تسليم الشيء المحبوس، وهذا الامتناع له حجية مطلقة تجاه الغير، وتجاه الدائن الذي يرسو عليه المزاد، فيما لو تقرر بيع الشيء المحبوس في المزاد العلني شريطة ألا يكون ذلك البيع بناءً على طلب من الدائن الحابس.

ويترتب على ما تقدم أن الحق في الحبس في حقيقته ليس إلا وسيلة من وسائل الضمان الخاص منحها المشرع للدائن - الذي يكون مديناً في الوقت ذاته لمدينه - من أجل ضمان الوفاء بدينه المترتب في ذمة مدينه. وهذا ما ذهب إليه القانون المدني السوري عندما أعطى عنواناً للمواد (247 حتى 249) المتعلقة بالحق في الحبس، وهو «إحدى وسائل الضمان: الحق في الحبس».

3- التفريق بين الحق في الحبس وبين الدفع بعدم التنفيذ والرهن الحيازي:

أ- الحق في الحبس والدفع بعدم التنفيذ: عندما يكون محل الالتزام المترتب في ذمة المتمسك بالدفع بعدم التنفيذ ينصب على شيء مادي يقترب مفهوم الدفع بعدم التنفيذ من الحق في الحبس. فإذا رفض المتمسك بالدفع تسليم الشيء، وذلك رداً على رفض المتعاقد الآخر تنفيذ التــزامه المقابل فما هو مسوغ هذا الرفض؟

هل هو الدفع بعدم التنفيذ أم هل هو الحق في الحبس؟ تذهب أغلبية الفقه الفرنسي إلى أن الحق في الحبس هو الذي يسوغ - في مثل هذه الحال - رفض المتعاقد تنفيذ التزامه بالتسليم. وتتبنى أغلبية المحاكم الفرنسية هذا الرأي أيضاً. 

ومن هنا نشأت مشكلة الخلط بين الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس، وكان ذلك نتيجة غياب نص قانوني عام في القانون الفرنسي يعالج هذه المشكلة. وقد ورث واضعو القانون المدني المصري هذه المشكلة عن القانون الوضعي الفرنسي، ومن ثم ورث القانون المدني السوري هذه المشكلة عن القانون المدني المصري، حيث تبدو مشكلة الخلط بين الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس واضحة في نصوص القانون. في الواقع يتشابه الدفع بعدم التنفيذ مع الحق في الحبس كثيراً، إذ يعدّ المفهومان وسيلة ضمان وكذلك وسيلة إكراه تمارس على إرادة المتعاقد الآخر كي ينفذ التزامه، وكلاهما يوقف بصورة مؤقتة تنفيذ التزام من يتمسك بهما حتى ينفذ الطرف الآخر التزامه المقابل. ولكن هذا لا يعني أن الحق في الحبس هو الأصل، وأن الدفع بعدم التنفيذ هو تطبيق لهذا الأصل في نطاق العقود الملزمة للجانبين. على النقيض من ذلك تماماً، فالدفع بعدم التنفيذ يتميز من الحق في الحبس في عدة نقاط، وهي:

(1)- من حيث مجال التطبيق: تذهب غالبية الفقه في سورية وفرنسا ومصر إلى أن تطبيق الحق في الحبس يمكن أن يستند تارة إلى الارتباط المادي بين الالتزامات المتقابلة، وتارة أخرى إلى الارتباط القانوني أو المعنوي بينهما.

وهذا ما ذهب إليه القانون المدني السوري في المادة (247) منه. ويؤخذ على هذا الرأي أنه يؤدي إلى الخلط بين الدفع  بعدم التنفيذ وبين الحق في الحبس. في الواقع يجب أن ينحصر مجال تطبيق الحق في الحبس على الحالات التي تتوافر فيها الارتباط المادي بين الالتزامات المتقابلة بغض النظر عن مسألة وجود عقد أو لا، أما الدفع بعدم التنفيذ فيجب أن يطبق في الحالات التي يكون فيها ارتباط قانوني أو معنوي بين الالتزامات المتقابلة. ويستخلص من ذلك أن مجال تطبيق الحق في الحبس هو أضيق من مجال الدفع بعدم التنفيذ؛ فالحق في الحبس يجب ألا يطبق إلا إذا كان محل التزام الحابس شيئاً مادياً، وكان الحابس الحائز قد أنفق مصروفات ضرورية أو نافعة لحفظ الشيء أو تحسينه، وكذلك الحال إذا سبب الشيء ضرراً للحابس. أما الدفع بعدم  التنفيذ فيطبق عندما يكون هناك ارتباط قانوني أو معنوي بين الالتزامات المتقابلة، وغالباً يكون مصدر هذه الالتزامات عقداً ملزماً لجانبين.

(2)- من حيث شروط التطبيق: يتميز الدفع بعدم التنفيذ من الحق في الحبس بالنسبة إلى شروط التطبيق بما يأتي:

Ÿ يتطلب الحق في الحبس أن يكون محل التزام الحابس شيئاً مادياً، في حين أن محل التزام المتمسك بالدفع يمكن أن يكون - إضافة إلى شيء مادي- فعل شيء أو الامتناع عن فعل شيء.

Ÿ لا يشترط في الحق في الحبس أن يكون الحابس حسن النية، كل ما هناك هو أنه لا يجب أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً من عمل غير مشروع. يستخلص من ذلك أن نظرية التعسف في استعمال الحق لا تطبق في نطاق الحق في الحبس بل على النقيض من ذلك تماماً يشترط في المتمسك بالدفع أن يكون حسن النية وألا يتعسف في استعمال حقه.

(3)- من حيث الآثار القانونية: الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس يتمتعان بأثر موقف فترة مؤقتة من الزمن، وعلى الرغم من ذلك هناك خلاف بينهما من حيث الآثار أيضاً، ويتمثل هذا الخلاف بما يأتي:

¦ لا يقبل الحق في الحبس التجزئة، حيث يمكن للحابس أن يحبس الشيء حتى يستوفي كامل دينه، وذلك لأنه في الحق في الحبس يضمن الشيء المحبوس بأكمله كل جزء من الدين، وبالمقابل كل جزء من الشيء المحبوس يضمن الوفاء بكامل الدين. في حين أن الدفع بعدم التنفيذ يقبل التجزئة إذا كانت الالتزامات المتقابلة والمتبادلة تقبل هي بذاتها التجزئة.

¦ حجية الحق في الحبس هي أوسع نطاقاً من حجية الدفع بعدم التنفيذ، وذلك لأن الحق في الحبس يتمتع بحجية مطلقة تجاه الغير، وهذا هو مصدر قوته وفعاليته. في حين أن حجية الدفع بعدم التنفيذ في مواجهة الغير هي نسبية، فهو لا يسـري في حق الغير الذي كسب حقه قبل ثبوت الحق في التمسك بالدفع.

ب- الحق في الحبس والرهن الحيازي: إذا توافرت شرائط سريان الرهن الحيازي تجاه الغير فإنه يمنح الدائن المرتهن عدة حقوق في مواجهة الغير، ومن أهمها الحق في حبس الشيء المرهون حتى يستوفي كامل دينه الذي يضمنه الرهن. ويتميز الحق في الحبس من حق الحبس الذي يمنحه الرهن الحيازي للدائن المرتهن في النقاط الآتية:

(1)- الحق في الحبس هو حق مستقل، أما حق حبس المرهون فهو أثر من آثار الرهن، ولا يتمتع بأي استقلالية.

(2)- الحق في الحبس وسيلة من وسائل الضمان الخاص منحها القانون للدائن إذا توافرت شرائطه، وبالتالي فهو لا يمنح الحابس مزيتي التقدم والتتبع. أما حق حبس المرهون فهو حق عيني يمنح الدائن المرتهن هاتين المزيتين.

(3)- إذا طلب الدائن الحابس بيع الشيء الذي يحبسه في المزاد العلني يفقد حقه في الحبس ولا ينتقل هذا الحق إلى ثمن الشيء، وذلك لأنه وسيلة دفاع، وعندما يطالب الحابس بالبيع ينتقل إلى الهجوم، وبالتالي يفقد حقه على الشيء المحبوس. أما إذا طالب الدائن المرتهن بيع الشيء المرهون فإن حقه ينتقل إلى الثمن ويكون له أولوية استيفاء حقه من ثمن الشيء المرهون. كما يمكن للقاضي أن يأذن للدائن المرتهن بتملك الشيء المرهون مقابل دينه، طبقاً لما نصت عليه المادة (1043/2) من القانون المدني السوري. في حين لا يمكن للدائن الحابس أن يتملك الشيء الذي يحبسه.

يترتب على هذا الاختلاف بين الحق في الحبس وحق حبس المرهون أن الدائن المرتهن قد يتمسك بعض الأحيان بالحق في الحبس أيضاً إذا توافرت شرائطه، ويستطيع الدائن المرتهن عن طريق الحق في الحبس ضمان استرداد النفقات النافعة التي صرفها على الشيء المرهون الذي لا يشمله حق التقدم الذي يمنحه الرهن بعدّه حقاً عينياً. كما يمكن للدائن المرتهن أن يلجأ إلى الحق في الحبس لضمان استيفاء ليس فقط النفقات النافعة، وإنما الضرورية أيضاً وذلك عندما ينقضي حق الرهن بأحد أسباب الانقضاء التي نص عليها القانون.

ثانياً- شرائط الحق في الحبس وآثاره:

لا ينتج الحق في الحبس آثاره إلا إذا توافرت شرائط التمسك به التي ينص عليها القانون.

1- شرائط الحق في الحبس:

لا يمكن التمسك بالحق في الحبس إلا إذا توافرت الشرائط الآتية:

أ- وجود التزامين مستحقي الأداء: يتطلب التمسك بالحق في الحبس وجود التزامين مستحقي الأداء، وهما:

(1)- التزام المدين: يشترط لقيام الحق في الحبس أن يكون من يطالب الحابس بتنفيذ التزامه برد الشيء الذي يحبسه ملتزماً تجاه هذا الحابس، ويكون محل التزامه دفع مبلغ من النقود، وإن كان البعض يرى أن محل التزام المدين يمكن أن يكون أيضاً أداء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل. ومحل هذا الالتزام هو حق للحابس، ويشترط فيه أن يكون مستحق الأداء ومؤكداً وإن لم يكن مقدراً، إذ إنه يثبت للدائن الحق في الحبس إلى أن يتم تقدير حقه. ويترتب على ذلك أنه لا يثبت للدائن الحق في الحبس إذا كان حقه غير مستحق الأداء، كأن يكون مؤجلاً أو معلقاً على شرط، أو إذا كان هناك اتفاق أو نص يلزم الدائن الحابس برد الشيء أولاً.

(2)- التزام الدائن الحابس: يشترط لقيام الحق في الحبس أن يكون الدائن الذي يتمسك به مديناً بالتزام في الوقت نفسه تجاه مدينه. ومحل التزام الدائن هو رد شيء مادي، وذلك لأن ما يميز الحق في الحبس هو عنصر الحيازة المتمثل في وضع اليد بشكل مادي، وهذا الأمر يتطلب وجود شيء مادي يحبسه الدائن. وبالمقابل فإن هذا الشيء المادي يمكن أن يكون منقولاً، كما يمكن أن يكون عقاراً، إلا أنه يرى بعض الفقهاء أن محل التزام الدائن الحابس يمكن أن يكون - إضافة إلى شيء مادي- مبلغاً من المال أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل، ويستند أنصار هذا الرأي إلى نص المادة (246/1) من القانون المدني المصري، وهو مطابق لنص المادة 247/1 من القانون المدني السوري، الذي جاء فيه أنه «لكل من التزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به، أو ما دام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزامه هذا». وذلك لأن المقصود بلفظ «شيء» في هذه المادة هو لفظ «أداء»، وهو يشمل جميع أنواع الالتزامات.

ولكن هذا الرأي يتناقض صراحة مع ما جاء في المادتين 248 و 249 من القانون المدني السوري اللتين تكرسان صراحة الحق في الحبس الذي يرد على شيء مادي. زد على ذلك أن المشرع لم يستخدم الألفاظ نفسها من أجل تحديد التزامات الدائن والمدين المرتبطة بعضها مع بعض قي المادة (247/1) من القانون المدني السوري. فقد استخدم المشرع عبارة «كل من التزم بأداء شيء» من أجل تحديد التزام الدائن الحابس، في حين أنه استخدم لفظ «التزام» من أجل تحديد التزام المدين، وبالتالي يستفاد من ذلك أن الحق في الحبس لا يرد إلا على الأشياء المادية، وذلك لأن جوهر الحق في الحبس هو الحيازة، وهي لا ترد إلا على الأشياء المادية. ولا يشترط لممارسة الحق في الحبس أن تكون حيازة الدائن الحابس للشيء حيازة قانونية، وإنما يكفي لذلك أن تكون هذه الحيازة مادية. ويستخلص مما تقدم أنه لا يمكن للدائن أن يتمسك بالحق في الحبس إلا إذا كان بين يديه شيء تعلق به حق للمدين، ووصل هذا الشيء إلى يديه بطريقة مشروعة، وبالتالي لا يشترط أن يكون الدائن الحابس حسن النية، إذ إن نص المادة (247) من القانون المدني السوري - ويقابله نص المادة (246) من القانون المدني المصري - جاء مطلقاً ولم يميز بين الحائز حسن النية والحائز سيئ النية. وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في قرار صادر عنها بتاريخ 27/6/1968، ومنشور في مجموعة أحكام النقض رقم 19-1229.

كما يشترط أن يكون الشيء محل الحق في الحبس قابلاً للحجز عليه.

ب- وجود ارتباط بين الالتزامين: لا يمكن للدائن الحابس أن يتمسك بالحق في الحبس إلا إذا كان هناك ارتباط بين حقه في ذمة المدين الذي يطالبه برد الشيء الذي يحبسه وبين التزامه برد هذا الشيء، فإذا لم يكن هناك ارتباط بينهما فلا يحق للدائن أن يتمسك بالحق في الحبس، ومثال ذلك لا يحق للمودع لديه أن يتمسك بالحق في الحبس ويمتنع عن رد الوديعة من أجل ضمان حقه المتمثل في مبلغ من المال قدمه للمودع من أجل الإنفاق على نفسه. ولكن الفقه اختلف في تحديد مفهوم هذا الارتباط. في الحقيقة يمكن أن يكون الارتباط بين التزام الحابس برد الشيء والدين المترتب له في ذمة مدينه - الذي يطالبه بتسليم الشيء - مادياً أو قانونياً. ويرى بعض الفقهاء أن هذا الارتباط يجب أن يكون قانونياً، بمعنى أنه يمكن للدائن الحابس أن يتمسك بالحق في الحبس في كل مرة يكون مصدر التزام الدائن الحابس برد الشيء، ومصدر دينه هو عقداً أو على الأقل شبه عقد. في حين أن بعضهم الآخر يذهب إلى أن هذا الارتباط يمكن أن يكون في الآن ذاته قانونياً أو مادياً، ولكن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى الخلط بين الحق في الحبس وبين الدفع بعدم التنفيذ. ويذهب قسم ثالث من الفقه إلى القول إن لا يحق للدائن الحابس أن يتمسك بالحق في الحبس إلا إذا كان هناك ارتباط مادي بين الشيء الذي يحبسه وبين الدين الذي يطالب به. وفي الحقيقة هذا الارتباط المادي بينهما لا يعد فقط شرطاً من شروط التمسك بالحق في الحبس، وإنما هو أساسه القانوني  الذي يسمح بالتمييز بينه وبين الدفع بعدم التنفيذ. ويستلزم هذا الارتباط المادي بين الشيء المحبوس وبين دين الحابس أن يكون الدين مندمجاً في الشيء، أو يكون الشيء تسبب في إلحاق ضرر بالدائن الحابس، وبمعنى آخر أن يكون الشيء المحبوس ذاته مسؤولاً عن دين الحابس. ويكون الأمر كذلك عندما يكون الدائن قد أنفق نفقات ضرورية أو نافعة من أجل حفظ الشيء أو تحسينه، أو عندما يكون الشيء المحبوس قد سبب ضرراً للدائن الحابس. ويستخلص مما تقدم أن الارتباط المادي بين الشيء المحبوس وبين دين الحابس يضمن للحق في الحبس استقلاليته، كما أنها تضمن عدم تحوير طبيعته, ويتبين من نص المادة (247) من القانون المدني السوري أن المشرع لم يحدد نوع الارتباط بين التزام الدائن الحابس والتزام مدينه، مما دفع بعضهم إلى القول إن هذا الإطلاق يفهم منه أن الارتباط بين الالتزامين يمكن أن يكون في الآن ذاته قانونياً أو مادياً. ولكن يترتب على الأخذ بهذا الرأي الخلط بين الحق في الحبس والدفع بعدم التنفيذ، وإفراغ المادة (162) من القانون المدني السوري- التي تكرس الدفع بعدم التنفيذ - من مضمونها.

2- آثار الحق في الحبس:

إذا توافرت شرائط التمسك بالحق في الحبس فإنه ينتج آثاره ليس فقط بين الطرفين، وإنما تجاه الغير أيضاً.

أ- آثار الحق في الحبس بين الطرفين: يمارس الحق في الحبس ضمن الفرضية الآتية: يرفع مالك الشيء دعوى استرداد بمواجهة الدائن الحابس الذي يمتنع عن رد الشيء المحبوس حتى يقوم المالك بدفع كامل دينه المرتبط بالشيء المحبوس. وهذا الامتناع لا يمكن أن يكون إلا مؤقتاً. وبالتالي عندما يحبس الدائن الشيء فإنه لا ينكر حق مدينه على الشيء، ولكنه مع ذلك يمتنع عن رده لأن المالك لم يدفع له دينه المشار إليه. وتكمن قوة الحق في الحبس في كلمة «لا» التي يقولها الدائن الحابس لمدينه عندما يطالبه برد الشيء المحبوس. ولا يحق للدائن الحابس أن يستعمل الشيء وينتفع به، وبالمقابل فإنه يلتزم بالمحافظة على الشيء المحبوس لديه، ويلتزم بتعويض المالك إذا هلك الشيء تحت يده بسبب إهماله وتقصيره في المحافظة عليه. أما إذا كان الهلاك بسبب أجنبي فإن تبعة ذلك تكون على عاتق مالك الشيء نفسه لا على عاتق الدائن الحابس، وهذا ما أكدته المادة (248/2) من القانون المدني السوري، إذ تنص على ما يأتي: «وعلى الحابس أن يحافظ على الشيء وفقاً لأحكام رهن الحيازة، وعليه أن يقدم حساباً عن غلته». ولكن المادة (1035) المتعلقة برهن المنقول، والمادة (1048) المتعلقة برهن الدين، والمادة (1066) المتعلقة برهن العقار تلزم الدائن المرتهن بالمحافظة على المرهون، ولكنها لم تحدد مدى هذا الالتزام ومسؤولية الدائن المرتهن. ومن الرجوع إلى المادة (212) من القانون المدني السوري يتبين أنها تنص على «1- في الالتزام بعمل، إذا كان المطلوب من المدين هو أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي ولو لم يتحقق الغرض المقصود، هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك. 2- وفي كل حال يبقى المدين مسؤولاً عما يأتيه من غش أو خطأ جسيم». وإذا كان الشيء المحبوس لدى الدائن ينتج ثماراً فإن الحق في الحبس يشمل ثمار الشيء المحبوس أيضاً، ولكن تبقى الثمار من حق مالك الشيء، وبالتالي فرضت المادة (248/2) من القانون المدني السوري التزاماً آخر على عاتق الدائن الحابس، وهو الالتزام بتقديم حساب عن غلة الشيء المحبوس لديه. ويعد الدائن الحابس حارساً للشيء في مفهوم المادة (179) من القانون المدني السوري، وبالتالي فإنه يلتزم بتعويض الضرر الذي يلحقه الشيء المحبوس بالغير لأنه محبوس لديه على أساس مسؤولية حارس الأشياء غير الحية، وكما يلتزم الدائن الحابس برد الشيء عند انقضاء الحق في الحبس.

ومن ناحية أخرى فإن الحق في الحبس لا يمنح الدائن أي امتياز، وهذا ما أكدته المادة (248/1) من القانون المدني السوري، إذ جاء فيها أن «مجرد الحق في حبس الشيء لا يثبت حق امتياز عليه». ويترتب على ذلك أن هذا الحق لا يمنح الدائن الحابس مزيتي التقدم والتتبع اللتين يمنحهما الحق العيني لصاحبه، وبالتالي إذا طالب الدائن الحابس ببيع الشيء المحبوس فإن حقه في الحبس ينقضي ولا ينتقل إلى ثمن الشيء. ويستثنى من ذلك ما إذا كان يخشى على الشيء المحبوس الهلاك أو التلف، فيحق عندئذٍ للدائن الحابس أن يحصل على إذن من القضاء في بيعه وفق أحكام المادة (1039) من القانون المدني السوري، وينتقل الحق في الحبس من الشيء إلى ثمنه، طبقاً لما نصت عليه المادة (248/3) من القانون المدني السوري.

وتجدر الإشارة إلى أن الحق في الحبس لا يقبل التجزئة، إذ يمكن للدائن الحابس أن يمتنع عن رد الشيء المحبوس إذا  لم يستوفِ كامل دينه، وذلك لأن الشيء المحبوس يضمن بأكمله كل جزء من الدين، وبالمقابل كل جزء من الشيء المحبوس يضمن الوفاء بكامل الدين. ويترتب على ذلك أن نظرية التعسف في استعمال الحق لا تطبق في مجال الحق في الحبس، وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض الفرنسية منذ العام 1840.

ب- آثار الحق في الحبس تجاه الغير: تسري آثار الحق في الحبس على المدين وعلى خلفه، وكذلك على دائنيه العاديين والممتازين.

(1)- سريان الحق في الحبس على المدين: إذا كان المدين هو مالك الشيء فلا شك أن آثار الحق في الحبس تسري عليه وفق ما سبق شرحه بالنسبة لآثار الحق في الحبس بين الطرفين الدائن والمدين، ولكن هل تسري آثار الحق في الحبس على مالك الشيء المحبوس إذا لم يكن مديناً للدائن الحابس بصفة شخصية؟ انقسم الفقه بشأن هذا السؤال، إذ يرى بعضهم أنه يحق للدائن الحابس أن يحتج بالحق في الحبس على المالك حتى لو لم يكن مديناً بصفة شخصية، كما لو أعار شخص حصانه لصديق له، ثم ألحق الحصان ضرراً بمزروعات شخص آخر، فقام هذا الأخير بحبس الحصان، لا شك أن مالك الحصان لا يعد مسؤولاً في مثل هذه الحال عن الضرر الذي سببه الحصان للدائن الحابس، ومع ذلك يمكن للدائن الحابس أن يحتج بالحق في الحبس تجاه المالك غير المدين، وذلك لأن الحق في الحبس يطبق في كل مرة يكون فيها دين الحابس مندمجاً في الشيء المحبوس، أو أن الضرر نجم بفعل الشيء المحبوس. وبالتالي فإن تطبيق الحق في الحبس لا يتطلب بالضرورة أن تكون هناك علاقة بين صفة المدين وصفة مالك الشيء المحبوس، وهذا هو الرأي الراجح. وبالنسبة إلى الفقهاء الذين لم يشترطوا توافر ارتباط مادي بين الشيء المحبوس ودين الحابس، وإنما أجازوا تطبيق الحق في الحبس حتى لو كان هذا الارتباط قانونياً، فإنهم يذهبون إلى أن الحق في الحبس يمكن الاحتجاج به تجاه المالك غير المدين إذا كان الارتباط بين الشيء وبين دين الحابس مادياً، أما إذا كان قانونياً فلا يمكن الاحتجاج بالحق في الحبس تجاه المالك غير المدين. وهذه الازدواجية في الحق في الحبس منتقدة؛ وذلك لأنه في الحقيقة لا يوجد سوى نوع واحد من الحق في الحبس، وهو الذي يقوم على الارتباط المادي بين الشيء المحبوس ودين الحابس، أما الحق في الحبس المزعوم الذي يقوم على الارتباط القانوني ما هو في الحقيقة إلا الدفع بعدم التنفيذ. وهكذا فإن محكمة النقض الفرنسية أجازت لحارس قضائي أن يمتنع عن رد المنقول الذي تحت حراسته لمن حكمت له المحكمة بذلك، على الرغم من أنها لم تحكم عليه بالنفقات التي صرفها الحارس القضائي من أجل المحافظة على الشيء، وإنما حكمت بها على الطرف الآخر في الدعوى، وبررت قرارها بأن الحق في الحبس ذو حجية مطلقة تجاه الغير، وتجاه المالك غير المدين.

(2)- سريان الحق في الحبس على خلف المدين: تظهر ازدواجية الحق في الحبس هنا أيضاً، إذ يجمع الفقه على سريان الحق في الحبس الذي يقوم على الارتباط المادي بين الشيء المحبوس وبين دين الحابس على الخلف العام، علماً أنه لا يعد من الغير وإنما يحل محل المدين، وعلى الخلف الخاص للمدين، إذ إن حقهما لا يمكن أن يكون أكثر من حق المدين نفسه وذلك لأن هذا الأخير لا يمكن أن ينقل إليهما أكثر مما يملك. أما بالنسبة إلى ما يزعم بالحق في الحبس القائم على الارتباط القانوني فإن أنصار هذا الرأي يميزون بين الحالة التي يكون الحق في الحبس قد نشأ بعد حق الخلف الخاص، والحالة التي ينشأ فيها قبل حق الخلف الخاص. كما يميزون بين ما إذا كان الشيء المحبوس منقولاً أو عقاراً، فإذا كان عقاراً فلا يسري الحق في الحبس على الخلف الخاص إلا إذا كان قد نشأ قبل حقه.

(3)- سريان الحق في الحبس على الدائنين: يحق للدائن الحابس أن يتمسك بالحق في الحبس تجاه الدائنين العاديين لمدينه، ولا يعني ذلك أنه لا يحق لهؤلاء الدائنين الحجز على الشيء المحبوس لدى الدائن الحابس والمطالبة ببيعه في المزاد العلني، إذ إن هذه الإمكانية متاحة بصورة دائمة لهم. وبالمقابل فإن الدائن الحابس يستطيع أن يمتنع عن رد الشيء لمن رسا عليه المزاد إذا لم يستوفِ دينه. أما بالنسبة إلى الدائنين الممتازين أو المرتهنين فإن الحق في الحبس بمعناه الحقيقي والقائم على الارتباط المادي بين الشيء المحبوس ودين الحابس يسري بمواجهتهم من دون حاجة إلى التمييز بين ما إذا كان الحق في الحبس قد نشأ قبل حقهم أو بعده، وهذا ما قررته محكمة النقض الفرنسية.

ثالثاً- انقضاء الحق في الحبس:

تنص المادة (248) من القانون المدني السوري على أنه:

«1- مجرد الحق في حبس الشيء لا يثبت حق امتياز عليه.

2- وعلى الحابس أن يحافظ على الشيء وفقاً لأحكام رهن الحيازة، وعليه أن يقدم حساباً عن غلته.

3- وإذا كان الشيء المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء في بيعه وفقاً للأحكام المنصوص عليها في المادة 1039، وينتقل الحق في الحبس من الشيء إلى ثمنه». ويتبين من ذلك أن هذا النص يكرس سبباً واحداً من أسباب انقضاء الحق في الحبس، وهو خروج الشيء من يد الحابس. ولكن يمكن أن ينقضي الحق في الحبس إما بصورة تبعية وإما بصورة أصلية.

1- انقضاء الحق في الحبس بصورة تبعية:

الحق في الحبس هو وسيلة ضمان تضمن للحابس وفاء دينه المترتب في ذمة المدين، ويترتب على ذلك أنه إذا انقضى دين الحابس فيؤدي ذلك إلى انقضاء الحق في الحبس تبعاً له. وينقضي دين الحابس المترتب في ذمة المدين بأي سبب من أسباب انقضاء الالتزام، كالوفاء والتجديد والمقاصة واتحاد الذمة والإبراء. ولكن لا ينقضي دين الحابس بالتقادم، وذلك لأن حبس الشيء يمنع ذلك. كما أن الحق في الحبس ذاته لا يسقط بالتقادم، وذلك لأن الحبس حالة مادية تمتاز بالاستمرار مما يؤدي إلى عدم خضوعه للتقادم.

2- انقضاء الحق في الحبس بصورة أصلية:

ينقضي الحق في الحبس بصورة أصلية في الحالات الآتية:

أ- تقديم تأمين كافٍ: إذا قدم المدين تأميناً كافياً للوفاء بدين الحابس وفق ما نصت عليه المادة (247/1) من القانون المدني السوري فإن ذلك يؤدي إلى انقضاء الحق في الحبس بصورة أصلية. وتقديم تأمين كافٍ يؤدي إلى فوات الغاية من الحق في الحبس، وهي ضمان الوفاء بدين الحابس. ويخضع مدى كفاية التأمين لسلطة القاضي.

ب- هلاك الشيء المحبوس: يؤدي هلاك الشيء المحبوس إلى انقضاء محل الحق في الحبس، وبالتالي إلى انقضاء هذا الحق بذاته. ولا فرق في أن يكون هلاك الشيء المحبوس نتيجة إهمال وتقصير من الدائن الحابس أو بسبب أجنبي، ففي الحالتين ينقضي الحق في الحبس. ولكن إذا كان الهلاك نتيجة إهمال وتقصير من الحابس، فإنه يلتزم بتعويض مالك الشيء عن الضرر الذي لحق به بسبب هلاك الشيء الذي كان يحبسه، أما إذا كان الهلاك بسبب أجنبي فيكون هلاك الشيء على عاتق المالك. وإذا استحق المالك تعويضاً أو مبلغ تأمين نتيجة هلاك الشيء في يد الحابس بسبب أجنبي فإن حق الدائن الحابس ينتقل إلى هذا التعويض. وقد سبق القول إنه إذا كان يخشى على الشيء المحبوس الهلاك أو التلف فيحق للدائن الحابس أن يحصل على إذن من القضاء في بيعه، وينتقل حقه في الحبس من الشيء إلى ثمنه.

ج- إخلال الدائن الحابس بالتزامه بحفظ الشيء: إذا قصر الحابس بالتزامه بحفظ الشيء المحبوس يمكن للمالك أن يحصل على حكم من المحكمة المختصة يقضي بإسقاط حق الحابس في حبس الشيء.

د- خروج الشيء من يد الحابس بإرادته: يحق للدائن الحابس أن يتنازل بإرادته المنفردة عن حقه في الحبس حتى قبل استيفاء دينه، وبالتالي يؤدي ذلك إلى انقضاء الحق في الحبس بصورة أصلية. ويكون التنازل في مثل هذه الحال بتخلي الدائن طوعاً عن حيازة الشيء المحبوس، ولا يحق للدائن استرداد الحيازة بعد ذلك. ومن صور التنازل عن الحق في الحبس مطالبة الدائن طوعاً ببيع الشيء المحبوس في المزاد العلني، إذ يلتزم في مثل هذه الحال بتسليم الشيء إلى من رسا عليه المزاد. أما إذا كان الشيء المحبوس قد خرج من يد الحابس خفية أو بالإكراه فيحق له أن يطالب باسترداده شريطة أن يتقدم بطلب خلال فترة 30 يوماً من الوقت الذي يعلم فيه بخروج الشيء من يده، وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه. ويحق للدائن استرداد حيازة الشيء في مثل هذه الحال حتى لو كانت الحيازة قد نقلت إلى حائز حسن النية عن طريق من اختلسها أو اغتصبها. واسترداد الحيازة في مثل هذه الحال يؤدي إلى عودة الحق في الحبس إلى الدائن الحابس، ولا يكون هذا الحق هو ذاته الذي كان يتمتع به الدائن الحابس قبل خروج الشيء من يده خفية أو إكراهاً، إلا إذا كان الدائن قد استرد الحيازة القديمة نفسها.

وفي جميع هذه الحالات التي ينقضي فيها الحق في الحبس بصورة أصلية، فإن انقضاءه لا يؤدي إلى انقضاء دين الحابس المضمون بالحق في الحبس.

مراجع للاستزادة:

- أنور سلطان، الموجز في النظرية العامة للالتزام، أحكام الالتزام (دار النهضة العربية، القاهرة 1974).

- توفيق حسن فرج وجلال علي العدوي، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام وأحكام الالتزام (منشورات دار الحلبي، بيروت 2002).

- سليمان مرقس: الوافي في شرح القانون المدني، 2- في الالتزامات، المجلد الرابع، أحكام الالتزام، الطبعة الثانية، تنقيح حبيب إبراهيم الخليلي (دار النهضة العربية، القاهرة 1992).

- عبد السميع عبد الوهاب أبو الخير، الحق في الحبس في الفقه الإسلامي والقانون المدني- دراسة مقارنة (دار النهضة العربية، القاهرة 1994).

- عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، 2- نظرية الالتزام بوجه عام، الإثبات- آثار الالتزام، المجلد الثاني (دون تاريخ).

- مصطفى الزرقاء، شرح القانون المدني السوري، نظرية الالتزام العامة، 2- أحكام الالتزام في ذاته، الطبعة الأولى (مطبعة دار الحياة، دمشق 1964).

- مصطفى الجمال ورمضان أبو السعود ونبيل إبراهيم سعد، مصادر وأحكام الالتزام - دراسة مقارنة (منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، بيروت 2006).

- H., L., J. MAZEAUD  et F. CHABAS, Leçons de droit civil, Obligations- théorie générale,(Delta 2000).

- F. SALEH, L’exception d’inexécution en droit comparé français et syrien, Thèse, Toulouse I, (2000).

 

 


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 212
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 523
الكل : 31754067
اليوم : 29528