logo

logo

logo

logo

logo

دعوى الإلغاء

دعوي الغاء

cancellation action - recours pour excès de pouvoir

 دعوى الإلغاء

دعوى الإلغاء

مهند نوح

 تعريف دعوى الإلغاء

شروط قبول دعوى الإلغاء

أوجه إلغاء القرار الإداري

حكم الإلغاء وآثاره

   

أولاً- تعريف دعوى الإلغاء Le recours pour excès de pouvoir:

هي الدعوى التي يطلب المدعي بمقتضاها من القاضي إلغاء قرار إداري لعدم مشروعيته.

وقد جرى الفقه على إعطاء دعوى الإلغاء عدة خصائص، تتمثل فيما يلي:

1- دعوى الإلغاء هي من صنع مجلس الدولة الفرنسي، إذ إن معظم المباديء التي قامت عليها هذه الدعوى إنما هي من وضع مجلس الدولة الفرنسي، لذلك امتازت هذه الدعوى على مر تاريخ هذا المجلس بمرونتها التامة، وتطورها المستمر من وقت لآخر. أما في سورية فإن الوضع مختلف، إذ ولدت دعوى الإلغاء على أساس النصوص التشريعية التي تضمنتها نصوص قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959.

2- دعوى الإلغاء هي دعوى قضائية بمعنى الكلمة، أي إنها ترفع إلى جهة قضائية بالمعنى الصحيح تصدر أحكاماً لا معقب عليها من هيئة أخرى.

3- دعوى الإلغاء تمثل قضاء موضوعياً لا شخصياً، ومعنى ذلك أن رافع الدعوى لا يخاصم الإدارة إنما يخاصم قراراً إدارياً معيناً ويطلب من القضاء تقرير عدم مشروعيته والحكم بإلغائه. وانطلاقاً من ذلك فقد عدت دعوى الإلغاء موجهة ضد تصرف الإدارة مصدرة القرار غير المشروع أكثر منها ضد شخص معين، فهي لا تقوم على نزاع بين خصوم، لأن المختصم فيها هو القرار الإداري غير المشروع، لا الإدارة مصدرة هذا القرار. 

4- دعوى الإلغاء تنتمي إلى قضاء عدم المشروعية: فإذا ما ألغى القضاء قراراً إدارياً فإن ذلك يعني عدم مشروعية هذا القرار، لذلك فإن اصطلاح عدم المشروعية illégalité كان مرادفاً لاصطلاح تجاوز السلطة excès de pouvoir من زمن طويل في فرنسا خصوصاً.

واستناداً إلى ما تقدم، توصف دعوى الإلغاء بأنها من النظام العام، بحسبانها تستهدف المشروعية، ومن ثم فلا يجوز التنازل مسبقاً عنها، أي لا يجوز التنازل عن طلب إلغاء قرار غير مشروع من قبل أصحاب المصلحة. وإذا حدث مثل هذا التنازل فلا يحتج به من قبل صاحب الشأن. وكذلك لا يجوز التنازل عن الأحكام الصادرة بالإلغاء، ومن ثم لا يترتب على التنازل عن حكم الإلغاء أي أثر على إلغاء القرار، ويجب على الإدارة دائماً أن تلتزم بتنفيذ الحكم. إلا أن كون دعوى الإلغاء من النظام العام لا يمنع المدعي في دعوى الإلغاء أن يضع حداً لسير دعواه إذا قرر ترك الخصومة.

ثانياً- شروط قبول دعوى الإلغاء

إن شروط دعوى الإلغاء هي الشروط التي يجب أن تتوافر في الدعوى حتى يفصل القاضي في موضوعها، ومؤدى ذلك أنه إذا لم يتحقق أحد هذه الشروط، فإن الدعوى تكون غير مقبولة.

وترجع شروط دعوى الإلغاء إلى القرار المطعون فيه بالإلغاء، والطاعن، ومهلة الطعن، وعدم وجود طريق مواز وفقاً لما يلي:

1- القرار المطعون به:

يجب أن يكون محل الطعن قراراً إدارياً قابلاً للطعن فيه، بحسبان أن القرار الإداري هو ذلك التصرف القانوني الصادر عن الإرادة المنفردة للإدارة، وهذا يعني أنه لا تقبل طلبات الإلغاء الموجهة إلى العقود بحسبان أن هذه الأخيرة هي تصرفات قانونية قائمة على توافق إرادتين، وكذلك لا تقبل طلبات الإلغاء في الأعمال المادية التي تصدر عن الإدارة، وذلك لأنها لا تعد من قبيل التصرفات القانونية أساساً، وهذا القرار الذي هو محل لدعوى الإلغاء يجب أن يكون نهائياً، أي لم يعد خاضعاً لتدخل أي سلطة أخرى حتى يتم إبرامه، ومثال ذلك، لا يجوز الطعن في القرار الصادر عن مجلس إحدى الكليات، وذلك لأن مثل هذا القرار لا يصبح نهائياً حتى يتدخل مجلس الجامعة ويعتمده وفقاً لأحكام قانون تنظيم الجامعات.

2- الطاعن:

وفقاً للفقرة 1 من المادة 12 من قانون مجلس الدولة السوري لا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليس لهم مصلحة شخصية، وفي الحقيقة يلاحظ أن دعوى الإلغاء دعوى موضوعية أريد بها حماية المشروعية وسيادة القانون، ومن ثم فإن نطاقها يجب أن يتسع إلى حد بعيد في سبيل تحقيق هذه الغايات، لذلك ينظر إلى شرط المصلحة في رافع دعوى الإلغاء نظرة واسعة، فلا يشترط لتوافر المصلحة ومن ثم قبول الدعوى وجود حق شخصي تم الاعتداء عليه عن طريق القرار غير المشروع، إنما يكفي أن يكون المدعي في حالة قانونية خاصة حيال القرار من شأنها أن تجعله يؤثر فيه تأثيراً مباشراً، وهذا يعني أن تكون المصلحة شخصية، ويتحقق ذلك بأن يتوافر قدر من العلاقة بين القرار المطعون فيه ومركز المدعي، وكذلك يجب أن تكون المصلحة مباشرة، ويتحقق ذلك بأن يحدث القرار المطعون فيه تهديداً مباشراً للمركز القانوني للمدعي بصورة كافية. ولا يوجد معيار محدد لهذا الشرط، إنما يقدره القضاء وفقاً لكل حالة على حدة. وكذلك، لكي يتوافر شرط المصلحة لا بد أن تكون هذه المصلحة مؤكدة، ويقصد بذلك أن يكون التهديد الذي يحدثه القرار المطعون فيه للمركز القانوني للمدعي مؤكداً certain بصورة كافية، والمصلحة المؤكدة قد تكون قائمة أو مستقبلية، وتكون المصلحة المؤكدة قائمة إذا كان القرار المطعون فيه قد اتصل فعلاً بمركز الطاعن مما ينطوي على تهديدٍ حالٍّ لهذا المركز، أما المصلحة المستقبلية فهي تعني أن تهديد المركز القانوني للمدعي سوف يقع مستقبلاً، وفي هذه الحالة لا بد من التمييز بين المصلحة المستقبلية، والمصلحة المحتملة éventuel، وهي التي يمكن أن تتحقق أو لا تتحقق في المستقبل. والقاعدة في هذا الشأن أن احتمال حدوث الضرر لا ينشئ مصلحة في إثارة دعوى الإلغاء.

وإضافة إلى ما تقدم، لكي يتوافر شرط المصلحة في دعوى الإلغاء لا بد أن تكون المصلحة مشروعة، وهذا يعني أن الدعوى تكون غير مقبولة إذا كانت تهدف إلى الحفاظ على مركز مخالف للقانون، أو غير أخلاقي.

وعلى كل حال يترتب على ما تقدم، أن اتساع شرط المصلحة في دعوى الإلغاء، كما هو ملاحظ أعلاه، ليس من شأنه أن يقلب دعوى الإلغاء إلى دعوى حسبة، وهذا يعني أنه لايجوز أن يطعن بإلغاء القرار من قبل من لم يمس القرار مركزه القانوني ولمجرد أسباب المصلحة العامة المجردة.

وإضافة إلى ضرورة توافر شرط المصلحة، لا بد أن يتوافر في المدعي شرط الصفة  La qualité، بحيث يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق المدعى به، والغالب في دعاوى الإلغاء أن ترفع الدعوى من قبل من يحمل الصفة الإجرائية، أي من يمثل المدعي قانوناً نيابة عن صاحب الصفة فيها، وغني عن البيان أن من يحمل هذه الصفة الإجرائية هم المحامون حصراً أمام محاكم القسم القضائي لمجلس الدولة السوري.  

3- المهلة:

خص المشرع السوري دعوى الإلغاء بمدة زمنية قصيرة يتحتم أن ترفع الدعوى خلالها، وذلك على غرار ما فعل المشرع في كل من فرنسا ومصر، وإلا قضي بعدم قبولها شكلاً. وهذه المهلة حسب قانون مجلس الدولة السوري هي ستون يوماً، وتبدأ هذه المدة بالنفاذ من تاريخ تبلغ القرار محل الدعوى، أو نشره (المادة 22 من القانون)، علماً أن المحكمة الإدارية العليا السورية قد أضافت حالة لنفاذ المدة المذكورة، إذ يمكن أن تبدأ هذه المدة بالسريان من تاريخ العلم اليقيني بالقرار من قبل المدعي. (مثلاً: قرارها رقم 1047 في الطعن رقم 1189 لسنة 1990، مجموعة المباديء لسنة 1990، ص274). وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا السورية وجوب التقيد بالمهلة القانونية في دعوى الإلغاء بحسبان أنه قد نظمت عن طريق قواعد قانونية آمرة. (حكم المحكمة الإدارية العليا رقم 225/182/1977، المجموعة لسنة 1977، ص131).  

ويتم وقف المهلة المذكورة في حالة القوة القاهرة، ويتحقق ذلك فيما لو وجد المدعي في ظروف يستحيل عليه معها اتخاذ الإجراءات اللازمة لإقامة الدعوى، وذلك مثل المرض الشديد، والظروف الطبيعية، والتوقيف (المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 48 في الطعن 604 لسنة 1988، المجموعة لسنة 1988، ص645)، وعلى كل حال، إذا ظهر الوقف قبل بدء المهلة، فإن المهلة لا تبدأ بالسريان، أما إذا ظهر سبب الوقف بعد بدء المهلة، فإن المهلة توقف حتى يزول سبب الوقف، فإذا زال هذا السبب عادت المهلة إلى السريان، على أن تحسب المدة السابقة على الوقف مع المدة اللاحقة عليه.

كما تنقطع هذه المدة بالتظلم الإداري (المادة 22 من قانون مجلس الدولة)، علماً أنه لا أثر لتقديم التظلم بعد إقامة دعوى الإلغاء على قطع ميعاد رفعها (حكم المحكمة الإدارية العليا 614 في الطعن 2644 لسنة 1990، مجموعة المبادئ لسنة 1990 ص612)، وقد أقر الاجتهاد القضائي انقطاع المهلة في حالة طلب الإعفاء من الرسوم القضائية وذلك إلى أن يصدر القرار بقبوله أو برفضه، (حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 28 لسنة 1963، مجموعة المبادئ للسنوات بين 1960 و1964، ص259)، وكذلك إذا صادف آخر يوم في المهلة يوم عطلة رسمية فإن المهلة تنقطع وتمتد إلى اليوم التالي ليوم العطلة الرسمية (حكم المحكمة الإدارية العليا السورية رقم 4 في الطعن 28 لسنة 1968، ص71)، كما تنقطع المهلة المذكورة في حال رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة (المحكمة الإدارية العليا السورية الحكم رقم 92 في الطعن 23 لسنة 1971، المجموعة لسنة 1971، ص265).

4- عدم وجود دعوى موازية:

يشترط لقبول دعوى الإلغاء ألا يكون المشرع قد رسم لصاحب الشأن طريقاً قضائياً آخر يستطيع بمقتضاه أن يصل إلى النتائج ذاتها التي تحققها له دعوى الإلغاء، فإذا وجد هذا الطريق الآخر يجب على صاحب الشأن اتباعه، ويمتنع عليه من ثم اللجوء إلى دعوى الإلغاء، وهذا الشرط من صنع مجلس الدولة الفرنسي، ولا سند له في النصوص القانونية، ومن الملاحظ أن العنصر الجوهري لتطبيق نظرية الدعوى الموازية إنما يتمثل في ضرورة تحقق التعادل بين نتائج دعوى الإلغاء والدعوى الموازية حتى يعد وجود الثانية شرطاً لعدم قبول الدعوى الأولى. وهذا العنصر ذاته كان معول هدم لنظرية الدعوى الموازية نظراً لعدم إمكانية تحقق التعادل بين نتائج دعوى الإلغاء وأي دعوى أخرى، وذلك لما لدعوى الإلغاء من مزايا خاصة تتمثل في سهو لة الإجراءات وقلة النفقات، ونظراً لما لها من حجية مطلقة. وعلى كل حال فإن الشرط المتعلق بالدعوى الموازية لم يعرف التطبيق في كل من سورية ومصر، وقد زال فعلياً في فرنسا من زمن بعيد.

ثالثاً- أوجه إلغاء القرار الإداري

بعد أن يتأكد القضاء من توافر شروط قبول دعوى الإلغاء، ينتقل إلى مرحلة الفصل في موضوع الدعوى، ومعنى ذلك أن المحكمة في هذه الحالة تبحث في عناصر مشروعية القرار المطلوب إلغاؤه حتى تستطيع الحكم في الدعوى، ومن ثم فإن المحكمة لا تستطيع أن تقضي بإلغاء القرار إلا إذا كان غير مشروع، وعيوب القرار الإداري التي تؤدي إلى عدم مشروعيته، ترتبط بأركان القرار الإداري، وهي تتجلى فيما يلي:

1- عيب عدم الاختصاص:

ويراد بعدم الاختصاص عدم القدرة قانوناً على اتخاذ قرار معين، وذلك لضرورة صدوره من مرجع إداري آخر. ويتسم عيب عدم الاختصاص بأنه متعلق بالنظام العام، ولا يمكن تصحيحه بإجراء لاحق، وأنه غير خاضع لتقدير الإدارة، ومن ثم فلا يجوز لها أن تتفق مع الغير على تعديل قواعده.

ويكون عيب عدم الاختصاص بسيطاً أو جسيماً، يكون عيب عدم الاختصاص بسيطاً  في حالة مخالفة قواعد الاختصاص المكاني، ويتحقق ذلك حين يتخذ رجل الإدارة قراراً ضمن مجال الاختصاص المكاني لرجل إدارة آخر، أو مخالفة قواعد الاختصاص الزماني وذلك يتحقق خصوصاً حين يصدر رجل الإدارة قراراً خارج نطاق الإطار الزماني لولايته الوظيفية، أي قبل توليه للوظيفة أو بعد خروجه منها، وكذلك إذا صدر القرار بعد الميعاد الذي حدده القانون لاتخاذ القرار، وإضافة إلى ما تقدم يتحقق عيب عدم الاختصاص البسيط من حيث الموضوع، ويحدث ذلك حين تعتدي سلطة إدارية على المواضيع التي تدخل ضمن اختصاصات سلطة إدارية أخرى، وسواء أكان ذلك التجاوز واقعاً من قبل سلطة إدارية أعلى من السلطة الإدارية التي وقع التجاوز على اختصاصاتها، أو السلطة الإدارية المتجاوزة في الاختصاص أدنى، أو كانت السلطتان المتجاوزة والتي تم التجاوز على اختصاصاتها متوازيتين على السلم الإداري.

ويكون عيب عدم الاختصاص جسيماً، في حالتين: تتمثل الحالة الأولى في صدور القرار من فرد عادي (ليس موظفاً) أو من قبل هيئة خاصة لا تملك إطلاقاً حق مباشرة أي اختصاصات إدارية، كما يتحقق في حالة اعتداء السلطة الإدارية على اختصاصات السلطة التشريعية أو السلطة القضائية، كأن تتخذ السلطة القضائية قراراً للبت في منازعة لا يجوز أن يبت فيه إلا القضاء، ومن المستقر عليه أن عيب عدم الاختصاص البسيط يؤدي إلى بطلان القرار، أما عيب عدم الاختصاص الجسيم فيؤدي إلى انعدامه.   

2- عيب مخالفة الشكل أو الإجراءات Le vice de forme et procédures:

يقصد بهذا العيب عدم التزام الجهة الإدارية بالإجراءات والأشكال المطلوبة قانوناً، لإصدار القرارات الإدارية، وذلك بتجاهلها وإسقاطها كلياً أو بمخالفتها. ومن المستقر عليه أن مخالفة الشكل والإجراءات لا تؤدي دائماً وحتماً إلى بطلانه، ومن ثم إلى إلغائه، إنما لا بد من التفرقة بين مخالفة الإجراءات والأشكال الجوهرية Formalités substantielles وهي التي تقود إلى بطلان القرار، والإجراءات والأشكال الثانوية Formalités non substantielles وتلك لا تؤدي إلى بطلانه، ويعد الإجراء أو الشكل جوهرياً إذا أسبغ القانون عليه هذا الوصف صراحة، أو إذا عد القرار باطلاً في حالة مخالفة الشكل أو الإجراء المطلوب، وفي حالة سكوت النص القانوني يعد الإجراء أو الشكل جوهرياً إذا كان له أثر حاسم على مسلك الإدارة وهي تحدد مضمون القرار، أو إذا وضع الإجراء أو الشكل لمصلحة الأفراد، ومن أمثلة الأشكال والإجراءات الجوهرية، أن يستلزم القانون أخذ رأي جهة معينة قبل اتخــاذ القرار (إجراء جوهري)، أو أن يستلزم القانون تسبيب القرار (شكل جوهري).

3- عيب مخالفة القانون La violation de la loi:

وهذا العيب يتصل بمحل القرار من حيث كونه الأثر القانوني الناجم عن القرار، وذلك بإنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل مركز قانوني قائم أو إلغائه. ومحل القرار يجب أن يكون ممكناً وجائزاً قانوناً، ومعنى أن يكون جائزاً أن لا يكون مستحيلاً، ومعنى أن يكون جائزاً قانوناً أن يكون متوافقاً مع القانون بمعناه الواسع، أي يجب أن يتوافق مع كامل المنظومة التشريعية السائدة في الدولة والتي تشمل الدستور والقانون واللوائح والأعراف الإدارية.

ويأخذ عيب مخالفة القانون أشكالاً مختلفة: فقد تكون المخالفة صريحة، كأن يحرم القانون أمراً فتأتيه عن طريق إصدار قرار بهذا الشأن، وقد تأخذ مخالفة القانون صورة الخطأ في تفسير القانون بحيث تجاوز الإدارة قصد المشرع، وتظهر المخالفة كذلك إذا وضع القانون قيوداً معينة على بعض الحقوق، أو شروطاً معينة في مكان استعمالها ثم تأتي الإدارة فتضيف قيوداً جديدة أو تتشدد في القيود القائمة، وكذلك تتحقق حالة مخالفة القانون إذا عمدت الإدارة إلى عدم تطبيق القانون، وكشف مسلكها عن هذا القصد.

4- عيب السبب:

السبب هو الحالة القانونية أو الواقعية التي تسبق القرار وتدفع إلى إصداره، وعلى هذا الأساس يجب أن يقوم القرار على حالة قانونية أو واقعية صحيحة تحمل الإدارة على اتخاذ القرار، وعلى هذا الأساس فإن لكل قرار إداري سبباً يحمله، لذلك إذا صدر قرار عن الإدارة ولم تكن هناك حالة واقعية أو قانونية دفعت إليه، فإن القرار يكون جديراً بالإلغاء، ولا يكفي أن يكون السبب موجوداً كواقعة، بل لا بد أن يكون تكييف الإدارة لهذه الواقعة صحيحاً لتكون قادرة على حمل القرار، أما إذا كان تكييف الواقعة التي استند عليها القرار غير صحيح، فإن السبب المدعى عندئذ يكون غير قادر على حمل القرار، ويكون القرار جديراً بالإلغاء، كما هو الحال في مجال القرارات التأديبية، إذ لا بد أن تكيف الوقائع التي يستند عليها القرار على أنها من قبيل خرق واجبات الوظيفة، أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فمعنى هذا أن الإدارة أخطأت في تكييف الوقائع، ويغدو القرار معيباً في سببه.

5- عيب الانحراف في السلطة Le détournement de pouvoir:

وهذا العيب أطلق عليه قانون مجلس الدولة السوري إساءة استعمال السلطة، ويرتبط هذا العيب بركن الغاية المراد تحقيقها من إصدار القرار، إذ يتعين دائماً على مصدر القرار تحقيق المصلحة العامة، وهي غاية النشاط الإداري كله أياً كانت صورته، وقد يحدد المشرع للقرار الإداري هدفاً معيناً، وهنا لا يكفي الغرض العام، إنما يتعين أن يتوجه القرار الإداري نحو الهدف المخصص، وهذا هو ما يطلق عليه مبدأ تخصيص الأهداف، وقد يحدد المشرع إجراءات محددة يجب اتباعها ضماناً للأفراد المخاطبين بالقرار، إلا أن الإدارة تسيء استعمال الإجراءات الواجبة عليها، وتلجأ إلى استعمال إجراءات أخرى لا تحوي الضمانات نفسها المقررة للأفراد في الإجراءات التي تجاهلتها الإدارة، وفي كل الحالات فإن صدور القرار مخالفاً للمصلحة العامة، أو خارج نطاق الهدف المخصص، أو صدوره خارج الإجراء المفروض قانوناً، إنما يؤدي إلى بطلان القرار.

ويتميز عيب الانحراف بالسلطة بعدد من الخصائص:

أ - هو عيب قصدي، ومعنى ذلك أن يكون لدى مصدر القرار عند اتخاذ القرار قصد إساءة استعمال السلطة.

ب - إن عيب الانحراف بالسلطة هو عيب احتياطي، وهذا يعني أن القضاء لا يؤسس حكمه بإلغاء القرار الإداري على عيب الانحراف في حال توافر أحد العيوب الأخرى.

ت -  يتميز عيب الانحراف بالسلطة بصعوبة الإثبات، وذلك لأنه يتعلق بنواح قصدية لدى مصدر القرار.

ومن أبرز صور الانحراف عن المصلحة العامة تجاه رجل الإدارة في تصرفه إلى تحقيق نفع شخصي له أو محاباة الغير، أو استخدام السلطة بقصد تحقيق غرض سياسي، أو بقصد الانتقام الشخصي.

رابعاً- حكم الإلغاء وآثاره:

ليس لقاضي الإلغاء إلا أن يقضي بإلغاء القرار إذا كان غير مشروع، وليس له أن يستخلص بنفسه نتائج الإلغاء ولو كانت مباشرة، ويترتب على ذلك أنه ليس للقاضي أن يحل محل القرار الملغى قراراً آخر، ولا شك أن المبدأ التقليدي للفصل بين الإدارة العاملة والإدارة القاضية يسوغ هذا المبدأ، لأن إصدار حكم بمضمون آخر غير الإلغاء ينطوي على مخالفة لاستقلال الإدارة، إلا أن القاضي الإداري يستطيع أن يلغي القرار كلياً أو جزئياً، والإلغاء الكليAnnulation totale  هو الذي يشمل القرار بكامل أجزائه وآثاره، بحيث يعد كأن لم يكن من تاريخ صدوره، أما الإلغاء الجزئي Annulation partielle فينصب على الجزء المعيب من القرار دون الأجزاء الأخرى.

ولا بد من الإشارة إلى أن القاضي قد يرفض الحكم بالإلغاء الجزئي إذا كانت هناك استحالة في الحكم به لوجود ارتباط بين أجزاء القرار المطعون فيه ارتباطاً لا يسمح بالفصل بين الجزء المطلوب إلغاؤه وبقية الأجزاء الأخرى من القرار.

ويمكن أن يؤدي إلغاء القرار إلى إلغاء قرار أو قرارات أخرى، وهو ما يطلق عليه تسمية الإلغاء بالتبعية Annulation par voie de conséquence، ويشترط لتحقق الإلغاء بالتبعية أن توجد رابطة واضحة ووثيقة بين القرار المحكوم بإلغائه والقرارات الأخرى التابعة، وهذه القرارات تكون تابعة للقرار الملغى، إما لأن هذا القرار هو السبب الوحيد لوجودها، وإما لأن هذه القرارات قد صدرت تطبيقاً للقرار المحكوم بإلغائه، أو لأنها ترتبط بهذا القرار برابطة لا تقبل التجزئة. 

أما حجية الحكم الصادر بالإلغاء فهي حجية مطلقة، ومن ثم فإنه يحتج به في مواجهة الكافة erga omnes لا بمواجهة أطراف الدعوى فقط، وهذا الوضع هو نتيجة طبيعية لانتماء دعوى الإلغاء إلى القضاء الموضوعي أو العيني حيث يخاصم القرار الإداري ذاته، فالحكم بالإلغاء هو إعدام للقرار الإداري أياً كان نوعه، ومن ثم ليس مقبولاً أن يكون القرار معدوماً لبعض الأفراد وقائماً لبعضهم الآخر.

غير أن الحجية المطلقة تقتصر على حكم الإلغاء ذاته دون غيره من الأحكام الأخرى، فهي لا تشمل الأحكام الأخرى التي يمكن أن تصدر بالدعوى مثل الحكم برفض الدعوى والحكم في مسائل الاختصاص القضائي، وكذلك الحكم في وقف تنفيذ القرار محل الدعوى.

ويسري الحكم بالإلغاء بأثر رجعي يترتب عليه إعدام القرار من يوم صدوره، ومن ثم يجب على الإدارة أن تتخذ الإجراءات اللازمة لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور القرار الملغى وأن تمتنع كذلك عن تنفيذ القرار المذكور إذا كانت لم تنفذه فعلاً. والحل العملي المتبع في هذه الحالة لتنفيذ حكم الإلغاء أن تصدر الإدارة قراراً من شأنه أن يسحب القرار الذي تم إلغاؤه. كما يجب عليها أن تقوم بإعادة المركز القانوني الذي كان قائماً قبل الإلغاء، وعلى أن تكون هذه الإعادة بأثر رجعي، حتى يكون تنفيذ حكم الإلغاء تنفيذاً حقيقياً وكاملاً.

مراجع للاستزادة:

- محمد كامل ليلة، الرقابة على أعمال الإدارة (القاهرة، بلا تاريخ).

-  محمد عبد اللطيف، قانون القضاء الإداري (دار النهضة العربية، القاهرة 2002).

- إدوار عيد، القضاء الإداري (مطبعة البيان، بيروت 1975). 

- سليمان الطماوي، القضاء الإداري (دار الفكر العربي، القاهرة 1996).

- يحيى الجمل، القضاء الإداري (دار النهضة العربية، القاهرة 1986).

-  محمود أبو السعود حبيب، القضاء الإداري (دار الثقافة الجامعية، القاهرة 1996).

- مصطفى أبو زيد فهمي، القضاء الإداري ومجلس الدولة، الطبعة الثالثة (القاهرة 1966).

- G. Peiser, Contentieux administratif (Dalloz, Paris 2004).

- J.M. Auby et R. Drago, Traité des recours en matière administrative (Litec, Paris 1992).

- R. Chapus, Contentieux administratif (Delta, Paris 1995).

- R. Odent, Contentieux administratif (Dalloz, Paris 2007).

 


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 471
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 985
الكل : 58978206
اليوم : 131618