logo

logo

logo

logo

logo

الرهن التأميني

رهن تاميني

mortgage insurance - L’hypothèque

 الرهن التأميني

الرهن التأميني

محمد عمار غزال

خصائص التأمين العقاري المتميزة من الرهن الحيازي

إنشاء التأمين الرضائي

آثار التأمين الرضائي

انقضاء الرهن التأميني

 

يعدّ التأمين العقاري الرضائي L’hypothèque النمط الأكثر تطوراً في تاريخ التأمينات العينية حيث يتميز بقدرته على تحقيق الهدف ذاته الذي كانت تسعى التأمينات الأكثر تعقيداً وكلفة إلى تحقيقه وهو ضمان الوفاء بالالتزام عبر وسائل أخذت أنماطاً متعددة مثل: نقل الملكية بوصفه ضماناً، والتصرف الائتماني، والبيع الوفائي، ثم نزع الحيازة. أما التأمين العقاري فيضمن الوفاء بالالتزام دونما حاجة لا إلى نزع الحيازة ولا إلى تعطيل القيمة المالية للعقار لمصلحة دائن واحد فقط. بل أصبح من الممكن بفضل السجلات العقارية إنشاء أكثر من تأمين على العقار ذاته مع بقائه في حيازة مالكه المدين الذي له أن ينتفع به شرط عدم إنقاص قيمته. ثم شهد هذا النوع من التأمين مؤخراً تطوراً مهماً يتمثل بنشوء ما سمي بالتأمين المتجدد L’hypothèque rechargeable  الذي صدر في فرنسا بالقرار رقم 23 آذار/مارس 2006 والذي يتعلق بالتأمين الذي يكون وعاؤه قابلاً للاستخدام ثانية من أجل ضمان ديون جديدة عندما يكون الدين الأول موفى جزئياً أو عندما تكون قيمة العقار تجاوز على نحو واضح قيمة الدين الأول، وقد طبق أول مرة في فرنسا في عام 2007.

وقد عرفت المادة (1071) مدني سوري التأمين الرضائي بأنه: «حق عيني على العقارات المخصصة لضمان وفاء التزام. وهو بطبيعته غير قابل للتجزئة ويبقى بكامله على العقارات المخصصة له وعلى كل عقار منها وعلى كل قسم من هذه العقارات ويتبعها في أية يد تنتقل إليها العقارات». وهذا النص مأخوذ من المادة (120) من القرار رقم /3339/ لعام 1930 المعروف باسم قانون الملكية العقارية الذي أدرجت معظم مواده في القانون المدني. أما المصدر التاريخي لهذا النص فهو نص المادة (2114) من القانون المدني الفرنسي، وقد جاء نص المادة (1071) مطابقاً تماماً لنص المادة (2114).

ومن خلال هذا النص يتبين أن التأمين العقاري لا يفضي إلى نزع حيازة الراهن، وهي الخاصية الأهم التي تميزه من الرهن الحيازي، لذلك استخدم المشرع لفظ تأمين تمييزاً له من الرهن لأن معنى الرهن ينصرف في الأصل إلى الحيازة، فهو بذلك عقد رضائي وليس عينياً، لكنه يكسب صاحبه حقاً عينياً على العقار الجاري عليه التأمين.

أولاً ـ خصائص التأمين العقاري المتميزة من الرهن الحيازي:

يتبين من التعريف الذي أوردته المادة (1071) مدني سوري أن التأمين الرضائي ليس عقداً عينياً لأنه لا يستلزم نزع الحيازة، ومع ذلك فهو ينشئ للمرتهن حقاً عينياً على العقار المرهون، فلا يرد إلا على عقار وذلك لضمان الوفاء بالالتزام فهو تابع في وجوده للدين المضمون وهو لايقبل التجزئة. ويستخلص من ذلك أن خصائص التأمين العقاري هي الآتية:

1ـ هو رهن غير حيازي: فيبقى العقار الجاري عليه التأمين في يد المدين يتصرف به بحرية، فله أن يبيعه أو يؤجره أو يهبه أو أن ينشئ عليه حقوقاً عينية جديدة، وله أن يستمر في استعماله واستغلاله كيفما شاء من دون إخلال بحقوق صاحب التأمين، فلا يجوز إنقاص قيمته الائتمانية. ولن يخشى الدائن صاحب التأمين من هذه التصرفات إذ العقار ينتقل مثقلاً بالحق العيني، فهذا الحق يتبع العقار، وصاحب التأمين يستطيع التنفيذ عليه تحت أي يد كانت.

هو حق عيني: فالدائن صاحب التأمين العقاري يتمتع بجميع ما يعود للحق العيني من خصائص و ضمانات وحقوق، فله حق التتبع وحق الأفضلية حيث يتم التنفيذ على العقار في مواجهة الحائز. أما لو بقي العقار في يد المدين فلا يتصور ممارسة حق التتبع، لذلك فإن حق الأفضلية هو من الناحية العملية الحق العيني الذي يعول عليه الدائن. فالصفة العينية هي نفسها كما في الرهن الحيازي إلا أن مضمونها هنا يختلف إذ من أهم سمات الصفة العينية للرهن الحيازي ممارسة سلطة مباشرة ومادية على المرهون، على خلاف الحال في التأمين العقاري إذ ليس من ارتباط مباشر في التأمين ما بين الدائن والعقار، وهو ليس له حق استغلاله أو إدارته وكل ذلك ناجم عن عدم نقل الحيازة. وعلى الرغم من ذلك يمكن تفسير هذه الصفة العينية هنا بأنها على الرغم من أن التأمين لا ينصب على الكيان المادي للعقار فإنه يقع على القيمة الاقتصادية التي يمثلها هذا العقار، ولا أدل على ذلك من إمكانية قصر التأمين على جزء من العقار مساوٍ في قيمته لقيمة الدين، فيقع الحق العيني للدائن على هذه القيمة الجاري عليها التأمين.

3ـ هو حق عيني عقاري: فلا يرد إلا على عقار قابل للبيع والشراء أوعلى حق الانتفاع الجاري على العقار أو على حق السطحية أو حقوق الإجارتين أو المقاطعة. وينجم عن خاصية كون التأمين حقاً عينياً عقارياً أنه يخضع للقاعدة العامة القاضية بوجوب القيد في السجل العقاري. وبالتالي فلن يكون التأمين سارياً بحق الغير إلا بتسجيله، والتسجيل هو الذي يحدد رتبة صاحب التأمين. ومن دون التسجيل لن يكون التأمين منتجاً لآثاره بين أطرافه إلا بعد الحصول على حكم قضائي يلزم المدين بالتسجيل حيث يقوم الحكم مقام العقد.

4ـ هو حق عيني تبعي: وهذه الصفة مستنتجة من المادة (1071)… لضمان وفاء التزام ويبقى بكامله على العقارات المخصصة له. فالبقاء هنا مرهون ببقاء الدين، فإذا زال الدين المضمون زال التأمين تبعاً له. وتطبيقاً لمبدأ التبعية قررت محكمة النقض السورية أن التأمين العقاري هو حق تابع لأصل الحق، فلا يفرد بالحكم، فتقادم محل الحق يمتد إلى التأمين ذاته (نقض سوري 1319 تاريخ 17/6/1982 مجلة «المحامون» ص 169 لعام 1983). فربط التأمين بالوفاء بالالتزام ناجم عن الصفة التبعية، فالتأمين العقاري حتى يقوم صحيحاً يفترض وجود التزام صحيح، فإذا كان الالتزام باطلاً بطل معه التأمين تطبيقاً لمبدأ تبعية التأمين للالتزام المضمون. غير أن التأمين العقاري ـ في مجال التبعية للالتزام المضمون ـ يتضمن إمكانية إنشاء التأمين قبل نشوء الدين المضمون كما في حالة التأمين العقاري لدين معلق على شرط موقف. ومعلوم أن الملكية غير متحققة في حالة الشرط الموقف ومع ذلك يصح التأمين، فإذا تحقق الشرط الموقف استقرت الملكية وثبت التأمين بأثر مستند إلى تاريخ تسجيله، وإذا لم يتحقق الشرط ضمن المهلة المتفق عليها زالت الملكية وانقضى التأمين بأثر مستند تبعاً لذلك والتأمين بوصفه حقاً تبعياً ينتقل مع الدين للخلف العام أو الخاص لمصلحة صاحب التأمين.

5ـ هو حق لايقبل التجزئة إلا بالاتفاق: وهو ما يستنتج من الشق الثاني من المادة (1071) «… وهو بطبيعته غير قابل للتجزئة ويبقى بكامله على العقارات المخصصة له وعلى كل عقار منها وعلى كل قسم من هذه العقارات». فإذا كان التأمين وارداً على عقارٍ واحدٍ فمن الممكن أن يتجزأ العقار بفعل القسمة، وهذه القسمة لا تؤثر في التأمين فيبقى كل جزء من العقار ضامناً للوفاء بكل الدين. وليس لزاماً التنفيذ على كامل العقار إذا كان جزء منه يوفي بالدين كاملاً. أما إذا كان التأمين وارداً على مجموعة عقارات فمبدأ عدم التجزئة يقتضي أن كل عقار ضامن لكل الدين وليس فقط لجزء من الدين، فليس لزاماً على الدائن تحرير عقار من التأمين لقاء جزء موازٍ له من الدين فالكل بالكل والكل بالجزء، فكل واحد من العقارات ضامن لكل الدين ولأصغر جزء منه ما لم يوجد اتفاق مخالف.

ثانياً ـ إنشاء التأمين الرضائي:

إن أهم ما يميز التأمين العقاري من الرهن الحيازي العقاري هو أن عقد التأمين ليس عقداً عينياً فنشؤه غير مرتبط بتسليم العقار ولا هو أصلاً من مستلزماته، فهو من هذه الجهة عقد رضائي. غير أن هذا العقد لا ينتج آثاره إلا بعد التسجيل، وهي شريطة شكلية في حال تخلفها يكون العقد غير سارٍ تجاه الغير، أما تجاه العاقدين فإنه سيكون من واجب الدائن اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم يقضي بتسجيل التأمين في السجل العقاري. وبما أن إنشاء التأمين قد يفضي إلى بيع العقار في المزاد العلني في حال عدم الوفاء فإن التأمين يشترط في من يعقده أن يكون لديه أهلية التصرف. وأخيراً فإن الحقوق العينية العقارية التي يجوز أن يجري عليها التأمين محددة في القانون على سبيل الحصر.

1ـ الشروط الموضوعية لإنشاء التأمين الرضائي:

هذه الشروط لا تختلف عن الشروط الموضوعية العامة للعقود الواردة في القانون المدني من رضاء وأهلية ومحل وسبب. وسوف يتم عرض الأحكام الخاصة بالتأمين بالنسبة لهذه الشروط.

أ ـ الرضاء والأهلية: نصت المادة (1079) على أنه يشترط في من يعقد التأمين الرضائي أن يكون حائزاً على أهلية التصرف بالعقار أو بالحق المعقود عليه التأمين. والسبب في هذا الاشتراط أن إجراء تأمين على عقار أو حق عيني قابل له هو شكل من أشكال التصرف، لذلك كان لزاماً أن يكون المدين ـ سواء أكان هو المدين الأصلي أم الكفيل العيني ـ أهلاً للتصرف بهذا العقار أو الحق. فإذا أجرى التأمين الصغير المميز وقع تأمينه قابلاً للإبطال لمصلحته، ولا يجوز للدائن الإفادة من قابلية الإبطال هذه إذ هي ليست مقررة لمصلحته. أما إذا كان عاقد التأمين صغيراً غير مميز أو مجنوناً فإن العقد يقع باطلاً فيفيد منه جميع الأطراف، وهذا البطلان لا يصححه لا الإقرار ولا الإجازة ولا يسقط بالتقادم. وكذلك لا يصح إنشاء التأمين من جانب المدين التاجر بعد توقفه عن الدفع وشهر إفلاسه ولا المدين المعسر. ويمتنع على أمين السجل العقاري تسجيل تأمين على عقار تاجر مدين سُجل حكم شهر إفلاسه في السجل العقاري.

أما بالنسبة إلى الدائن فإن التأمين اغتناء في حقه، وهو عمل نافع نفعاً محضاً بالنسبة له، لذلك يكتفى فيه بلوغه سن التمييز، فإذا كان المدين المؤمن بالغاًً غير مصاب بعارض من عوارض الأهلية والدائن المؤمن له صغيراً مميزاً ولم يشب إرادته أي عيب من عيوب الإرادة وقع العقد صحيحاً. وإذا أراد المؤمن توكيل غيره بإنشاء التأمين وجب أن تكون الوكالة خاصة تخول الوكيل صراحة إبرام العقد وتسجيله في السجل العقاري؛ لأن التأمين هو تصرف بالعقار، وأعمال التصرف تتطلب عادة وكالة خاصة يتم بموجبها تعيين نوع التصرف بدقة وعلى حسب ما يقتضيه نوع العمل والعرف. أما بالنسبة إلى الدائن صاحب التأمين فيستطيع توكيل غيره بموجب وكالة عامة فقط.

ب ـ المحل: والمقصود بالمحل هنا هو الحقوق العينية التي يرد عليها التأمين، فقد نصت المادة (1072) على أنه: «يمكن عَقْد التأمين على الأشياء الآتية فقط:

العقارات المبنية وغير المبنية القابلة للبيع والشراء ومعها جميع ملحقاتها المعتبرة عقارات.

حق الانتفاع الجاري على (نفس) العقارات والملحقات مدة قيام هذا الحق.

حقوق الاجارتين والمقاطعة.

حق السطحية».

ويلاحظ أن التعداد الوارد في النص هو على سبيل الحصر، فلا يجوز إنشاء تأمين على غير هذه الحقوق. فمثلاً لا يجوز إنشاء تأمين على حق ارتفاق على نحو مستقل عن العقار المرتفق، إذ هو لا يقبل التصرف به مستقلاً عن العقار المرتفق. وكذلك لا يجوز إنشاء تأمين على عقار لا يقبل التداول، كما لو كان المدين يملك العقار مع شرط عدم التصرف به في الحالات التي يكون فيها هذا الشرط صحيحاً. وكذلك لا تقبل التأمين العقارات الموقوفة، لأن الوقف يتعارض مع التصرف، وكذلك العقارات المعتبرة من أملاك الدولة، فجميع تلك الحقوق العينية لا تقبل التأمين لعدم إمكان التصرف بها ولكونها غير قابلة للتداول. وبالنتيجة فكل عقار لا يجوز تداوله ولا بيعه مستقلاً لا يجوز إجراء التأمين عليه، فحق الاستعمال وحق السكن العقاريان لا يقبلان التأمين على الرغم من كونهما حقوقاً عينية، لأنهما غير قابلين للبيع بالمزاد العلني، وكذلك العقارات بالتخصيص، لأنه لا يجوز حجزها وبيعها استقلالاً. ومن ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة (1080) من أنه: «يقع باطلاً التأمين على الشيء المستقبل». والعقار المستقبل هو الذي لم يكن مملوكاً للمؤمن وقت انعقاد التأمين، كالعقار الذي سيرثه المؤمن في المستقبل، وتعدُّ من العقارات المستقبلة المحظور التأمين عليها والعقارات غير المملوكة للمدين المؤمن ملكية حاضرة وليس له عليها أي حق من الحقوق العينية القابلة للتأمين. وعلى نحو آخر هي العقارات التي يكون حقه فيها مجرد حق احتمالي غير موجود وقت إنشاء التأمين، فيقع بذلك التأمين باطلاً، فإذا ما تحقق الاحتمال وامتلك المدين المؤمن العقار أو الحق ظل التأمين باطلاً وهو والعدم سواء. وليست العلة في تقرير البطلان للتأمين الواقع على عقار مستقبل هي عدم ملكية المؤمن للعقار ملكية حاضرة إذ بيع ملك الغير ـ وهو تصرف أقل خطورة من التأمين ـ يقع قابلاً للإبطال وغير سارٍ بحق المالك ولكن العلة تكمن في عدم احترام مبدأ التخصيص الذي يقضي بضرورة تعيين الحق الجاري عليه التأمين تعييناً دقيقاً نافياً للجهالة.

وفي هذا المعنى يرى بعضهم أن البطلان يجب قصره على حالة كون الحق الجاري عليه التأمين غير معين تعييناً دقيقاً، أما إذا كان معيناً فإنه يقع قابلاً للإبطال لأنه يكون رهناً لملك الغير.

ج ـ السبب: إن سبب عقد التأمين هو الالتزام الذي يراد ضمانه. ومن التعريف الذي أوردته المادة (1071 مدني) من أن التأمين مخصص لضمان وفاء التزام يتبين أن وجود هذا الالتزام هو سبب عقد التأمين، مما يعني أن عقد التأمين لا يمكن أن ينشأ من دون وجود حق الدين الأساسي الذي يضمنه، وهذا الالتزام المضمون جاء بحسب نص المادة (1071) نكرة مما يفيد العموم أي إن هذا الالتزام يمكن أن يكون بعمل أو امتناع عن عمل أو لضمان الوفاء بمبلغ من النقود، وذلك على خلاف الرهن الحيازي العقاري الذي لا يجوز إنشاؤه إلا لضمان الوفاء بمبلغ من النقود. ويفترض أن يكون هذا الدين أو الالتزام صحيحاً لأنه بحسب مبدأ تبعية التأمين للالتزام إذا كان الالتزام المضمون باطلاً وقع التأمين كذلك باطلاً. وبما أن الالتزام المضمون بصفته سبباً للتأمين العقاري فإنه يصبح ركناً في عقد التأمين، ومن حيث المبدأ لا يتصور قيام العقد قبل ركنه فلا يكون التأمين سابقاً في وجوده على الالتزام المضمون إذ لا يجوز أن يسبق العقد في الوجود سببه. غير أن للتأمين العقاري في هذا الصدد خاصية تميزه من الرهن الحيازي العقاري إذ إن ارتباط التأمين العقاري بالالتزام المضمون ليس صارماً إلى حد أنه يفرض وجوداً فعلياً للدين في الوقت الذي ينشأ فيه التأمين. فالتأمين الضامن لفتح اعتماد مصرفي يعد مثلاً على قيام التأمين قبل سببه لأن قيد التأمين المتخذ عند العقد يؤمن ابتداءً من تاريخه جميع الدفعات التي سيحصل عليها المدين فيما بعد بموجب عقد فتح الاعتماد، فتكون تلك الدفعات مؤمنة بالتأمين العقاري قبل حصولها. وهنالك أمثلة عديدة يعقد فيها التأمين العقاري قبل قيام سببه، ومن ذلك مثلاً التأمين الضامن لحقوق القصر والمحجور عليهم وحقوق الدولة، وجميع هذه الالتزامات المضمونة بالتأمين العقاري إنما هي مستقبلة وغير أكيدة، ومع ذلك يجري ضمانها بتأمين عقاري يأخذ مرتبته من تاريخ قيده في السجل العقاري، فيكون بذلك عقد التأمين سابقاً في وجوده على سببه خلاف الأصل. غير أن عقد التأمين لا ينتج آثاره القانونية إلا في حال تحققت الالتزامات المضمونة، فإذا لم تتحقق عدّ هذا التأمين كأنه لم يكن أي ينقضي ويزول بأثر رجعي. إن ارتباط التأمين بسببه هو ارتباط الأصل بالفرع، وتطبيقاً لخاصية تبعية التأمين للالتزام المضمون وجوداً وعدماً وانتقالاً، فإذا انتقل حق الدين إلى ذمة مالية أخرى بالإرث أو الوصية أو التفرغ عن الدين انتقل معه التأمين الضامن له، وإذا انقضى حق الدين انقضى معه التأمين الضامن له. 

2ـ القيد في السجل العقاري بوصفه شرطاً شكلياً لإنشاء التأمين العقاري:

نصت المادة (1077 مدني) على أنه: «يكون التأمين جبرياً أو رضائياً وفي كلا الحالتين لا يكون له أثر قانوني إلا بعد تسجيله». كما نصت المادة (825 مدني) على أن: «الحقوق العينية العقارية تكتسب وتنتقل بتسجيلها في السجل العقاري». وعلى ذلك فالحق العيني الذي يقدمه التأمين العقاري للدائن لا ينتج مفعوله إلا بالقيد. لكن الإشكالية في هذه المسالة تكمن في صياغة المادة (1077) إذ نصت على أن التأمين لا يكون له أثر قانوني إلا بعد تسجيله ، فهل المقصود هو الأثر بالنسبة إلى الغير أو فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير وفيما بين المتعاقدين على السواء؟

في الواقع إن الحق العيني الذي يمنحه عقد التأمين العقاري للدائن لا ينشأ لا بين عاقديه ولا تجاه الغير إلا بالقيد، فقد نصت المادة (11) من القرار /188/ على أن: «الصكوك الاختيارية والاتفاقات المتعلقة بإحداث حق عيني أو نقله أو إعلانه أو تعديله أو إبطاله لا تكون نافذة حتى بين العاقدين إلا اعتباراً من تاريخ تسجيلها». ولذلك يرى بعضهم أن واقعة القيد هي مصدر حق الرهن فيما بين المتعاقدين وتجاه الغير، ومما يعزز هذا الرأي أن عبارة لا يكون له أثر قانوني الواردة في المادة (1077) جاءت مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يقيد، وبالتالي يفهم النص على أنه لا أثر قانونياً لا بين المتعاقدين ولا تجاه الغير إلا بعد تسجيله. كل ذلك على خلاف الرهن الحيازي، إذ إن واقعة التسليم بالرهن الحيازي ينبغي أن تأخذ آثارها فيما بين المتعاقدين على الأقل، وهذه الواقعة غير موجودة في الرهن التأميني، فإن ذلك يستدعي اعتبار واقعة القيد مصدراً للحق العيني حتى فيما بين المتعاقدين فالاتفاق المكتوب عاجز بمفرده في هذه الحالة عن منح الدائن الحق العيني. على أنه ينبغي القول إنه إذا كان تخلف واقعة القيد يؤدي إلى عدم نشوء الحق العيني فإن الاتفاق المكتوب ينشأ بالرغم من ذلك صحيحاً، غير أنه لا يقدم للدائن سوى حقٍ شخصيٍ في مواجهة العاقد الآخر يتمثل بإتمام إجراءات قيد التأمين كي ينتج آثاره، فإذا امتنع المدين عن ذلك لزم الدائن اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم يتم بموجبه التسجيل. فقد نصت المادة (267) من قانون الملكية العقارية والمعدلة بالقرار /57/ل.ر. لعام 1931 من أنه: «يكتسب حق قيد الحقوق العينية العقارية بمفعول العقود». فإذا لم يحترم المدين واجباته العقدية ويبادر إلى إجراء القيد يتم إلزامه قضاء بإجراء القيد وعلى ذلك نصت الفقرة الأخيرة من المادة (11) من القرار رقم /188/ على أن: «عدم التسجيل لا يمنع المتعاقدين من ممارسة حقوقهم ودعاويهم المتبادلة عند عدم تنفيذ اتفاقاتهم». وعلى كل حال فإن القانون لا يشترط ميعاداً معيناً لإجراء التأمين فيجوز قيده في أي وقت ولكن رتبة التأمين لا تكون إلا من تاريخ قيده، فمصلحة الدائن تقتضي إذاً إجراءه بأسرع وقت ممكن حتى لا يتقدم عليه غيره حيث نصت المادة (1076 مدني) أن: «كل تأمين يسجل بصورة قانونية في السجل العقاري يحتفظ برتبته وصحته دونما حاجة إلى معاملة جديدة إلى أن يقيد في نفس السجل بصورة قانونية عقد الإبراء». فالمادة صريحة بأن التأمين يحتفظ برتبته وصحته بالقيد في السجل العقاري، ويتم تعيين الأولوية في السجل اليومي الذي يمسكه رئيس المكتب المعاون العقاري والمنصوص عليه في المادة (63) من القرار 188 لعام 1926 تحت رقم متسلسل وتباعاً حيث يقوم بإجراء المعاملات بحسب تاريخ قيدها في السجل اليومي وتعيين رتبة الأولوية بالنظر إلى تاريخ القيد في ذلك السجل. وتتم إجراءات القيد بتقديم استدعاء من طالب القيد إلى الدائرة العقارية متضمناً البيانات اللازمة لصحة القيد، وهي بيانات تتعلق بالدائن والمدين والعقار الجاري عليه التأمين والدين المضمون.

ثالثاً ـ آثار التأمين الرضائي:

إذا تم عقد الرهن التأميني صحيحاً مستوفياً شرائطه الشكلية والموضوعية أنتج آثاره فيما بين أطرافه من جهة وتجاه الغير من جهة أخرى.

1ـ آثار التأمين الرضائي فيما بين عاقديه:

إن عقد التأمين الرضائي هو عقد ملزم لجانب واحد وهو المدين، أما الدائن فلا يلتزم إلا بعدم التفرغ عن التأمين قبل الحصول على موافقة المدين.

أ ـ التزامات المدين المؤمن: يلتزم المدين المؤمن بعدم إجراء أي تصرف يكون من شأنه إنشاء حقوق للغير على العقار يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الدائن صاحب التأمين. على أنه يجب ملاحظة أن هذا الالتزام محصور في الفترة فيما بين العقد والقيد، أما بعد القيد فيفترض أن الحق العيني للدائن على العقار يسري في مواجهة المتصرف إليه، وهذه الحماية تفرضها قواعد السجل العقاري. كما أن على المدين المؤمن أن يمتنع عن أي إجراء من شأنه إلحاق الضرر المادي بالعقار الجاري عليه التأمين على نحو ينقص من قيمته المالية نقصاناً يضر بالدائن، لأن هذه القيمة المالية هي في الواقع محل التأمين الذي يعول عليه الدائن. وكذلك فيما لو صدر من الغير تعرض قانوني، كما لو ادعى هذا الغير بحق عيني على العقار سواء ادعى ملكيته أم ادعى حق الانتفاع عليه أم حق الارتفاق، فعلى الراهن دفع مثل هذا التعرض مع ملاحظة أن الحقوق العينية تحتسب من تاريخ قيدها، مما يعني أن على المدين دفعها في الفترة السابقة على قيد التأمين. كما عليه دفعها حتى بالنسبة إلى الفترة التالية للقيد إذا كان من شأن تقرير مثل هذه الحقوق إنقاص القيمة المالية للعقار، لأن فيه إنقاصاً للضمان.

وقد نصت المادة (1096) مدني على أن: «يتصرف المدين أو الغير الحائز للعقار المؤمن به تصرفاً مطلقاًَ بذلك العقار». فالحرية التي يتمتع بها المدين المؤمن في التصرف بالعقار لا يجب أن تتمخض عن ضرر يصيب القيمة الاقتصادية للعقار لأن المحل الفعلي للضمان هو تلك القيمة. وفيما خلا المساس بقيمة العقارالجاري عليه التأمين فإن تصرفات المدين المؤمن لن تضر بالدائن صاحب التأمين الذي يتمتع بحقين يشكلان حماية له وهما حق التتبع وحق الأولوية، فالأول يخول الدائن التنفيذ على العقار تحت أي يد يكون، ولن يستطيع الحائز للعقار التمسك بحسن نيته لأن ذلك يتنافى ونظام السجل العقاري. والثاني يخوله ممارسة التقدم على غيره من الدائنين العاديين أو الممتازين التالين له في الرتبة.

كما يلتزم المدين المؤمن بضمان هلاك العقار الجاري عليه التأمين إذ إن التأمين ليس ناقلاً للحيازة، فالعقار يبقى بحوزة المدين وعلى ملكه فالهلاك يكون عليه و يتحمل هو تبعته بأن يضمن للمؤمن له هذا الهدف. وقد خيرت المادة (1098) مدني الدائن بين أن يطلب استيفاء دينه بسبب الهلاك أو أن يطلب تأميناً إضافياً، هذا في حالة عدم اقتران الهلاك ببدل نقدي. أما إذا تمخض الهلاك عن بدل نقدي فإن هذا البدل ـ بحسب الفقرة الثانية من المادة (1098) يخصص لترميم العقار بشرط أن يكون هذا البدل كافياً لإعادته إلى حالته السابقة، فإذا لم يكن كافياً فعندها يسقط أجل الدين ويستوفي الدائن حقه من هذا البدل ما لم يقدم المدين تأميناً إضافياً.

ب ـ التزامات الدائن صاحب التأمين: نصت المادة (1093) مدني على أنه: «لا يجوز للدائن صاحب التأمين أن يتفرغ عن حقه لشخص آخر إلا برضاء المدين الصريح، ما لم يكن في العقد نص واضح يخوله ذلك». ويتعلق هذا النص بحوالة الحق حيث يحل شخص محل الدائن في مواجهة المدين وهو أمر جائز بالاتفاق المسبق ما بين المدين والدائن على أن يكون هذا الاتفاق وارداً في عقد التأمين على نحو واضح. لذلك أوجبت محكمة النقض السورية على القاضي عند حوالة حق التأمين أن يتحقق من رضاء المدين أو من أن سند التأمين يجيز تحويله من دون رضاه وذلك قبل أن يحكم بثبوت الحوالة (نقض سوري رقم 398 أساس 496 تاريخ 3/3/1965، مجلة «المحامون» ص 33 لعام 1965).

أما في حال عدم وجود اتفاق على ذلك فإن هذا التفرغ يصح بشرط موافقة المدين المؤمن عليه. أما إذا خلا عقد التأمين من الاتفاق على ذلك، ولم يتمكن الدائن من الحصول على موافقة مدينه فإن التفرغ يصبح ممنوعاً. وعلى ذلك فإن المادة (1093) تعدّ حائلاً قانونياً إذا لم يكن هنالك اتفاق أو لم يتم الحصول على رضاء المدين، فيبرز بذلك عنصر الرضا بوصفه شرطاً لسريان الحوالة على الغير. والغير هنا هو المدين المؤمن، فإذا تم الحصول على رضا المدين المؤمن وتم التفرغ عن الحق فإن هذا التفرغ يجب قيده في السجل العقاري أو في سجل التأمينات أو بتظهير شهادة القيد. ويجب بحسب المادة (1094) في حالة التظهير أن يصدق إمضاء المظهر رسمياً وفقاً لقانون السجل العقاري. والنصوص المقصودة هنا هي المواد (59ـ60ـ61) من القرار 188 التي تمنح سلطة تصديق الإمضاء بكتاب العدل ورؤساء المحاكم والقناصل وتشترط التوقيع وخاتم السلطة وطابعها.

وإضافة إلى التزام الدائن بعدم التفرغ عن دينه قبل الحصول على رضا المدين ثمة التزام آخر يقع على عاتقه يتمثل في دفع التعرض المادي الصادر من الغير، إذ الراهن ليس ملزماً بدفع مثل هذا التعرض، وعلى المرتهن أن يتولى دفعه بنفسه فله في سبيل ذلك أن يتخذ من الوسائل ما يكفل دفع هذا التعرض ووقف الأعمال. وإلى هذا المعنى أشارت المادة (1099) مدني حيث نصت على أنه إذا أحدث الغير تخريبات في العقار ألحقت ضرراً بالدائنين أصحاب التأمين كان لهم حق إقامة الدعوى عليه بالتضمين.

2ـ آثار التأمين الرضائي تجاه الغير:

المقصود بالغير في هذا المجال كل من له حق يضار بسبب وجود التأمين على العقار، فكل من له حق سواء أكان عينياً أم شخصياً، أصلياً أم تبعياً على المدين أوعلى عقاره فإن الدائن صاحب التأمين إذا كان متقدماً عليهم فإنهم يضارون من وجود التأمين إذ هم بالنسبة إلى عقد الرهن التأميني من الغير. بمعنى آخر، الغير هنا هو كل دائن عادي أو ممتاز. والتأمين الرضائي لا يمكن أن ينفذ في مواجهة الغير بالمعنى الوارد أعلاه إلا إذا كان مسجلاً في السجل العقاري، فإن كان كذلك ترتب للدائن صاحب التأمين حق الأفضلية على الدائنين العاديين والممتازين التالين له في الرتبة. فإذا كان العقار محل التأمين الرضائي قد انتقل إلى حائز من الغير أمكن للدائن المؤمن له تتبع العقار في أي يد كان لينفذ عليه.

أ ـ حق التتبع: نصت المادة (1071) على أن: «التأمين هو حق عيني على العقارات المخصصة… ويتبعها في أية يد تنتقل إليها العقارات». وفي هذا النص إشارة واضحة إلى حق التتبع حيث يستطيع صاحب التأمين تعقب العقار المثقل بالتأمين تحت يد الغير الحائز وينفذ عليه. وقد أوضحت محكمة النقض السورية أن لمالك العقار المرهون التصرف به من دون إذن الدائن صاحب التأمين، ولهذا الأخير أن يتتبع العقار المرهون في أي يد انتقل إليها (نقض سوري رقم 734 أساس 1399 تاريخ 8/5/1980 استنبولي ـ التقنين المدني، الجزء التاسع، القاعدة رقم 3255).

وحق التتبع هنا يختلف في آليته عن حق التتبع في الرهن الحيازي الهادف إلى استرجاع حيازة المرهون لممارسة حق الحبس عليه، فهو يبدو آلية لضمان ممارسة حق الحبس. أما في التأمين العقاري ـ حيث الدائن ليس حائزاً ـ فإن حق التتبع يهدف إلى تمكين الدائن صاحب التأمين من ممارسة حق الأفضلية، إذ يمكن التنفيذ على العقار وهو في يد الغير الحائز فيبدو هنا آليةً لضمان ممارسة حق الأفضلية. وقد نصت المادة (1095) على أن الدائنين الذين بيدهم تأمين على عقار يتبعونه في أي يد ينتقل إليها، ويستوفون كل بحسب رتبته المعينة في القيود. ومؤدى هذا النص أن المدين المؤمن إذا تصرف بالعقار فأنشأ عليه حقوقاً عينية للغير فإن على الدائن أن يتتبع العقار في يد الحائز حتى يستطيع التنفيذ عليه. ولكي يصح التتبع يجب تحقق الشروط الآتية:

(1)ـ أن يكون العقار قد انتقل إلى يد الغير الحائز فالتتبع لا يمارس إلا ضد حائز.

(2)ـ أن يكون حق الدائن قد استحق وقت استعماله لحق التتبع. وذلك بخلاف الرهن الحيازي، لأن الهدف هنا هو التنفيذ لذلك يجب حلول أجل الدين لإمكان التنفيذ؛ أما في الرهن الحيازي فالهدف من التتبع هو استرداد الحيازة فلا داعي لانتظار حلول الأجل، ويكون بحكم حلول الأجل إعسار المدين أو إفلاسه أو في كل مرة يقرر فيها القانون سقوط الأجل.

(3)ـ أن يكون صاحب التأمين مسجلاً لحقه في السجل العقاري قبل اكتساب الحائز حقه على العقار أي قبل تسجيل سند الحائز. ولا يشترط أن يكون المرتهن في المرتبة الأولى بين أصحاب التأمينات العينية، فيصح منه ممارسة حق التتبع ولو لم يكن من المنتظر أن يحصل على شيء من ثمنه، شرط ألا يكون قد ترتب على نشوء الحق على العقار إسقاط حق التتبع كما لو نزعت ملكية العقار للمنفعة العامة، إذ ينتقل إلى الدولة مطهراً من التأمين الذي يثقله. أو كما لو كان العقار قد بيع بيعاً جبرياً فتنتقل الملكية إلى الراسي عليه المزاد مطهرة من التأمين، وفي هذه الحالات ينتقل حق المرتهن إلى الثمن

أما فيما يتعلق بكيفية ممارسة حق التتبع فإنه يتم بطلب إلقاء الحجز على العقار، ومن ثم توجيه إنذار بالوفاء إلى المدين ويسري مفعول هذا الإنذار على الغير الحائز المسجل حقه في السجل العقاري بعد قيد التأمين، فإذا وفى المدين استفاد الحائز، وإذا منح المدين أجلاً استفاد منه الحائز. وإذا كان الحائز واضعاً يده على العقار من دون سند فإن الإجراءات المتعلقة بنزع الملكية تمارس ضد المدين لأنه هو صاحب السند. كما يمكن للدائن بموجب حق التتبع أن يقيم دعوى ضد واضع اليد باسم مدينه ثُم يشرع بعد ذلك بإجراءات نزع الملكية. ويشترط في الحائز أن يكون غير ملزم شخصياً بالدين حتى يمكن اعتباره من الغير. ومنذ تاريخ تسجيل التبليغ بالحجز على العقار فإن سلطة التصرف به تتقيد، سواء بالنسبة إلى المدين إن كان لم يتصرف به، أم بالنسبة إلى الحائز. وكل تصرف بعد هذا التعريف لا يسري في حق الدائن المؤمن له.

ويشار إلى أنه إذا كان للمدين دفوع في مواجهة الدائن استفاد منها الحائز الذي تباشر إجراءات نزع الملكية في مواجهته، كالدفع بانقضاء الدين بالتقادم بعد الحكم أو الدفع بالمقاصة. فإذا لم يكن لدى الحائز دفوع يتمسك بها في مواجهة الدائن فعليه أن يختار بين أمرين:

ـ قضاء الدين إذا كان راغباً في الاحتفاظ بالعقار وتجنب تحمل إجراءات نزع الملكية حيث يخلص إليه العقار مطهراً من التأمين.

ـ أو تحمل إجراءات نزع الملكية. فإذا ما تمت إجراءات نزع الملكية وبيع العقار بالمزاد العلني اقتضى الدائن حقه من ثمن العقار بالأولوية على غيره من الدائنين العاديين أو الممتازين التالين له في الرتبة.

ب ـ حق الأفضلية:

عند إتمام التنفيذ الجبري على العقار وفق القواعد والأصول فللدائن الحق في التقدم على غيره، إذ إن القيمة المالية للعقار هي محل الاعتبار في التأمينات العينية، فيستوفي الدائن كامل دينه من هذه القيمة. فتقدم الدائن على غيره هو جوهر التأمين العقاري وغايته، فما هو نطاق هذا الحق وكيف يمكن ممارسته؟

نطاق حق التقدم: تطبيقاً لمبدأ عدم تجزئة الرهن فإن تقدم النطاق يشمل تقدم كامل قيمة العقار ما لم يوجد اتفاق بخلاف ذلك، كما يشمل ملحقاته والتحسينات المجرية عليه. وإذا كانت هنالك تعويضات مدفوعة بسبب تلف العقار أو جزء منه فإنها تعدّ مشمولة بنطاق التقدم ما لم يكن بعض هذه التعويضات مخصصاً لترميم العقار، كما في حالة التأمين ضد الحريق مثلاً. وإذا كان الهلاك كلياً فيحل كامل بدل الهلاك محل العقار الهالك، ويحل حق الدائن على هذا البدل بموجب مبدأ محل العقار في تحمل التأمين ويمتد إليه نطاق التقدم الممنوح للدائن.

أما فيما يتعلق بالديون المشمولة بحق التقدم فإنه ينبغي لصحة قيد التأمين ذكر الدين وفوائده بدقة، وذكر نوعه وهل هو منجز أو معلق على شرط، وبالتالي فإن حق الأفضلية يشمل كامل أصل الدين المضمون بالتأمين وفوائده ونفقات القيد. أما إذا لم يكن هنالك قيد فلا مجال للتقدم على بقية الدائنين لأن التأمين لن يكون سارياً في مواجهتهم. وممارسة حق التقدم تفترض أصلاً تزاحم الدائنين، فإذا لم يجرِ القيد تزاحم معه هذا الدائن كدائن عادي إذ الأفضلية تمارس في مواجهة الدائنين وليس في مواجهة المدين.

أما بالنسبة إلى شروط ممارسة حق التقدم ـ بحسب المادة (1077 مدني) ـ فإن التأمين لا أثر قانونياً له إلا بعد تسجيله. وبما أن حق الأفضلية هو الأثر الأهم للتامين الرضائي فإنه لا يمكن مواجهة الغير بهذا الحق إلا بعد قيد التأمين على نحو صحيح وحلول الأجل. وهناك أيضاً شرط بدهي وهو وجود عدة دائنين يتزاحمون، إذ لا معنى للأفضلية من دون تزاحم الدائنين. وبما أنه يجوز وضع عدة تأمينات على العقار ذاته فإن رتبتها تتحدد بحسب تاريخ قيدها، فيتقدم الدائن الأسبق قيداً على الدائن المتأخر عنه في القيد. وقد يحصل ألا يستطيع الدائن المتأخر في القيد أن يستوفي شيئاً من دينه إذ إن نطاق الأفضلية للأسبق قيداً قد يستغرق كامل قيمة العقار.

ويجوز الاتفاق بين الدائنين على أن يتنازل المتقدم رتبة عن رتبته إلى المتأخر عنه، وغالباً ما يحصل ذلك لقاء تعويض وخشية من حصول تواطؤ بين المتنازل والمتنازل له، إذ قد يحدث أن يكون دين المتنازل له كبيراً يستغرق كل القيمة المالية للعقار، فيتم التنازل له إضراراً بباقي الدائنين المتقدمين عليه، إذ بالتنازل عن الرتبة يصعد المتنازل له إلى رتبة المتنازل. لذلك وتجنباً للتواطؤ ومنعاً للإضرار بالدائنين يجب توافر أربعة شروط وهي:

ـ يجب أن يكون للمتنازل له رهن مقيد على العقار نفسه.

ـ أن يتم التنازل في حدود دين المتنازل فقط.

ـ أن تقبل ضد المتنازل له كل الدفوع التي تقبل ضد المتنازل.

ـ أن تتم الإشارة إلى هذا التنازل على هامش قيد الرهن.

 وعلى ذلك فإن الاتفاق الرامي إلى تعديل المراتب لا يمكن الاحتجاج به على الغير بمعزل عن الشرائط السابقة. ومن المفيد الإشارة إلى أن الدائن المتنازل يبقى دائناً مرتهناً ولكن تتغير رتبته بخلاف التنازل عن الرهن ذاته إذ يصبح المتنازل دائناً عادياً لأن التنازل عن الرهن هو سبب من أسباب انقضائه. وإذا ما تم البيع الجبري مارس الدائن الأسبق رتبة حقه في التقدم على غيره مستوفياً أصل الدين ونفقات القيد والتنفيذ والفوائد المستحقة.

 رابعاً ـ انقضاء الرهن التأميني:

نصت المادة (1100 مدني) على أنه: «ينقضي التأمين بالترقين الذي يحصل بإحدى الصورتين التاليتين:

بانقضاء الالتزام الذي يكون التأمين ضامناً له.

بتنازل الدائن عن حقه». ويستخلص من ذلك أن الرهن التأميني ينقضي بالطرق الآتية:

1ـ انقضاء التأمين العقاري بطريقة أصلية:

من الممكن أن ينقضي التأمين الضامن مع بقاء الالتزام المضمون ولكن يصبح التزاماً غير مضمون، حيث ينقضي التأمين بصورة أصلية، أي مستقلاً عن الدين بغض النظر عن إرادة الدائن صاحب التأمين. وقد ينقضي التأمين بمحض إرادة الدائن صاحب التأمين بالنزول عنه.

أ ـ التنازل عن التأمين: يكون للدائن التنازل عن حق التأمين من دون تعلق ذلك التنازل على إرادة المدين، إذ هو يتنازل عن محض حقه. فعقد التأمين بالنسبة له هو عقد غير لازم، فيستطيع العدول عنه والتنازل عن حقه في التأمين من دون موافقة المدين. وإلى ذلك أشارت الفقرة الثانية من المادة (1100). وهنا ينقضي التأمين ولكن يبقى الدين موجوداً من غير ضمان سوى الضمان العام. ويبرر الفقه الفرنسي عدم اشتراط موافقة المدين لصحة التنازل بأن التأمين العقاري حق عيني وبالتالي يمكن لصاحب هذا الحق قطع العلاقة القانونية بالمال المرهون بإرادته المنفردة. 

ولم تشترط المادة (1100) مدني سوري أن يكون التنازل صريحاً، مما يعني أنه من الممكن أن يكون التنازل ضمنياً يستنتج من تصرفات الدائن على ألا تدع تلك التصرفات مجالاً للشك بنية الدائن بالتنازل عن الرهن. فإذا احتملت تلك التصرفات أكثر من معنى تعذر تفسيرها على أنها تنازل عن التأمين، فالموافقة مثلاً على الصلح الاحتياطي يفيد التنازل عن التأمين. ولا يشترط التنازل عن كامل حقه في التأمين إذ يمكن للدائن قصر نطاق التأمين على جزء من العقار، وغالباً ما يحصل ذلك عندما يكون التأمين واقعاً على عدة عقارات فيوافق الدائن على قصر نطاق تأمينه على بعضها دون بعضها الآخر، فيكون التنازل هنا جزئياً بحيث يتحرر العقار المتنازل عن الحق الوارد عليه من التأمين الذي كان يثقله، فيصح بالتالي التنازل الجزئي عن التأمين العقاري.

والتنازل عن التأمين يفيد حكماً التنازل عن حق التتبع، لأن التنازل إنما هو في الواقع تنازل عن الحق في الأفضلية، وحق التتبع إنما هو آلية ضرورية لإمكان ممارسة حق الأفضلية في مواجهة حائز العقار، فإذا انقضى الهدف الأساسي وهو حق الأفضلية لم يبقَ من داع لإبقاء الآلية المؤدية إلى ممارسة هذا الهدف فينقضي تبعا لها حق التتبع.

غير أنه إذا كان التنازل عن حق التتبع بمفرده دون حق الأفضلية فلا ينقضي التأمين. ويحصل ذلك عندما يتنازل الدائن عن حقه في تتبع العقار لمصلحة الغير لحائز له مع الاحتفاظ بحق الأفضلية، وذلك تسهيلاً لبيع هذا العقار، ويؤدي ذلك إلى عدم إمكانية الدائن أن ينفذ على العقار المؤمن عليه وهو في يد الغير المتنازل له. إنما يظل التأمين منتجاً لآثاره تجاه بقية الدائنين بحيث إذا بيع هذا العقار بالمزاد العلني يشترك الدائن المؤمن له في عملية توزيع ثمنه ويستوفي منه دينه المضمون بالأفضلية بحسب مرتبته. 

ب ـ انقضاء التأمين بصفة مستقلة بغير إرادة الدائن: ينقضي التأمين العقاري استقلالاً في هذه الحالة بهلاك العقار أو بالتنفيذ الجبري عليه.

(1)ـ هلاك العقار: يتقضي التأمين بهلاك محله هلاكاً كلياً، أما إذا كان الهلاك جزئياً فالجزء المتبقي يبقى ضامناً لكل الدين تطبيقاً لمبدأ عدم تجزئة الرهن. أما إذا كان التأمين مثقلاً للحقوق العينية العقارية التي يجوز إجراء التأمين عليها كحق الانتفاع مثلاً فإن التأمين ينقضي بانقضاء الحق العيني كما لو مات المنتفع مثلاً.

 وإذا تمخض الهلاك عن بدل حل البدل محل العقار في تحمل التأمين، ومن هذا القبيل الاستملاك للمنفعة العامة، فيحل التعويض الممنوح محل العقار المستملك، وهنا لا يمكن الحديث عن انقضاء التأمين استقلالاً وإنما يتعلق الأمر بانتقال التأمين من محل إلى آخر، فانتقل من العقار إلى بدله، إذ يبقى للدائن أن يستوفي حقه من الثمن بالأفضلية فبقاء حق الأفضلية يتنافى مع انقضاء التأمين.

(2)ـ التنفيذ الجبري: ينقضي التأمين بالتنفيذ الجبري على العقار حيث ينتقل حق الدائن على ثمن البيع ويمارس عليه حقه بالأفضلية بحسب رتبته. وإذا تقدم عليه دائنون آخرون بحيث استهلكوا كامل البدل فإن الدائن صاحب التأمين يصبح في هذا الفرض دائناً عادياً. والأمر ذاته يمكن تصوره في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة.

2ـ انقضاء التأمين بطريقة تبعية:

إن الرهن بكل أنواعه ذو صفة تبعية فهو حق تابع يتبع في وجوده الالتزام المضمون فيتعلق به تعلق الفرع بالأصل، فإذا انقضى الأصل (الالتزام المضمون) انقضى حتماً تبعاً له الفرع (الرهن). وإذا عاد الالتزام المضمون ـ لأي سبب كان كما لو تقرر بطلان سبب الانقضاء ـ عاد معه التأمين، فإذا كان قد حصل ترقين قيد التأمين فإنه ينبغي تقديم طلب من الدائن لإجراء القيد مجدداً ويتم قيد التأمين لمفعول رجعي، بمعنى أن التأمين لم يرقن. مع مراعاة عدم الإضرار بالحقوق التي اكتسبها الغير بحسن نية على العقار المثقل بالتأمين في الفترة الواقعة ما بين ترقين القيد وإعادة قيده. أما إذا كان الغير الذي اكتسب حقاً في هذه الفترة على العقار يعلم بوجود عيب في سبب الانقضاء يؤدي إلى بطلانه فإنه لن يستطيع أن يتذرع بالقيد الذي أجراه على العقار في مواجهة الدائن صاحب التأمين لأنه سيئ النية.

والأسباب التي تؤدي إلى انقضاء التأمين العقاري بصورة تبعية هي ذاتها التي تؤدي إلى انقضاء الالتزام المضمون المنصوص عليها في المواد (من 322 إلى 385) مدني، وهي إما الوفاء وإما ما يعادل الوفاء (كالوفاء بمقابل والتجديد والإنابة والمقاصة)، وإما الانقضاء من دون الوفاء (كالإبراء واستحالة التنفيذ والتقادم المسقط). غير أن الرهن التأميني يثير إشكالية في موضوع التقادم المسقط لأنه من فوائد القيود العقارية هو عدم إمكانية سقوط الحقوق المقيدة فيها بالتقادم على اعتبار أن هذه القيود معدة لاطلاع الغير عليها، فلا يستقيم الحديث عن حسن نية طالب اكتساب الحق فكون القيود معدة لاطلاع الغير يعدّ قرينة قانونية على علم الكافة بها وهي قرينة غير قابلة لإثبات العكس. وقد نصت المادة (925 مدني) على أنه لا يسري التقادم على الحقوق المقيدة في السجل العقاري أو التي هي تحت إدارة أملاك الدولة. ومعلوم أنه عند إجراء قيد التأمين يذكر الدين المضمون بكل تفاصيله، فهل يتمتع هذا الدين بالحماية من التقادم المنصوص عليها في المادة (925)؟

اختلفت آراء محكمة النقض السورية واجتهاداتهاحول هذه المسالة إلى أن تم دعوة الهيئة العامة لمحكمة النقض لتحديد اجتهاد ثابت وواضح حول هذا الموضوع. ففي البدء عدّت محكمة النقض أن الحقوق العينية المسجلة لا يمكن أن تزول بإهمال استعمالها، مما يستبعد معه سريان التقادم عليها فلا يعدّ التقادم عاملاً من عوامل انقضاء الالتزام الأصلي الذي وضع العقار ضماناً له؛ لأن ترقين التأمين بانقضاء الالتزام الأصلي لا يكون إلا في حالات الوفاء بالدين باستبداله أو بالمقاصة أو باتحاد الذمتين أو الإبراء وبطلان الالتزام (نقض سوري رقم 563 تاريخ 2/12 /1963، مجلة «القانون» لعام 1964، ص 141). ثم كررت محكمة النقض اجتهادها الرافض لسقوط التأمين تبعاً للدين بالتقادم مكرسة اجتهادها القائم على استبعاد سريان التقادم على الالتزام المضمون بالتأمين على أساس أن الحقوق المسجلة لا تنقضي بالتقادم (نقض سوري رقم 150 أساس 365، تاريخ 22/3/1965، مجلة «المحامون» لعام 1965، ص 119). ثم عدلت محكمة النقض عن هذا الرأي، وتم دعوة الهيئة العامة لمحكمة النقض لتحديد موقفها، فعدّت أن حق التأمين يسقط تبعاً لسقوط الدين المضمون بالتقادم باعتباره حقاً تابعاً يسقط بسقوط الأصل (نقض هيئة عامة رقم 50/ أساس 40 تاريخ 26/10/1972، مجلة «القانون» لعام 1972). وقد استندت الهيئة العامة في اجتهادها هذا إلى الصفة التبعية للتأمين وأن من شأن هذه الصفة أن تجعل التأمين تابعاً في الحكم للالتزام الأصلي يدور في فلكه وجوداً أو عدماً. كما استندت إلى الفقرة الأولى من المادة (1100 مدني) التي نصت على أن التأمين ينقضي بانقضاء الالتزام، وأن هذا الرأي يتفق مع القواعد العامة التي لا تسوغ قيام الفرع عند انعدام الأصل، كما ينسجم مع قواعد الفقه الإسلامي القاضية بأن التابع تابع ولا يفرد بالحكم، وإذا سقط الأصل سقط الفرع. فإقرار هذا المنطلق يستتبع انقضاء التأمين التابع في كل مرة ينقضي فيه الالتزام الأصلي عملاً بالمادة (1100). ولأن الدين الأصلي معرض بالسقوط بالتقادم عند إهمال المطالبة به فإن الانقضاء لهذا السبب يستتبع سقوط التأمين بصورة تبعية إذ لا يتصور بقاء الحق التبعي الضامن بعد سقوط الأصل المضمون. أما فيما يتعلق بنص المادة (925) مدني القاضية بعدم سريان التقادم على الحقوق المقيدة في السجل العقاري فإنه لا يعدو تقرير قاعدة عامة لصيانة الحقوق العينية المسجلة في السجل العقاري بحيث لا تتعرض للسقوط عند إهمال استعمالها، فإذا أعطي لهذا النص مفهوم شامل فإنه يتعارض مع نص المادة (1100) مما يعني وجوب البحث عن نية المشرع لإزالة هذا التعارض في ظاهر النص.

 وعلى ذلك يقتصر أثر تطبيق المادة (925) مدني على حالة سقوط التأمين بصورة أصلية، فلا يسقط التأمين بالتقادم بصورة أصلية إذ يبقى قائماً وحافظاً لرتبته وصحته إلى أن يتم ترقينه (1076) مدني، أما إذا سقط الالتزام المضمون فإن الفقرة الأولى من المادة (1100) مدني توجب بصورة صحيحة انقضاء حق التأمين التابع له.

وعلى ذلك فإن الاجتهاد السابق القاضي بعدم سقوط الدين بالتقادم نظراً لتسجيله في السجل العقاري هو اجتهاد غير سديد لأنه يؤدي إلى الخلط بين الحق الشخصي المضمون و بين الحق العيني الضامن؛ لأن عقد التأمين هو عقد رضائي وإذا كان لا ينتج آثاره قبل التسجيل فإنه لا شيء يحول دون المداعاة بشأن تسجيله وتثبيته بحكم قضائي فلا يبقى مجال للقول بأنه لا يتصور وجوده بصورة مستقلة قبل تسجيله. وقد استقر الاجتهاد على ذلك فحكمت محكمة النقض على أن التأمين العقاري هو حق تابع لأصل الحق فلا يفرد بالحكم وفق ما استقر عليه الاجتهاد، فتقادم محل التأمين يمتد إلى التأمين ذاته (نقض سوري 1319/ أساس 1938، تاريخ 17/6/1982، مجلة «المحامون» لعام 1983، ص 169). ما انتهت إليه محكمة النقض ينسجم مع ما هو عليه الفقه والاجتهاد في فرنسا ومصر وسورية ولبنان.

 ويستخلص من كل ما سبق أن التأمين العقاري لا ينقضي استقلالاً بالتقادم غير أنه ينقضي تبعاً لانقضاء الالتزام المضمون بالتقادم، لأن الالتزام المضمون إنما هو حق شخصي. وبالتالي يحق للمدين المؤمن طلب ترقين قيد التأمين عند عدم المطالبة بالدين وسقوطه بالتقادم عملاً بالفقرة الأولى من المادة (1100) مدني.

3ـ ترقين التأمين العقاري:

نصت المادة (1076) مدني على أن كل تأمين مسجل بصورة قانونية يحتفظ برتبته وصحته، دونما حاجة إلى معاملة جديدة، إلى أن يقيد في السجل ذاته بصورة قانونية عقد الإبراء. كما نصت المادة (1100) على أن التأمين ينقضي بالترقين. ويتم ترقين القيود برضاء الطرفين الحائزين على الصفة اللازمة لذلك، أو بموجب حكم مكتسب قوة القضية المقضية (المادة 11/1 مدني سوري). وبموجب هذا النص فإن الترقين يحصل باتفاق الطرفين، فإذا ما قامت أسباب تستدعي الترقين وامتنع الدائن عن ذلك أمكن للمدين اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم بترقين القيد، فيكون الترقين هنا قضائياً. ويمكن ترقين القيد من دون رضاء الدائن إذا أودع مبلغ الدين بعد عرضه حقيقة على الدائن ورفض قبوله (المادة 1101/2 مدني سوري). ونص هذه الفقرة يتضمن إجراء لبراءة ذمة المدين الذي تعهد بأداء الدين، فإذا امتنع الدائن عن قبوله كان من مصلحة المدين إيداع مبلغ الدين بعد عرضه عرضاً فعلياً يبرئ ذمة المدين، ويقوم تجاهه مقام الدفع إذا كان العرض قد جرى بوجه صحيح، ويكون الدين المودع بهذه الصورة بعهدة الدائن ومسؤوليته.

أما إذا كان القيد يتضمن شروطاً أو بنوداً خاصة لا يمكن ثبوت تنفيذها بصورة صحيحة وقانونية إلا بواسطة القضاء فلا يجري الترقين إلا بعد الاطلاع على الحكم القضائي المثبت تنفيذ الشروط أو البنود المذكورة (المادة 1106 مدني سوري)، أما بالنسبة إلى تعادل المبالغ المودعة مع مبلغ الدين المقيد في السجلات فإنه يعدّ صحيحاً عندما يكون المبلغ المدفوع بالنقد القانوني يساوي قيمة المبالغ المشروطة بسعر يوم الوفاء (المادة 1107 مدني سوري).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في القانون المدني، الجزء العاشر.

ـ فارس كرباج، التأمينات العينية (الطبعة الرابعة، 1995).

ـ محيي الدين علم الدين، التأمينات العينية في القانون المصري والمقارن ( دار النهضة، الطبعة الرابعة).

ـ وحيد الدين سوار، الحقوق العينية التبعية (جامعة دمشق، 1968).

- Serge BRAUDO, dictionnaire du droit privé. (2009).

- T. BRETON.T, Théorie générale de la renonciation aux droits réels.R.T.D.civ. (1928).

- Louis JOSSERAND, Cours de droit civil positif français, T. II. Éd. (1933).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 44
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 509
الكل : 31726134
اليوم : 1595