logo

logo

logo

logo

logo

الشخصية القانونية (مقدمة)

شخصيه قانونيه (مقدمه)

legal personality (introduction) - personnalité juridique (introduction)

 الشخصية القانونية

الشخصية القانونية

محمود جلال حمزة

مفهوم الشخصية القانونية

أنواع الأشخاص

 

أولاً ـ مفهوم الشخصية القانونية:

إذا كان بعضهم يعرف الحق بأنه، استئثار شخص بقيمة أو بشيء تحت حماية القانون، فإن هذا الاستئثار يتطلب وجود شخص يستأثر به وهو ما يسمى صاحب الحق. فصاحب الحق ملازم للحق لا ينفك عنه. وهو الذي يستأثر به وتقع على عاتقه الالتزامات، وأطراف الحق نوعان:

أطراف إيجابيون، وهم الأشخاص الذين يستفيدون منه وينتفعون به، وأطراف سلبيون، وهم من تقع عليهم الواجبات والالتزامات، وبناء على ذلك فإن أطراف الحق سواء أكانوا أطرافاً إيجابيين، أم كانوا أطرافاً سلبيين، أي سواء أكانوا دائنين أم مدينين، إنما هم الأشخاص، فالشخص هو كل كائن ذي إرادة تتوافر فيه القابلية لأن يكون صاحب حق أو مكلفاً بالتزام.

أما الشخصية بمعناها العام فهي: صفة تمتزج بالموصوف ولا تنفصل عنه، فكلما وجد شخص في نظر القانون وجدت معه شخصيته. وهي تلازمه منذ ولادته حتى مماته، لكن هذه الشخصية قد تكون كاملة في بعض الأحيان، وقد لا تكون كذلك في بعضها الآخر، وقد تكون حقيقية مادية ملموسة، وقد تكون غير حقيقية وغير مادية، كما في الشخص الاعتباري.

ثانياً ـ أنواع الأشخاص:

الشخص هو كل كائن يتمتع بالإرادة لأن يكون قادراً على كسب الحقوق وتحمّل الالتزامات، ويتمتع بالشخصية القانونية، وهذه الشخصية تثبت أصلاً للإنسان، وهو من يطلق عليه الشخص الطبيعي، وتثبت هذه الشخصية أيضاً لأشخاص أو مجموعة أموال يشكلون فيما بينهم شخصاً غير مادي ولا ملموس، وإنما هو شخص اعتباري، وهكذا فالشخص نوعان: شخص طبيعي، وشخص اعتباري حكمي.

1ـ الشخص الطبيعي:

الشخص الطبيعي هو الإنسان نفسه، لأن الشخصية الطبيعية لا تكون إلا له دون سواه فتظل ملازمة له لا تفارقه ما دام حياً، فكل إنسان مهما كانت حالته يعدّ في نظر القانون شخصاً طبيعياً بكل معنى الكلمة، فهو صالح لاكتساب الحقوق وتحمّل الواجبات، بل يعد الطفل والمجنون شخصاً طبيعياً على الرغم من انعدام الإدراك عندهما، ولم يكن الأمر على هذا النحو في الماضي، فالرقيق لم يكن يعدّ شخصاً في النظر القانوني، فهو لا يستحق الحقوق، ولا يتحمّل الالتزامات، بل كان على العكس من ذلك محل الحقوق، كالجمادات والحيوانات، بل كانت هناك حالات لم يعدّ الإنسان فيها إنساناً على الرغم من اكتمال شخصيته، كالميت مدنياً، فالمحكوم بأحكام قضائية يعدّ أحياناً ميتاً موتاً مدنياً، تزول عنه كل معاني الشخصية القانونية. فيفقد ملكيته لأمواله، وتنتقل إلى ورثته كأنه مات حقيقة. كما لا يرث من غيره ولا يكتسب وصية ولا يقبل هبة ولا يعقد زواجاً، وظل هذا النظام (الموت المدني ونظام الرق) معمولاً بهما في بعض البلاد إلى أن أدت التطورات الحديثة، والثورات المتكررة التي قادها المدافعون عن الحرية إلى إلغاء الموت المدني، وأضحى الإنسان بعد ذلك يتمتع بجميع عناصر الشخصية القانونية وصفاتها، وصار هو الذي يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات، كما أصبح الأرقاء يتمتعون بالشخصية القانونية إلى أن ألغي الرق نهائياً. (ولا ننسى دور الشريعة الإسلامية التي شجعت على تحرر الرقيق والقضاء على نظام الرق عند العرب والمسلمين).

وعلى الرغم من التطورات التي أعادت للإنسان شخصيته القانونية، إلا أن هناك بعض العوائق لا تزال تحول دون اكتمال الشخصية القانونية لدى بعض الناس، هذه العوائق تتمثل في العوامل السياسية أو الاجتماعية أو الجنسية، فيتمتع المواطن في بلده ببعض الحقوق التي لا يتمتع بها الأجنبي، وتحرم المرأة في بعض الدول من حق الترشح أو الانتخاب ومزاولة العمل السياسي، كما يختلف نطاق الشخصية القانونية من إنسان إلى آخر باعتبار اللون أو الجنس. على أنه مهما كان تأثير هذه الفوارق في نطاق شخصية الإنسان فإنها لا تكون عاملاً نهائياً، إنما تؤثر في تحديد نطاقها ليس إلا.

أ ـ بدء الشخص الطبيعي وانتهاؤه: بدء الشخص الطبيعي وانتهاؤه حدثان مهمان يثبت فيهما نشوء الحقوق وزوالها وانتقالها من شخص إلى آخر، وعقد الرابطة الزوجية وانحلالها.

(1)ـ بدء شخصية الإنسان: تعدّ الولادة منطلقاً لحياة الإنسان ووجوده بصورة مستقلة، وتبدأ معها شخصيته، وقد اتفقت معظم الشرائع على أن شخصية الإنسان تبدأ بتمام ولادته، أي من تمام انفصاله عن أمه. وقبل ذلك يكون جنيناً فلا تكون له شخصيته، حتى لو ثبتت له بعض الحقوق. بيد أن هذا النظر واجه انتقادات من بعض رجال القانون فقالوا: إن بدء شخصية الإنسان تنشأ من الوقت الذي تعلق فيه النطفة في رحم الأم، واستدلوا على ذلك بنصوص القانون ذاته، فالفقرة الثانية من المادة (31) مدني سوري، (29/2 مدني مصري، 30 مدني أردني) تعترف للجنين وهو في بطن أمه بالحقوق التي يعينها القانون، وفي نظرهم فإن الحقوق لا تكتسب إلا إذا كانت الشخصية قد نشأت فعلاً، ويقولون "كيف تصبح للجنين حقوق إذا لم يعتبر شخصاً؟" بيد أن هذا الخلاف ليس إلاّ خلافاً نظرياً لا يبدل في النتائج شيئاً ما دام القانون يشترط أن يولد الجنين حياً، حتى أن معظم فقهاء الشريعة الإسلامية كانوا إلى جانب ما جرى عليه القانون بأن شخصية الحمل لا تبدأ إلا بعد ولادته حياً، وبهذا الرأي حكمت محكمة النقض السورية (التمييز في الماضي) عندما قالت: إن الجنين لا يعد إنساناً قبل ولادته، وعلى هذا الأساس، فإن قتل امرأة حامل لا يعدّ قتل شخصين (محكمة التمييز، قرار رقم 301، تاريخ 18/9/1946، مجلة نقابة محامي دمشق، نشر عام 1947، ص 159، أشار إليه القوتلي في الوجيز، هامش1، ص 34). وقد أكد فقهاء الشريعة الإسلامية هذا المبدأ. ومهما يكن من أمر فإن المادة (31) مدني سوري تقضي بأن شخصية الإنسان تبدأ منذ ولادته حياً، ويكفي أن ينفصل الوليد عن أمه انفصالاً تاماً وأن يولد حياً. وقد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية مع رأي القانونيين على المبدأ، إلا أنهم اختلفوا في التفاصيل. فالمادة (31) مدني سوري تكتفي بأن يولد الجنين حياً ولو للحظة بعد ولادته لتبدأ شخصيته، وتثبت حياة المولود بما يدل عليها من مظاهر خارجية كالبكاء والحركة، فإذا ثبتت هذه الأمور عند الولادة، ثبتت حياته، وإذا ثبتت حياته ثبتت شخصيته، وترتبت له الحقوق، ولا يهم بعد ذلك إذا مات. أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد قال بعضهم: يكفي ظهور أكثر الوليد حياً لتثبت حياته وتثبت شخصيته، (مذهب أبي حنيفة)، ولو مات بعد حين. وذهب بعضهم الآخر، إلى أن شخصية الوليد لا تتحقق إذا لم تكن ولادته كاملة ويخرج إلى الدنيا حياً ( مذهب الشافعية والمالكية ) وهو المبدأ الذي جرت عليه المادة (31) السابقة الذكر.

يستخلص مما تقدم أن شخصية الوليد القانونية لا تتكون إلا منذ ولادته حياً ولو فارق الحياة بعد ذلك، فإذا ولد ميتاً فلا تثبت له هذه الشخصية، ولا تثبت له الشخصية أيضاً إذا لم يولد قط.

(2)ـ نهاية الشخص الطبيعي: تنتهي الشخصية القانونية بمفارقة الشخص الحياة. ويترتب على ذلك أن تنتقل أمواله إلى ورثته، إلا أن من المهم معرفة زمن الوفاة، لمعرفة انتهاء الشخصية، كما كان من المهم معرفة وقت الولادة لمعرفة زمن بدء الشخصية، فإذا مات عدد من الأشخاص في وقت واحد كما يحصل في النوائب والنوازل والزلازل، وتعذر معرفة انتهاء شخصية كل منهم على حدة ومعرفة ترتيب الوفاة، فيعدون عندئذٍ أنهم ماتوا جميعاً في وقت واحد، وبموتهم انتهت شخصياتهم القانونية.

بيد أن شخصية الإنسان تمتد امتداداً استثنائياً وبصورة اعتبارية إلى ما بعد الوفاة، إلى حين تسدد ديونه، وتنفذ وصاياه، فتصفى خلالها التركة، ويفترض أن ذمة المتوفى لا تزال موجودة، وان شخصيته لا تزال مستمرة بصورة مؤقتة حتى تصفية التركة.

وسبقت الإشارة إلى أن تعيين تاريخ الولادة من الأمور المهمة، وأن تاريخ الوفاة من الأمور الأهم، لذلك وفي جميع الأحوال يجب التبليغ عن الولادة، كما يجب التبليغ عن الوفاة، وهو ما قضت به مواد قانون الأحوال المدنية في سورية ( لعام 2007) وأوجبت على أهل المتوفى أن يبلغوا عن الوفاة كما أوجبت ذلك على الطبيب والمختار، حتى أن دفن الميت لا يتم إلا باتباع الإجراءات اللازمة وإبلاغها إلى مكتب دفن الموتى في الجهة التي حدثت فيها الوفاة. فالولادة تثبت في سجلات الولادة وشهادات الميلاد، وكذلك الوفاة تثبت في سجلات الوفيات وشهادات الوفاة. وقد نصت على ذلك (المادة 32) مدني سوري حين قالت: "تثبت الولادة والوفاة بسجلات الأحوال المدنية". كما قضت (المادة 33) من القانون المدني السوري بما يلي: "إن سجلات الأحوال المدنية والإجراءات المتعلقة بها تخضع لقانون خاص".

غير أن كثرة حالات الولادة، وجهل العامة بضرورة تسجيل المواليد، واضطراب السجلات منذ العهد العثماني، جعلت غير المسجلين في دوائر الأحوال المدنية من الكثرة بمكان؛ الأمر الذي جعل المشرع يضيف الفقرة الثانية في المادة ذاتها ليقول فيها: "2ـ فإذا لم يوجد هذا الدليل أو تبيّن عدم صحة ما أدرج بالسجلات، جاز الإثبات بأية طريقة أخرى".

وإذا كانت شخصية الإنسان الطبيعي تنتهي بوفاته، فالمقصود بالوفاة هنا، الوفاة الحقيقية، وفي بعض الحالات يفترض الشخص ميّتاً على الرغم من عدم التأكد من موته، وعدم القطع بحياته، وهذا شأن المفقود.

(3)ـ صفات الشخص الطبيعي: وقد خصّ رجال القانون الشخصية بخصائص تؤلف بمجموعها، الحالة المدنية للشخص الطبيعي، وقالوا: "لكل شخص حالتان، حالة عامة، وحالة خاصة".

أما الحالة العامة فهي التي تحدد الحقوق العامة التي يتمتع بها الشخص الطبيعي من حقوق سياسية واشتراك في الحياة العامة إلى غير ذلك.

أما الحالة الخاصة أو المدنية، فهي التي تتناول وضع الإنسان في الأسرة والمجتمع، وقالوا إن التمييز بين هاتين الحالتين يصل إلى حد التهلهل مما يجعله غيرَ مجدٍ ولا ضرورة له.

2ـ الشخص الاعتباري:

أ ـ أهمية الشخص الاعتباري والتعريف به: يتألف الشخص الاعتباري من عدة أشخاص أو مجموعة أموال تؤلف فيما بينها شخصية حقوقية في نظر القانون تتمتع بالشخصية القانونية كما يتمتع بها الإنسان، ولعل الحياة الاجتماعية هي التي تفرض وجود هذه الشخصية والاعتراف بها لتحقيق مصلحة إنسانية، ذلك لأن الإنسان وحده قد يعجز عن الأعمال الضخمة التي لها صفة الدوام والاستمرار، لذلك كان من المحتم قيام تجمعات شخصية أو تجمعات مالية قوية لها صفة الاستمرار، إلا أن هذه التجمعات مهما كانت ميزاتها، لا تكون فاعلة ولا فعّالة إذا لم يعترف لها بكيان مستقل عن حياة الأفراد الذين يؤلفونها، أو ينتفعون بها. بحيث تدخل هذه الشخصية ميادين النشاط القانوني فتصبح دائنة أو مدينة، ولا يكون هذا إلا بعد إعطاء هذه الشخصية استقلالية خاصة بها. وقد فرضت هذه التجمعات نفسها على القوانين الوضعية، وتضمن القانون المدني السوري تنظيماً عاماً للأشخاص الاعتبارية وبيّن أنواعها المختلفة، وتبنى تسمية الشخص الاعتباري لهذه المؤسسات القانونية على الرغم من الاختلافات والاعتراضات التي وجهت إلى هذه التسمية بين رجال القانون الذين كانوا يفضلون استعمال تسمية الشخص المعنوي لا الشخص الاعتباري. لأن هذه التسمية تتصل باعتبار طبيعة هذه الشخصية افتراضية واعتبارية، في حين يرى الفقه الحديث اعتبار هذه الشخصية، شخصية واقعية أو حقيقية أو على الأقل قانونية. لذلك كانوا يفضلون استعمال تعبير: "الشخص المعنوي" (استعمل القانون المدني الأردني في هذا الصدد تعبير الأشخاص الحكمية، واستعمل القانون المدني القطري تعبير الشخص المعنوي، وكذا القانون المدني العراقي، في حين استعمل القانون المدني الجزائري والقانون المدني الكويتي، وكذا اليمني والإماراتي التعبير الذي استعمله القانونان المدنيان السوري والمصري).

ب ـ لمحة تاريخية عن نشأة الشخص الاعتباري في الفقه الإسلامي وفي القانون المدني السوري:

(1)ـ في الفقه الإسلامي: يقول الشيخ مصطفى الزرقا في كتابه الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد (ص300): "إن الفقه الإسلامي قد أقرّ الشخصية الحكمية، أي الاعتبارية، ورتب عليها أحكاماً". ويقول مستطرداً: "وإذا رجعنا إلى النصوص والمصادر الأصلية في الشريعة الإسلامية وجدنا فيها أحكاماً تشعر بأنها بنيت شرعاً على فكرة الشخصية الاعتبارية بنظر إجمالي يستلزمه إيجاب الحكم، ووجدنا أيضاً أحكاماً أخرى تتمثل فيها صورة الشخص الاعتباري سويّاً بكل مقوماته وخصائصه في النظر القانوني الحديث". وقد ساق الشيخ الزرقا أدلة على ما يقوله من الحديث النبوي الشريف، ومن أقوال الفقهاء في هذا الصدد، أمثلة تدل على مبدأ التمييز في الإسلام بين الأفراد وحقوقهم الخاصة، وبين جماعتهم وحقوق أخرى لها، مستقلة عن حقوقهم. وإن لم يكن في ذلك صورة سوية للشخصية الحكمية. الاعتبار الحقوقي الحديث يتصور شخصية ذات ذمة وأهلية، لثبوت حقوق مالية لها وعليها مستقلة عن حقوق الأفراد. ويتجلى هذا المعنى الحقوقي في أكمل صوره في نظرية التشريع الإسلامي في الصور التالية: بيت المال، ونظام الوقف، والدولة التي يمثل فيها رئيسها صاحب السلطان جماعة الأمة.

(2)ـ الشخص الاعتباري قبل القانون المدني لعام 1949: لم تَرِد بين نصوص مجلة الأحكام العدلية، قبل صدور القانون المدني السوري لعام 1949، نصوص تبحث في الأشخاص الاعتبارية لا من قريب ولا من بعيد، بيد أن المشرع العثماني، عندما وجد أن من الضروري إعطاء الصفة القانونية لبعض أنواع الأشخاص المعنوية، كما يسميها بعضهم، أصدر بعض القوانين الخاصة بذلك، عندما رأى أن من المصلحة أن يعترف بوجود هذه الأشخاص ويعمل على تقييدها وتنظيمها والحد من نشاطها في الوقت المناسب، وأبرز هذه التشريعات العثمانية، ذات الصفة العامة والخاصة، التي اعترف بها المشرع بالشخصية الاعتبارية، قانون الجمعيات الصادر في 29/ رجب 1327هـ. الذي اعترف فيه للجمعية بشخصيتها المعنوية، التي تتكون من عدة أشخاص يعملون لغرض غير الربح، لكنه قيد إنشاءها بإبلاغ السلطات المختصة بإنشائها وبأهدافها، وبأنها لا تستهدف سياسة الدولة. كما قيّدها بقيود مالية ورسم لها مسالك الإنفاق على ألا تتجاوز حداً معيناً، لكنه إلى جانب ذلك منحها المثول أمام القضاء وإجراء المراجعات والمطالبات باسم الجمعية، وقد قال أحد المؤلفين: "هذا القانون هو أول قانون يعالج بشكل مباشر ناحية رئيسية في الشخص الاعتباري وفي أهم أنواعه وهي الجمعيات". ثم أصدر المشرع العثماني بتاريخ 22 ربيع الأول 1331 قانوناً آخر بحث فيه تصرف الأشخاص المعنوية بالأموال غير المنقولة، فأجاز للشخص المعنوي، وهو اعتراف صريح به، تملك العقارات ضمن حدود ضيقة ومعينة، كما أصدر بعض القوانين الأخرى التي تتعلق بالشركات الأجنبية والتعليمات المتعلقة بالنقابات…إلخ.

ففي هذه النصوص كلها اعترف المشرع العثماني بالشخصية المعنوية واعترف بكيانها المستقل عن أشخاصها وأفرادها. ولم يكن عهد الانتداب بأفضل حالاً من العهد العثماني، إذ تبنى التشريعات العثمانية وتوسع فيها قليلاً، أو عدّل بعضها، وأصدر بعض القرارات التي تدل على الاعتراف ببعض الأشخاص الاعتبارية. وأصدر القرارات التي كانت تفضح نظرة المستعمر، وتفضح نظرة التخوف والحذر، ومناهضته للمقاومة وللجمعيات والتكتلات السياسية التي كانت تعمل وتدعو إلى الاستقلال والحرية.

وفي ضوء ما تقدم فإن الشخص الاعتباري جديد في القانون المدني السوري الجديد، وهو جديد على التشريعات الأجنبية الأخرى، وقليل منها قام بتنظيم أحكامه، حتى القانون المدني المصري القديم، الذي استقى أحكامه من القانون الفرنسي، لم يتضمن أحكاماً عامة تتعلق بالشخص الاعتباري عدا تلك الإشارة العابرة التي وردت في الدستور، وكذلك فرنسا التي أخذت بعض التشريعات عنها، مرّت في المرحلة ذاتها التي مرّت بها الدول الأخرى في هذا الصدد.

لقد استقرت فكرة الشخص الاعتباري عند جميع المؤلفين ورجال القانون، وأضحى أمره ثابتاً ومعترفاً به، وقد قيل: "إن مفهوم الشخص الاعتباري ووجوده يعتبر بلا خلاف أفضل مفهوم يحقق العدالة ويمكن بطريق تطبيقه، تطبيق قواعد الحقوق وأحكامها على أوضاع وأحوال لا يمكن تطبيقها بغير هذا التصوّر".

(3)ـ الشخص الاعتباري في ظل قانون 1949: ولما تحررت سورية من ربقة الاستعمار الأجنبي كان أول ما اتجهت إليه إيجاد تقنين جديد يحقق مطامحها، وتبنت مشروع القانون المدني المصري وأقرته، وجاء التقنين المدني الجديد متضمناً تنظيماً عاماً يحكم الأشخاص الاعتبارية ويبين أنواعها المختلفة، ويضع تنظيماً خاصاً لأهم الأشخاص الاعتبارية الخاصة كالجمعيات والشركات والمؤسسات، ويطبق عليها القانون رقم 384 لعام 1956 تاريخ 29/11/1956، بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة، وهو القانون المعمول به حتى الآن، فضلاً عن أحكام التنظيمات الخاصة ببعض الأشخاص الاعتبارية الأخرى كالشركات الخاصة وما يماثلها.

ج ـ تعريف الشخص الاعتباري: يسمى الشخص الاعتباري شخصاً لأنه كالشخص الطبيعي في نظر القانون، إذ يمكن أن يكون دائناً أو أن يكون مديناً، أن يكون طرفاً موجباً أو طرفاً سالباً من أطراف الحق، إلا أن هذه الشخصية ليست حقيقية كشخص الإنسان، بل هي اعتبارية أو حكمية أو معنوية، وتسبغ هذه الشخصيات على مجموعات الأشخاص أو مجموعات الأموال كينونة تحقق لها كياناً مستقلاً قائماً بذاته يستطيع القيام بكل الأعمال والتصرفات القانونية باسم أعضائها أو مؤسسيها بالقدر اللازم لتحقيق هذه الأغراض. ومن هنا يمكن القول إن الشخص الاعتباري إنما هو مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال لها حياة مستقلة عن الأفراد المكونين لها خصصت لتحقيق غرض معين أو منفعة معينة يمنحها القانون الشخصية القانونية بقدر ما يلزمها لتحقيق أهدافها. فالنشاط القانوني الذي يمنح لهذه الشخصية يجب أن يحدد بالحدود التي أنشئ من أجلها.

د ـ أركان الشخص الاعتباري: لمّا كان الشخص الاعتباري مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال لها غرض من الأغراض النافعة أو هدف معين للمنفعة العامة، فتؤلف كياناً مستقلاً عن الأشخاص الذين يؤلفونه: لذلك يمكن القول بأن هذا الشخص الاعتباري يقوم على أركان ثلاثة هي:

(1) أن يتألف الشخص الاعتباري من مجموعة أفراد فتؤلف الجمعيات. أو مجموعة من الأموال فتؤلف المؤسسات.

(2) أن يكون لهذا التجمع غرض معين يسعى إلى تحقيقه لا يستطيع الشخص الاعتباري القيام به من دون وجود هذا التكتل.

(3) أن يكون قيام الشخص الاعتباري بالعمل ضمن تنظيم معين سواء كان ذلك بنص في القانون أو كان في اتفاق إنشائه، أو في نظامه.

وتعدّ هذه العناصر كافية لتكوين الشخص الاعتباري

وقد عددت (المادة 54) مدني سوري، الأشخاص الاعتبارية، وهي:

ـ الدولة والمحافظات والبلديات بالشروط التي يحددها القانون والمؤسسات العامة وغيرها من المنشآت التي يمنحها القانون شخصية اعتبارية.

ـ الهيئات والطوائف الدينية التي تعترف لها الدولة بشخصية اعتبارية.

ـ الأوقاف.

ـ الشركات التجارية والمدنية.

ـ الجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقاً لأحكام القانون.

ـ كل مجموعة من الأشخاص أو الأموال تثبت لها الشخصية الاعتبارية بمقتضى نص القانون.

وعلى الرغم من أن المشرع قد عدد الأشخاص الاعتبارية في الفقرات الخمسة من (المادة 54) مدني سوري، (52 مدني مصري)، إلا أنه في الفقرة السادسة وضع ضابطاً عاماً تدخل فيه جميع الأنواع التي نص عليها في الفقرات الخمسة السابقة، الهدف من ذلك، كما تقول المذكرات الإيضاحية للقانون المدني المصري، "إرشاد القضاء إلى هذا الضابط العام ليحول بينه وبين التوسع في الاعتراف بالشخصية الاعتبارية لجماعات قد لا تدخل في فريق وآخر من الفرق التي عني النص بسردها. ومشيراً إلى أن الاعتراف بالشخصية الاعتبارية لصور أخرى من صور الأشخاص المعنوية يقتضي تدخل الشارع إذا اقتضت المصلحة تدخلاً كهذا، ولعل من الواضح أن المشرع في سورية شأنه شأن المشرع في الدول الأخرى، كان يعمل على التضييق في إنشاء الأشخاص الاعتبارية حتى اضطرته الضرورات الحياتية والحكومات إلى الاعتراف بالشخصية الاعتبارية حتى عمد في بعض الأحيان إلى تشجيعها.

 وقد أشار الفقهاء المحدثون إلى أن هناك مبادئ يجب أن تسود الأحكام المتعلقة بوجود الشخصية الاعتبارية، وأرجعوها إلى المبادئ التالية:

ـ يجب أن لا تكون هناك قيود تحد من إنشاء الشخصية الاعتبارية ونشاطها إلا ما كان متعلقاً بكيان الدولة وسيادتها.

ـ تحديد أهلية الشخص الاعتباري وتحديد ملكيته بحيث يمتنع عليها التصرف بأموال وافرة تؤثر في حركة الاقتصاد.

ـ ولكي لا ينحرف الشخص الاعتباري عن المبادئ التي قام من أجلها وأهدافه التي يعمل لها، يجب أن يكون تحت رقابة الدولة، وبهذا تكون الدولة خير ضامن ليحقق الشخص الاعتباري أغراضه، على ألا تستغل دورها في رقابة الشخص الاعتباري لأغراض سياسية أو حزبية فتعرقل مسيرته وتقدمه.

ـ ألا يمارس الشخص الاعتباري صفات وخصائص الشخص الطبيعي وخاصة ما يتعلق بالوجود الاجتماعي والعائلي إلى ما هنالك. وفيما عدا ذلك فإن الأحكام الناظمة للشخص الاعتباري تقترب من الأحكام الناظمة للشخص الطبيعي.

هـ ـ أنواع الشخصية الاعتبارية: عددت المادة (54) مدني سوري الأشخاص الاعتبارية على النحو الذي سبقت الإشارة إليه، ولكن يلحظ في هذه المادة أن الشخص الاعتباري يقسم إلى فئتين، أشخاص اعتبارية عامة، وأشخاص اعتبارية خاصة.

فالأشخاص الاعتبارية العامة هي الدولة والمحافظة والبلديات والمؤسسات العامة، أو غيرها من المنشآت التي يعترف لها المشرع باستقلال ذاتي وميزانية خاصة كالجامعات.

أما الأشخاص الاعتبارية الخاصة، فهي الهيئات والطوائف التي تعترف لها الدولة بالشخصية الاعتبارية، كالأوقاف والشركات المدنية والتجارية والجمعيات والمؤسسات.

و ـ الطبيعة القانونية للشخص الاعتباري: احتدم الخلاف بين رجال الفكر القانوني ورجال فلسفة القانون منذ مطلع القرن الماضي حول الطبيعة القانونية للشخص الاعتباري، وتنازعت الآراء حول هذه الطبيعة، فكان جانب من الفقه يرى أن الشخصية الاعتبارية ليست إلا حيلة صنعها الإنسان وافترضها افتراضاً. في حين يرى فريق آخر أن الشخصية الاعتبارية حقيقة من الحقائق الواقعة، وليس خافياً أن الخلاف بين النظريتين يترك أثراً مهماً من الناحية العملية في كثير من المسائل.

(1)ـ نظرية الافتراض القانوني: يرى أنصار هذه النظرية أن الإنسان هو وحده الذي تثبت له الشخصية في نظر القانون، وإذا كان القانون يعترف في أحوال معينة بالشخصية القانونية لغير الإنسان فيخلعها على مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال، فإنه لم يفعل ذلك إلا ليثبت لهذه المجموعات صلاحية اكتساب الحقوق وتحمّل الالتزامات، ويتوصل إلى ذلك عن طريق الحيلة والافتراض القانوني المحض، وتشبيه هذه المجموعات بالإنسان على الرغم مما في ذلك من مجافاة للحقيقة والواقع، لذلك لا توجد مثل هذه الشخصيات وجوداً حقيقياً كالإنسان، إلاّ أن لها وجوداً صناعياً افتراضياً من خلق القانون. فالإنسان هو الشخص الوحيد الحقيقي في نظر القانون، ولا أحد سواه. وهذا من أهم أسس المذهب الفردي الذي ينظر إلى الفرد باعتباره هو محور القانون، وأن القانون لم يوجد إلاّ من أجله وكفالة حقوقه، فالقانون لا يخلق شخصية الإنسان ولا حقوقه، وإنما يعترف بها ويقوم على حمايتها، فلا مجال لوجود شخص اعتباري إلى جانب الإنسان، وإن وجد فإن طبيعة التعامل هي التي تعطيه شخصيته، ولا يكون سوى مخلوقٍ وهميٍ قام القانون بوضعه.

يُستخلص مما سبق، أن الشخصية الاعتبارية منوط أمرها بإرادة المشرع، فهو الذي ينشئها، وهو الذي يحدد مداها، وهو الذي يحكم بزوالها، فهو وحده الذي يفترضها، وإذا لم يمنح مجموعة الأشخاص أو مجموعة الأموال الشخصية الاعتبارية، فليس بمقدور أحد من هؤلاء الأشخاص منح الشخصية الاعتبارية، زد على ذلك، أن المشرع هو الذي يحدد نشاطات هذه الشخصية وينظم حقوقها وأهليتها. وله أيضاً أن يجردها من الشخصية الاعتبارية وأن يمحوها نهائياً. لأن الشخصية الاعتبارية من صنعه هو، فهو يملك عليها السلطة المطلقة، فيتحكم بأمرها كما يشاء.

بيد أن هذه النظرية لاقت انتقادات كثيرة، أهمها الآتية:

ـ إن الأساس الذي قامت عليه هذه النظرية هو أساس خاطئ غير سليم، ذلك لأن هذه النظرية ترفض اعتبار الشخص الاعتباري شخصاً حقيقياً لعدم توافر الإرادة لديه، فالشخص في نظرهم هو الذي يتمتع بالإرادة. والشخص الاعتباري لا يتمتع بهذه الإرادة، فهو غير حقيقي ولا يمتُّ إلى الحقيقة بصلة، ولكن الإرادة غير ضرورية لاكتساب الشخصية، فالصغير غير المميز والمجنون يتمتعان بالشخصية على الرغم من انعدام إرادتيهما. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا كانت الدولة بديهياً تتمتع بالشخصية الاعتبارية، فمن أين لها هذه الشخصية؟ أيمكن القول إن المشرع هو الذي منحها هذه الشخصية؟ كلا، لا يمكن قول ذلك، لأنها في الواقع وجدت قبل وجود المشرع، وأن المشرع نفسه لا يمكن أن يمارس مهمة التشريع باسمها إن لم تكن موجودة قبله، لذلك لا يمكن القول إن الدولة إنما وجدت لافتراض المشرع لها، وهذا يتناقض مع ما تراه هذه النظرية من أن الشخصية الاعتبارية ليست إلا افتراضاً قانونياً تنشئها إرادة المشرع وتزيلها.

إضافة إلى الانتقادات السابقة لنظرية الافتراض القانوني، هناك انتقاد آخر، فحواه أن منح الدولة سلطات مطلقة في إنشاء وإنهاء الشخص الاعتباري، وتحديد نشاطاته، يضيّق عليه ويحد من انتشاره في ظرف هي أحوج ما تكون إليه، لأهميته في مسيرة حياة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وهكذا وأمام هذه الانتقادات وغيرها مما يطول سرده، بدت هذه النظرية، نظرية الافتراض القانوني، سطحية في تكوينها غير كافية في عناصرها ومقوماتها، كما أنها ليست حقيقية في آثارها ونتائجها. الأمر الذي حمل أصحاب المذهب الاجتماعي على المناداة بنظرية معاكسة، على الرغم من أنهم كانوا جميعاً مؤمنين بضرورة البقاء على فكرة الشخصية الاعتبارية، مع أنها لم تكن لديهم سوى فكرة صناعية، ومع ذلك كانت تحقق فوائد عملية مهمة. هذه الأفكار لم تروق لبعض الفقهاء ولم تجد صدى لديهم، بل على العكس من ذلك، انصب حرصهم على التخلص من الأفكار الافتراضية فذهبوا إلى استبعاد فكرة الشخصية الاعتبارية وإحلال فكرة واقعية بدلاً منها، فخرجوا بنظريات أخرى.

(2)ـ نظرية الوجود الواقعي: يقول أصحاب المذهب الاجتماعي، إن الشخص الاعتباري "شخص حقيقي وحقيقة واقعة راهنة". ذات وجود فعلي كالشخص الطبيعي يفرض نفسه على المشرع، وليس افتراضاً قانونياً قائماً على الوهم والافتراض، بل يعدّ موجوداً من تلقاء ذاته ولا ينتظر من المشرع الاعتراف به وبوجوده، ولا خلاف بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري، فكلاهما حقيقيان لا افتراضيان، سوى أن الشخص الطبيعي له جسم وكيان ملموس، في حين ليس للشخص الاعتباري جسم ملموس، ولا يدخل تحت الحس المادي، "لذلك فالشخص الاعتباري يعتبر من الحقائق المعنوية لا المادية، ولكنه من قبيل الحقائق" لا شك في ذلك.

بيد أن أصحاب نظرية الوجود الواقعي للشخصية الاعتبارية يسوغون مذهبهم بوسيلتين اثنتين، تعدّ كل وسيلة مذهباً قائماً بذاته، وهما: مذهب الإرادة المشتركة، ومذهب المصالح المشتركة.

ـ مذهب الإرادة المشتركة: نادى بها فقهاء ألمان، ولحقهم بعض الفرنسيين، وقالوا إن أصل هذه النظرية هو الفقيه الألماني (إيهرنك) في كتابه، روح الحقوق الرومانية، ويعللون ما نادوا به، بقولهم إن تعريف الشخص عند أنصار المذهب الفردي على أنه الكائن ذو الإرادة لا ينطبق على الإنسان وحده، بل يصدق أيضاً على الشخص الاعتباري الذي يتمتع بإرادة حقيقية كما يتمتع بها الإنسان، فالشخص الاعتباري كيان قائم بذاته وإرادة مستقلة هي إرادة مجموع أعضائه المشتركة، وهذه الإرادة ليست إرادة كل من يشكلونه، أو مجموع آرائهم، بل هي إرادة خاصة بالشخص الاعتباري تختلف عن كل إرادة سواها، فالحياة الاجتماعية توجد إلى جانب الإراداة المنفردة لكل عضو فيها، إرادة مشتركة هي إرادات الجماعات، وكل إرادة تعبر عن رأي مجموع الجماعة باعتبارها إرادة قائمة بذاتها وليست إرادة فرد من الأفراد. وفي ضوء ما تقدم فإن الشخص الاعتباري هو شخص حقيقي وليس افتراضياً؛ لأن له إرادة حقيقية مستقلة خاصة به. ويعبر عن إردة هذه الشخصية ممثلوها من مديرين ومجالس، فالقرار الذي يصدر عن هذه الشخصية لا يعبر عن إرادة ممثليه الشخصية، بل يعبر عن إرادة الشخص الاعتباري بذاته.

وقد ساق مناهضو هذه النظرية انتقادات عديدة، فقالوا، إن أصحاب المذهب الاجتماعي قد غالوا في التقريب بين الشخص الاعتباري والشخص الطبيعي، فلم يقتصروا في تشبيه إرادة الشخص الاعتباري بالشخص الطبيعي، بل جنحوا إلى أكثر من ذلك، فحاولوا التقريب بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري بتأكيد التشبيه بينهما من حيث التركيب وكذلك التكوين. وقالوا: إن الأشخاص والأفراد الذين يمثلونه ويعبرون عن إرادته هم بمنزلة أعضاء الإنسان وأجهزته التي يعمل بها وتؤمن له حياته وتحفظ له وجوده.

ـ مذهب المصالح المشتركة: وهي نظرية ترتكز على ما ذهب إليه بعض رجال القانون الذين قالوا في تعريف الحق بأنه: "مصلحة مشروعة يحميها القانون". وما دام الأمر كذلك فإن المصلحة هي محور الحق الأساسي، وباعتبار أن صاحب الحق هو صاحب المصلحة، وقد يكون صاحب هذه المصلحة شخصاً من الأشخاص، والإنسان يعدّ شخصاً لا لأنه يتمتع بالإرادة الحقيقية، بل لأنه صاحب مصالح مشروعة يحميها القانون، وتستلزم وجود الشخصية لديه، ليكون صالحاً لاكتساب المصالح. بيد أن المصالح في المجتمع لا تقتصر على المصالح الفردية للإنسان، بل هناك مصالح جماعية يحرص الشخص الاعتباري على تحقيقها، قد تخالف مصالح الأفراد الذين يؤلفون هذه الشخصية وقد تناقضها أحياناً. ولتوضيح هذه الفكرة ضرب أحد رجال القانون مثالاً فقال: "المواطن باعتباره فرداً من مصلحته أن يتهرب من دفع ضريبة معينة، غير أن مصلحة الدولة باعتبارها شخصاً اعتبارياً أن تعمل على جباية هذه الضريبة من جميع الناس".

وفي ضوء ما تقدم يلاحظ أن "المصلحة المشتركة، هي مصلحة مستقلة ومتميزة عن مصالح الأفراد". وما دامت هناك مصالح مشتركة، يجب أن تكون لمجموعة الأشخاص أو الأموال التي تعود إليها هذه المصالح، شخصية مستقلة كشخصية الإنسان التي تقتضيها مصالحها الفردية، وهكذا فلا توجد فروق بين الشخصية الاعتبارية والشخصية الطبيعية؛ لأن كلاً منهما تبنى على فكرة المصالح وهي مصلحة حقيقية واقعية في الشخصيتين، غير أن المصلحة في الشخصية الاعتبارية، مصلحة جماعية مشتركة، وفي الثانية مصلحة فردية. كل ما في جوهر هذه النظرية هو الوصول في النهاية إلى الاعتراف بوجود الشخصية الاعتبارية إذا توافرت عناصرها المؤلفة لها من دون التوقف في وجودها على إرادة المشرع. وقد قيل في هذا الصدد: ما دامت شخصية الإنسان تثبت له بصورة طبيعية لأنه إنسان، كذلك يجب أن تثبت الشخصية الاعتبارية لمجرد وجود الأشخاص أو الأموال الذين يحققون عناصرها. وطبقاً لهذه النظرية فإن الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها الشخص الطبيعي إلا ما كان ملازماً للصفة الإنسانية والحقوق التي حرمها عليه المشرع، مع الاعتراف للمشرع بسلطته على فرض القيود التي يراها مناسبة.

وقد وجهت إلى هذه النظرية انتقادات مهمة، وخاصة أنها محوطة بكثير من الغموض، وأن معيار الشخصية الاعتبارية فيها لا يزال يفتقر إلى التدقيق والتحديد، بل إنها نظرية موضوعية تغالي في تشبيه الشخص الاعتباري بالشخص الطبيعي، إضافة إلى أنها تقيد سلطة المشرع عليه.

(3)ـ نظرية الملكية المشتركة: هذه النظرية تقوم على فكرة وسط بين النظريات السابقة، فقد أنكر القائلون بها فكرة الوجود الافتراضي وفكرة الوجود الواقعي للشخص الاعتباري. وقالوا بأن كل ما يلاحظ في الشخص الاعتباري هو مجموعة من الأموال أو الحقوق المالية المخصصة لغرض معين، ولا يوجد وراء هذه الأموال إلا الأشخاص الذين خصص هذا المال لمنفعتهم، بل إن هذا المال هم أصحابه، ويؤلفون فيما بينهم ملكية مشتركة تعتبر نوعاً جديداً من الملكية، فلا هي ملكية فردية، ولا هي ملكية شائعة، بل هي ملكية مشتركة تعود لمجموع أفراد الشخص الاعتباري وتنفرد بوضع خاص يجعل لكل واحد من أفراد الشخص الاعتباري حق الاستفادة من هذا المال، من دون أن يستطيع الانفراد به، ومن دون أن يستطيع التصرف به، ولا يكون التعامل بهذا المال إلا بالاتفاق مع الآخرين. أي إن مجموع الأفراد الذين يؤلفون الشخص الاعتباري مجتمعين، هم الذين يملكون بالتفاهم بينهم، التعامل بهذا المال أو التصرف به. ويقول أصحاب هذه النظرية: "ما دام لا يوجد شخص حقيقي وراء هذه الأموال غير مجموع الأفراد الذين يكوّنون الشخص الاعتباري، فلا حاجة إلى الالتجاء إلى نظرية الفرض القانوني لافتراض وجود شخص تسند إليه تلك الحقوق. بل الأولى أن نسلم بالأمر الواقع وأن نعترف بوجود نوع جديد من الملكية هو الملكية المشتركة، ونرى ذلك في الشركات والمؤسسات والجمعيات التي تكوّن مجموعة من المال خرجت من نظام الملكية الخاصة إلى نظام الملكية المشتركة". إن أصحاب هذه النظرية تساءلوا فيما يشبه الواثق من الإجابة: أليس المستشفى ملكية مشتركة لجميع الفقراء أو المرضى؟ أليس هذا أقرب من القول إن هناك شخصاً حقيقياً لا يختلف عن الشخص الطبيعي في شيء؟ أليس هذا أفضل من التحايل على الواقع بافتراض شخصية لا وجود لها؟.

هذه النظرية على الرغم من محاولتها النظر إلى الموضوع نظرة واقعية، إلا أنها لم تكن موفقة في النتائج التي آلت إليها. لذلك وجهت إليها انتقادات غاية في الأهمية، أولها: أنها لم تر في الشخص الاعتباري إلا المال والناحية المالية، صحيح أن الشخص الاعتباري تؤدي المالية دوراً في وجوده، لكن هذا الدور لا وجود له في كثير من الأحيان، بل كثيراً ما يُكتشف بعد تحليله أنه يتألف من مجموعة من الحقوق والواجبات كالجمعيات الخيرية مثلاً. زد على ذلك، أن الأموال ليست العنصر الأساسي في كيان الشخص الاعتباري، بل هي وسيلة لتحقيق الغايات التي وجد من أجلها الشخص الاعتباري، وأن كثيراً من الأشخاص الاعتبارية لم تؤسس من أجل غرض مالي، كالدولة والنقابات والجمعيات الأدبية والفنية أو العلمية والتي لا يؤدي المال في وجودها أي دور رئيسي.

ثانيها: أن فكرة الملكية المشتركة فكرة غامضة وغير واقعية، إذ لا يمكن حصر الأشخاص المالكين ملكية مشتركة للأموال التي تخصص لهدف ما، فهل كل من يستفيد من هذه الأموال يعدّ مالكاً لها؛ أم يعدّ الأشخاص الذين يستفيدون منها فعلاً ملاكاً لها خلال استفادتهم منها، فإذا كان المرضى الموجودون في المستشفى هم الذين يملكون المستشفى ملكية مشتركة، فهل تستمر ملكيتهم أم تزول حين خروجهم منها؟ وهل يصبح الداخلون إليها هم المالكون الجدد لهذه المستشفى؟ وإذا كان الأفراد هم المالكون لأموال الدولة، فما هو وضع الأجانب الذين يتمتعون بمرافق الدولة، ويستفيدون منها استفادة كاملة. وانتهى المنتقدون إلى القول إن فكرة الملكية المشتركة لا تعطي الحلول المنطقية لكثير من الأمور. لذلك لم تلق رواجاً وتأييداً كما كان متوقعا!.

(4)ـ نظرية الحقيقة القانونية: يقول أصحاب هذه النظرية بأن الرأي الصحيح هو أن الشخصية الاعتبارية حقيقة قانونية، فلا يكون هناك شخص اعتباري إلا إذا كانت هناك هيئة من الهيئات أو مشروع من المشروعات قد استوى نظاماً قانونياً قائماً بذاته فمنحه المشرع لذلك الشخصية القانونية، وهذا يعني أن المشرع هو الذي يمنح الشخصية الاعتبارية بقدر ما هي ضرورية، ومتى اعتُرِفَ بها أضحت حقيقة قانونية لا مجرد فرض أو خيال. وبعبارة أخرى، إن المشرع هو الذي يمنح الشخصية القانونية لمن تتوافر فيه مكونات وجودها، فهو لا يعطي الشخصية لمن يشاء، ولكنه لا يحرم منها أيضاً من استوفى شروطها ونظامها القانوني. ثم إنه لا يستطيع سلب الهيئة التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية صفتها إلا إذا خرجت هذه الهيئة عن أن تكون نظاماً قانونياً مستوفياً شروطه. وإذا استوفى النظام القانوني شروطه ولم يمنحه المشرع الشخصية القانونية، فإنه لن يكون شخصاً من أشخاص القانون. وإذا اتفق فريق من الناس على تكوين جمعية، أو قرر أحد الأفراد إنشاء مؤسسة، فإن الشخصية الاعتبارية لا تكون وليدة اتفاق الأفراد أو الإرادة الفردية للإنسان، بل تنشأ الشخصية القانونية في جميع الأحوال بحكم القانون، لأن الأفراد ليس بإمكانهم أن يستحدثوا في عالم القانون أشخاصاً فيترتب على ذلك من الآثار ما يتجاوز نطاق اتفاقاتهم الفردية. وقد أكد هذه النظرية وقال إنها هي الرأي الصحيح فريق كبير من رجال القانون وعلى رأسهم شفيق شحاته، وعبد المنعم فرج الصدة وغيرهما، وهم يؤكدون أن هذا الرأي هو الذي أخذ به القانون المدني الجديد عندما عدد على سبيل الحصر في المادة (54) مدني سوري، (52) مدني مصري، أنواع الأشخاص الاعتبارية، ولم يقر لغيرها بالشخصية الاعتبارية إلا إذا وجد نص يثبت لها تلك الشخصية.

(5)ـ جوهر حقيقة الشخصية الاعتبارية: يرى فريق من رجال القانون السوريين أن نظرية الحقيقة القانونية أقرب ما تكون إلى نظرية الفرض القانوني، لأن "حصر الشخصية الاعتبارية بالأشكال والأنواع التي نص عليها القانون، معناه تقييد وجود الأشخاص الاعتبارية برأي الشارع الذي يحق له منح الشخصية أو حجبها لا استناداً إلى واقع، وإنما تقديراً منه. وإذا كان التقدير حسب هذه النظرية يقوم على ضرورات اجتماعية ملجئة حملت المشرع أن يؤكد وجود بعض أنواع الأشخاص الاعتبارية التي عددها، معترفاً بالتالي بوجودها، فإن هذه الضرورات الاجتماعية تقف عند هذا الحد، بحيث لو اضطرت الحياة إلى وجود أنواع أخرى غير التي ذكرها القانون، لوجب لها تدخل المشرع من جديد، وعدم الاعتراف بوجودها قبل ذلك". ويؤكد القائلون بالرأي السابق أنه، بعد صدور قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة بقرار رئيس الجمهورية رقم /39/ لعام 1958 معلقاً وجود الأشخاص وانتشارها، على وجوب شهرها من قبل الهيئة الإدارية المختصة بالشروط والقيود المذكورة في هذا القانون وفي اللائحة التنفيذية، مما يجعل المشرع السوري أقرب فعلاً إلى نظرية الفرض القانوني منه إلى نظريات أخرى خلافاً لما أقره القانون المدني الذي جعل نشوء الشخص الاعتباري بمجرد توافر أسبابه غير المعلقة على إرادة السلطة ومشيئتها بما يقرب من النظرية الأخيرة.

ز ـ نشوء الشخص الاعتباري وزواله: تنص المادة (55) من القانون المدني السوري على ما يلي:

"الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً بصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود التي قررها القانون".

وطبقاً للنص السابق فإن الشخص الاعتباري والشخص الطبيعي ساوى بينهما القانون سوى في الحقوق التي تلازم صفة الإنسان الطبيعي، كحقوق الجنس والأسرة، أو القرابة والأصل والدين… إضافة إلى ذلك قيد المشرع الشخص الاعتباري ببعض القيود في الأهلية والتصرف.

كما ذكر القانون في الفقرتين الثانية والثالثة، الخصائص التي يختص بها الشخص الاعتباري، فقال:

"فيكون له: أ ـ ذمة مالية مستقلة. ب ـ أهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه، أو التي يقررها القانون. ج ـ حق التقاضي. د ـ موطن مستقل، ويعتبر موطنه المكان الذي وجد فيه مركز إدارته، والشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في سورية يعتبر مركز إدارتها بالنسبة إلى القانون الداخلي، المكان الذي يوجد فيه الإدارة المحلية.

3ـ ويكون له نائب يعبر عن إرادته".

ومن المعتقد أن هذه الصفات والخصائص التي أوردها المشرع في المادة (55) مدني سوري، للتأكيد على إظهارها، لم ترد على سبيل الحصر وخاصة بعد الإطلاق الذي ورد في الفقرة الأولى من هذه المادة على أن للشخص الاعتباري مقومات يجب أن تتوافر فيه حتى يتم وجود كيانه. وهذه المقومات هي:

ـ يجب أن يوجد أشخاص في مجموعة، أو مجموعة من الأموال، كما في المؤسسات.

ـ يجب أن يكون لهذه المجموعة غرض معين يلتف حوله الأفراد، ويجعلون منه كتلة متماسكة.

ـ يجب أن يكون لهذه المجموعة تنظيم خاص تعين بموجبه الهيئات التي تعبر عن إرادتها.

فإذا توافرت هذه الأركان، واقترنت باعتراف المشرع بها، نشأ الشخص الاعتباري صحيحاً بكيان مستقل قائم بذاته يتيح له الدخول في معترك الحياة القانونية باعتباره طرفاً من أطراف الحق.

(1)ـ نشوء الشخص الاعتباري: يختلف الشخص الاعتباري في نشأته عن نشأة الشخص الطبيعي، وهو أمر بديهي، وتختلف نشأته باختلاف أنواعه، ومع ذلك فلا بد من وجود مبادئ عامة لتحديد نشأة الشخص الاعتباري بوجه عام. واستناداً إلى المقومات السابقة، يمكن القول إن بدء حياة الشخصية الاعتبارية يكون منذ استكمال المقومات أو العناصر الثلاثة الأساسية المكونة لها. وأهم مكونات هذا الشخص هو النظام الخاص الذي أوجده القانون لكل شخص اعتباري، وأن يستوفي هذا النظام جميع المراسم والشروط اللازمة له، ونظام كل شخص اعتباري مختلف عن غيره من الأشخاص، لكنه في جميع الأحوال يجب أن يكون مكتوباً في سند عادي أو سند رسمي. وبصورة عامة فإن نشوء الشخص الاعتباري يتم أولاً، بعمل إرادي، والعمل الإرادي للأشخاص الاعتبارية العامة الذي يوصل إلى إنشائها هو إرادة المشرع، فالمحافظات والبلديات وغيرها لا تكتسب الشخصية إلا بتشريع يظهر المشرع فيه رغبته في منح الشخصية لهذه المؤسسات، أما الدولة فإنها تنشأ بحكم الضرورة. أما في حال الأشخاص الاعتبارية الخاصة، فإرادة الإنسان هي العنصر المهم في إنشائها، لأن هذه الأشخاص الاعتبارية إما أن تكون تكتل أشخاص حول غرض معين لا بد من اتفاقهم، وإما أن تكون مجموعة من الأموال لهدف معين يديرها شخص بمشيئته وإرادته. ويجب أن تسبق في الغالب مرحلة تأسيسية قانونية تمهد لقيام الشخصية الاعتبارية، ثم تأتي مرحلة الشهر والإعلان. ففي حال الأشخاص الاعتبارية العامة يكون شهرها بنشر التشريع القاضي بإنشائها في الجريدة الرسمية. أما الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيكون شهرها بالتسجيل في السجلات الرسمية. وأخيراً تأتي مرحلة موافقة الدولة على إنشائها، وهو تدخل بديهي لإنشاء الشخص الاعتباري.

وهذا يعني أن بدء الشخص الاعتباري يكون بتنظيم سند إنشائه وتوقيعه، وتجدر الإشارة هنا إلى أن وجود الشخص الاعتباري وولادته لا يحتج بهما طبقاً للقانون المدني السوري تجاه الغير، أي الأشخاص الآخرين غير المؤسسين أو الأعضاء الموقعين، فلا يكون له مفعول بحق الغير إلا بعد إتمام معاملات الشهر والإعلان، هذا ما كان عليه قبل صدور القانون رقم /93/ لعام 1958. أما بعد صدور هذا القانون فلا أحد يستطيع أن يحتج بوجود الشخص الاعتباري وبدئه ما لم يكن قد شهر من قبل السلطة الإدارية المختصة.

(2)ـ زوال الشخص الاعتباري: إن زوال الشخص الاعتباري العام، ما عدا الدولة، لا يكون إلا بتشريع مماثل لتشريع تكوينه، يعبر فيه المشرع عن إرادته بسلب الشخصية الاعتبارية قانونية وجودها. أما الدولة فلا يسلبها أحد شخصيتها، لأن لها صفة الديمومة والاستمرار إلا في حالات خاصة، كما في حالات الوحدة أو الاتحاد مع غيرها. أما الأشخاص الاعتبارية الخاصة فتزول بصورة طبيعية عندما تفقد الشخصية مقوماتها الأساسية. أو بصورة اختيارية إذا اتفق أعضاؤها على حلّها. وتزول جبراً بتشريع أو حكم قضائي يقضي بحلّها ضمن الشروط والأحوال التي يحددها القانون. بيد أن من الممكن أن تمتد الشخصية الاعتبارية بعد زوالها، وذلك خلال المدة اللازمة لتصفية علاقاتها مع الغير وفق الأصول القانونية. وهذا يختلف باختلاف أنواع الشخصية الاعتبارية عامة كانت أو خاصة.

ح ـ حقوق الشخص الاعتباري: نصت المادة (55) مدني سوري على ما يلي:

"1. الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود التي أقرها القانون.

2. فيكون له: أ. ذمة مالية مستقلة. ب. أهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه أو التي يقررها القانون. ج. حق التقاضي. د. موطن مستقل، ويعتبر موطنه المكان الذي وجد فيه مركز إدارته، والشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في سورية يعتبر مركز إدارتها بالنسبة إلى القانون الداخلي، المكان الذي توجد فيه الإدارة المحلية.

3ـ ويكون له نائب يعبر عن إرادته".

من النص السابق يلاحظ أن الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها الشخص الطبيعي ما عدا الحقوق الملازمة لصفة الإنسان الطبيعي، كالزواج والطلاق والقرابة والإرث والنسب، وعلى الرغم من ذلك فإن الشخص الاعتباري لا يتمتع بهذه الحقوق إلا ضمن الحدود التي يقررها القانون.

(1)ـ اسم الشخص الاعتباري: إن الحقوق التي وردت في المادة (55) مدني سوري لم ترد على سبيل الحصر، لأن الفقرة الأولى منها أعطت الشخص الاعتباري جميع الحقوق التي يتمتع بها الشخص الطبيعي ما عدا الحقوق الملازمة لشخص الإنسان، فالشخص الاعتباري له أسم خاص به يعترف به، وله موطن وجنسية يتمتع بها0

وما دام الشخص الاعتباري يتمتع بشخصية مستقلة، فيجب أن يكون له اسم خاص يساعد على تمييزه. ويكون هذا الاسم واسطة الاتصال وإجراء التصرفات والمعاملات القانونية. غير أن اسم الشخص الاعتباري يختلف عن اسم الشخص الطبيعي من حيث وجود لقب واسم عائلي، فاسم الشخص الاعتباري تحدده المؤسسة، على نحو يشير إلى الغرض الذي أنشىء من أجله. ويتمتع اسم الشخص الاعتباري بالحماية كما يتمتع بها الشخص الطبيعي، كما يمكن تغيير الاسم على أن يتم وفقاً للأصول القانونية.

(2)ـ جنسية الشخص الاعتباري: ويتمتع الشخص الاعتباري بالجنسية كما يتمتع بها الشخص الطبيعي، بين رافض لهذا الرأي وبين قابل به. ومهما يكن من أمر الخلاف، فلا شيء يمنع من أن يكتسب الشخص الاعتباري الجنسية، جنسية تختلف عن جنسية الشخص الطبيعي، إلا أنها ذات فائدة له، فبها يعرف ما إذا كان الشخص الاعتباري قد استوفى شروط تكوينه القانونية أم لا، والجنسية التي يكتسبها الشخص الاعتباري هي جنسية الدولة التي تأسس فيها وفقاً لقوانينها، فالشركة التي تنشأ في دولة ما وفق قوانينها تكتسب جنسية هذه الدولة ولو مارست نشاطها خارجها، أو اتخذت مركز إدارتها خارج تلك الدولة.

(3)ـ الذمة المالية للشخص الاعتباري: الذمة المالية للشخص الاعتباري كالذمة المالية للشخص الطبيعي، ففيها مجموع ماله من حقوق وما يلتزم به من التزامات حاضرة ومستقبلة يمكن تقويمها بالمال. وهي تعود إلى الشخص الاعتباري لا إلى أعضائه، لذلك لا يستطيع دائنو أعضاء الشخص الاعتباري أن يستوفوا ديونهم منه، لأن ما دفعه هؤلاء الأعضاء أضحى ملكاً للشخص الاعتباري، فلا علاقة للأعضاء بالمال الذي دفعوه، ولا يكون لدائنيهم سلطة على المال المدفوع. فالأموال التي يدفعها الشركاء في الشركة، تصبح ملكاً لهذه الشركة وجزءاً من ذمتها المالية، ما دامت الشركة قائمة، أما بعد حل الشركة، فإن الشريك يقتسم أموال الشركة وموجوداتها بنسبة حصته في رأس المال. وللشريك أن يحصل على جزء من الأرباح يتناسب مع مقدار ما أسهم في رأس المال. ويعدّ ملكاً له ويدخل في ذمته، وهو وحده الذي يستطيع الدائنون استيفاءه لسداد ديونهم، وهو ما نصت عليه المادة (493) مدني سوري، إذ قالت: "إذا كان لأحد الشركاء دائنون شخصيون، فليس لهم أثناء قيام الشركة أن يتقاضوا حقوقهم مما يخص ذلك الشريك في رأس المال، وإنما لهم أن يتقاضوها مما يخصه من ارباح، أما بعد تصفية الشركة فيكون لهم أن يتقاضوا حقوقهم من نصيب مدينهم في أموال الشركة بعد استنزال ديونها. ومع ذلك يجوز لهم قبل التصفية توقيع الحجز التحفظي على نصيب هذا المدين".

أما التزامات الشخص الاعتباري فيتحملها وحده من دون مشاركة أحد، ما عدا شركات التضامن، إذ يعد الشركاء مسؤولين بأموالهم الخاصة عن ديون الشركة.

والجدير بالذكر أن الآثار التي تترتب على الشخص الاعتباري هي عينها التي تترتب على الشخص الطبيعي، وأن ذمة الشخص الاعتباري ملازمة له ما دام قائماً0

(4)ـ موطن الشخص الاعتباري: للشخص الاعتباري موطن كما للشخص الطبيعي، موطن مستقل عن موطن الأشخاص الذين أسسوه، وتترتب على ذلك جميع النتائج التي تترتب على الموطن عند الشخص الطبيعي، فقد جاء في الفقرة (د) من المادة (55) مدني سوري ما يلي:

"ويعتبر موطنه المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته. وللشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج، ولها نشاط في سورية يعتبر مركز إدارتها بالنسبة إلى القانون الداخلي، المكان الذي توجد فيه الإدارة المحلية".

على أنه إذا كان للشخص الاعتباري فروع متعددة، فالمكان الذي يوجد فيه هذا الفرع يمكن أن يعدّ موطناً خاصاً للأعمال المتصلة به، وعليه فإن الدعوى ترفع في هذه الحالة إلى المحكمة التي يقع في دائرتها فرع الشركة أو المؤسسة، في المسائل التي تتصل بأعمال هذا الفرع. ويمكن أن يكون للشخص الاعتباري موطن مختار، وتكون لهذا الموطن المختار الأحكام ذاتها والآثار التي تتعلق بالموطن المختار للشخص الطبيعي.

(5)ـ أهلية الشخص الاعتباري: يستطيع الشخص الاعتباري بما له من أهلية وجوب وأهلية أداء أن يقوم بجميع التصرفات القانونية، وهو صالح لاكتساب الحقوق أيضاً، غير أن أهلية الشخص الاعتباري تختلف عن أهلية الشخص الطبيعي، بل تنقص عنها في المدى والاتساع. فأهلية الشخص الطبيعي تكاد تكون مطلقة غير محددة، فهي تكسب الإنسان جميع الحقوق وتتيح له ممارسة مختلف أنواع التصرفات. أما أهلية الشخص الاعتباري فلا تثبت له إلا ضمن الحدود التي رسمها سند إنشائه، أو التي قررها له القانون، إضافة إلى القيود التي تفرضها طبيعة الشخص الاعتباري.

(6)ـ نائب الشخص الاعتباري: ليس للشخص الاعتباري وجود مادي يجعله قادراً على مباشرة التصرفات والأعمال القانونية بنفسه. لذلك يجب أن يكون له من يمثله من الأشخاص الطبيعيين، وتعيين نائب الشخص الاعتباري يختلف باختلاف أنواع الشخصية، على أن هذا التمثيل يتم غالباً عن طريق نوعين من الهيئات وهما: الهيئة العامة التي تتخذ عادة القرارات، ومجلس إدارة يتولى تسيير أمور الشخص الاعتباري، ويكون للشخص الاعتباري عادة مدير أو رئيس مجلس إدارة يقوم بإجراء التصرفات والأعمال باسمه ولحسابه.

وقد اختلف رجال القانون في الطبيعة القانونية لمن ينوب عن الشخص الاعتباري، فذهب بعضهم إلى أنه النائب الشرعي لعديم الأهلية وناقصها من الأشخاص الطبيعيين، في حين يرى بعضهم الآخر أن النائب ليس إلا عضواً من أعضاء الشخص الاعتباري يقوم على إظهار إرادة الشخص الاعتباري والتعبير عنها. وقد أخذ القانون المدني السوري بالرأي الثاني في الفقرة الثالثة من المادة 55 وهو يقضي بأن للشخص الاعتباري نائب يعبر عن إرادته مباشرة، وتكون الأفعال الضارة التي يرتكبها ممثل الشخص الاعتباري، أعمالاً ضارة يرتكبها الشخص الاعتباري، ويكون مسؤولاً عنها.

(7)ـ حق التقاضي والمثول أمام القضاء: يعدّ حق التقاضي والمثول أمام المحاكم للشخص الاعتباري من الحقوق المهمة، بل كما يقال من أبرز حقوقه، فله أن يمثل أمام القضاء باعتباره مدعياً أو مدعىً عليه باسمه الشخصي بصورة مستقلة عن أعضائه، ولكي يستطيع الشخص الاعتباري رفع الدعوى أمام القضاء، لا بد أن تكون له مصلحة شخصية مباشرة فيها. إذ لا دعوى بلا مصلحة، وإثبات المصلحة أمر سهل وخاصة إذا كان يتعلق بذمته المالية، ولكن المسألة تدق عندما يتعلق الأمر بموضوع لا يتعلق بالذمة المالية بل يتعلق بأفكار يتوق إلى تحقيقها، أو مصالح مهنية يدافع عنها ومقاضاة من يسيء إلى سمعة المهنة.

ولعل الاتجاه السائد هو السماح للنقابات المهنية بإقامة الدعاوى على من يوقع ضرراً بالمهنة أو أهدافها، والمطالبة بالتعويض عن تلك الأضرار. ويمثل الشخص الاعتباري ممثله أو نائبه عند رفع الدعوى باسمه ويمثله هذا النائب في المثول أمام القضاء، ويقوم بجميع الإجراءات اللازمة، كما يجوز له الإقرار عنه أو حلف اليمين ضمن شروط معينة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ توفيق حسن فرج، الأصول العامة للقانون (الدار المصرية للطباعة والنشر، بيروت 1973).

ـ حسن كيره، المدخل إلى القانون، القسم الثاني، النظرية العامة للحق (مكتبة مكاوي، بيروت 1977).

ـ شفيق شحاته، النظرية العامة للحق (القاهرة 1949).

ـ شفيق طعمة، التقنين المدني السوري، ج1 (الفكر القضائي للنشر، دار الأنوار، الطبعة الأولى 1983).

ـ عدنان القوتلي، الوجيز في الحقوق المدنية الجزء الأول، القسم الثاني(مطبعة جامعة دمشق، ط/6، 1961).

ـ علي حيدر، درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (دار الجيل، بيروت 1991).

ـ محمود جلال حمزة، التبسيط في شرح القانون المدني الأردني، الحقوق العينية، ج5 (مركز الزعبي للنسخ السريع، 2008).

ـ مصطفى الزرقا، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي، ج3 (مطبعة الحياة، دمشق 1964).

ـ هشام القاسم، المدخل إلى علم القانون (المطبعة الجديدة، دمشق 1976).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 243
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 495
الكل : 29635991
اليوم : 16001